أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عقيل الخضري - الصين.. دولة عظيمة وشعبٌ جميل بلا نَخوَّة















المزيد.....

الصين.. دولة عظيمة وشعبٌ جميل بلا نَخوَّة


عقيل الخضري

الحوار المتمدن-العدد: 8314 - 2025 / 4 / 16 - 12:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أوَّل زرت فيها الصين، كانت في عام 2004، بقيت لشهرٍ كامل في مدينة شنغهاي الرائعة، وقد استعنت بسائق تاكسي يتكلَّم الانجليزية بشكلٍ متواضع، في التنقُّل وزيارة المصانع.. وكانت معاناتي مع الطعام بالدرجة الأولى، وبعد جهد توصَّلت لمطعم إسلامي يديره ويعمل فيه هنود من السيخ..
عدت مرة أخرى لشنغهاي في عام 2007، ووجدت العمران المدني قد تطوَّر بشكلٍ مذهل، زرت العاصمة بكين، لثلاثة أيام، ثم مدينة التكنولوجيا والصناعات الالكترونية شنجن.. وصلتها ليلًا، اقلني تاكسي من مطار المدينة إلى فندق في أطراف المدينة، كان مطعم الفندق مغلقًا فسألت موظفة الاستعلامات عن مطعم قريب، فندهت الفتاة الجميلة موظفة أخرى وخرجنا معًا نبحث عن مطعم قريب، فلم نجد سوى سوبر ماركت، فاشتريت بسكويتا وعصائر وعدنا إلى الفندق.. شكرت الفتاتين اللتين تعاملتا معي بكل لطف واحترام، وأعطيتهما إكرامية مجزية، فرفضتا..
في الصباح اتصلت بمصانع الحواسيب والهواتف المحمولة، والتي سبق وتواصلت معهم من خلال مواقعهم الالكترونيّة من خلال البحث في موقع علي بابا..
ذهلت وأنا أرى مواقع الشركات - المصانع- كانت عبارة عن شقق صغيرة، انتشرت فيها مناضد التصنيع وآلات بسيطة للتجميع، وعشرات العاملين..لم تكن مصانع ضخمة كما حسبت.. ومن خلال حاسوب مدير أو مالك الشركة، اطلعت على نماذج لمنتجات الشركة، وإمكانية تصنيع أي منتج وبفترة وجيزة وحسب الميزانية المتاحة للزبون..
الصعوبة التي يواجهها رجل الأعمال أو السائح في زيارته للصين هي اللغة.. وقد يستعين البائع بجاره أو يتَّصل بمترجم ليتواصل مع الزبون.
في السوق وعند التعامل مع بائع لا يعرف غير اللغة الصينية، يتعاون معك البائع بلطف فيتّصل بوسيط للتفاهم! و حتى عندما تسأله عن مكان ما، فيساعدك بلطف ويهدر من وقته ورصيده الهاتفي دون مقابل.. وهذا لم ألمسه في أي بلد آخر..
في زيارتي الأولى للقاهرة 1989مثلًا ، أقمت في شقة مفروشة قرب مسرح البالون في حي العجوزة بالجيزة، واحتجت وقتها لعملة مصرية، فنزلت أبحث عن مصرف أو محل صرافة، واجهني شرطي مرور شاب فسألته عن بنك أو محل صرافة فعبر الشارع معي وأشار إلى بنك يبعد عنا أمتار.. شكرته ومضيت، إلا أنه أمسك بيدي قائلا: إكراميتي يا بيه!
ويتكَرَّر ذلك كثيرًا حتى في المرافق الصحية في مطار القاهرة الدولي، فهناك من ينتظرك بباب دورة المياه ليطلب حقه بالإكرامية! ولا بد أن تدفعها وإلا ستخوض في مشكلة.
الصينيون شعب طيب، أحببته ولي من الصينيين أصدقاء رائعون..
سكان الصين يقارب مليار وأربعمائة مليون نسمة، ولا تستطيع الدولة توفير وظائف حكومية لمئات الملايين من السكان، كما لا تستطيع توفير نظام الإعانة للعاطلين والعجزة، فيضطر المواطن الصيني للبحث عن عمل ليعيش أو ليساعد والديه، وهو مجبرًا لقبول أي فرصة عمل..
يشكِّل سكان الريف أكثر من خمسمائة مليون نسمة، ويضطر الشباب والفتيات إلى شد الرحال إلى مدن العمل في أنحاء الصين، مثل شنغهاي، بكين، شنزن، كوانزو، ييو..
وما أن تصل الفتاة إلى المدينة، تبحث لوحدها عن سكن، أو تستعين بصديق أو معرفة لإيجاد غرفة سكنية بمقابل مادي بسيط، ومن المألوف أن يتشارك أكثر من شخص في غرفة واحدة لتوفير ما بحوزته من مال وهو بالعادة قليل جدًا.. كما أن أجور الموظفين والعمال متدنية للغاية.. وقد يبقى الشاب أو الشابة أسابيع أو حتى أشهر دون عمل، فيرى أن من الخيبة العودة للقرية دون تحقيق منجزا ما ولو باليسير، بعد أن غامر بكلِ ما يملك وما يملك والديه أيضًا..
في مدينة ييو التجارية، شَهِدت أكثر من حالة انتحار لفتيات أغلقت أمامهم كل أبواب الأمل والحياة.. فترمي الفتاة بنفسها من أعلى عمارة أو في النهر..
لنتكلّم عن العنصر النسوي هنا، فالفتاة ووفق سياسة الطفل الواحد التي تبنتها الدولة الصينية عام 1978، هي وحيدة لا سند لها سوى والديها في الريف، وهما شبه معدمين ماديًا في الغالب! ووفق هذا القانون، فلا أخ لها ولا أخت، ولا عم ولا عمة ولا خال ولا خالة.. أي أنها مقطوعة من شجرة.. وهشاشة طبيعتها الريفية تدفعها إلى التخلص من حياتها..إذا ضاق عليها الحال، وما أكثر تلك المآسي.
وقد ألغيت سياسة الطفل الواحد في 2015، بعدما منعت 400 مليون ولادة، فأصدرت الحكومة الصينية قرارا يسمح لكل عائلة بإنجاب طفلين كحد أقصى من غير شروط بدلا من سياسة الطفل الواحد، بعد أن تسببت هذه السياسة في زيادة أعداد كبار السن وتقلص الطاقات الشبابية.. وقد انتهك مسئولون حكوميون وأثرياء هذه السياسة بولادة أكثر من طفل، ودفعوا غرامات كبيرة لم تؤثر على وضعهم المادي.

في ليلة شتوية شديدة البرودة، كنت عائدًا إلى شقتي قبل نهاية" شارع تشوتشو الشمالي"* في مدينة ييو، وعلى الرصيف قرب مكتب شركة المتين العراقية للشحن، صدمني منظر لفتاة مستندة إلى محل مغلق متلفلفة بشرشف.. لم تكن متسولة، فالمنطقة خالية من المارة وشبه مظلمة، كما أن التسول مهنة كاسدة، فلا يتعاطف الصينيون مع المتسولين..
مشيت خطوات ثم عدت إلى الفتاة، كانت دون العشرين.. ترتجف من البرد.. ملامحها جميلة وبريئة، بدت مصدومة أو مخبولة، سألتها بلغتي الصينية الركيكة، إذا كانت بحاجة لمال؟ فلم تجب.. كان الشرشف يغطي رأسها وجسدها، فبان لي شعر رأسها وقد شق وسطه بماكينة حلاقة بصورة انتقامية وعبثية.
ناولتها ورقة من فئة مائة رنمينبي، تقريبا 17 دولارا، وهي أعلى عملة صينية، فلم تأخذها! فتركت الورقة النقدية أمامها ومضيت، وفي بالي هاج ألم وتساؤلات، فربما هذه الفتاة الريفية اصطدمت مع أحدهم فانتقم منها ببشاعة.. لا ريب أنها لا تعرف أحدا في المدينة لتذهب إليه وتستند عليه.. ربما مرّت بحالة وصدمة قاسية أفقدتها السيطرة على تصرفها وتفكيرها.. مشيت مسرعًا إلى شقتي ومنظر الفتاة والتساؤلات الافتراضية جحيم لازمني.. تناولت بطانية سميكة من غرفة النوم، وعدت أهرول إلى حيث كانت الفتاة، فلم أجدها.. ووجدت ورقة المائة رنمينبي على الأرض حيث تركتها.. تلفَّت أبحث عنها فلم أرها.. تركت البطانية على الأرض فوق المائة رنمينبي وعدت خائبًا إلى شقتي وكل خلية فيَّ تنوح بصمت.
مرَّ على تلك الحكاية أربعة عشر عاما، أتذكرها دائما ولم أنسها..
---------------------------------------------------------------------------------
• Chouzhou North Road



#عقيل_الخضري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجاينيّة، دِّيانة العفَّة والسَّلام واللاعنف..
- بوذا..هَجَرَ زَوجتَه المُراهقَة الجميلة ورَضيعه العَليل، وهج ...
- اليين واليانغ في الفلسفة الطاوية
- الهِنْد.. بلد المُعتَقدات الغريَّبة، ومآسِي الفَتَيات
- مذابح المسلمين في بورما.. تاريخٌ وحيثيَّات
- العلويُّون مرَّة أخرى.. بين الرَّحمن والشَّيطان
- إبادة الطائفة العلويَّة ..
- مآسِي المَسيحيَّة في باكستان..
- التشريب طعام أهل الجنّة..
- عائشة إبراهيم دوهولو
- دعاء خليل أسود
- الضمير والمعتقد..رؤية وتداعيات! (2-2)
- الضمير والمعتقد..رؤية وتداعيات! (1)
- سارة الجميلة...من يعيدها؟
- الانتماء واللعب بحقوق الآخرين!
- مكافحة الخوف الفردي...تجربة وتداعيات
- مطالبة الحكومة العراقية بالإلتزم بواجبها الوطني والأخلاقي تج ...


المزيد.....




- اللواء سلامي: الجيش مع حرس الثورة الإسلامية سور منيع للبلاد ...
- عكرمة صبري: الأقصى يُستباح من اليهود المتطرفين
- -لست واهمًا.. ما أقوله يحدث-: رئيس الوزراء السابق إيهود أولم ...
- عاجل | مصادر للجزيرة: بدء اقتحامات مستوطنين للمسجد الأقصى في ...
- عطلة لأبناء المكون المسيحي بمناسبة عيد القيامة
- القوى الوطنية والإسلامية في القطاع: أهل غزة يمثلون طليعة الج ...
- قراءة في خطاب قائد الثورة الإسلامية حول المفاوضات النووية
- جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تصدر بيانا حول الأحداث الأخ ...
- الأردن يعلن إحباط مخطط -للمساس بالأمن وإثارة الفوضى- وأصابع ...
- ممثل حماس في إيران: يجب إعلان الجهاد العام بالدول الإسلامية ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عقيل الخضري - الصين.. دولة عظيمة وشعبٌ جميل بلا نَخوَّة