|
ضحايا الهجرة السرية بالمغرب
عائشة التاج
الحوار المتمدن-العدد: 1803 - 2007 / 1 / 22 - 12:02
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
قد لا تخلو أية حرب كيفما كانت من قتلى وجرحى وأسرى ….يقدمهم الشعب قربانا للوطن، لقضية كبرى تستحق فعلا التضحية بالغالي والنفيس .فما أهمية الدم أمام قدسية الوطن أو قضية ذات طابع مثالي نبيل… ؟. الموت قدر لابد منه، ونهاية حتمية لكل الكائنات الحية ، و قد يكون محظوظا من ولج بوابة التاريخ بحياة آيلة للزوال لا محالة مقابل شيء ذي قيمة وخلود أبدي ،عوض أن تنطفئ شمعته في ظلام حياة يطبعها الذل و المهانة والانبطاح . لقد خلفت الانتفاضة الفلسطينية ولا زالت ..آلاف الجرحى و القتلى والشهداء ..من ضمنهم رموز اختاروا الانصهار بذويهم في قلب المعارك وشرايين المظاهرات من أجل تحرير الوطن واستعادة أراضيه المغتصبة بأيادي العدو الصهيوني الغاشم …ومرحى لهؤلاء جميعا الدين برهنوا عن شجاعة نادرة يحركها عشق الوطن وعمق الارتباط به. "استشهاديو أو شهداء " الانتفاضة و أطفالها علموا البشرية الحالية ،الغارقة في صمتها المريب ، كيف تراهن بالموت من أجل الحياة . كي يستفيد ما تبقى من نعمة الانعتاق ...وتلكم أسمى درجات الإيثار العربي الكامن فينا برغم كل الاستلابات والتصدعات . لكن ماذا لو كان استرخاص المال و الدم والحياة والحرية والكرامة وحتى الشرف. ..ليس من أجل الوصال مع الوطن ،لكن من أجل مغادرته والتخلص من حصاراته؟ قد تبدو المسألة من باب المفارقة والسريالية .خارج منطق دروس التربية الوطنية التي تحرص وزارات التعليم والإعلام والثقافة والسيادة على تثبيتها في دماغنا ووجداننا مند نعومة أظافرنا بهوس كبير . سريالية أي نعم ،على أصحاب القرار أن يفكوا ألغازها : انتفاضتنا السلبية عبر قوارب الموت:
ينعي لنا واقع المغرب المستقل منذ أزيد من 50 سنة على امتداد عشرية التسعينات ،كل يوم ،عددا لا يستهان به من القتلى الغارقين والمفقودين والأسرى والرهائن لدى مافيات الفساد الدولية ، أغلبهم شباب في سن العطاء ….وأطفال يافعون،قاصرون في سن الرعاية… نساء ورجالا ،…بدون استثناء الشيوخ أحيانا ،بل حتى الرضع في بعض الحالات. يقطعون في تلاحم للأجيال والنوع والحالة العائلية ، قلما ينم تحقيقه بهذا المستوى ،سباق المسافات عبر تراب وطني شاسع الامتداد لم يجدوا فيه مكانا يضمن أمانهم ..كي يستتروا كاللاجئين في مخابيء ساحلية ريثما يتم ترتيب رحلاتهم المغامرة نحو الموت أو المنفى الاجتماعي في أحسن الأحوال ،بأقسى صوره وتمظهراته . تقتنصهم قواتنا وقوات جيراننا مثل الطرائد… تأسرهم قوات الحدود … .وتقايض بهم مقابل سمك ابتلع لحمهم ودمهم ممزوجا بملح البحار ونباتاتها المختلفة أو مآرب أخرى فوق تراب لم يتسع لهم.. …تستثمرهم في أحسن الأحوال مادة لبرامج إعلامية بالغة الإثارة والتأثير ، تلتقطهم مافيات التهريب والمخدرات والفساد بكل أنواعه ... تستنزف طاقتهم باطرونا الشغل الأسود مقابل أثمان لا تسمن أو تغني من جوع ,وتضمد جراح المحظوظين منهم جمعيات إنسانية لم ينس رائدوها امتزاج الدم والعرق بالأمس القريب مذكرين تنظيماتنا المتهافتة على الريع والمناصب بواجب التدخل والإغاثة الذي لا زال موقوف التنفيذ برغم كل الترسانة الشعاراتية التي نحفظها جميعا عن ظهر قلب ،بكل ألواننا المتناسلة من كيمياء العمل السياسي والمدني حد فقإ العيون ،و اللهم لا حسد في إبدعنا هدا وقدرتنا على التماهي والتشظي إلى ما لانهاية داخل سيرورة الانشقاق والتفتيت .
استشهاديون بتوقيع مغربي :
…لقد وصل عدد شهداء انتفاضتنا المغربية الصامتة لعشرات المئات..وربما الآلاف .. رقمهم الحقيقي يدخل ضمن أسرار الدولة العديدة ،استرخصوا ثروات متواضعة قد تشكل كل ثروتهم أو ثروة أهلهم في الحياة،أدوا بها ثمن لحريك- الهروب مدعمين بذلك انتفاخ بطون الناهبين، ما بين الضفتين ،لتلفظهم قوارب الموت في أجواف سمك القرش وزملائه وحوش البحار والمحيطات… أو في متاهات البحث عن الشروط الدنيا لحياة كان ثمنها هو الموت أو الكرامة دفعة واحدة أو بالتقسيط . ينتشرون في هوامش البلدان المستقبلة إن توفقوا في الانفلات من الموت ، يناورون من أجل العيش بكل الأساليب الممكنة . ناشرين غسيل دولتنا ومجتمعنا على مرأى الناظيرين والفاعلين ..و ضمنها كرامة شعب بأكمله لم يتوفق في حمايتها بالشكل المطلوب .
أطفالنا المصدرون بالجملة في غفلة من كل المؤتمرات والقوانين والأعراف والقيم وبرلمان الطفل حتى ،كآخر إنجاز لصالح البراعم المحظوظة ... ، ينتشرون في فضاءات المدن المستقبلة مؤثتين شيخوختها بعبث طفولي قادهم إلى النفي المبكر أمام عبث الساسة ، ومذكرين إيانا بأسمى آيات العار والإهانة . إذ لا كرامة لأمة عاجزة عن حماية صبيانها ونسائها وعجزتها و رصيدها البشري عامة من الإذلال والامتهان.
شهداء خارج سرب المطلوب رفاتهم :
هؤلاء شهداؤنا واستشهاديونا لمن يشك في قدرتنا على استشهاد نتابعه عبر بعض الفضائيات الأجنبية بانبهار كبير ، كيف لا ونحن شعب طارق بن زياد و عبد الكريم الخطابي والأسود الأطلسية وما إلى ذلك من رموز الشجاعة والإقدام . بالأمس القريب علم أجدادنا كل الوافدين إلى جبالنا وبحارنا و سهولنا فن التقهقر من حيث أتوا يجرون أذيال الخيبة والهزيمة . و حموا المغرب من الاستعمار التركي المعمم على شريط الدول العربية بأكمله . ودرست فنون المقاومة الشعبية الخطابية حتى في الصين الشعبية .فماو تسي تونج يعرف بسالتنا المغربية أكثر من أي كان ويوصي بدروسها من أتاه طالبا النصح والتوجيه. شرط البسالة موجود وحاضر على الدوام ،إذ لا مواجهة لأمواج البحار والمحيطات و ألغاز مافيات التهريب البشري بدون توفر حد معين من الشجاعة . إلا أن الأولى كانت تعبر عن الالتفاف حول وطن مواطن علم أفراده فنون التماسك والتشبت به إلى آخر رمق ، حيث قال طارق بن زياد : البحر من ورائكم والعدو أمامكم وليس لكم والله إلا الصبر . و الثانية تعبر عن مكر التاريخ وانقلاب مقولة طارق بن زياد على حفدته ، وتحول المكان نفسه إلى مقبرة للهاربين من "وطن لا مواطن" ، أفسح المجال لمحترفي نهب الخيرات الوطنية بجشع منقطع النظير فأفسحت بدورها المجال لجيوش المهمشين والمحبطين كي يخلوا السبيل حتى تستفرد بالمزيد من النهب لوطن لم تترك فيه من مواصفات وطن إلا أشلاء ممزقة . بدون شهادة استشهاد أما الفرق بيننا و بين شعب الانتفاضة ، فكوننا ، لا نؤبن الشهداء منهم و لا نستقبل جثتهم و لا نعرف مقابرهم و لا نطالب بأشلائهم أو بعظامهم ضمن لائحة المطلوبين من ضحايا الاضطهاد وحقوق الإنسان . و لا حتى بملفاتهم إن كانت لهم ملفات أو أرقام حتى .لا يهمنا كل هذا لأننا بدورنا مهاجرون إلى حيث لا نعلم ،المهم أن نهاجر بطريقتنا ،أيا كانت وألا نحضر في حاضر لا يستحضر أيا منا . لا تهتم السياسة بعائلاتهم المكلومة في أموالها اليسيرة و فلذات أكبادها ..لسبب بسيط وهو كونهم ليسوا رموزا و لا أسماء معروفة داخل قبائل التنظيمات وعشائرها و تراتبياتها ، وربما من أجل ذلك أيضا هاجروا كما تهاجر أغلبيتنا في غياهب الصمت والعزوف والتقوقع واللامبالاة وابتداع الخلاصات الفردية. ومع ذلك فهم يصرون على العودة إلينا ، بنجاحاتهم و إحباطاتهم ، بأشلائهم المحمولة ككل المرجوعات الرمزية ، عبر الأغاني الشعبية والمسرحيات والأشرطة وصفحات الصحف وقصاصات الجرائد . في ثنايا الإنترنيت عبر تحقيقات الصحف الأجنبية والفضائيات .. و خصوصا عبر حكايا الشعب المكلومة بنزيف لم نتوفق في إيقافه والسائلة بمداد المرارة أو الوهم في كل التجمعات البشرية من مقاهي و جنائز و طاكسيات وحافلات و أعراس حتى. أينما حضر المغاربة تحضر معهم الهجرة و أحلامها وقوارب الموت وشهداؤها . يحضرون معنا ، مشوشين على حلمنا الجماعي في الهجرة والتهجير المتعدد الأشكال . والمتناسل في أبعد نقطة من ترابنا الجغرافي عبر مختلف فئات السن بما فيهم أطفال غير مستأنسين مع الطرق والسيارات ،يعرفون مع ذلك وجود شيء اسمه لحريك (الهجرة السربة)يرسم ملامح مستقبل من لا مستقبل له. أو يقصي هذه الملامح في غياهب الاندثار إلى غير رجعة. كلنا مهاجرون محتملون ولو مع إيقاف التنفيذ لمرحلة معينة ، تتعدد المسارات والمستويات حسب الفئات ، نخبة كانت أو من عامة الشعب ،متوسطة الحال أو من أفقر الفقراء. أبطال رياضيون أم مثقفون أو فاعلون جمعويون ..لم نلتف يوما حول حلم جماعي بمثل هدا الهوس الجماعي .. حيث يشكل هدا الحلم الوهم الأكثر قدرة على التعبئة الجماهيرية بدون منازع ،وبموازاته تشكل قوارب الموت اللوحة الأكثر قتامة داخل خيباتنا المتتالية . هؤلاء شهداؤنا ،… شهداء لامبالاتنا وصمتنا المتواطيء .. نزيف رحم وطن ..ننتظر منه أن يثبت مواطنته تجاه هؤلاء جميعا… قبل أن يصاب بالعقم النهائي. يتجاوز عددهم بالمئات عدد شهداء انتفاضة القدس المباركة وربما أية حرب أخرى… وآخرون لا زالوا ما بين ظهرانينا يتربصون فرصة للحياة أو اللاحياة …ذلك أن للسلم أيضا شهداؤه المميزون .......... . . عائشة التاج . باحثة اجتماعية
* تقدر أرباح مهربي البشر بثلث ما يكسبه تجار المخدرات. وبحسب تقرير لوزارة الدولة الأمريكية سنة 2004 حول تهريب البشر، يتم تهريب حوالي 600 ألف و800 ألف رجل وامرأة وطفل سنويا عبر الحدود الدولية. وبحسب مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي، تذر أنشطة التهريب عائدات سنوية تصل إلى 9.5 مليار دولار المصدر موقع. ...... .www.maghrebia.com
#عائشة_التاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أالمرأة الحديدية ،أي وصف لأية امراة ؟
-
الحداثة المؤسساتية ما بين الجوهر والصورة .
-
أكبر الخسارات : خسارة النفس
-
تضامنا مع جريدة نيشان .الحكومة المغربية تسقط في شرك -الغوغائ
...
-
تخمة العنف اللامتناهي : عنف السياسة وسياسة العنف
-
تخمة الرعب اللامتناهي عبرعنف السياسة وسياسة العنف.
المزيد.....
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|