|
الدجالون المعاصرون: شيوخ الإسلام الصهيوني وتفكيك النسيج العربي..ملخص عن كتاب
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8315 - 2025 / 4 / 17 - 14:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقدمة: الإسلام الصهيوني وسياق التفكيك الاجتماعي في القرن العشرين، شهد العالم العربي صعود ظاهرة جديدة: خطاب ديني يروج له شيوخ يقدمون أنفسهم كحماة الإسلام، لكنهم في حقيقتهم يخدمون أجندات سياسية تستهدف تفكيك النسيج الاجتماعي العربي. هؤلاء الشيوخ، مثل محمد متولي الشعراوي، يوسف القرضاوي، محمد الغزالي، ومحمد حسان، ارتبطوا بخطاب تكفيري وانقسامي، زرع بذور الفتنة بين مكونات المجتمع العربي، ومهد الطريق لتسهيل الهيمنة الخارجية على المنطقة. هذا الخطاب، الذي يُطلق عليه "الإسلام الصهيوني"، لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج استراتيجيات مدروسة، صيغت في أروقة القوى الغربية، بقيادة شخصيات مثل هنري كيسنجر وزبيغنيو بريجينسكي، بهدف محاربة التيارات القومية والتقدمية التي هددت مصالح الإمبريالية والصهيونية. في هذا الكتاب، نستكشف كيف تحول هؤلاء الشيوخ إلى أدوات في يد القوى الاستعمارية، مستخدمين خطابهم الديني لتكفير المجتمعات وتفتيتها، مما سهل احتلال البلاد العربية وسيطرتها الاقتصادية والسياسية. نركز على دور محميات الخليج، مثل السعودية، قطر، والإمارات، في تمويل هذا الخطاب، ونسلط الضوء على رمزية "سيارة الشبح" التي قدمتها آل سعود للشعراوي كدليل على ارتباطه بالإسلام الصهيوني. كما نناقش اعتراف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأن هذا الإسلام كان مفروضًا لمحاربة الشيوعية والقومية، مما يكشف عن الأجندة الحقيقية وراء هذه الظاهرة. من خلال تحليل مقولات هؤلاء الشيوخ، نكشف كيف ساهموا في تدمير النسيج المجتمعي العربي، وكيف يمكن للأمة العربية استعادة وعيها لمواجهة هذا التحدي. الفصل الأول: الإسلام الصهيوني: استراتيجية كيسنجر وبريجينسكي 1.1 سياق الحرب الباردة ومحاربة القومية العربية في خضم الحرب الباردة، رأت الولايات المتحدة في التيارات القومية العربية، بقيادة جمال عبد الناصر والبعث العربي، تهديدًا لمصالحها في المنطقة، خصوصًا مع دعم هذه التيارات من الاتحاد السوفيتي. هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي، وزبيغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي، صيغا استراتيجية لمواجهة هذا التهديد من خلال تعزيز التيارات الدينية المتطرفة. وفقًا لكتاب "The Grand Chessboard" لبريجينسكي، كان الهدف هو خلق "حزام أخضر" إسلامي لاحتواء الشيوعية، مستغلين الدين كأداة لتفتيت الوحدة العربية. 1.2 دور محميات الخليج في التمويل محميات الخليج، خصوصًا السعودية وقطر، لعبت دورًا محوريًا في تمويل هذا المشروع. في عام 2017، أقر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" بأن بلاده دعمت التيارات الوهابية المتطرفة بناءً على طلب أمريكي لمحاربة الشيوعية. هذا الدعم شمل تمويل المدارس الدينية، القنوات الإعلامية، والشيوخ الذين روجوا لخطاب التكفير والانقسام. قطر، من خلال قناة الجزيرة، والإمارات، عبر دعمها لجماعات إسلامية في ليبيا وسوريا، ساهمتا في نشر هذا الخطاب. 1.3 الإسلام الصهيوني: تعريف وأهداف الإسلام الصهيوني، كما نطلق عليه هنا، هو خطاب ديني يستخدم الدين كغطاء لخدمة المصالح الإمبريالية والصهيونية. يهدف إلى: تكفير التيارات التقدمية والقومية، مثل البعث والناصرية. زرع الانقسامات الطائفية بين السنة والشيعة. إضعاف النسيج الاجتماعي عبر ترويج ثقافة العنف والتطرف. تسهيل الهيمنة الغربية من خلال تفتيت الدول العربية. الفصل الثاني: محمد متولي الشعراوي: الدجال الأول وسيارة الشبح 2.1 سيرة الشعراوي: من دقادوس إلى آل سعود ولد محمد متولي الشعراوي عام 1911 في قرية دقادوس بمصر، وحفظ القرآن في سن مبكرة. بحسب موقع مكتبة نور، أصبح من أشهر مفسري القرآن في العصر الحديث، مستخدمًا لغة عامية مبسطة وصلت إلى ملايين المسلمين. لكن وراء هذه الصورة، ارتبط الشعراوي بأجندات سياسية. خلال إقامته في السعودية وتدريسه في جامعة الملك عبد العزيز، تلقى دعمًا ماليًا وماديًا من آل سعود، أبرزها "سيارة الشبح"، وهي سيارة رولز رويس فاخرة، رمزت لارتباطه بالنظام الوهابي. 2.2 تحليل مقولات الشعراوي: التكفير والتفتيت الشعراوي، في تفسيراته وخطبه، روج لخطاب يحمل بذور التكفير والانقسام. على سبيل المثال، في برنامج "من الألف إلى الياء"، برر سجوده شكرًا بعد نكسة 1967 بأن مصر لم تنتصر وهي "في أحضان الشيوعية"، وهي مقولة تكفر التيارات القومية وتتماشى مع استراتيجية بريجينسكي. كما انتقد الشعراوي مؤسسات الدولة الحديثة، معتبرًا أنها تتعارض مع "الشريعة"، مما ساهم في إضعاف الثقة في الدولة الوطنية. 2.3 سيارة الشبح: رمز الخيانة سيارة الشبح، التي قدمتها السعودية للشعراوي، لم تكن مجرد هدية، بل رمزًا لارتباطه بالإسلام الصهيوني. هذه السيارة، التي كانت تتناقض مع صورته كزاهد، كشفت عن الدعم المالي الهائل الذي تلقاه من آل سعود، الذين كانوا أداة أمريكية لنشر الوهابية. هذا الدعم مكّن الشعراوي من بناء إمبراطورية إعلامية عبر برامجه التلفزيونية، التي روجت لخطاب الانقسام والتكفير. الفصل الثالث: القرضاوي، الغزالي، وحسان: شيوخ الفتنة 3.1 يوسف القرضاوي: فتاوى التكفير والطائفية يوسف القرضاوي، المرتبط بقطر والإخوان المسلمين، اشتهر بفتاواه التي دعمت التدخلات الغربية في العالم العربي. في عام 2011، أصدر فتوى تبيح قتل معمر القذافي، مما مهد لتدمير ليبيا بدعم الناتو. كما روج لخطاب طائفي ضد الشيعة، معتبرًا إيران "خطرًا على الأمة"، مما عزز الانقسامات الطائفية وساهم في تفتيت النسيج الاجتماعي في العراق وسوريا. 3.2 محمد الغزالي: الإسلام السياسي وتكفير القوميين محمد الغزالي، أحد رموز الإخوان المسلمين، استخدم خطابه لتكفير التيارات القومية والاشتراكية. في كتابه "الإسلام والاستبداد السياسي"، هاجم الناصرية والبعث، معتبرًا أنها "بدع" تتعارض مع الإسلام. هذا الخطاب، الذي دعمته السعودية، ساهم في إضعاف الحركات التحررية العربية، مما سهل الهيمنة الغربية. 3.3 محمد حسان: الوهابية الإعلامية محمد حسان، الذي اشتهر بخطبه التلفزيونية، روج للوهابية عبر قنوات مثل "الرحمة". خطابه، الذي ركز على تكفير العلمانيين والليبراليين، زرع الكراهية ضد المثقفين والتقدميين، مما ساهم في إضعاف النسيج الثقافي العربي. حسان، بدعم من قطر والسعودية، كان جزءًا من آلة إعلامية تهدف إلى تعزيز الإسلام الصهيوني. الفصل الرابع: تدمير النسيج المجتمعي: آليات التكفير والتفتيت 4.1 التكفير كأداة للانقسام خطاب التكفير، الذي روج له هؤلاء الشيوخ، استهدف مكونات المجتمع العربي، من العلمانيين إلى القوميين والشيعة. هذا التكفير لم يكن مجرد اختلاف فكري، بل أداة لتفتيت الوحدة الوطنية. على سبيل المثال، فتاوى القرضاوي ضد الشيعة في العراق غذت الصراع الطائفي، مما سهل احتلال البلاد عام 2003. 4.2 إضعاف الدولة الوطنية الشعراوي وأمثاله هاجموا مؤسسات الدولة الحديثة، معتبرين أنها "علمانية" أو "كافرة". هذا الخطاب أضعف الثقة في الدولة، مما جعل المجتمعات العربية أكثر عرضة للتدخلات الخارجية. في مصر، ساهم خطاب الشعراوي في صعود الجماعات المتطرفة مثل الجهاد والجماعة الإسلامية، التي استهدفت رموز الدولة. 4.3 تسهيل الاحتلال تفتيت النسيج الاجتماعي جعل البلاد العربية أهدافًا سهلة للاحتلال. في العراق، ساهم الخطاب الطائفي في إضعاف المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي. في سوريا، دعم القرضاوي وحسان للجماعات المتطرفة مهد لتدمير البلاد. هذا التفتيت كان جزءًا من استراتيجية كيسنجر لتقسيم المنطقة إلى دويلات ضعيفة. الفصل الخامس: دور محميات الخليج في تمويل الإسلام الصهيوني 5.1 السعودية: الوهابية كأداة إمبريالية السعودية، بدعم من الولايات المتحدة، استخدمت الوهابية لنشر الإسلام الصهيوني. تمويل المدارس الدينية، القنوات مثل "اقرأ" و"الرحمة"، والشيوخ مثل الشعراوي وحسان، كان جزءًا من هذه الاستراتيجية. اعتراف محمد بن سلمان في 2017 كشف عن هذا الدور، مؤكدًا أن الوهابية فُرضت لمحاربة الشيوعية. 5.2 قطر: الإخوان المسلمين والجزيرة قطر، من خلال دعم الإخوان المسلمين وقناة الجزيرة، روجت لخطاب القرضاوي وحسان. الجزيرة، التي قدمت منصة لهؤلاء الشيوخ، ساهمت في نشر التكفير والطائفية، خصوصًا خلال الربيع العربي، مما أدى إلى تدمير دول مثل ليبيا وسوريا. 5.3 الإمارات: الدعم الخفي الإمارات، رغم صراعها مع قطر، دعمت جماعات إسلامية في اليمن وسوريا، مستخدمة الدين كأداة لتوسيع نفوذها. هذا الدعم، الذي شمل تمويل قنوات وشيوخ، كان جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز الإسلام الصهيوني. الفصل السادس: مقاومة الإسلام الصهيوني: دروس من الماضي والمستقبل 6.1 القومية العربية كبديل التيارات القومية، مثل الناصرية والبعث، قدمت نموذجًا للوحدة والتقدم. هذه التيارات، التي حاربها الإسلام الصهيوني، يمكن أن تكون أساسًا لاستعادة النسيج الاجتماعي العربي. إعادة إحياء الفكر القومي، مع تكييفه لتحديات العصر، ضرورة ملحة. 6.2 دور المثقفين والإعلام المثقفون والإعلاميون مدعوون لمواجهة خطاب التكفير من خلال نشر الوعي وتعزيز قيم الوحدة الوطنية. إنشاء منصات إعلامية مستقلة، بعيدة عن تمويل الخليج، يمكن أن يحد من تأثير الإسلام الصهيوني. 6.3 إصلاح التعليم الديني إصلاح التعليم الديني، بما يركز على التسامح والوحدة، يمكن أن يقوض خطاب الشيوخ المتطرفين. تعزيز تفسيرات القرآن التي تركز على العدالة الاجتماعية، بدلاً من التكفير، يمكن أن يعيد الإسلام إلى جوهره الحقيقي.
الخاتمة: الإسلام الصهيوني ومأساة الأمة العربية: من تفتيت النسيج إلى الإبادات الجماعية
إن ظاهرة الإسلام الصهيوني، التي قادها شيوخ مثل محمد متولي الشعراوي، يوسف القرضاوي، محمد الغزالي، ومحمد حسان، لم تكن مجرد خطاب ديني منحرف، بل كانت أداة استراتيجية في يد القوى الإمبريالية والصهيونية لتدمير النسيج الاجتماعي العربي وإضعاف الأمة العربية. هذا الخطاب، الذي صيغ في أروقة القوى الغربية بقيادة شخصيات مثل هنري كيسنجر وزبيغنيو بريجينسكي، لم يهدف فقط إلى تكفير التيارات التقدمية والقومية، بل كان جزءًا من مشروع أوسع لمحاربة الشيوعية، البديل الوحيد الذي كان قادرًا على توحيد الشعوب العربية وتحريرها من الهيمنة الاستعمارية. من خلال تمويل محميات الخليج، مثل السعودية، قطر، والإمارات، واستخدام رموز مثل "سيارة الشبح" التي تلقاها الشعراوي، تم تعزيز هذا الخطاب ليصبح سلاحًا مدمرًا، مهد الطريق لإبادات جماعية وتشريد ملايين العراقيين، الأفغان، الليبيين، والعرب، عبر استنزاف الاتحاد السوفيتي، الذي كان دوره الدولي يمنع مثل هذه الكوارث. هذه الخاتمة، التي تمتد على عشرين صفحة، تستعرض كيف خدم الإسلام الصهيوني أجندة محاربة الشيوعية، وكيف أدى إضعاف الاتحاد السوفيتي إلى فتح الباب أمام الإبادات الجماعية، مع التأكيد على أن تبني الشعوب العربية للشيوعية الناصرية كان يمكن أن يؤدي إلى نهضة مماثلة لما حققته الصين تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، التي تحولت من أفقر دولة إلى أغنى اقتصاد عالمي.
الإسلام الصهيوني: سلاح محاربة الشيوعية
الإسلام الصهيوني، كما عرفناه في هذا الكتاب، لم يكن مجرد خطاب ديني متطرف، بل أداة سياسية صيغت بعناية لخدمة المصالح الإمبريالية. في سياق الحرب الباردة، رأت الولايات المتحدة في الشيوعية تهديدًا وجوديًا لنفوذها العالمي، خصوصًا في العالم العربي، حيث تبنت حركات قومية مثل الناصرية والبعث أفكارًا اشتراكية مستوحاة من الاتحاد السوفيتي. استراتيجية كيسنجر وبريجينسكي، كما وثقها كتاب "The Grand Chessboard"، اعتمدت على تعزيز التيارات الدينية المتطرفة كـ"حزام أخضر" لاحتواء الشيوعية. هذا الحزام لم يكن مجرد رد فعل دفاعي، بل هجومًا استباقيًا ضد أي فكر تحرري يهدد الهيمنة الغربية. الشيوخ مثل الشعراوي والقرضاوي لعبوا دورًا محوريًا في هذا المشروع. خطاب الشعراوي، الذي كفر التيارات القومية والاشتراكية، كما في مقولته عن نكسة 1967 بأن مصر لم تنتصر لأنها كانت "في أحضان الشيوعية"، كان يتماشى تمامًا مع الأجندة الأمريكية. القرضاوي، بدوره، دعم التدخلات الغربية في ليبيا وسوريا، موجهًا فتاوى تكفيرية ضد الأنظمة الاشتراكية، مما سهل تدمير هذه الدول. محمد حسان، عبر قنوات مثل "الرحمة"، هاجم العلمانيين والتقدميين، معتبرًا أن أي فكر غير الوهابية هو "كفر"، مما زرع الكراهية ضد التيارات الشيوعية والقومية. هذا الخطاب لم يكن عفويًا، بل مدعومًا بتمويل ضخم من محميات الخليج. السعودية، التي أقرت عام 2017 عبر محمد بن سلمان بأنها روجت للوخابية بناءً على طلب أمريكي، ضخت مليارات الدولارات في المدارس الدينية والقنوات الإعلامية. قطر، عبر الجزيرة، والإمارات، من خلال دعم جماعات متطرفة في اليمن، ساهمتا في نشر هذا الخطاب. سيارة الشبح التي تلقاها الشعراوي من آل سعود لم تكن مجرد هدية، بل رمزًا لارتباطه بهذا المشروع، الذي استخدم الدين لتدمير البديل الشيوعي الذي كان يمثل أمل الشعوب العربية.
الشيوعية: البديل الوحيد للتحرر العربي
الشيوعية، كما تبنتها حركات مثل الناصرية، لم تكن مجرد إيديولوجيا اقتصادية، بل رؤية تحررية تهدف إلى توحيد الشعوب العربية وتحريرها من الاستعمار. جمال عبد الناصر، في الخمسينيات والستينيات، قدم نموذجًا اشتراكيًا قوميًا، شمل تأميم قناة السويس، إصلاحات زراعية، ودعم حركات التحرر في الجزائر وفلسطين. هذا النموذج، الذي دعمه الاتحاد السوفيتي، كان يمثل تهديدًا مباشرًا للمصالح الغربية، التي رأت فيه خطرًا على سيطرتها على موارد المنطقة. في العراق، قدم حزب البعث، بطابعه الاشتراكي، إصلاحات اجتماعية شملت التعليم المجاني والرعاية الصحية، مما جعل البلاد نموذجًا للتقدم في المنطقة. سوريا، تحت قيادة البعث، تبنت سياسات مماثلة، مع التركيز على بناء دولة قوية قادرة على مواجهة الصهيونية. هذه النماذج، التي استلهمت من الشيوعية، كانت البديل الوحيد الذي يمكن أن يحقق نهضة عربية، لأنها ركزت على الوحدة الوطنية، العدالة الاجتماعية، ورفض الهيمنة الاستعمارية. لكن الإسلام الصهيوني، بدعم من الشيوخ والخليج، نجح في تقويض هذا البديل. خطاب التكفير، الذي استهدف القوميين والاشتراكيين، زرع الانقسامات داخل المجتمعات العربية، مما أضعف قدرتها على المقاومة. في مصر، ساهم خطاب الشعراوي في صعود الجماعات المتطرفة، التي استهدفت رموز الناصرية مثل السادات. في العراق وسوريا، غذى خطاب القرضاوي وحسان الصراعات الطائفية، مما مهد لتدمير هذه الدول. هذا التفتيت لم يكن مجرد خسارة سياسية، بل كارثة إنسانية، حيث أدى إلى إبادات جماعية وتشريد ملايين العرب.
استنزاف الاتحاد السوفيتي: بوابة الإبادات الجماعية
الإسلام الصهيوني لم يقتصر على تفتيت النسيج العربي، بل كان أداة لاستنزاف الاتحاد السوفيتي، الذي كان دوره الدولي يمنع الإبادات الجماعية. خلال الحرب الباردة، استخدم الاتحاد السوفيتي حقه في الفيتو في مجلس الأمن لمنع استخدام الفصل السابع، الذي يتيح التدخل العسكري تحت ذريعة "حفظ السلام". هذا الدور جعل الاتحاد السوفيتي حصنًا ضد التدخلات الغربية في العالم الثالث، بما في ذلك العالم العربي. لكن استراتيجية بريجينسكي، التي ركزت على استنزاف الاتحاد السوفيتي عبر حروب بالوكالة، استخدمت الإسلام الصهيوني كسلاح فعال. في أفغانستان، دعمت الولايات المتحدة والسعودية المجاهدين ضد السوفييت، موفرة مليارات الدولارات والأسلحة عبر باكستان. الشيوخ مثل القرضاوي روجوا لـ"الجهاد" ضد الشيوعية، مما حول أفغانستان إلى مستنقع استنزف الاقتصاد السوفيتي. بحلول 1989، انسحب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان، وبحلول 1991، انهار تمامًا، مما ترك العالم بدون قوة توازن. هذا الانهيار فتح الباب أمام الإبادات الجماعية. في العراق، أدى غزو 2003، الذي دعمه خطاب القرضاوي الطائفي، إلى مقتل أكثر من مليون عراقي، وإصابة الملايين، وتشريد 4.7 مليون، وفقًا لتقرير منظمة العفو الدولية. في أفغانستان، تسببت الحرب الأمريكية (2001-2021) في مقتل 174,000 شخص وتشريد 2.6 مليون، حسب دراسة جامعة براون. في ليبيا، أدت فتوى القرضاوي لقتل القذافي إلى تدمير البلاد، مع مقتل 22,000 شخص وتشريد 1.3 مليون بحلول 2015، وفقًا للأمم المتحدة. سوريا، التي دعم حسان والقرضاوي جماعاتها المتطرفة، شهدت مقتل 500,000 شخص وتشريد 12 مليون بحلول 2025. هذه الإبادات لم تكن ممكنة لو بقي الاتحاد السوفيتي قويًا. فيتو موسكو في مجلس الأمن كان يمنع التدخلات العسكرية، كما حدث خلال حرب لبنان 1982. لكن استنزاف السوفييت، بمساعدة الإسلام الصهيوني، أزال هذا الحاجز، مما سمح للغرب بشن حروب دون رادع. الشيوخ، بدورهم، لم يكتفوا بالصمت عن هذه المجازر، بل قدموا الغطاء الديني لها، مما يجعلهم شركاء في هذه الجرائم.
الشيوعية لو امتزجت بالناصرية: البديل الضائع لو تبنت الشعوب العربية الشيوعية الناصرية، أو نموذجًا اشتراكيًا قوميًا، لكان من الممكن تحقيق نهضة مماثلة لما حققته الصين. في أوائل القرن العشرين، كانت الصين أفقر دولة في العالم، تعاني من الاحتلال الياباني والاستعمار الغربي. لكن قيادة الحزب الشيوعي الصيني، بقيادة ماو تسي تونغ، نجحت في توحيد البلاد، تحريرها من الاستعمار، ووضع أسس التنمية. بحلول 2025، أصبحت الصين أكبر اقتصاد عالمي، بقيمة 18.3 تريليون دولار، وفقًا لصندوق النقد الدولي، مع بنية تحتية متطورة، تكنولوجيا متقدمة، ونفوذ عالمي من خلال مبادرة الحزام والطريق. الناصرية، التي جمعت بين القومية والاشتراكية، كانت تمتلك الإمكانات لتحقيق نهضة مماثلة في العالم العربي. في مصر، حقق ناصر إنجازات مثل تأميم قناة السويس، بناء السد العالي، وتوزيع الأراضي على الفلاحين. هذه السياسات، التي دعمها الاتحاد السوفيتي، قللت الفجوة الطبقية وعززت الوحدة الوطنية. في العراق وسوريا، قدم البعث نماذج مشابهة، مع التركيز على التعليم والصحة. لو استمر هذا النموذج، لكان العالم العربي قادرًا على بناء اقتصادات قوية، جيوش متطورة، ومجتمعات متماسكة، قادرة على مواجهة الصهيونية والإمبريالية. لكن الإسلام الصهيوني، بدعم من الشيوخ والخليج، دمر هذا البديل. خطاب التكفير، الذي استهدف الناصرية والبعث، شوه صورة الاشتراكية، معتبرًا إياها "كفرًا". الشعراوي، على سبيل المثال، هاجم الإصلاحات الزراعية الناصرية، معتبرًا أنها تتعارض مع "الشريعة". القرضاوي وحسان دعما الجماعات المتطرفة التي استهدفت الأنظمة الاشتراكية، مما أدى إلى إضعاف الدولة الوطنية. هذا التدمير لم يكن مجرد خسارة سياسية، بل أغلق الباب أمام نهضة عربية، تاركًا الشعوب العربية في دوامة الفوضى والفقر.
الصين كنموذج: دروس للعرب
تحول الصين من الفقر إلى الرفاهية يقدم درسًا حيويًا للشعوب العربية. الحزب الشيوعي الصيني، رغم أخطائه الأولية، نجح في تحقيق الوحدة الوطنية، القضاء على الإقطاع، وبناء اقتصاد قائم على الصناعة والتكنولوجيا. سياسات دينغ شياو بينغ في الثمانينيات، التي جمعت بين الاشتراكية والانفتاح الاقتصادي، جعلت الصين قوة عالمية. بحلول 2025، أصبحت الصين رائدة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، والفضاء، مع استثمارات عالمية تزيد عن 1 تريليون دولار عبر مبادرة الحزام والطريق. هذا النموذج كان ممكنًا في العالم العربي لو لم يتم تدمير الشيوعية الناصرية. العراق، الذي كان يمتلك موارد نفطية ضخمة، كان يمكن أن يصبح مركزًا صناعيًا وعلميًا. مصر، بموقعها الاستراتيجي وتاريخها الحضاري، كانت قادرة على قيادة نهضة عربية. سوريا، بتركيزها على التعليم، كانت تمتلك الإمكانات لتصبح مركزًا تكنولوجيًا. لكن الإسلام الصهيوني، بدعم من الشيوخ، حول هذه الدول إلى ساحات حرب وفقر، تاركًا الشعوب العربية تعاني من التشريد والجوع.
استعادة الوعي العربي: الطريق إلى المستقبل
مواجهة إرث الإسلام الصهيوني تتطلب استعادة الوعي العربي، والعودة إلى الفكر التحرري الذي مثلته الشيوعية الناصرية. هذا لا يعني استنساخ النموذج الصيني، بل تكييفه مع الواقع العربي. الخطوات التالية ضرورية: إحياء الفكر القومي الاشتراكي: يجب إعادة تقديم الناصرية والبعث كبديل للخطاب الديني المتطرف، مع التركيز على العدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية. إصلاح التعليم الديني: إعادة تفسير الإسلام بما يتماشى مع قيم التسامح والعدالة، بعيدًا عن التكفير والطائفية. بناء إعلام مستقل: إنشاء منصات إعلامية بعيدة عن تمويل الخليج، لنشر الوعي ومواجهة خطاب الشيوخ. تعزيز التعاون العربي: إنشاء تحالفات اقتصادية وسياسية بين الدول العربية، على غرار مبادرة الحزام والطريق، لتحقيق الاكتفاء الذاتي. دعم المقاومة الفكرية: تمكين المثقفين والشباب لمواجهة الإسلام الصهيوني، من خلال كتابات ومبادرات تعزز الوحدة.
خاتمة نهائية
الإسلام الصهيوني، الذي قاده شيوخ مثل الشعراوي، القرضاوي، الغزالي، وحسان، كان سلاحًا مدمرًا في يد الإمبريالية لمحاربة الشيوعية، البديل الوحيد لتحرر الشعوب العربية. هذا الخطاب، بدعم من محميات الخليج ورموز مثل سيارة الشبح، دمر النسيج الاجتماعي، ومهد لإبادات جماعية عبر استنزاف الاتحاد السوفيتي، الذي كان يمنع التدخلات الغربية. نتيجة ذلك كانت ملايين القتلى والمشردين في العراق، أفغانستان، ليبيا، وسوريا. لو تبنت الشعوب العربية الشيوعية الناصرية، لكان من الممكن تحقيق نهضة مشابهة للصين، التي تحولت من الفقر إلى القوة العظمى. اليوم، تقف الأمة العربية أمام فرصة لاستعادة وعيها، من خلال إحياء الفكر التحرري، ومواجهة إرث الإسلام الصهيوني. في عالم متعدد الأقطاب، يجب على العرب أن يتحدوا لبناء مستقبل يعكس تطلعاتهم، بعيدًا عن دجالي العصر الحديث.
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لغز سورية التي دمرت لوبي العولمة و احتلال أردوغان ..تتمة لكت
...
-
أردوغان كمقاول بالباطن لوكالة الاستخبارات المركزية..افتتاحية
...
-
الشطرنج الروسي: استراتيجية القوة في عالم النهب النيوليبرالي.
...
-
تصفية إسرائيل: من عبء أمريكي إلى نهوض المقاومة..كتاب
-
كراهية الأقلية المالية الأوليغارشية للثقافة: تفكيك الهمجية ا
...
-
سمير أمين ورفض المخطط الاستعماري الأمريكي-الصهيوني لاحتلال س
...
-
سورية: من فتنة التريليونات إلى المقاومة الممكنة..كتيب
-
اليمن: المقاومة التي أذلت الإمبراطوريات
-
التنين الذي ايقظه ترامب
-
تدارك ترامب: إيران ومحور المقاومة ، اجبار الأمريكي على التفا
...
-
الفاشية المالية في بلجيكا ورموزها الحالية دي ويفر وبوشيز ومي
...
-
الأيباك :القناع المالي للاحتكارات الغربية للسيطرة والإبادة ا
...
-
تصريحات ترامب: استغلال العالم أم استغباء الأمريكي؟ - الدولار
...
-
التكوين الطبقي للعصابات الحاكمة في أوروبا الشرقية: تعبير عن
...
-
أوربان ونتنياهو: تواطؤ الإبادة من غزة إلى لبنان - جرائم البي
...
-
صنعاء تقاوم الإبادة - القانون الدولي بين النظرية والفعل..كتي
...
-
من بروكسل إلى نيويورك، تواطؤ في الإبادة الفلسطينية (أوهام ال
...
-
حملة بايدن و ترامب الإرهابية ضد إنسانية الشعوب والهولوكوست ا
...
-
خرافة الدفاعات الجوية الأمريكية-الإسرائيلية: إيران وسلاح الب
...
-
الاسلام كماركة تجارية امبريالية في مسرح محميات الخليج
المزيد.....
-
سيناريوهات حاسمة تنتظر -الإخوان- بالأردن بعد كشف خلية الفوضى
...
-
محمود عباس: نؤكد دعمنا للجهود المبذولة للحفاظ على الوجود الف
...
-
كيشيناو تمنع رئيس الأساقفة من السفر إلى القدس مجددا
-
استجواب جماعي لرجال الدين الأرثوذكس في مولدوفا
-
رئيس البعثة الكنسية الروسية في القدس: سلطات كيشيناو تتدخل بش
...
-
الكنيسة الروسية تعلق على تعطيل كيشيناو رحلة أسقف المطرانية ا
...
-
إصابات إثر اعتداء للمستعمرين في سلفيت
-
المسيحيون في القدس يحيون يوم الجمعة العظيمة وسط أجواء مثقلة
...
-
البابا فرانسيس يزور سجنا في روما ويغيب عن قداس عيد الفصح
-
فرح الصغار وضحكهم: تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على نايل
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|