الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي
(Echahby Ahmed)
الحوار المتمدن-العدد: 8309 - 2025 / 4 / 11 - 23:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أحيانًا، يكفي لحظة صمت كي ينفلت من عقلك سؤال بسيط في شكله، عميق في أثره، يهزّ استقرار القناعات كما تهزّ الريح بابًا مواربًا: ماذا لو كنت قد وُلدت في مكان آخر؟ لا أتحدث هنا عن الرغبة في الهجرة أو حلم "الضفة الأخرى"، بل عن شيء أعمق بكثير... عن العقيدة، عن الإيمان، عن ما نظنه "نحن".
تخيل أنني رأيت النور على ضفاف نهر السين بدلًا من جبال الأطلس، أو بين معابد كيوتو عوضًا عن مساجد تازة، هل كنت سأظل أردد "لا إله إلا الله" كما أفعل اليوم؟ أم كنت سأرتل تعاليم بوذية، أو أنحني بخشوع نحو صليب في كنيسة قروية؟ هل إيماني اليوم هو اختيار قلبي، أم مجرد صدفة ولادة فوق رقعة جغرافية محددة؟
دعوني أكون واضحًا: هذا التساؤل لا يروم هدم الإيمان، ولا يشتهي هز ثوابت الناس، بل يحاول فقط أن يسلّط الضوء على الغبار المتراكم فوق كلمة "المسلمات". فنحن نُولد غالبًا داخل تركيبة ثقافية جاهزة، نرث العقيدة كما نرث الاسم وشكل الأنف، نردّد ما سُمع في البيت والحي والمسجد دون أن نسأل: هل أنا من اختار هذا، أم اختاروه لي؟
التدين، في صورته الشائعة، ليس قرارًا، بل استمرارية. هو استجابة تلقائية لما تم تلقينه، لا ثمرة تفكير فردي واعٍ. لا فرق بين طفل مغربي ينطق بالشهادتين قبل أن يفهم معناهما، وطفل نيبالي ينحني لتمثال بوذا بنفس البراءة. المسألة ليست في صدق الإيمان، بل في طبيعة نشأته.
لكن، وسط هذا السيل من الوراثات، يظهر من يرفض الاكتفاء بما ورث، من يطرق أبواب الأسئلة، من لا يطمئن للإجابات الجاهزة. هذا الشخص، أيًا كانت ديانته، لا يكتفي بأن يكون تابعًا لخط الجغرافيا، بل يبحث عن يقينه بعرق الفكر ودمعة القلب. هنا يصبح الإيمان فعلًا حرًا، اختيارًا شخصيًا، لا بطاقة هوية.
وأجمل ما في هذه الرحلة أنها لا تعني بالضرورة تغيير الدين أو رفضه، بل تعني فهمه، تملكه، النظر فيه كراشد لا كطفل. عندما تسأل نفسك بصدق: "ماذا لو وُلدت في مكان آخر؟" فأنت لا تخون معتقدك، بل تحترمه بما يكفي لتفكر فيه.
نحن لا نختار آباءنا، ولا لغاتنا الأولى، ولا القصص التي نُحكى ونحن نيام. لكننا نملك، يوم نفتح أعيننا على أسئلتنا، أن نعيد البناء. ليس شرطًا أن نغيّر، لكن على الأقل أن نفهم لماذا لم نغيّر.
لأن الإيمان، إن كان صادقًا، لا يخاف من الأسئلة. بل يتطهّر بها.
#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)
Echahby_Ahmed#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟