أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - عيسى أَحوش ودار بيسان: صوتُ فلسطين الذي لا يمُوتُ














المزيد.....

عيسى أَحوش ودار بيسان: صوتُ فلسطين الذي لا يمُوتُ


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8309 - 2025 / 4 / 11 - 15:49
المحور: القضية الفلسطينية
    


حين يُذكرُ اسم "بيسان"، يتبادرُ إلى الذِّهنِ عبقُ الأرض الفلسطينيَّة التي تأبى النِّسيان، وأصالةُ تُراثٍ يمتدُّ من الجليل إلى أقاصي النَّقب. هكذا كان انطباعي الأوَّل حين سمعتُ باسم "دار بيسان للنَّشر والتَّوزيع" في قلب بيروت، فظننتُها شُعلةً تنبضُ بحروف فلسطين، ولم أكن مُخطِئاً.

زُرتُها لأوَّل مرَّةٍ ذات مساءٍ من صيف عام 2000، وكان أيار يُزهرُ بانتصاراته، ويفيضُ بالعزَّة كالنَّهر المتدفِّق من أعماق الذَّاكرة الجماعيَّة.

دخلتُ تلك المكتبة الضخمة، فإذا بي أمام بحرٍ من الكُتُبِ، معظمُها عن فلسطين: تاريخها، جراحها، وصُمودها. وبين هذا المدِّ الثَّقافيِّ الشَّامخ، كان هناك رُبَّانٌ لا يُخطئُ الاتِّجاه: عيسى أَحوش.

رأيتُه أوَّل مرَّةٍ، فإذا به كالسِّندباد الذي جاب بحار الفكر، موسوعةٌ تمشي على قدمين، يحملُ في ذهنه مواقع الكُتُبِ كما يحفظُ الغريبُ دُرُوبَ الوطنِ المسلوبِ. السِّيجارةُ لا تكادُ تنطفئُ بين أصابعهِ، كأنَّها شُعلةُ الفكر التي تأبى الخُمود، وعيناهُ تجُولانِ في المكانِ، وكأنَّهما تُحصيانِ الكُتُب واحداً تلو الآخرِ، كأبٍ يخشى على أطفالهِ من الضَّياعِ.

الحديثُ معهُ رِحلةٌ عبر الأزمنةِ، يسرُدُ الأحداث كأنَّها تجري أمامك، ويستحضرُ التَّفاصيل بدقَّةِ المُؤرِّخِ وروحِ الأديبِ. التقيتُ به في آخرِ شارعِ الحمراءِ، حيثُ يلتقي الفكرُ الحُرُّ بالتمرُّدِ الثَّقافيِّ، وجمعني به اسمٌ بحجم وطنٍ: ناجي العلي، ذلك الشَّهيدُ الذي خطَّ بريشتهِ خريطة الحُلمِ الفلسطينيِّ، وكان نقطة الوصلِ بيني وبين هذا الرَّجلِ الذي يحملُ همَّ القضيَّةِ كما تحملُ الجبالُ صخورها بثباتٍ.

عيسى أَحوش لم يكن مجرَّد ناشرٍ، بل كان مُرابطاً في محرابِ الكلمة، يحرُسُ التُّراث الفلسطينيَّ بحروفٍ من نورٍ، ويُقاومُ النِّسيان بجيوشٍ من الكُتُبِ. لم تكن دارُ بيسان مجرَّد مكتبةٍ أو دار نشرٍ، بل كانت قلعةً صامدةً، ومنارةً تهدي العائدين إلى جادَّة الهُويَّةِ.

الحديثُ عن عيسى أَحوش ودار بيسان هو حديثٌ عن ثورةٍ ثقافيَّةٍ لا تهدأُ، وعن ذاكرةٍ تأبى الانكسار. احتضنت بيروت هذه القلعة كما تحتضنُ الأمُّ أبناءَها، لكنها كانت دوماً امتداداً لجُذُورٍ تضربُ في أرض فلسطين، تلك الأرض التي لم تغب عن رفوفِ بيسان يوماً، كما لم تغب عن قلبِ صاحبِها لحظةً.

فيا بيسانُ، يا مصباح الفكر الحُرِّ، ويا داراً تحرُسُ الحُلم الفلسطينيَّ، لك المجدُ ما بقي الحرفُ سلاحاً، وما بقيتِ الكُتُبُ حِصناً ضدَّ التَّلاشي والنِّسيانِ.

عيسى أَحوش، رُبَّانُ هذه السَّفينة، واجه بأشرعة الحرف رياح التَّهميش والتَّزوير، مُدركاً أنَّ الكلمة الحُرَّة هي السِّلاحُ الأوَّلُ في معركة البقاء. وكما حمل بيسانهُ همَّ فلسطين، حمل أيضاً فكر أنطون سعاده، مُؤمناً بأنَّ المقاومة الثَّقافيَّة حجرُ الأساس لبناءِ وعيٍ لا يُساوِمُ، وبأنَّ النَّهضة هي الطَّريقُ لتحرير الأرض والإنسان.

ستبقى دار بيسان منارةً في ليل الاحتلال، وسيبقى صوتُ عيسى أَحوش صدى لا ينطفئُ، تماماً كما ستبقى فلسطين حكايةً تُكتبُ بحبر العزَّة والتحدِّي، وتأبى أن تندثرَ.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من فِيتنام إلى غزّة: أَمريكا في مَسَارِ الهزائمِ والخيباتِ
- الاستسلامُ ليس خياراً: دُروسٌ من بيروت إلى غزَّة
- الدكتور صالح الشيباني... من تُرابِ فلسطين تَكَوَّنَت رُوحُهُ
- أَحمد الشُّقيري... رجُلٌ صَنَعَ الثَّورة فخذلتهُ!
- نوح الفلسطيني: بين طوفانِ الخذلانِ وسفينةِ الصُّمودِ
- فرحان السعدي: الشَّيخ الذي صامَ عن الحياةِ وارتوى بالمجدِ
- اليمن: أَصلُ العروبة وَشُمُوخُ الجبالِ
- نافع محمد: من القامشلي إِلى فلسطين.. حكايةُ عشقٍ لا تنتهِي!
- الشَّهِيدُ مرعي الحسين: نَسرٌ حَلَّقَ في سماءِ المجدِ ولم يه ...
- حينَ يغيبُ الكبارُ... وداعاً أَبا سعيد!
- إبراهيم أبو خليل: عاشقُ الوطنِ الذي رَوَى الأرضَ بِدَمِهِ
- فاطمة فاعور.. أُمُّ الشهداء التي ودَّعتهُم ثُمَّ لحِقَت بِهِ ...
- عمر المحمود (أبو مروان): طائرُ الحُزنِ والحنينِ للوطنِ
- نمر كلّم وحَمَر.. قصَّةُ شهيدٍ لم يُخذِّلهُ كلبُهُ!
- وصيّةُ ندى لافي كلّم: حينَ تكتُبُ الأرضُ رسالتَها الأخيرةَ
- ندى لافي كلَّم (أم علي)... وصيَّةُ الأَرض التي لا تموتُ
- قمة العرب 7353: فلسطين على الرَّفِّ والتَّطبيع على الطَّاولة
- شربل فارس.. حين يُزهر البؤس كبرياءً
- أبو عرب: صوتُ الأرضِ وحارسُ الذاكرة الفلسطينية
- طائرُ السُّنُونُو.. صوتُ الشَّرفِ الفلسطينيِّ في زمنِ العارِ ...


المزيد.....




- أقدم غوريلا في العالم تحتفل بعيد ميلادها الـ68 عامًا.. شاهد ...
- السعودية تكشف 5 إجراءات قبل موسم الحج 2025 حفاظا على سلامة ا ...
- ترامب يتجاهل مصافحة زوجة وزير الصحة.. مشهد محرج خلال حدث ريا ...
- -تنذكر ما تنعاد-، صور من حرب لبنان الأهلية في الذكرى الـ50 ل ...
- قوة تدميرية غير مسبوقة.. واشنطن في طريقها لتطوير قنبلة ذرية ...
- الجزائر تعرب عن -احتجاجها الشديد- على حبس أحد موظفيها القنصل ...
- حماس: قصف الاحتلال مستشفى المعمداني جريمة حرب بغطاء أميركي
- الجزائر تحتج على توقيف فرنسا أحد موظفي قنصليتها
- طهران تعلن عن جولة جديدة وترامب يشيد بالمحادثات معها
- عاجل | مصادر طبية: 7 شهداء وعدد من الجرحى في قصف استهدف سيار ...


المزيد.....

- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - عيسى أَحوش ودار بيسان: صوتُ فلسطين الذي لا يمُوتُ