|
العلم يدعم القضية الفلسطينية وهو الفريضة الغائبة عند العرب
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 8313 - 2025 / 4 / 15 - 11:27
المحور:
القضية الفلسطينية
شهد العقد الأخير من القرن الماضي انفراد الامبريالبة الأميركية بالقطبية الواحدية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1921. مباشرة في العام التالي، 1922، أصدر المحافظون الجدد بالولايات المتحدة كتاب القرن الأميركي ، حيث قرروا امتداد القطبية الأميركية المنفردة بالهيمنة على العالم لمدة قرن قادم. وضع مخطط القرن ديك تشيني وباول بولفويتز القطبان في المحافظين الجدد الذي تعتبر نواته المسيحية الأصولية. وفي العام 1996، بتفويض من حركة المحافظين الجدد وضعت لجنة يرأسها ريتشارد بيرل ، من المحافظين الجدد، تقريرا عن دور الشرق الأوسط في القرن الأميركي العتيد قدم الى زعيم الجناح الليكودي بالدولة الصهيونية ، بنيامين نتنياهو. امتثالا لمضمون التقرير وضع نتنياهو في برنامجه الانتخابي ، وكانت الحملة الانتخابية للكنيست جارية ؛ أضاف نتنياهو الى برنامجه الانتخابي بندا ينص لأول مرة على عدم الانسحاب من الضفة الغربية. بعكس المتوقع تفوق نتنياهو على شمعون بيريس وريث المغدور رابين. شرع نتنياهو ، إثر تشكيل الحكومة خطة طموحة للتوسيع الاستيطاني شملت كل ركن بالضفة؛ وبعد ان كانت المستوطنات نقاطا محاصرة بالتجمعات السكنية العربية غدا الاستيطان يحاصر التجمعات العربية. في نفس العام تلقت القضية الفلسطينية هدية لا تقدر بثمن ، فقد ثبت بالتنقيب الأثري الذي أجراه باحثون من الغرب ان الدولة اليهودية القديمة محض تفكير رغبي ولا أثر لها او لهيكل السليمان في باطن الأرض الفلسطينية. كان بمقدور هذا الكشف النفيس ان يجهز على الرواية الصهيونية ويحرمها المشروعية التاريخية الى الأبد. غير ان الجانب الفلسطيني والعرب عموما فرّطوا في حقهم وأهملوا الكنز. استمرت الرواية الصهيونية تسند نهج التوسع الاستيطاني، وراحت تتصاعد دعوات تهجير الفلسطينيين من ديارهم مرفقة بتوجه فاشي مسعور داخل الدولة الصهيونية. لم تطرح برامج عملية تستند الى الكشف العلمي. ونزلت هزيمة حزيران ولم تستخلص منها الدروس اللازمة ؛ وبقي التسطيح والانتقائية والتلفيق أساليب في مقاربة موضوع الاحتلال الإسرائيلي . ولا شك ان المستقبل سوف يسترجع بتندر وسخرية ركون العرب والفلسطينيين للوساطة الأميركية في دفع العدوان والاحتلال اللذين كان للامبريالية الأميركية دور المحفز والداعم لهما! الرؤية المعمقة للاستيطان تبرز في بحث اجراه جيف هالبر ، رئيس سابق للجنة التصدي لهدم بيوت الفلسطينيين وعضو محكمة راسل لنصرة الشعب الفلسطيني، التي نشطت خلال الفترة 2009- 2014 دون ان يهتم بها الإعلام العربي والفلسطيني. كشف هالبر عن جانب مغفل للاحتلال . فقد حملت نشرة "الحقيقة البشعة" باللغة الإنجليزية لمحة عن كتاب أصدره جيف هالبر ، جاء فيها انه قد اورد في أحدث مؤلفاته " الحرب ضد الشعب : إسرائيل والفلسطينيون وإسكات شعوب العالم "، ركز فيه على "فلسطين المعولمة" و" كيف تصدر إسرائيل احتلالها – أسلحتها ، نماذج السيطرة وتكتيكاتها ونظم المراقبة والأمن التي تبتكرها، وجميعها يتم تصنيعها وتطويرها من خلال اختبارها على الفلسطينيين- او على أقطار مشغولة بحروب محلية او بفرض الأمن الداخلي، وكلاهما تعبير عن الحرب ضد الشعوب ". يستخلص هالبر ان الاحتلال عزز مكانة إسرائيل بين الكثير من دول العالم، وبدونه ستكون اقرب إلى نيوزيلنده تعتمد على السياحة ليس غير. ونجد رؤية معمقة للاحتلال ونظام الأبارتهايد الذي فرضه بفلسطين في كتابات صحفي الاستقصاء جوناثان كوك . يقول في إحدى استقصاءاته الاحتلال أكثر من استيطان. جوهر المشكلة أن "الاحتلال مشاريع اقتصادية مدنية وعسكرية أمنية تتجاوز الاستيطان إلى حضانة تيار مهيمن ، تيار التعليم الديني يسمم العقول الطرية ، وكذلك السيمانارات التي يتلقى فيها الصبيان المتدينون تدريبات تؤهلهم ليكونوا ضباطا للجيش ويتثقفون يوميا بأنهم الشعب المختار ولهم الحق المقدس في إبادة الشعب الفلسطيني. ولهؤلاء المتطرفين المتمسكين بصهيونيتهم مجموعات سكانية مدينية في الضفة الغربية تلائم نمط حياتهم الدينية . وهؤلاء لن يتخلوا ببساطة عن المستوطنات... فهي عقارات تدر فوائد جمة جرى نهبها من أصحابها الفلسطينيين . وهي مزارع تعتمد في بقائها على سرقة الأرض الفلسطينية ومصادر المياه الفلسطينية". يعقد في إسرائيل مؤتمر سنوي للأمن، تُستعرض فيه تجربة عام مضى في مكافحة "الإرهابط، وتستخلص الدروس وتوضع الخطوط العامة للعام القادم . تحرص الشرطة الأميركية على إرسال مندوبين لحضور المؤتمر؛ وفي بيان وقعه ألف مثقف من السود المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، ورد ان السود الأميركيين يتلقون على جلودهم خبرات القمع التي راكمتها إسرائيل في الأراضي المحتلة. لا يتوقف قصور الإدراك الفلسطيني عند فهم مجريات الاحتلال ؛ فهناك ايضا القصور في استيعاب منجزات فكرية كشفت زيوف الفكر الصهيوني وتوظيفها في مقاومة نهج التطهير العرقي الجديد الذي تحرض عليه سياسات إسرائيل وانصارها في الخارج. الدراسات العلمية والتعليمية في بلدان الغرب تنطلق من اعتبار التوراة كتابا تاريخيا ، وتؤكد، بناءً عليه ان اليهود عبروا الى أرض كنعان ودمروا الكنعانيين وحضارتهم المتخلفة وبنوا الخضارة المتقدمة التي تطورت منها الحضارة الأوروبية الراهنة. جاءت دولة إسرائيل الحديثة تناظر الدولة القديمة ، الأمر الذي يقطع بان تاريخ المنطقة هو تاريخ إسرائيلي بامتياز. تعمد الليكود والصهيونية الدينية توظيف السياسة المتبعة مع الدعاية لتأجيج عنصرية وتحريض عنصري يشيع الكراهية والازدراء ضد العرب والفلسطينيين . أثمرت التعبئة العنصرية فاشية بهيمية اشاعت في الوسط اليهودي حقدا جارفا تحدي العرب في أحقية تملك فلسطين . تصاعدت موجة الاستيطان في الأراضي العربية وتهويد مدينة القدس الشرقية. المفهوم الصهيوني لتاريخ المنطقة ادرج في مناهج التعليم العربية والفلسطينية . المفارقة الغرائبية التي لا تحدث إلا في المنطقة العربية أن الجانب العربي، ساسة ومثقفين، أبدى اللامبالاة حيال الاكتشاف التاريخي العلمي ولم يدخله بالثقافة العربية المعاصرة. تصاعد نهج الأبارتهايد واتسعت التحضيرات للتطهير العرقي في فلسطين متزامنة مع معطيات علمية فندت الرواية الصهيونية وادعاءها بالحق التاريخي في فلسطين. بالدعاية والممارسة العملية أراد الصهاينة تثبيت ما فنده البحث العلمي الموضوعي. تواترت تعبئة الجمهور اليهودي بعنصرية فاشية تصاعدت معها موجة الاستيطان في الأراضي العربية وتهويد مدينة القدس الشرقية، مع تواتر اعتداءات الجيش والمستوطنين على العرب وتدمير عقاراتهم ومزارعهم . اغفلت الثقافة والسياسة في فلسطين والعالم العربي تماما اتضاح الكذب في التأرخة الصهيونية المستمدة من الاختلاقات الاستشراقية وزيوفها؛ هذا الإغفال شاهد على انيميا الثقافة العربية. انتقد الراحل إدوارد سعيد إغفال الثقافة العربية لدراسته عن الاستشراق، بينما استفاد منها الهنود والإيرلنديون وبعض الأفارقة. وعزا الإغفال إلى وهن الثقافة العربية بسبب قهر الأنظمة. [ الضربة الحاسمة للروايبة الصهيونية المستندة الى التأرخة التلمودية المزورة لفلسطين القديمة تمت بالجهد العلمي الذي قدمه البروفيسور كيث وايتلام في مؤلفه " اختلاق إسرائيل القديمة شطب تاريخ فلسطين"، والعنوان بليغ الدلالة. صدر الكتاب عام 1996 وترجمته للعربية الدكتورة سحر الهنيدي ونشر ضمن سلسلة كتب عالم المعرفة عام 1999. يتضمن الكتاب سردية لمخرجات الأبحاث الموضوعية، المتحررة من حكايات التوراة. ظروف الركود السياسي حالت دون استيعاب مضمون الكتاب وتوظيفه ثقافيا وسياسيا. لاحظ الباحث هيوز انه لا يوجد تفريق واضح بين سفر التكوين وما يليه حتى نهاية الكتاب المقدس او حتى نهاية جزء ( الملوك2)؛ وهكذا استنتج هيوز في دراسته الحديثة حول التسلسل الزمني في سفري القضاة وصموئيل ، انها محض ‘خيال اخترعه اليهود في المنفى لكي يمدونا بمشروع تاريخ عمره ألف عام يغطي تاريخ وجود إسرائيل في أرض كنعان. وهكذا لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية لتزويدنا بتسلسل تاريخ إسرائيل’[وايتلام : 58]. و بينت أبحاث ميلر وهاييز أن التوراة ليست كتاب تاريخ ، وأنها تساعد في أفضل الحالات على فهم فترة الهيكل الثاني ( 538ـ 518 ق.م). انطلق ميلر وهايز عام 1986، وأسهم موقفهما في إيجاد مناخ من الإرباك في هذا الميدان الأكاديمي مما أدى إلى المطالبة بإدخال تغيير أساسي على النموذج المتبع في الدراسات التوراتية. وعبر عالم الآثار، ليتش، عن اعتقاده عام 1988 بان التوراة "نص مقدس لا يعكس بالضرورة الحقائق التاريخية ؛ التوراة عالم قصص خيالية تثير الشكوك حول تصورات تقليدية لحكم داود وسليمان( داخل الفضاء الفلسطيني) ... انطوت الرؤية على أهمية فائقة . فقد فتحت الأذهان على امر ينسف المألوف. كذلك فإن كتاب ديفيز (قي اليحث عن تاريخ إسرائيل القديم) والأحداث المثيرة في المنطقة (بداية العصر الحديدي المزامن لهجرة الإسرائيليين -حسب قول التوراة- ليست مرتبطة بالهجرة الإسرائيلية من مصر؛ إذ يتساءل المؤرخ أن فلسطين خضعت آنذاك لحكم مصر، فكيف يهرب الإسرائيليون من مصر إلى أرض تحكمها مصر؟ سددت نتائج الاكتشافات المتراكمة طعنة قاضية لعلم الآثار التوراتي . [وايتلام: 276]. صدر كتاب كيث ويتلام الجريء في فضح كل زيوف الآثاريين التلموديين. سطع نجمه في سماء علم الآثار ؛ ونقلت صحيفة "تايمز ليتراري صبليمنت " **تصريحا لإدوارد سعيد في 21 نوفمبر 1996 حول أفضل كتاب قرأه ذلك العام فأجاب :"إنه كتاب كيث ويتلام، عمل أكاديمي من الطراز الأول ، أسلوبه بالغ الدقة ، وكاتبه يتمتع بجرأة كبيرة في نقده لعديد من الفرضيات حول التاريخ التوراتي."
لا يوجد في السجل الآثاري وحده ما يدل على وجود كينونة اسمها إسرائيل. بات من غير المقبول علميا استعمال تعبير "إسرائيلي" في السياق الأركيولوجي للعصر الحديدي المبكر لفلسطين؛ إذ تمدنا الأبحاث الأثرية بمعلومات قيمة حول الديمغرافيا والمستوطنات والاقتصاد والتنظيم الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني. إن تمثيل فترة العصر البرونزي المتأخر على أنها فترة انهيار حاد للمدنية وللثقافة لتحل محلها الثقافة الراديكالية الجديدة(تسلسل تاريخي يناظر تسلسل أحداث 1948) يبدو أنه يؤكد ويعكس النظرات التي سادت خلال العقود المبكرة من القرن العشرين، [وايتلام:314 ] ، أي فترة هيمنة قبضة المدرسة الأميركية للتنقيب الأثري، وإسقاط مؤثراتها على التاريخ القديم... "هذه الملاحظات ذات الأهمية العامة يتفق عليها عدد متزايد من الباحثين[وايتلام: 292]. البحث عن إسرائيل القديمة أثار جدلا واسعا حول ما إذا كان التراث التوراتي يمثل رؤية للماضي مطابقة للواقع الراهن. واضح أن رؤيتنا للماضي هي شيء سياسي بالدرجة الأولى ؛ كما أن لها تداعيات مهمة في العصر الحديث لأن هذه التمثلات الذهنية تؤكد الهوية الشخصية أو الاجتماعية أو تنكرها[ وايتلام : 36] يأتي وايتلام على إنجاز عالم الآثار الفرنسي توماس طومسون، الذي نشر عام 1992 كتابه " التاريخ المبكر لشعب إسرائيل من المصادر الآركيولوجية المدونة" *، وفيه كشف تواطؤ علماء الآثار التوراتيين. ظهر توماس طومسون في ميدان الآثار ليفسد الزفة التي استهلت بانتصار حزيران، وتواصلت بصخب الاستيطان اليهودي بالضفة، حيث اعتبر(الانتصار) تأكيدا لمقولات التأرخة التوراتية. ينقل وايتلام عن كتابه ، "‘ إن مجموع التاريخ الغربي لإسرائيل والإسرائيليين يستند إلى قصص من العهد القديم تستند إلى الخيال’ . باحثون غير إسرائيليين ، وعلى رأسهم الجريء توماس طومسون، أدركوا في مرحلة مبكرة جدا انعدام المنطق في هذه التأرخة المربكة . كان على قدر من الشجاعة والصدق العلمي ، وهو المعترف له بالفضل كعالم مختص وأبرز علماء الآثار المختصين بالتاريخ القديم للشرق الأوسط . فُصل العالم المتميز من منصبه كأستاذ علم الآثار في جامعة ماركويث في ميلووكي عام 1992. قدره عاليا نائب رئيس الجامعة ‘من أبرز علماء الآثار وفي طليعة المختصين بالتاريخ القديم لمنطقة الشرق الأوسط’، مبررا قرار الطرد بأن ‘الجامعة تحصل على المساعدات المالية من الكنيسة الكاثوليكية’ " واعترف بفضله كذلك جوناثان تاب ، الخبير في المتحف البريطاني، " ان طومسون دقيق جدا في بحثه العلمي الكبير وشجاع في التعبير عما كان كثير منا يفكر فيه حدسا منذ زمن طويل ، وكانوا قد فضلوا كتمانه". تلك هي الزيوف التي قام عليها هيكل الرواية الصهيونية؛ فأعمدته سرابية، ضللت الباحثين ردحا من الزمن قبل أن يتأكدوا من طبيعتها المراوغة. صدر أول تشكيك يهودي علني في ادعاء إسرائيل احتكار وراثة الإسرائيليين القدامى عن كاتب صهيوني، يدعى آرثور كوستلر. عرض في مؤلفه “ القبيلة الثالثة عشرة " أن اليهود الأشكيناز ينحدرون من قبيلة الخزر التي لا تمت بصلة لليهود "المنفيين" من إسرائيل القديمة. ظهر الكتاب أواخر سبعينات القرن الماضي مع وصول ميناحيم بيغن للسلطة في إسرائيل وشروعه تنفيذ برنامج استيطاني يجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية غربي نهر الأردن. قبْل كوستلر نشر دوغلاس دونلوب وهو باحث بريطاني بحثا معمقا عام 1954 عن دولة الخزر دون أن يذكر شيئا عن مصيرها وكيف انهارت على أيدي هولاكو أثناء زحفه لتدمير الخلافة العباسية في بغداد. كان كوستلر صهيونيا وترجمت كتبه إلى العبرية. أورد في الكتاب: "الأغلبية الكبرى من اليهود في العالم كله هم من أصل أوروبي شرقي ، ولعلهم بالدرجة الأولى من أصل خزري . وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن أجدادهم لم يجيئوا من الأردن ، بل من نهر الفولغا. اجل لم يجيئوا من أرض كنعان بل من القوقاز التي اعتقد فيما مضى أنها مهد الجنس الآري. والصهاينة لا يهادنون الراي الآخر؛ نددوا بمؤلف كوستلر " معيبا ومخزيا ولاساميا "، واعتبر كوستنر “خائنا لا وازع له" ، كما أورد المؤرخ شلومو سياند [ساند: 307] في مؤلفه "اختلاق الشعب اليهودي." • تنبع أهمية كتاب شلومو ساند " اختراع الشعب اليهودي" من كونه يشكل انقلاباً على الأساطير التي اختلقها المستشرقون من دول الغرب لحساب الحركة الصهيونية. هل تمّ فعلاً نفي سكان "مملكة يهودا" بعد تدمير الهيكل أم أن ذلك لا يعدو كونه مجرد أسطورة مسيحية شقت طريقها إلى التراث اليهودي الذي جيّرها فيما بعد لمصلحته؟
للإجابة على هذ ا لاالسؤال وغيره صاغ ساند أطروحته التي تقول: إن اليهود شكّلوا دائماً جماعات دينية مهمة اتخذت لها مواطئ قدم في مختلف مناطق العالم وليس حصرا على أرض فلسطين ، ولكنها لم تتشكل . (أمة واحدة من أصل واحد وفريد تنقل من ثَم عبر التشرد والنفي الدائمين في غرب آسيا وشمال أفريقيا وشرق أوروبا وجنوبها واستوطنوا أسبانيا إن احتلال بلاد "كنعان" وإبادة سكانها حسب سفر "يوشع "، والتي تعد أول مجزرة في تاريخ البشرية، لم تقع أساساً ؛ وهي إحدى الأساطير التي دحضتها الأركيولوجيا كلياً. شكلت حافزا للتنقيبات الأثرية اللاحقة في رالنصف الثانيرمن القرن العشرين ، والتي اتى عليها وايتلام في كتابه. كما أن الرواية التوراتية الأخرى حول مملكة داوود وسليمان التي يفترض أنها عاشت في القرن العاشر قبل الميلاد[ داخل الفضاء الفلسطيني]، والتي يعدها جميع المؤرخين الإسرائيليين حجر الزاوية في الذاكرة الوطنية، والمرحلة الأكثر إشراقاً والأكثر تأثيراً في التاريخ اليهودي، دحضتها أيضاً الاكتشافات الأثرية طيلة سبعين عاماً على أرض فلسطين ، حيث إن الحفريات التي جرت عام 1970 الى يومنا الحاضر وما بعد ذلك في محيط المسجد الأقصى وتحته لم تثبت وجود أي أثر لهذه المملكة المتخيلة ولا لذلك الهيكل المزعوم. يتساءل ساند : "إن القدس قبل ميلاد المسيح لم تكن سوى قرية صغيرة فأين لها أن تتسع لقصر سليمان و تتسع لزوجاته السبعمائة ولثلاثمائة خادم من حاشيته"؟ أين ذلك الصرح العظيم الذي عجزت الحفريات الأثرية طيلة عقود باستعمال أحدث الأجهزة والمعدات والمجسات والميزانيات الضخمة إثبات وجوده في مدينة القدس؟ يخلص ساند بعد ذلك إلى القول إن الأساطير المركزية هذه حول شعب يهودي قديم واستثنائي خدمت بإخلاص تام نشوء الفكرة القومية اليهودية والمشروع الصهيوني وأعطت تبريراً لعملية الاستيطان في فلسطين. ويضيف ساند في كتابه أن الرواية التاريخية الصهيونية بدأت تتفسخ في نهاية القرن العشرين في إسرائيل نفسها وفي العالم وتتحول إلى مجرد خرافات أدبية تفصلها عن التاريخ الفعلي هوة سحيقة يستحيل ردمها...احتفظت فلسطين زمن الفراعنة بالاسم "أرض كنعان"، وهو كذلك في التوراة الأصلية -التناخ. "انكشف زيف الميثة ( الخرافة) التلمودية ، أرجع ظهور الكثير من الأسماء في سفر التكوين إلى القرنين السادس والخامس قبل الميلاد. ومن المؤكد أن كتبة هذا السفر عرفوا بابل وآشور اللتين أقيمتا بعد " العَليّا" المقدر حدوثها في القرن العشرين قبل الميلاد بفترة طويلة [ساند: 159]. • أفرد ساند في كتابه فصلا موسعا عن مملكة الخزر؛ واتى على ذكر مملكات أخرى لمعتنقي الديانة اليهودية من غير بني إسرائيل . ذكر البروفيسور ساند إن تلك الممالك حظيت في ميدان البحث التاريخي على الصعيد العالمي باهتمام فاق ما حظيت به مملكة داوود وسليمان. وفي الولايات المتحدة بالذات تمتنع قرابة ستين جامعة عن إدراج موضوعة أن فلسطين هي الوطن القومي لليهود في مناهج كليات التاريخ. اما في السياسة فلا يخجل الرئيس الأميركي باراك أوباما ، وهو الخبير في القانون من الاتكاء على هذا التزييف. أعاد شلومو ساند النظر في عدد كبير من الأكاذيب باختراع أرض إسرائيل وبناء الأساطير حولها عبر إخضاع هذه المسلمات إلى المحاكمة التاريخية الصارمة.. شرح ساند عبر التعمق في الأدبيات اليهودية كل ما يتعلق بنشوء هذا المصطلح مبتدئاً بظهور المصطلح مرورا باستغلاله ابتدأ من القرن الخامس قبل الميلاد، بالقول إن أرض فلسطين كانت تسمى «أرض كنعان قبل خراب الهيكل الثاني. كان من أهم أهداف هذا الكتاب بما يشكل خطوة نقدية تتعلق بتاريخ تفكيك مبدأ الحق التاريخي والروايات القومية المرافقة له التي كانت تهدف إلى منح الشرعية الأخلاقية لاستيلاء الحركة الصهيونية على مساحة من الأرض لا تعرف حدودها ولا ما هي تطلعاتها المستقبلية ، وانتهاء بتحوله الى مصطلح جيوسياسي ، لكنه لم يكن مطابقاً للبلاد التي منحها الرب حسب الرواية الصهيونية . أخذ علم الآثار التلمودي يشهد انحسارا متزايدا في مكانته المهيمنة . أخيرا تهيأ المناخ الثقافي للمؤرخين الجدد في إسرائيل، وهذا أفضى بدوره إلى البحث في منبع الرواية الصهيونية بصدد صاحب الحق في فلسطين . وبرز المؤرخ شلومو ساند باحثا موضوعيا تتبع منابع الفكر الصهيوني بقدر ما طالت إمكاناته البحثية. فمن غير اللائق في نظر الباحث العلمي عدم الاستناد إلى الوقائع المثبتة؛ ظهر اتجاه نقدي أكثر انفتاحا في الساحة الإسرائيلية العامة ، وهو ما دفع بعض الباحثين عن الآثار أيضا إلى إسماع صوتهم الأجش علنا . فلغاية ذلك الوقت كانت حناجرهم مليئة بالتراب القومي المقدس" [ساند: 157]. تتجلى غرابة المفارقة الفاجعة في الصمت المطبق من الجانب الفلسطيني خاصة والعربي عامة، وإبقاء الحقائق خلف الكواليس كأنها لقيط يحرم قتله ويتعذر الاعتراف به. ما زالت المناهج الدراسية في أقطار العرب تعتمد مقولات توراتية، مثل قدوم الفلسطينيين من كريت او ملك إسرائيل يمتد من النيل إلى الفرات. لم يكف باحثون عربا كبارا عن الاستشهاد بمقولات التوراة. حيال الصمت تمظهر فجور سدنة الأبارتهايد في فلسطين صلف قوة يعجز عن إقامة علاقة موضوعية مع الواقع؛ يصاب بالعصاب من ينقطع عن واقعه، ويبني أحكامه طبقا لمطامعه ومخاوفه أوخيالاته الوهمية، وليس على الحقائق الموضوعية الجلية . هذه العلاقة الخاطئة مع الواقع تجعله يرفض بعقله الباطني كل حقيقة تأتي على خلاف مخاوفه وآماله فيخنقها. • E arly History of The People From The Written& Archaeological Sources-Thomas Thomson* ** Times Literary Supplement
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كابوس الثقافة الفاشية يجثم على المجتمع الأمريكي
-
هل انتقاد إسرائيل خارج القانون؟
-
فضيحة أميركا الحقيقية تتضح في العدوان على اليمن
-
المقاومة الشعبية كفيلة بإفشال خطة التهجير (1من2)
-
الدفاع عن الحريات المدنية معركةحاسمة
-
الامبريالية والصهيونية عنصرية التفوق العرقي افضت الى مجازر ا
...
-
الامبريالية والصهيونية ..عنصرية التفوق العرقي افضت الى مجازر
...
-
اعتقال محمود خليل أحد دلالات الفاشية في نظام ترمب
-
التعليم العالي حين يكرس للأغراض الحربية(3من3) معهد ماساتشوست
...
-
التعليم العالي حين يكرس للأغراض الحربية معهد ماساتشوستس للتك
...
-
التعليم العالي حين يكرس للأغراض الحربية معهد ماساتشوستس للتك
...
-
التطهير العرقي جار جنوب الضفة الغربية
-
فيضان الثقافة العادمة يغرق الولايات المتحدة(3من3)
-
فيضان الثقافة العادمة يغرق الولايات المتحدة(2من3)
-
فيضان الثقافة العادمة يغرق الولايات المتحدة(حلقة 1من3)
-
الأبارتهايد أصل الداء وتصفيته هي الدواء
-
مرتزقة امريكيون في ممر نبتساريم بغزة
-
إدارة ترامب تستثمر الليبرالية الجديدة فاشية جديدة
-
ترمب يرى غزة عقارا للاستثمار وليس ضحية إبادة جماعية
-
هذه فاتشية، يجب إيقافها
المزيد.....
-
هيئة بحرية بريطانية تبلغ عن تعرض إحدى السفن لحادث اقتراب مشب
...
-
أشعة CT تحت المجهر.. فوائد تشخيصية مقابل مخاطر صحية محتملة
-
روبوت -شبحي-بشري- يعرض قدراته العضلية في فيديو مذهل!
-
دراسة حديثة تعيد إحياء نظرية -دُحضت سابقا- عن سبب التوحد
-
المخاطر الخفية للاعتماد العاطفي على الروبوتات
-
ماذا يعني أن ترفض الصين تزويد أمريكا بالمعادن الأرضية النادر
...
-
حلف شمال الأطلسي يختار اتجاهًا جديدًا للمواجهة العسكرية مع ر
...
-
عقب زيارته الأولى للدوحة.. الرئيس السوري يوجه رسالة محبة وتق
...
-
الإدارة الأمريكية توافق على صفقة صواريخ -ستينغر- للمغرب بقيم
...
-
عشرات الغارات الأميركية على مناطق عدة من اليمن
المزيد.....
-
تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل
/ غازي الصوراني
-
حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية
/ فتحي كليب و محمود خلف
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|