أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية... الحرب التجارية الأمريكية: تحولات اقتصادية كبرى ورهانات المغرب الاستراتيجية في مشهد عالمي جديد (الجزء الثاني)














المزيد.....

شذرات اقتصادية... الحرب التجارية الأمريكية: تحولات اقتصادية كبرى ورهانات المغرب الاستراتيجية في مشهد عالمي جديد (الجزء الثاني)


عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 8310 - 2025 / 4 / 12 - 15:51
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


الحرب التجارية التي أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية، مستندةً إلى السياسات الحمائية وخاصةً فرض رسوم جمركية على وارداتها من 180 دولة (مع إجراءات خاصة مفروضة على الصين)، لا يمكن تفسيرها فقط في إطارها الوطني أو المرحلي، بل يجب قراءتها كجزء من استراتيجية طويلة الأمد لإعادة صياغة قواعد الاقتصاد العالمي لصالح مصالحها الجيوسياسية. هذه الإجراءات لا تُعد مجرد أدوات لتحفيز الإنتاج الوطني أو تقليص العجز التجاري فحسب، بل تمثل أيضًا إشارةً فارقةً نحو مرحلة "ما بعد العولمة"، حيث تتصاعد النزعات القومية على حساب الترتيبات الاقتصادية متعددة الأطراف.

ومن أبرز تداعيات هذه السياسات اضطراب سلاسل التوريد العالمية، إذ سترتفع تكاليف الاستيراد، مما سيضطر الشركات متعددة الجنسيات إلى إعادة هيكلة عملياتها الإنتاجية وشبكات توريدها. هذا التحول قد يتخذ شكل "إعادة التوطين الصناعي"، مما سيساهم في رسم خريطة اقتصادية عالمية جديدة، ويدفع العديد من الدول إلى البحث عن شركاء تجاريين جدد خارج الدوائر التقليدية المرتبطة بالولايات المتحدة.

في هذا السياق، تبرز فرص لظهور تحالفات اقتصادية جديدة بين قوى عالمية وإقليمية خارج المحور الغربي. فالاتحاد الأوروبي، الذي تضرر من السياسات الأمريكية، قد يلجأ إلى تعزيز شراكاته مع الهند وأمريكا اللاتينية وإفريقيا لتقليل اعتماده على السوق الأمريكية، كما قد يعيد تقييم علاقاته مع روسيا. ومن جانبها، يمكن لروسيا أن تستثمر هذه اللحظة لتعميق تعاونها مع دول عربية وإفريقية، خاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية. أما الهند، التي تسعى لتقليل اعتمادها المزدوج على الصين والغرب، فقد تصبح لاعبًا محوريًا في بناء سلاسل توريد بديلة، مما يعزز دور تجمعات مثل "بريكس بلاس" في المشهد الاقتصادي العالمي.

هذه التحالفات الجديدة قد تشكل نواة لنظام تجاري عالمي بديل، يقوم على مبدأ المصالح المتوازنة بدل الهيمنة الأحادية. في أمريكا اللاتينية، يمكن لدول مثل البرازيل والمكسيك والأرجنتين أن تطور شراكات مع أوروبا وآسيا عبر اتفاقيات تركز على الأمن الغذائي والطاقة النظيفة والابتكار الصناعي. وقد تتطور هذه الشراكات إلى ترتيبات استراتيجية طويلة الأجل، خاصة إذا ما اعتمدت أنظمة مالية مستقلة عن الدولار، مثل المدفوعات بالعملات المحلية أو الرقمية، مما قد يضعف هيمنة الدولار ويعزز التعددية النقدية، وبالتالي يقلل من مخاطر تطبيق سياسة سعر الصرف المرن الذي ما طالما تفرضها المؤسسات الدولية كالبنك الدولي على الاقتصادات النامية.

كما يفتح هذا التحول فرصًا أمام دول الجنوب لتبني استراتيجيات التحرر التنموي، ليس فقط عبر تقليل الاعتماد على الأسواق الغربية، بل أيضًا من خلال الاستثمار في التصنيع المحلي، ونقل التكنولوجيا، وبناء شراكات جنوب-جنوب. على المدى المتوسط، قد تؤدي هذه الديناميكيات إلى نشوء نظام عالمي متعدد الأقطاب، يتيح لدول الجنوب فرصًا أفضل لإعادة التفاوض على مواقعها في سلاسل القيمة العالمية، بعيدًا عن دورها التقليدي كمصدر للمواد الخام.

في هذا الإطار، يبرز المغرب كفاعل استراتيجي يمكنه تعزيز تنويع اقتصاده من خلال الاستفادة من هذه التحولات العالمية. بالإضافة إلى تعميق شراكاته مع الدول الإفريقية والعربية، يمكنه تطوير تعاونه مع شركائه في أمريكا اللاتينية وآسيا، وكذلك شركائه الأوروبيين ـ لا سيما فرنسا وألمانيا وإسبانيا ـ الذين يسعون إلى تعويض تأثير الحرب التجارية عبر الاستثمار في مشاريع استراتيجية بالمغرب. ويمكن اعتبار أن تنظيم كأس العالم 2030 لن يكون مجرد حدث رياضي، بل يمثل فرصة لتحفيز تطوير البنية التحتية والصناعات المحلية، إلى جانب تعزيز الجهود الوطنية في مجالات اقتصادية أخرى مثل الطاقات المتجددة، الصناعة التحويلية، وصناعة السيارات. إذ يعدّ هذا الحدث الرياضي منصة استراتيجية لتعميق العلاقات الاقتصادية بين المغرب وأوروبا، مما يمنحه موقعًا محوريًا في بناء محور اقتصادي ودبلوماسي جديد يربط بين القارة الإفريقية وأوروبا، ويعزز مكانته كجسر للتكامل الإقليمي والتعاون جنوب-شمال. علاوة على ذلك، يمكن لهذا الدور أن يُترجم إلى استقطاب مزيد من الاستثمارات الأوروبية، خصوصًا في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، مثل الرقمنة، الصناعة البيئية، والصناعات الثقافية.

بمعنى آخر، على المغرب، كباقي دول الجنوب، استثمار كل الفرص الممكنة لتعزيز موقعه في المشهد الاقتصادي العالمي. لقد أثبت الواقع الراهن للمشهد السياسي العالمي أن لغة القوة هي المسيطرة على العلاقات بين الدول، وأن الدبلوماسية الناعمة ما هي إلا ترجمة عملية لهذه القوة متعددة المستويات والأوجه.

إن تحقيق هذه الرؤية الاستراتيجية يتطلب أكثر من مجرد الإرادة السياسية؛ فهو يحتاج إلى خطط وطنية واضحة تركز على تطوير البنية التحتية الرقمية والمادية، إلى جانب تعبئة وطنية فعالة لتعزيز السياسات التجارية والمالية، وبناء مؤسسات قادرة على الدفاع عن السيادة الاقتصادية. التحدي الأكبر يكمن في تحويل هذه اللحظة الجيوسياسية، بما فيها الحرب التجارية بين أقوى قوتين في العالم (الصين والولايات المتحدة الأمريكية)، إلى مشروع تنموي مستدام وعادل، يُمكّن المغرب ودولًا نامية أخرى من تعظيم مكاسبها في نظام اقتصادي دولي يتسم بتزايد التنافسية والاضطراب.

فالعالم المقبل لن يكون امتدادًا للنظام الذي ساد خلال العقود السبعة الماضية، بل سيكون مسرحًا لتحولات كبرى تتطلب سياسات ذكية تجمع بين المرونة الاستراتيجية والحفاظ على المصالح الوطنية.
عائشة العلوي، أستاذة جامعية وخبيرة اقتصادية، 12 أبريل 2025



#عائشة_العلوي (هاشتاغ)       Aicha_El_Alaoui#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرات اقتصادية... الرسوم الجمركية الأمريكية، التاريخ لا يعيد ...
- شذرات اقتصادية... المرأة الفلاحية في المغرب: ما بين تحديات ا ...
- التضخم وارتفاع الأسعار في المغرب: أزمة ظرفية أم تحول بنيوي؟
- غنى وفقر مدن وقرى المعادن بالمغرب!
- حكاية من وحي المجتمع... لبيك تَمُورتْ إنُو (وطني)... -المسير ...
- شذرات اقتصادية... هل يمكن الوثوق بمجموعة بريكس+؟
- شذرات اقتصادية... المغرب والجزائر، -اليد الممدودة-...
- شذرات اقتصادية... التحول السريع الى أنظمة استبدادية…
- شذرات اقتصادية ... أية تداعيات لقرار بنك المغرب
- شذرات اقتصادية… الكرة -الهجينة- …
- شذرات اقتصادية ... التعاون جنوب ـ جنوب وسيادة الدولة
- شذرات اقتصادية… بناء الدولة الاجتماعية في زمن الأزمات...
- شذرات اقتصادية… أزمة الدولة أو الدولة في أزمة…
- شذرات اقتصادية... لا أصدقاء في الاقتصاد (1)
- شذرات اقتصادية... منطق السوق يسيطر على المؤسسات
- شذرات اقتصادية... التعليم وسؤال الجودة
- حكاية من وحي المجتمع... أنا شاب، عالة على أسرتي...
- شذرات اقتصادية... -المتحور- الكوفيد الاقتصادي في المغرب
- شذرات اقتصادية... بعد السكتة القلبية، الناتو يعلن عن -مشروع ...
- أقصوصة من وحي المجتمع... لقاء خاص مع أطفال هُم لَنَا


المزيد.....




- البيطار: فلسطين تحتضر اقتصادياً وتواجه حرباً مالية منظمة وقو ...
- عوائد السندات.. القلق الاقتصادي الذي أربك حسابات ترامب
- سعر الذهب اللحظي اليوم في مصر بعد أخر ارتفاع مفاجئ بتاريخ 13 ...
- أعلى من البنوك ب2 جنية .. أعلى سعر للدولار اليوم في السوق ال ...
- ميرتس يدعو إلى عقد اتفاقية حول التجارية الحرة بين الاتحاد ال ...
- مصر.. ما مصير سعر رغيف الخبز بعد زيادة أسعار المحروقات؟
- الكرملين ينتقد سحب دعوة مصور صحفي لحضور منافسة دولية
- وزير الصناعة: منافسة المنتج المحلي للبضائع المستوردة صعبة
- رسوم ترامب الجمركية.. خبير ألماني يحذر من شبح أزمة اقتصادية ...
- الجزائر تستعيد الصدارة في قائمة أكبر مصدري الغاز إلى إسبانيا ...


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية... الحرب التجارية الأمريكية: تحولات اقتصادية كبرى ورهانات المغرب الاستراتيجية في مشهد عالمي جديد (الجزء الثاني)