رحيم فرحان صدام
الحوار المتمدن-العدد: 8312 - 2025 / 4 / 14 - 10:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يعد الشيخ احمد الوائلي من ابرز زعماء ( الاعجاز العلمي ) عن طريق إستعمال اللغة المتعسف ، ولوى عنق النصوص لتتفق مع التفسيرات العلمية ، مما ادى الى فجوة واسعة بيننا وبين فهم القرآن على حقيقته حتى تخدم أوهام البعض العنصرية المصابة بداء التفوق المزيف على الغرب ، والأمثلة على هذا التعسف المضحك المبكى الذى يمارسه الشيوخ كثيرة وسنختار منها أهم مثال يشير إلى عملية التزييف الإعجازي ، وسنورد الآية ثم نورد إعجازها العلمي الذى يدعيه الشيخ احمد الوائلي ويليها معنى الكلمة الحقيقي المتعارف عليه في قواميس اللغة في ذلك العصر والذى أوصل الدلالة اللغوية الصحيحة واعتمد عليها المفسرون .
الإعجاز العلمي في قوله تعالى : {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [النازعات: 30].
يقول الشيخ الوائلي : " تنص على حركة الارض بسم الله الرحمن الرحيم " والأرض بعد ذلك دحاها "الدحو عبارة عن دحرجة باللغة الان تلزم كرة وتلقيها على الارض تدور على الارض يعني دحرجتها لان الدحرجة حركتين حركة موضعية حول نفسها وانتقالية وكذلك الكواكب الارض والشمس هكذا تدور حول نفسها تؤلف الليل والنهار وحول الشمس تؤلف الفصل الاربعة "(1)
هذا المعنى الذي ذكره الشيخ اقتبسه من كتاب مفاتح الغيب للفخر الرازي الذي قال ما نصه :" وَقِيلَ: أَصْلُ الدَّحْوِ الْإِزَالَةُ لِلشَّيْءِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَمِنْهُ يُقَالُ: إِنَّ الصَّبِيَّ يَدْحُو بِالْكُرَةِ أَيْ يَقْذِفُهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ"(2).
كما نلاحظ ان الفخر الرازي ضعف المعنى الذي اعتمده الشيخ الوائلي بصيغة التضعيف :
( قيل) ولكن الوائلي اعتمده لكي يتناسب مع الاكتشافات العلمية وهي حركة الارض حول نفسها وحول الشمس ؛ ولان الاكتشافات العلمية قام بها علماء الغرب فاراد ان يكون للمسلمين فيها دورا وهميا.
اما المعنى الحقيقي للآية والذي رجحه الفخر الرازي نفسه معتمدا على كتب اللغة فهو :" دحى الأرض أي بسطها" (3) وهو المعنى الاصح عند الامام السمعاني (4) فضلا عن اتفاق كتب اللغة والتفسير على هذا المعنى للآية (5) .
اما السيد محمد صادق الصدر فقد علق على الآية بما نصه :" أقول : يُقال : انداحت الدائرة ، أي : كبرت ، كما لو رميت حجراً في الماء ، فصارت فيه دائرةٌ تكبر بسرعةٍ تدريجيّةٍ ، فقد انداحت الدائرة أي : توسّعت ، فحينئذٍ يرجع إلى معنى الانبساط ، والأرض دحاها ، أي : وسعها وبسطها ، فكذلك الأرض ، أي : إنَّ المعنى يوحي بأنَّ الأرض كانت أصغر حجماً فكبرت ، أي : بعد وجودها دحاها فكبرت . وهو ممّا لم يثبته العلم التجريبي الغربي ، إلّا أنَّنا نصدّق القرآن في ذلك ، والقرآن أولى بالتصديق من العلم التجريبي بالتأكيد"(6) .
نلاحظ ان السيد الصدر اقر ان التفسير المشهور للآية هو توسع الارض وانبساطها واعترف انه خلاف العلم التجريبي الغربي فكيف يقول الشيخ الوائلي انه اعجازا علميا ، كما اعترف السيد الصدر بأنه لا يصدق العلم بل يصدق القرآن في ذلك مما يدل على ان منهجه غير علمي ويقدم النص المقدس على العلم التجريبي تحديدا.
والتفسير الثاني لدحو الارض هو ما ذكره الراغب الاصفهاني الذي قال ما نصه :" وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أي : أزالها عن مقرّها . . . وهو من قولهم : دحى المطر الحصى من وجه الأرض ، أي : جرفها ، ومرّ الفرس يدحو دحواً ، إذا جرّ يده على وجه منة الأرض ، فيدحو ترابها " (7).
وإمّا زوال الارض نتيجةً لأهوال يوم القيامة ، كما استشهد الراغب (8) على ذلك بقوله تعالى : {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ} (9) فهذا ينفي حركة الارض حول نفسها او حول الشمس كما حاول الشيخ الوائلي و السيد الصدر استنباطه من الآية من دون دليل او توثيق .
والغريب في الامر ان السيد الصدر اعتمد على تفسير « الميزان » للطباطبائي في الزعم إنَّ الدحو بمعنى الدحرجة (10)؛ ليؤكد إن الله دفع الأرض ، فتدحرجت في مسارها أو فلكها ، فيكون ذلك إشارةً إلى حركة الأرض . (11) ونقول ان هذا تفسير شاذ تخالفه اغلب معاجم اللغة وكتب التفسير ورفضه السمعاني(12) والفخر الرازي (13).
وقد ذكر عددٌ من المفسرين والمحدثين في معنى قوله تعالى (دحاها): " ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وشقق فيها الأنهار، وجعل فيها الجبال والرمال والسبل والآكام، فذلك قوله تعالى (والأرض بعد ذلك دحاها) " وهو قول ابن عباس. (14)
وبين ابن كثير معنى الآية : (وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) هو قوله تعالى :(أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا) (15). (16)
ان القرآن ليس كتاباً في الفيزياء ولا الكيمياء ولا الجيولوجيا، وليس مطلوباً منه ذلك، ولكنه كتاب ديني يضع الضوابط والخطوط العامة للأخلاقيات والعبادات والمعاملات، ويتعامل مع المطلق والعموميات وربطه بالعلم الذى يتعامل مع النسبي والمتغير فيه خطورة شديدة على الدين ، فالدين سيتأثر عندما نربط بين اية ونظرية عملية تثبت خطأها بعد فترة .
ننصح المسلمين بالكف عن هذا العبث والتزييف اللغوي ، ويجب أن يعلموا أن الكتب المقدسة لا تحتوى على أي نوع من الإعجاز العلمي.
الهوامش
(1) مفهوم دحو الأرض الشيخ الوائلي
https://youtu.be/cgA3CqYkDys?si=8Xr8YwLYB-rcWlTF
(2) الفخر الرازي: محمد بن عمر بن الحسين الشافعي (ت606هـ/ 1210م)، مفاتيح الغيب ، دار الكتب العلمية ، ( بيروت - 1421هـ / 2000 م).(31/ 44).
(3) الفخر الرازي: مفاتيح الغيب .(31/ 44).
(4) السمعاني: منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي (ت 489 هـ / 1096 م)، تفسير السمعاني ، تحقيق ياسر بن إبراهيم ، غنيم بن عباس ، دار الوطن ، الطبعة : الأولى ( الرياض- 1418هـ/ 1997م).(5/ 39).
(5) ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري(ت 276هـ/883م)، تأويل مشكل القرآن ، تحقيق احمد صقر ، دار التراث ، ط2،( القاهرة - 1972).(ص: 48)؛ الهروي: أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهري ، (ت 370هـ / 981م)، تهذيب اللغة، المحقق: محمد عوض مرعب، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الأولى، 2001م. (5/ 118)؛ السمرقندي: أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم الفقيه الحنفي ( ت373هـ / 1057م)، بحر العلوم - دار الفكر (1/ 65)، (3/ 522) ؛ الزمخشري : جار الله أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، (ت 538هـ / 1144م)، الفائق في غريب الحديث والأثر، المحقق: علي محمد البجاوي -محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار المعرفة ، الطبعة: الثانية، الفائق في غريب الحديث (1/ 416)؛ ابن منظور: جمال الدين ، محمد بن مكرم بن على، الأنصاري (ت 711 هـ /1311 م)، لسان العرب ، الناشر: دار صادر – بيروت، الطبعة: الثالثة - 1414هـ.(3/ 93).
(6) السيد الصدر: محمد صادق( ت1999) ، منة المنان في الدفاع عن القرآن ، تحقيق : محقق : مؤسسة المنتظر لإحياء تراث آل الصدر، سنة الطبع١٤٣٢ ه . ق، الناشر ، محبين - قم – ايران ، ، الطبعة١. ج5 ص 370.
(7) الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد (ت502هـ/ 1109م)، المفردات في غريب القرآن، تحقيق: محمد خليل عيتاني، دار المعرفة، ط2، (بيروت -1999م). ص 167 .
(8) الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن ص 167 .
(9) سورة المزّمّل ، الآية : 14 .
(10) ينظر : السيد الطباطبائي ، محمد حسين (ت1981) ، الميزان في تفسير القرآن ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ، ج20 ص 190 .
(11) السيد محمد الصدر ، منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج ٥، ، ص ٣٧٢.
(12) السمعاني: تفسير السمعاني.(5/ 39).
(13) الفخر الرازي: مفاتيح الغيب .(31/ 44).
(14) ينظر : البخاري ، محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم ، (ت 256هـ/862 م) ، الناشر: دار الشعب – القاهرة ، الطبعة: الأولى، 1987م. (6/ 159)؛ الزمخشري: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ، الناشر: دار الكتاب العربي – بيروت ، الطبعة: الثالثة - 1407هـ. 4/ 1327 ؛ أبو حيان الأندلسي: محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان (ت 745هـ/ 1344 م) البحر المحيط في التفسير، المحقق: صدقي محمد جميل، الناشر: دار الفكر - بيروت، الطبعة: 1420 هـ 10/ 400 ؛ ابن كثير :عماد الدين إسماعيل بن عمر الدمشقي (ت774هـ/1373م)، تفسير القرآن العظيم، المحقق: محمد حسين شمس الدينـ، الناشر: دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون – بيروت، الطبعة: الأولى - 1419هـ. (7/ 151).
(15) [النازعات: 31].
(16) ابن كثير : تفسير القرآن العظيم . (7/ 151).
#رحيم_فرحان_صدام (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟