حمدي سيد محمد محمود
الحوار المتمدن-العدد: 8309 - 2025 / 4 / 11 - 14:19
المحور:
الادارة و الاقتصاد
د.حمدي سيد محمد محمود
تُعد المقاومة التنظيمية ظاهرة معقدة تتجاوز كونها مجرد رفض للتغيير، فهي انعكاس عميق للبنية الثقافية الكامنة داخل المنظمة، وطريقة لتعبير الأفراد عن مخاوفهم ورفضهم أو حتى عدم فهمهم للواقع الجديد. وعندما تظهر المقاومة بشكل علني أو ضمني، فإنها تكشف عن فجوة في الثقة والتواصل، وعن ضعف في إشراك الأفراد في صناعة القرار، ما يؤدي بدوره إلى تشكل بيئة تنظيمية مُتوترة وعقيمة، غير قادرة على التجديد أو الاستجابة للتحديات الخارجية.
في السياقات التنظيمية التي تفشل في استيعاب مقاومة التغيير، تتحول ثقافة المنظمة إلى ثقافة محافظة، مشبعة بالحذر والشك، وعاجزة عن الانفتاح على التجارب الجديدة. هذا النمط من الثقافة التنظيمية يُعيق الإبداع ويُثقل كاهل التطوير، حيث يسود الخوف من الفشل ويهيمن منطق البقاء ضمن "المألوف والمجرب" على حساب التطلع نحو "المختلف والمتجدد". وهكذا، تَسقط المنظمات في شرك الجمود والتكرار، ويغدو التغيير عملية مثيرة للقلق أكثر من كونه فرصة للنمو.
ومن الآثار الأشد خطورة للمقاومة التنظيمية على الثقافة المؤسسية، هو تآكل الثقة بين المستويات الإدارية المختلفة، حيث يشعر الموظفون أن التغييرات تُفرض عليهم دون حوار أو إشراك حقيقي، ما يولد شعورًا بالاغتراب والتهميش، ويؤدي إلى انهيار الروح الجماعية وتفكك شبكة العلاقات الداخلية. وفي هذا المناخ من الشك والتوتر، تزدهر الإشاعات وتضمر روح الفريق، ويتراجع الانتماء التنظيمي، وتُصبح المنظمة جسدًا مفككًا عاجزًا عن الحركة أو الاستجابة.
غير أن المقاومة، في بعض تجلياتها، قد تحمل بُعدًا نقديًا بنّاءً، إذ يمكن أن تكون مرآة تعكس المخاطر الغامضة أو غير المدروسة في خطط التغيير. فحين تعبّر المقاومة عن وعي حقيقي بتحديات الواقع، أو تكشف نقاط ضعف في مسار التحول، فإنها تمنح الإدارة فرصة ثمينة لمراجعة استراتيجياتها، وإعادة صياغة التغيير بشكل أكثر شمولًا وعدالة. هنا، تتحول المقاومة إلى محفز للحوار والمشاركة، وتُصبح طاقة كامنة يجب توجيهها لا قمعها.
ولعل المفتاح في التعامل مع هذه الظاهرة يكمن في قدرة القيادة على تفكيك أسباب المقاومة واحتوائها عبر مقاربات إنسانية وشاملة. فالتغيير الذي لا يُبنى على الثقة، ويُفرض بأساليب سلطوية، غالبًا ما يُقابل بالرفض، مهما كانت دوافعه نبيلة. أما التغيير الذي يُبنى على تواصل صادق، وإشراك حقيقي، وتقدير لمخاوف العاملين، فهو وحده القادر على خلق ثقافة تنظيمية صحية، مرنة، ومبدعة، قادرة على العبور بثبات وسط المتغيرات.
إن ثقافة المنظمة ليست مجرد مجموعة من القيم والمعتقدات، بل هي الكيان الحي الذي يتنفس من خلال تفاعل الأفراد وسلوكهم ومواقفهم. والمقاومة التنظيمية، حين تُدار بذكاء وحنكة، يمكن أن تكون جزءًا من هذه الثقافة الديناميكية، لا عدوًا لها. ومن خلال إدارتها الحكيمة، تستطيع المنظمات ليس فقط احتواء القلق الداخلي، بل تحويله إلى طاقة بناء تعيد تشكيل الثقافة من الداخل، وتفتح آفاقًا جديدة نحو مستقبل أكثر إشراقًا وابتكارًا.
#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟