أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - وداعاً أَبا أَحمد: حين تغادرُنا الطُّيُورُ الأَصيلةُ بلا وداعٍ














المزيد.....

وداعاً أَبا أَحمد: حين تغادرُنا الطُّيُورُ الأَصيلةُ بلا وداعٍ


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8313 - 2025 / 4 / 15 - 15:52
المحور: القضية الفلسطينية
    


في صمتٍ عميق، وبينما تسكننا الأوجاع التي لا تُرى، يأتي الحزن كريحٍ هوجاء تقتلع في طريقها كل ما نحب.

اليوم، نفتح أبواب الذكرى على مصراعيها، وننثر الحزن كأنه غيمٌ كثيف يغطّي سماء القلب.

رحل أبو أحمد، ذاك الذي كانت حياته نبراساً في الظلمة، وكان حلمه يشعّ في أفقٍ بعيد لا يسعه زمانٌ ولا مكان.

غادرنا كما يغادر الطير السماء، بلمحةٍ خاطفة، دون وداع، تاركاً وراءه فراغاً لا يُملأ.

نودّعه في صمتٍ، ونحاول أن نلمس أثره في كل زاوية من زوايا قلوبنا، ولكن الأثر أكبر من أن يُحتوى، والرحيل أكبر من أن نصدّقه.



حين يرحل الأحبة فجأة، دون أن نتحسّس مقدمات الرحيل، يُدرك القلب في صمتٍ لا مثيل له أن الزمان لا يرحم.

اليوم، نودّع عبدو صالح ذياب (أبا أحمد) من عشيرة عرب المواسي، الذي غادرنا كما تغادر الطيور السماء في صمتٍ قاتل، دون أن يترك وراءه سوى الذكرى.



إنه الرحيل الذي لا نملك له تفسيراً، ولا نملك حياله سوى الصمت.

لم يكن الموت في انتظاره، ولم يكن على البال أن يغادرنا بهذه السرعة، لكن القدر قرّر أن يأخذ أبا أحمد بعيداً عنا، في لحظةٍ خاطفة كأنها لم تكن.

منذ صغره، كان يحمل على عاتقه ثقل الزمان، مناضلاً في كل مراحل حياته، ولم يكن يتوقّع أن تُطفئه الحياة بتلك السرعة.



لقد قاوم الموت سنواتٍ طويلة، يواجهه كل يوم وكأنه يعيش لهدفٍ لا يُدرَك، لكن النهاية كانت أسرع مما توقعنا.

أغمض عينيه كما تُغمض الوردة التي نضجت في لحظة أخيرة، دون أن تدرك يدنا أن هذا الوداع قد جاء، ودون أن نعلم أن آخر ابتسامة له كانت هي الوداع الأخير.



يا أبا أحمد، كم كانت سرعتك كبيرة في الرحيل؟

هل كنت تشتاق إلى ولدك أحمد الذي رحل عنك منذ سنوات؟

أم أن فراقه كان ثقيلاً على قلبك، فقرّرت أن تذهب إليه في صمت؟

هل كنت تنتظر اللحظة التي تذوب فيها في أحزانه، كما يذوب الشمع في اللهب؟



كنت دائماً ذلك النور في الحياة المظلمة، تجسّد لنا الطمأنينة في زحمة الهموم، وقُوَّتُكَ كانت مَعلَماً لنا في هذه الدُّنيا الصَّعبةِ.

كنت الجسر بين الأمل واليأس، بين الحلم والواقع، بين البقاء والرحيل، لكنك غادرت قبل أن نُكمل الحكاية، غادرت دون أن نملك القدرة على أن نقول لك: انتظر.



يا أبا أحمد، كانت حياتك مليئة بالصعوبات التي تجاوزتها بحكمة، ولكنك لم تُمهلنا أن نودّعك.

كيف يمكن أن يفهم أحد أن قلبك الذي عاصر كل تلك الأوجاع سيرحل بهذه الطريقة؟

كيف يرحل المرء دون أن يعطينا فرصة لنستوعب أنه ذهب؟

لقد رحلت عنا، لكن كلماتك تبقى محفورة في قلوبنا، كأنها نُسجت لتظل هنا، رغم كل شيء.



كنت دائماً تعتقد أن الأوطان لا تموت، وأن الرجال يبقون في ذاكرة الأرض.

واليوم نردد كلماتك، ونجد أنفسنا في صراع مع الحزن الذي يعمّ قلوبنا، نكابر على واقع الرحيل الذي جاء بلا تحذير.

كيف نتقبّل هذا الفراق؟ كيف نحتمل أن يفارقنا من علمنا أن الحياة لا تكتمل دونهم؟



لقد نجوت من قسوة الحروب، وتجاوزت جحيم اللجوء، لكن الموت جاء سريعاً، بلا مقدمات.

لم يكن له وقت، فغادرتنا دون أن نتمكّن من الوداع.

كأنما الحياة كانت تريد أن تذكّرنا بأن الموت لا يحترم الحسابات، ولا ينتظر حتى تنتهي القصة.

حين تلتقي روحك بروح ولدك أحمد، ماذا ستقول له؟
هل ستخبره أن القدس ما زالت أسيرة؟
هل ستقول له إن الأمل في الوحدة صار سراباً في صحراء الخذلان؟
هل ستحدثه عن الخيانة التي تتفشى في كل زاوية، وعن الأوجاع التي تزداد ثقلاً فوق الأكتاف؟
هل ستقول له إن القدس تبكي على من خانها، وإن فلسطين تُباع في أسواق السياسة كما تُباع السلع؟
هل ستخبره أن الكلمة الطيبة صارت نادرة، وأن الأمل في غدٍ أفضل أصبح بعيد المنال؟
يا أبا أحمد، كيف سيكون كلامك؟ كيف سيكون حديثك عن عالمٍ تغيّر كثيراً ولم يَعد كما كان؟
كنت ترى في الظلام ضوءاً، وتؤمن أن النهاية قد تكون بداية جديدة، لكنك رحلت قبل أن نُنهي قراءة القصة.
سلامٌ عليك، يا من غادرت دون وداع، يا من كنت نبراساً في زمن الظلام.

نحن هنا، نردد كلماتك في قلوبنا، ننتظر من الحياة أن تمنحنا فرصة لاحتضان الذكرى التي تركتها.

فإن كانت فلسطين لم تمت، فإنها تنزف بصمت، كما ينزف جرحٌ قديم لا يُشفى.

وفي النهاية، تبقى الذكرى وحدها، كما تبقى الظلال التي تتسلل في ظلمة الليل تبحث عن ضوءٍ لا يأتي.

رحل أبو أحمد، لكن حزننا لن يغادر.

سيظل غيابه عميقاً في قلوبنا، كما تبقى الجراح التي لا تلتئم.

لقد ترك لنا فراغاً لا يُملأ، وجعل منا أسرى لذكراه، نعيش على أمل أن نلتقي يوماً في عالم لا يفصل بيننا وبين أحبّتنا.

ورغم كل شيء، نعلم أن الموت لا ينتظر أحداً، لكنه يترك وراءه أحزاناً تخلّد في قلوبنا، تذكّرنا دائماً أن الحياة لا تدوم، وأن الأحبّة يرحلون، لكنهم يظلون أحياء فينا، ما حيينا.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذه ليلتُها... وغزَّة تَصحو على خُذلانٍ بلا فجرٍ
- حينَ تفرَّقَ الأَصحابُ وضاعَتِ الخُطى: حِكايةٌ من مُخيَّمٍ ف ...
- عيسى أَحوش ودار بيسان: صوتُ فلسطين الذي لا يمُوتُ
- من فِيتنام إلى غزّة: أَمريكا في مَسَارِ الهزائمِ والخيباتِ
- الاستسلامُ ليس خياراً: دُروسٌ من بيروت إلى غزَّة
- الدكتور صالح الشيباني... من تُرابِ فلسطين تَكَوَّنَت رُوحُهُ
- أَحمد الشُّقيري... رجُلٌ صَنَعَ الثَّورة فخذلتهُ!
- نوح الفلسطيني: بين طوفانِ الخذلانِ وسفينةِ الصُّمودِ
- فرحان السعدي: الشَّيخ الذي صامَ عن الحياةِ وارتوى بالمجدِ
- اليمن: أَصلُ العروبة وَشُمُوخُ الجبالِ
- نافع محمد: من القامشلي إِلى فلسطين.. حكايةُ عشقٍ لا تنتهِي!
- الشَّهِيدُ مرعي الحسين: نَسرٌ حَلَّقَ في سماءِ المجدِ ولم يه ...
- حينَ يغيبُ الكبارُ... وداعاً أَبا سعيد!
- إبراهيم أبو خليل: عاشقُ الوطنِ الذي رَوَى الأرضَ بِدَمِهِ
- فاطمة فاعور.. أُمُّ الشهداء التي ودَّعتهُم ثُمَّ لحِقَت بِهِ ...
- عمر المحمود (أبو مروان): طائرُ الحُزنِ والحنينِ للوطنِ
- نمر كلّم وحَمَر.. قصَّةُ شهيدٍ لم يُخذِّلهُ كلبُهُ!
- وصيّةُ ندى لافي كلّم: حينَ تكتُبُ الأرضُ رسالتَها الأخيرةَ
- ندى لافي كلَّم (أم علي)... وصيَّةُ الأَرض التي لا تموتُ
- قمة العرب 7353: فلسطين على الرَّفِّ والتَّطبيع على الطَّاولة


المزيد.....




- هيئة بحرية بريطانية تبلغ عن تعرض إحدى السفن لحادث اقتراب مشب ...
- أشعة CT تحت المجهر.. فوائد تشخيصية مقابل مخاطر صحية محتملة
- روبوت -شبحي-بشري- يعرض قدراته العضلية في فيديو مذهل!
- دراسة حديثة تعيد إحياء نظرية -دُحضت سابقا- عن سبب التوحد
- المخاطر الخفية للاعتماد العاطفي على الروبوتات
- ماذا يعني أن ترفض الصين تزويد أمريكا بالمعادن الأرضية النادر ...
- حلف شمال الأطلسي يختار اتجاهًا جديدًا للمواجهة العسكرية مع ر ...
- عقب زيارته الأولى للدوحة.. الرئيس السوري يوجه رسالة محبة وتق ...
- الإدارة الأمريكية توافق على صفقة صواريخ -ستينغر- للمغرب بقيم ...
- عشرات الغارات الأميركية على مناطق عدة من اليمن


المزيد.....

- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - وداعاً أَبا أَحمد: حين تغادرُنا الطُّيُورُ الأَصيلةُ بلا وداعٍ