رحيم حمادي غضبان
الحوار المتمدن-العدد: 8310 - 2025 / 4 / 12 - 23:33
المحور:
الصحافة والاعلام
"الترهيب والترغيب ودورهما في تحقيق الديمقراطية وإصلاح المجتمع العراقي"
---
مقدمة:
يمر العراق بمرحلة حساسة تتطلب جهودًا مكثفة لإعادة بناء مؤسساته الديمقراطية وتحقيق إصلاحات حقيقية في المجتمع. وفي هذا السياق، برزت أدوات متعددة للتأثير في سلوك المواطنين والنخب السياسية، من أبرزها أسلوبي الترهيب والترغيب. وبينما قد يُستخدم هذان الأسلوبان بطرق متباينة، فإن فهم دورهما وحدودهما في الإصلاح والديمقراطية يعد أمرًا ضروريًا لنجاح العملية السياسية.
---
أولًا: مفهوم الترهيب والترغيب
الترهيب هو استخدام الخوف كوسيلة للردع، ويشمل التهديد بالعقوبات أو فرض الضغوط السياسية أو الأمنية، ويهدف غالبًا إلى كبح السلوكيات السلبية أو غير القانونية.
الترغيب يعتمد على التحفيز والمكافآت، مثل تقديم المنافع أو الامتيازات مقابل الالتزام بالقوانين أو المشاركة السياسية الفاعلة.
---
ثانيًا: الترهيب كوسيلة للضبط وردع الفساد
في المجتمع العراقي، يعاني النظام السياسي من تفشي الفساد وضعف سلطة القانون. وقد يكون استخدام الترهيب، مثل فرض العقوبات القانونية أو حملات مكافحة الفساد، وسيلة ضرورية لردع الفاسدين واستعادة هيبة الدولة. لكن المبالغة في استخدام الترهيب، خصوصًا بطرق غير قانونية أو ذات طابع قمعي، قد تؤدي إلى نتائج عكسية، كتراجع الثقة بالمؤسسات أو إشاعة الخوف بين المواطنين الأبرياء.
---
ثالثًا: الترغيب كآلية لتعزيز المشاركة والإصلاح
من جهة أخرى، أثبت الترغيب فعاليته في تشجيع المواطنين على الانخراط في العمل الديمقراطي، سواء من خلال الحوافز الانتخابية، أو دعم المبادرات الشبابية، أو تمويل مشاريع الإصلاح المجتمعي. كما يمكن للترغيب أن يعزز ثقافة الحوار والانفتاح، مما يساهم في خلق بيئة صحية للإصلاح والنهوض بالبلاد.
---
رابعًا: التوازن بين الترهيب والترغيب
لا يمكن الاعتماد على أحد الأسلوبين دون الآخر. فالإصلاح الحقيقي والديمقراطية لا تتحققان بالخوف وحده، ولا بالتحفيز وحده. بل يتطلب الأمر توازنًا دقيقًا، تفرض فيه الدولة القانون بعدالة، وتكافئ من يساهم في بناء الوطن. وهذا التوازن يحتاج إلى قيادة واعية، ومؤسسات نزيهة، ومجتمع مدني فاعل.
---
خامسًا: التجارب الدولية في استخدام الترهيب والترغيب لتحقيق الديمقراطية
لقد شهدت دول متعددة استخدام أساليب الترهيب والترغيب في مساراتها نحو الديمقراطية، وفيما يلي أمثلة دولية على أستخدام هذا الأسلوب وهي.
1. جنوب أفريقيا – الترغيب والمصالحة بدلًا من العقاب
بعد سقوط نظام الفصل العنصري، لجأت جنوب أفريقيا إلى أسلوب "الترغيب بالمصالحة"، حيث أنشأت لجنة الحقيقة والمصالحة التي شجّعت مرتكبي الانتهاكات على الاعتراف بجرائمهم مقابل العفو. هذا الترغيب بالمكاشفة أدى إلى انتقال سلمي نسبي نحو الديمقراطية، وعزز الاستقرار السياسي.
المصدر:
Truth and Reconciliation Commission of South Africa Report
[Available via South African History Online]
---
2. تشيلي – الترهيب القانوني لمحاسبة المسؤولين
بعد نهاية حكم بينوشيه، استخدمت تشيلي الترهيب القانوني من خلال محاكمات وملاحقات قضائية ضد رموز النظام الديكتاتوري. هذا الإجراء ساعد في ترسيخ دولة القانون وأرسل رسالة قوية ضد انتهاك حقوق الإنسان.
المصدر:
The Pinochet Effect: Transnational Justice in the Age of Human Rights – Naomi Roht-Arriaza
---
3. ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية – المزج بين الترهيب والترغيب
اعتمدت ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية على "إجتثاث النازية" (الترهيب القانوني)، إلى جانب برامج إعادة تأهيل المجتمع (الترغيب الثقافي والتعليم المدني). هذا المزيج ساعد على بناء ديمقراطية قوية لا تزال قائمة.
المصدر:
Germany: A New History – Hagen Schulze
The Marshall Plan and the Reconstruction of Western Europe
---
4. رواندا – العدالة المجتمعية والترغيب بالمشاركة
بعد الإبادة الجماعية عام 1994، استخدمت رواندا نظام محاكم الغاكاكا، الذي جمع بين الترهيب بالمحاسبة الشعبية والترغيب بإعادة دمج الجناة الذين اعترفوا وطلبوا الصفح. هذه التجربة عززت المصالحة الوطنية رغم التحديات.
المصدر:
Reimagining Justice: The Politics of Postconflict Accountability – Lars Waldorf
---
5. العراق – محاولات الترهيب بعد 2003
بعد سقوط النظام السابق، شُهدت موجات من الترهيب السياسي والطائفي، وأحيانًا محاولات للترغيب عبر المحاصصة والمكافآت السياسية. لكن غياب التوازن بين الاثنين ساهم في تفاقم الانقسامات، وهو ما يقدم درسًا داخليًا مهمًا.
المصدر:
The Occupation of Iraq: Winning the War, Losing the Peace – Ali A. Allawi
---خاتمة:
إن مستقبل الديمقراطية والإصلاح في العراق مرهون بقدرة الدولة والمجتمع على استخدام الترهيب والترغيب كأدوات تكاملية، لا كوسائل قمع أو شراء ولاءات. فحين يشعر المواطن بأن القانون يردع الظالم ويكافئ المصلح، تبدأ الثقة تتجدد، ويبدأ المجتمع بالنهوض من جديد نحو عراق أكثر عدالة وازدهارًا
#رحيم_حمادي_غضبان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟