يحيى غازي الأميري
الحوار المتمدن-العدد: 8310 - 2025 / 4 / 12 - 17:19
المحور:
المجتمع المدني
يقول الفيلسوف إيمانويل كانت (كن جريئاً في استخدام عقلك)
د. منى الصبّان، نعم، هكذا أراها… فهي تجمع بين التواضع والإبداع، والطيبة وبعد النظر، والجرأة والتأمل والإقدام، قلبها عامرٌ بالمحبةِ والإيمان، راجحة العقل، واثقة الخُطى، متّزنة في الكلام، فيما عيناها الذكيتان تتطلّعان بثقةٍ إلى الأمام.
بدأت أتعرف إليها شيئًا فشيئًا من خلال متابعتي لمسيرتها الزاخرة بالعمل المتواصل والعطاء، منذ أول مرة التقيتها مصادفة في (مجمع الهناجر للفنون) في أوبرا القاهرة، عندما كنت برفقة (زوجتي) في إحدى زيارتنا لمدينة (القاهرة) هذه المدينة التاريخية العريقة النابضة بالحياة على مدار الساعة، ففي كل شارع وحارة ألف حكاية وحكاية، المدينة التي تُرضي كل الأذواق، خلال أقامتنا(بالقاهرة) نعمل جدول لزيارة الأماكن التي سجلناها مسبقاً، والتي يوصينا بزيارتها بعض الأصدقاء والناس خلال جولاتنا، فلنا في كل يوم نقضيه فيها خط نرسمه لخارطة الجولة.
جولتنا لهذا اليوم (14-آذار-2019) ستكون الى (برج القاهر) وأن سنحت لنا الفرصة وأسعفنا الوقت ستكون وجهتنا بعده الى (حدائق الأوبرا) انطلقنا بعد الفطور من مكان اقامتنا (مدينة المعادي) أخذنا تكسي الى محطة (مترو المعادي) قطعنا التذاكر الى وجهتنا (ميدان التحرير) أو (محطة (محمد أنور السادات) محطتنا الأولى ، قررنا أن تكون لهدفنا المنشود جولتنا سيراً على الأقدم، عبرنا (كوبري قصر النيل) باتجاه (برج القاهرة) وحدائق الأوبرا، كان الطقس ربيعي منعش، أثناء عبورنا (كوبري قصر النيل)، ألتقطنا بعض الصور، فمنظر (نهر النيل) والطقس المنعش يغري بالتقاط الصور، عند اتمام عبورنا للجسر، كان (ميدان الاوبرا) أمامنا يتوسط (الدوار) أو (الميدان) والتي نطلق عليها في العراق(ساحة) ينتصب تمثال كبير، بقامة فارعة ووقفة فرعونية متميزة أنه تمثال الزعيم المصري التاريخي (سعد زغول 1858-1927).
انعطفنا لجهة اليمين، إلى شارع الجزيرة، في الجهة المقابلة لنا كانت بناية شاهقة لفندق حديث الطراز جميل المنظر، أنه فندق (نوفوتيل) بعد مسافة قصيرة من السير، انعطفنا الى جهة اليسار، حيث شارع البرج، ونحن في منتصف المسافة نحو هدفنا ، تتفاجأ بمظهر مدهش لشجرة عملاقة بعدة سيقان متدلية تتوسط (شارع البرج) قرب الشجرة يتحرك عشرات من الناس وهم يلتقطون الصور التذكارية بالقرب منها، وهنالك قطعة تعريفة مكتوب عليها تعريف عن الشجرة هي من نوع (فيكس ينجالنس)أو(التين البنغالي)، ذات الجذور الهوائية، تم زراعتها بأمر الخديوي إسماعيل عام (1868). نحن كذلك التقطنا العديد من الصور بالقرب منها.
كنت قد شاهدتُ الكثير من هذا الصنف من الأشجار في العديد من الحدائق العامة عند زيارتي الى (سريلانكا عام 1992).
عند وصولنا (برج القاهرة) أصر قاطع التذاكر على اعتبار بطاقات دخولنا الى (برج القاهر) لفئة الأجانب، وعندما قلنا له التعليمات تشير الى أن هنالك سعر للزوار العرب، ونحن عرب (عراقيين) أصر قاطع التذاكر على معاملتنا كأجانب متحججاً بأن هنالك تعليمات جديدة صدرت من قبل إدارة (البرج) الجديدة بمعاملة العرب أسوة بالأجانب.
تركنا هذه الفرصة الجميلة وهي مشاهدة القاهرة من قمة برجها الشهير وأنت تتناول وجبة غداء ساخن... كنتُ قد جمعت معلومات عن (برج القاهرة) فهو معلم حضاري مهم يستحق الزيارة، فقد كان قد أخبرنا قبل أيام الدليل السياحي الذي كان يرافقنا عند زيارتنا الى (سد أسوان) ونحن نقف فوق (سد أسوان) قال لنا: أن ارتفاع هذه النقطة التي نقف عليها تساوي ارتفاع قمة (برج القاهرة).)
يبلغ ارتفاع برح القاهرة (187م) تأسس (1956-1961) مبني بالخرسانة، البرج على شكل زهرة (اللوتس) المصرية، مصممه المهندس المصري (نعوم شبيب 1915-1985)
تركنا المكان وسرنا بشارع (الجبلاوية) المحاذي (لنهر النيل) باتجاه النادي الأهلي، لكرة القدم، النادي الغني عن التعريف، الغريم والمنافس التقليدي لنادي (الزمالك)، حدائق النادي تغري الناظر، سألنا أحد موظفي الاستعلامات:
- هل يسمح لنا بالدخول كضيوف للمشاهدة وتناول القهوة؟
أجابنا: لا يسمح بالدخول، النادي مخصص للأعضاء فقط.
واصلنا سيرنا ثم انعطفنا في شارع (محمود مختار) وبعد عدة خطوات كنا نقف أمام بوابة جانبية لحدائق الأوبرا، اندلفنا من البوابة لحدائق الأوبرا، بناية على جهة اليمين (مركز الهناجر للفنون) أول مرة أعرف شيئاً في حدائق الاوبرا بهذا الاسم (الهناجر)* وبالحقيقة أول مرة أسمع كلمة (الهناجر) ولا أعرف معناها، مكان طاولات الجلوس في حدائقها الغناء جميل جداً، بل مبهرة، الجو ربيعي بديع، قررنا الجلوس بكافيتريا "الهناجر"، طلبنا مجموعة متنوعة لوجبة طعام لنفرين، ومن ثم المرطبات والقهوة، الخدمة في الكافتيريا رائعة، والاسعار مناسبة.
وهنا، بدأت قصّة تعارفنا مع الدكتورة منى الصبّان.
كانت تجلس على طاولة مجاورة لنا مع مجموعة من الأساتذة الأفاضل، ويدور حديثهم الشغوف حول السينما. سمعنا اسم "د. منى الصبّان" يتردد أكثر من مرة، فالتقطته زوجتي سريعًا، وبحثت عنه في محرك البحث "كوكل". وبكبسة زر، ظهرت لنا عشرات الصفحات التي عرّفتنا بصورتها، وبمكانتها، ونشاطها الفني، والثقافي.
سلمتْ (زوجتي) عليهم بكل احترام، واستأذنت في طرح سؤال عليهم، فرحّبت بنا (الدكتورة منى) بحرارة وأريحية. قالت لها زوجتي: "لقد تعرّفنا لتوّنا على نشاطك في السينما من خلال البحث على الإنترنت." بعد أن تردد أسم حضرتك أكثر من مرة، وسألتهما مستفسرة عن المكان.
فأجابت (د.منى ) بخفة دم وابتسامة صادقة، وسألتنا:
- من أين أنتم؟
-أخبرناها بأننا من العراق ونقيم حاليًا في السويد، بمدينة مالمو/ السويدية.
ففاجأتنا بالسؤال الأخر: "هل تعرفان الأستاذ محمد قبلاوي؟"
فأجبتها على الفور: "نعم، أعرفه جيدًا، فهو أشهر من نارٍ على علم في مالمو، خاصة في مجال النشاط الثقافي والسينمائي."
أخبرتها أنني سبق أن كتبت مقالًا عن نشاط الأستاذ قبلاوي، وأخرجت لها مباشرة من الإنترنت المقال، فالمقال منشور بعدة مواقع صحفية، المقال بعنوان (على هامش مهرجان الأفلام السينمائية العربية الثاني في مالمو) منشور بجريدة (الكومبس السويدية) بتاريخ (2012-11-17) فرحتْ كثيرًا، وقالت لي:
- "هل أنت كاتب؟" أومأت بالإيجاب،
ثم سألتني: هل هو صديقك في الفيسبوك؟
فقلت لها: نعم.
وسرعان ما ذهبتْ إلى صفحتها على فيسبوك، ولاحظت أن اسمي ضمن أصدقاء (محمد قبلاوي)، فأرسلت لي طلب صداقة مباشرة.
بعدها، عرّفتنا على بقية الأساتذة الذين كانوا يشاركونها الجلسة، وكان من بينهم الفنان الكبير والمصوّر السينمائي المعروف والكاتب الأستاذ (سعيد شيمي) من مواليد 1943م.
دار بيننا حديث ودّي موجز، ثم سألتها عن مكتبة تابعة للمجلس الأعلى للثقافة، فأرشدتنا إلى موقعها، حيث كنت قد سمعت عنها من صديقي العزيز الأستاذ (زهير رضوان) المقيم في القاهرة
استأذنا الحضور لالتقاط صورة تذكارية، رحب الجميع بالفكرة، فالتقطنا صورة لهذا القاء. ثم توجهنا أنا وزوجتي إلى المكتبة. تجولنا وتفحصنا مئات العناوين للكتب المعروضة فوق الرفوف، واخترنا ثلاثة كتب فقط بسبب قيود الوزن، رغم أن الأسعار كانت (رمزية) مدعومة من قبل الدولة، والعناوين كثيرة وتغري بالاقتناء، لكن ما باليد حيلة، الكتب التي اشتريتها هي:
1- نجيب محفوظ بين الرواية والفيلم: تأليف سامح فتحي
2- لويس عوض: مقالات وأحاديث- أعداد نبيل فرج
3- مي زيادة كاتبة مسرح: نصان مسرحيان – دراسة: سامية حبيب
وفي طريق عودتنا، مررنا مجددًا عليهم، وكانوا لا يزالون جالسين في حديقة كافيتريا الهناجر. فاجأتنا الدكتورة منى بسؤال مباغت: "هل اشتريتم كتبًا لها علاقة بالسينما؟"
فأجبتها مازحًا: "ربما فيها روح السينما!" وقدّمت لها الكتب لتطّلع عليها
فابتسمت وقالت: "لا، دي كويسه… فيها سينما"
ودّعناهم على أمل أن نبقى على تواصل أكملنا جولتنا في (حدائق الأوبرا) والتي تضم العديد من البنايات الثقافية المهمة وكذلك تنتشر في أبرز الأماكن في حدائقها نصب لأبرز فنانين ومطربي مصر، وقد سنحت لنا فرصة التقاط صور بالقرب من بعظهم وأولهم، كوكب الشرق (أم كلثوم) وَالنهر الخالد الموسيقار (محمد عبد الوهاب) وملك العود الموسيقار (فريد الأطرش) وَالعندليب الأسمر (عبد الحليم حافظ).
وفي المساء نشرت صورة اللقاء على صفحتي في فيسبوك، وكتبت تحتها
الخميس الموافق 14 آذار 2019 – حدائق الأوبرا / القاهرة – كافتيريا سينما الهناجر
{{جمعتنا صدفة جميلة أن نتعرف إلى أساتذة مبدعين في مجال السينما والتصوير السينمائي، وهم الدكتورة المرحة (منى الصبّان) أستاذة في المعهد العالي للسينما/أكاديمية الفنون في القاهرة؛ والأستاذ المصور السينمائي المعروف المتألق المبدع (سعيد شيمي). وألتقطنا معهم هذه الصورة والتي يظهر فيها من اليمين ناشر الصورة (يحيى الأميري) (أحلام الأميري) (د.منى الصبّان) (سعيد شيمي) ويقف بجانبه أحد طلاب الدراسات التخصصية، للأسف، لم أتمكن من حفظ أسمه.
لقد حملتنا الدكتورة (منى الصبّان) والأستاذ (سعيد شيمي) تحياتهم الحارة للأستاذ المبدع (محمد قبلاوي) بعد أن عرفا من خلال الحديث أننا من سكنة مدينة مالمو/ السويد).
تحياتنا لجميع الأصدقاء الأحبة}}
لاحقًا، عندما اطّلعت الدكتورة منى على المنشور في الفيسبوك، كتبت عليه تعليقًا جميلًا، وتمنت استمرار التواصل في المستقبل. وبقينا بالفعل على تواصل عبر الفيسبوك، حيث لاحظت أنها تتأمل في أن تتلقى دعوة من الأستاذ (محمد قبلاوي) لحضور(مهرجان مالمو للسينما العربية) والذي يرأسه هو بنفسه.
وقد كانت الدكتورة (الصبّان) بالفعل تستاهل أن توجه لها مثل تلك الدعوة فهي (أشهر من نارٍ على علمٍ في عالم السينما)، فهي مؤهلة بما فيه الكفاية، بخبرة تمتد لأكثر من 60 عامًا، أستاذاً بالمعهد العالي للسينما، وصاحبة فكرة مدرسة السينما، ومديرة المدرسة العربية لتعليم فنون السينما والتلفزيون عن بعد، وهو أول موقع إلكتروني ناطق بالعربية لتعليم هذه الفنون، ولها من الكتب المتداولة في مجال اختصاصها وهي:
1. فن المونتاج في الدراما التلفزيونية طبع 2001
2.المونتاج الخلاق ما بين القديم والجديد
وهي عضو في الرابطة العربية للسينمائيين بالجامعة الأمريكية، وأستاذ الإعلام بالجامعة اللبنانية وأستاذة المونتاج بالمعهد العالي للسينما. وعندها عشرات التكريمات والمشاركات في لجان الهيئات التحكيمية للسينما في مصر وخارجها.
أبدتْ سعادتها بإمكانية زيارتها للسويد في حال دُعيتْ للمهرجان، ووعدناها بأن نُكرمها كما يليق بمقامها إن حصل ذلك. لكن – وللأسف – يبدو أنها لم تتلقَّ دعوة، ولا نعرف الأسباب؟
بقينا نتابع نشاطاتها المبهرة، وحيويتها المستمرة، وإيمانها العميق بأن السينما رسالة سامية.
وبعد نحو خمس سنوات، أي في (2024) شاهدت حفلاً مهيب وفيه تكريمها للدكتورة (منى الصبّان) يبث على العديد من قنوات التلفزة المصرية، من قبل الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي) ضمن احتفال "يوم المرأة المصرية"، إلى جانب نخبة من النساء المبدعات.
وبعد أقل من شهر على تاريخ ذلك التكريم، سنحت لنا فرصة جديدة لزيارة القاهرة وخلالها حققنا أكثر من لقاء رائع بالدكتورة (منى الصبّان).
سأكمل تفاصيل الزيارة (الثانية) وتلك اللقاءات في الجزء الثاني، انتظرونا.
هوامش لتعاريف مكملة تتعلق بمقالنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الهناجر: رحت ابحث عن معناها فعرفت أنها بلهجتنا (العراقية) تساوي (جَملون) وهو بناء رحب على شكل هياكل مبني من المعدن أو الحديد وغالباً يكون بدون أعمدة يتخذ للخزن، كمخازن للحبوب أو ثكنات أو مأوى للجنود وغيرها من الاستعمالات، وكذلك هو كما (العَنبَرُ) وجمعها العنابرُ أو(صومعة) وجمعها (صوامع).
وأنا أكتب المقال سألت (شات جي بي تي) عن معنى كلمة (الهناجر) فأجابني بالتفصيل... لكن، سأنقل مختصر من الاجابة أدناه بما يخص موضوع مقالنا:
في السياق الثقافي: في أماكن مثل (ساحة الهناجر) في القاهرة (داخل دار الأوبرا المصرية) يشير المصطلح إلى مبانٍ كانت تستخدم كمخازن قديماً، ثم تم تحويلها إلى مسارح وقاعات ثقافية فنية، مثل مسرح الهناجر وقاعة الهناجر للفنون.
#يحيى_غازي_الأميري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟