أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - للاإيمان الشباني - رجال بصموا التاريخ (المهدي المنجرة)














المزيد.....

رجال بصموا التاريخ (المهدي المنجرة)


للاإيمان الشباني

الحوار المتمدن-العدد: 8318 - 2025 / 4 / 20 - 13:09
المحور: المجتمع المدني
    


المهدي المنجرة: رائد الدراسات المستقبلية ومناضل الكرامة الإنسانية

يعد المهدي المنجرة واحدًا من أهم المفكرين العرب في العصر الحديث، حيث كرّس حياته لفهم التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، وسعى من خلال كتاباته وأبحاثه إلى استشراف المستقبل، محذرًا من مخاطر العولمة الجشعة والهيمنة الثقافية والاقتصادية للدول الكبرى على شعوب الجنوب. كان المنجرة عالِم اجتماع واقتصاد، لكنه لم يكن مجرد أكاديمي يعيش في أبراج عاجية، بل كان مفكرًا ملتزمًا بقضايا أمته، ومدافعًا شرسًا عن استقلال الدول النامية، ليس فقط على المستوى السياسي، بل على المستوى الثقافي والمعرفي أيضًا.

وُلد المهدي المنجرة في 13 مارس 1933 بمدينة الرباط، في أسرة مغربية ذات أصول عريقة. نشأ في بيئة تُقدّر العلم والمعرفة، وهو ما ساهم في تشكيل شخصيته الفكرية منذ الصغر. بعد إنهاء تعليمه الأساسي، واصل دراسته الجامعية في الخارج، حيث التحق بجامعة كورنيل الأمريكية لدراسة الاقتصاد وعلم الاجتماع، ثم واصل دراسته العليا في بريطانيا، حيث حصل على الدكتوراه من جامعة لندن. خلال سنوات دراسته، احتكّ بأهم المفكرين والعلماء في مجاله، مما ساعده على بلورة رؤيته النقدية للعالم، وجعل منه واحدًا من أبرز العقول العربية في مجال الدراسات المستقبلية.

منذ شبابه، انخرط المنجرة في العمل الأكاديمي والدبلوماسي، حيث عمل مستشارًا في الأمم المتحدة خلال الفترة 1958-1959، كما شغل مناصب قيادية في منظمة اليونسكو بين عامي 1961 و1979. خلال هذه الفترة، أصبح أحد أبرز المتخصصين في قضايا التنمية الدولية والعلاقات بين الشمال والجنوب. لم يكن يكتفي بتشخيص المشكلات، بل كان دائمًا يبحث عن حلول عملية، وكان يؤمن بأن السبيل الوحيد لتحرر دول الجنوب من الهيمنة الغربية يكمن في دعم البحث العلمي، ومحاربة الأمية، وتعزيز استخدام اللغة الأم بدلًا من الارتهان للغات المستعمر السابق.

تميز فكر المهدي المنجرة بنقده الحاد للعولمة التي وصفها بأنها "عولمة جشعة" تهدف إلى فرض الهيمنة الغربية على بقية الشعوب، ليس فقط من خلال الاقتصاد، بل أيضًا عبر وسائل الإعلام والثقافة والتعليم. كان يرى أن الدول الكبرى لا تكتفي باستغلال ثروات الشعوب النامية، بل تسعى أيضًا إلى السيطرة على عقولها، وجعلها تعتقد بأنها غير قادرة على التقدم إلا من خلال تبعية كاملة للغرب. ولهذا، كان يدعو باستمرار إلى الاستقلال الثقافي والفكري، وإلى تعزيز البحث العلمي باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق التنمية الحقيقية.

أحد أهم إسهاماته الفكرية كان في مجال الدراسات المستقبلية، حيث كان من أوائل الباحثين العرب الذين أدركوا أهمية هذا المجال في فهم التحولات الكبرى في العالم. اعتبر أن التخطيط للمستقبل يجب أن يكون أولوية بالنسبة للدول النامية، لأن من لا يخطط لمستقبله سيظل دائمًا تابعًا لمن يرسمون له مستقبله. ومن هذا المنطلق، أسهم في تأسيس أول أكاديمية لعلم المستقبليات، وترأس الاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية بين عامي 1977 و1981، حيث كان يُنظر إليه باعتباره أحد أبرز المراجع في هذا المجال على المستوى الدولي.

ألّف المنجرة العديد من الكتب التي أصبحت مرجعًا في الفكر العربي الحديث، من بينها "الحرب الحضارية الأولى" الذي نشر عام 1991، وفيه حلّل المواجهة الحضارية بين الغرب وبقية العالم، واعتبر أن الهيمنة الغربية ليست مجرد تفوق اقتصادي أو عسكري، بل هي مشروع متكامل يسعى إلى فرض نمط معين من التفكير والسلوك. في كتابه "الإهانة في عهد الميغا إمبريالية"، تناول كيف تتعامل الدول الكبرى مع شعوب الجنوب بازدراء، واعتبر أن سياسات الدول العظمى قائمة على إذلال الأمم الفقيرة وإفقادها الثقة في ذاتها. أما في كتابه "قيمة القيم"، فقد ركّز على أهمية الحفاظ على القيم الثقافية الأصيلة في مواجهة التغريب والاستهلاك المفرط الذي تروّج له العولمة.

لم يكن المنجرة مجرد مفكر يكتب الكتب وينشر الأبحاث، بل كان صاحب موقف، وهذا ما جعله شخصية غير مرغوب فيها لدى بعض الأنظمة العربية التي رأت في أفكاره تهديدًا لسياساتها. كان صوته دائمًا عاليًا في الدفاع عن القضايا العادلة، وكان من أشد المنتقدين للأنظمة الاستبدادية التي تكرّس الجهل والتخلف. رفض الدعوات إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، واعتبر أن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية، بل هي رمز للصراع بين قيم العدالة والهيمنة. كما انتقد بشدة المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، واعتبرها أدوات لإخضاع الدول النامية وإبقائها في دائرة التبعية الاقتصادية.

رغم الضغوط التي تعرّض لها، لم يتراجع عن مواقفه، وظل قريبًا من الناس، حيث كان يُلقي محاضرات في مختلف المدن المغربية، ويلتقي بالشباب، ويشجّعهم على التفكير النقدي وعدم قبول الأمور كما هي. كان يؤمن بأن التغيير يبدأ من الوعي، وأنه لا يمكن لأي أمة أن تتحرر ما لم تؤمن بقدراتها الذاتية.
تكريمًا لمكانته الفكرية والعلمية، حصل على العديد من الجوائز الدولية، من بينها وسام الشمس المشرقة من إمبراطور اليابان، وجائزة السلام من معهد ألبرت آينشتاين الدولي، ووسام الاستقلال من الأردن، وغيرها من الجوائز التي تعكس تقدير المجتمع العلمي الدولي لإسهاماته. ومع ذلك، ظل يرى أن أعظم تكريم يمكن أن يناله أي مفكر هو أن يكون لأفكاره تأثير حقيقي في مجتمعه.
توفي المهدي المنجرة في 13 يونيو 2014، لكنه ترك إرثًا فكريًا غنيًا لا يزال حاضرًا بقوة في النقاشات الفكرية حول التنمية، والاستقلال الثقافي، والعدالة الدولية. لم يكن مجرد أكاديمي يدرس الظواهر الاجتماعية والاقتصادية، بل كان رجل فكر وموقف، يؤمن بأن الشعوب التي لا تمتلك رؤيتها الخاصة لمستقبلها ستظل دائمًا تحت رحمة من يرسمون لها مستقبلها. ترك وراءه فكرًا لا يزال يُلهم الأجيال الجديدة، ودعوة دائمة إلى التحرر من قيود التبعية والهيمنة، وإلى الإيمان بأن التغيير يبدأ من العقول قبل أن يصبح واقعًا على الأرض.



#للاإيمان_الشباني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلاقة في العالم الأزرق بين الواقع والخيال
- موضة العنف
- أخلاقيات العلاقة السليمة
- نساء فوق العادة (حسناء الشناوي)
- علامة استفهام وما تزيل من إبهام
- النحت الذاتي
- كيف لا نصبح نسخة متكررة
- السريالية
- قيمة الأخوة
- نساء فوق العادة (فاطمة أحمد)
- من كتابي رجال ونساء (المصطفى الزموري)
- المصطفى الزموري
- القائد الزمبي
- الغضب
- الحب المستحيل
- الدين بين الأقارب والأصهار
- عدم التكافؤ
- ما المقصود بحسبي الله ونعم الوكيل
- وصية
- الصحة حرية


المزيد.....




- اعتقال سبعة أشخاص بعد ظهور ملصقات مؤيدة لفلسطين في الهند
- المجتمع المدني يندد بالتعذيب داخل مراكز الشرطة في الكاميرون ...
- هيئة شؤون الأسرى والمحررين: وفاة الأسير الجريح ناصر خليل ردا ...
- مقال بيديعوت أحرونوت: إسرائيل في مأزق لا يمكنها الانتصار أو ...
- وزارة الأمن الداخلي الأميركية: لن نسمح للقضاة بعرقلة ترحيل ا ...
- الأمم المتحدة: مليونا منزل مُدمّر كلياً أو جزئياً في سوريا
- الجيش الإسرائيلي ينشر تفاصيل التحقيق في مقتل مسعفين وموظفي إ ...
- اعتقال ممثلة تركية شهيرة بتهمة قتل صديقتها بطريقة بشعة
- -الغارديان- عن عاملين في المجال الإنساني في قطاع غزة: -المج ...
- برنامج الأغذية العالمي: نحو مليوني شخص في غزة بلا مصدر دخل و ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - للاإيمان الشباني - رجال بصموا التاريخ (المهدي المنجرة)