امال الحسين
كاتب وباحث.
(Lahoucine Amal)
الحوار المتمدن-العدد: 8309 - 2025 / 4 / 11 - 04:51
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يعتقد بعض الماركسيين أنه من السهل عليهم حذف إنجلس وستالين من تاريخ البناء الماركسي النظري والعملي، يطلقون صيحتهم :"نحن نبدأ من حيث انتهى ماركس"، ويضيف البعض الآخر :"نحن نبدأ من حيث انتهى ماركس ولينين"، كلاهما يسبحان في محيط الشيوعية بلا أشرعة توجههم إلى بر الأمان، وهم يغرقون في أمواج محيطات الإمبريالية بلا منارات تنير طريقهم ليلا نحو اليابسة.
يكفي أن نعرف أن من سمى الماركسية ماركسية هو إنجلس، ومن سمى الماركسية اللينينية لينينية هو ستالين، حتى ننير طريقنا لتحديد دور هذين العظيمين في بناء أسس الشيوعية نظريا وممارسة، إنجلس في مسائل التاريخ، العلم، التنظيم وتوضيح المسائل الفلسفية والاقتصادية لدى ماركس، وهو الذي طبع المجلد الثالث من رأس المال بعد تنقيحه، وستالين على مستوى الدياليكتيك الماركسي في مستوى التنظيم والاقتصاد الاشتراكي والاستراتيجية العسكرية، وأتمم المشروع الاشتراكي الذي وضعه لينين.
هكذا أصبح هذان العبقريان من ركائز أسس الماركسية على مستوى الديالكتيك والبراكسيس، مع إضافاتهم نظريا وممارسة، ودونهما لن يستقيم أي منهج ماركسي يحاول من يحاول بلورته خارج وجودهما النظري والعملي، ومن يدعي غير ذلك ما هو إلا محاولة تحريفية للماركسية، ونظرا لجهل أصحابها لماركس في حد داته، يعتبرونه فيلسوفا مجردا من الواقع الموضوعي للبناء الشيوعي. وهنا لا بد من تصحيح ما يسميه هؤلاء البداية من حيث توقف ماركس، لأن من ساهم مع ماركس في وضع أسس الشيوعية نظريا وممارسة هو إنجلس، وهو من أتتم مهمة تنظيم البروليتاريا في أحزابها الاشتراكية الديمقراطية، بعد حل الأممية الأولى بقرار من ماركسي، بعد انعقاد مجلسها بنيويورك، نتيجة قراءة دور ثورة السود في أوساط البروليتاريا بأمريكا، وأهمية تنظيمها.
وأصبح إنجلس بعد وفاة ماركس منظر الشيوعية، ينير الطريق للأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، بعد تأسيس الأممية الثانية من صلب هذه الأحزاب، والتخلص من الفوضوية الأوروبية والروسية، هنا يكمن إتمام الماركسية حيث توقف ماركس بسبب الموت.
كما هو شأن بالنسبة لغياب لينين بسبب الموت، قام ستالين بإتمام ما أنجزه لينين، وهو المنظر للشيوعية ممارسة بعد لينين، في عصر الإمبريالية باعتبارها أعلى مراحل الرأسمالية كما حددها لينين، وواجهها ستالين في جميع تفاصيلها من الدياليكتيك إلى البراكسيس، والاستراتيجية والتاكتيك، في الأحزاب الشيوعية والدول الاشتراكية، في البناء الاشتراكي للدولة وأفق الشيوعية عالميا، على مستوى الممارسة السياسية استراتيجيا والحرب الوطنية الثورية ضد الحروب الإمبريالية، وتحرير الشعوب الأوروبية الشرقية من النازية، وتأسيس الدول الاشتراكية بها، وعلى المستوى الصراع في مواجهة الإمبريالية اقتصاديا عبر منظمة الكوميكون للسوق التجارية الاشتراكية، وعسكريا عبر حلف وارسو الاشتراكي في مواجهة حلف الناتو الإمبريالي.
من ذا الذي يملك حق تشطيب هذين الهرمين من تاريخ الشيوعية..؟
وأين يزعم هؤلاء بداية مشروعهم التحريفي هذا..؟
لماذا الوضع السياسي بالدول العربية مستعصي..؟
مع بداية ما يسمى العولمة تخلت منظمة التحرير الفلسطينية عن الكفاح المسلح، بعد نكسة حرب بيروت وخيار أوسلو، وكانت الحكومات والمؤسسات العربية تعيش في موت سريري، بعد تحويل حكامها إلى أدوات استخباراتية خدمة للمشروع الصهيوني، الذي نعيش اليوم أطواره الأخيرة في ظل الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، في ظل تواطئ الأليغارشيات التابعة للأجهزة الاستخابراتية الإمبريالية.
هذا الوضع السياسي بالبلدان العربية المستعصي، له جذوره التاريخية العميقة في استخبارات مرحلة الاستعمار المباشر، قبل وعد بلفور، ومن يدرس تاريخ هذه المرحلة من خلال وثائق المعمرين، يجد أن اليهود الصهاينة الأوروبيين هم من حكموا البلدان العربية، بعد موت الرجل المريض كما سموا تركيا، وهم من وضعوا أسس الكيان الصهيوني بعد الحرب الإمبريالية الثانية، فلا غرابة أن نرى اليوم مقدار الخضوع للصهيونية السائد بالحكومات العربية والمؤسسات التابعة لها.
الوضع السياسي بالبلدان العربية مستعضي، فلا تحاولوا تحليله بمزيد من العفوية، التي تبرز قشوره التي تحجب حقيقته المؤلمة، والتنويه بما يطفو على مياه مستنقعه الراكد، وهو يخدع عين الباحث، فيتيه في سراب نتائج الظواهر في الأفق، فليس تمة صلب المسألة التي يجب وضعها بدقة، حتى يكون حلها عملا علميا ماديا ينير الطريق، فلا تعتقدوا أن الحل في الحروب اللصوصية، فهي تعصف بالثوار وينتهز الخونة الفرص، في ظل غياب المنظر الثوري المنظم الجماعي للشعوب.
كل ما يناقش حاليا ما هو إلا ما يطفو على سطح مستنقع الإمبريالية، أما عمقه وهو الرأسمال المالي الإمبريالي المسيطر على السوق التجارية العالمية فلم يتم مناقشته بعد، ولتناول الوضع السياسي العالمي المستعصي بالدرس والتحليل، لا بد من تحديد الأساس الاقتصادي العالمي، الذي قال عنه لينين في عصره "لن يحدده إلا عشرات علماء الاقتصاد أمثال ماركس"، هذا في بداية عصر الإمبريالية أثناء الحرب الإمبريالية الأولى، أما بعد الحرب الإمبريالية الثانية ، فقد تمت سيطرة الدولار الأمريكي على السوق التجارية العالمية، وتم تركيز سيطرته بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي بما يسمى العولمة.
وتحديد الأساس الاقتصادي العالمي اليوم، يتطلب مئات علماء الاقتصاد أمثال لينين، حيث أمريكا سيطرت وتسيطر لعشرات السنين القادمة، وهي على قمة الرأسمال المالي الإمبريالي والسوق التجارية العالمية، ما دام لم يتشكل قطب اشتراكي يوقف توغلها، ولن يتشكل حتى بعد عشرات السنين القادمة، لأن الأساس الاقتصادي الاشتراكي لم يتأسس بعد، لذلك فأفق الشيوعية يحدده أفق الحرب الإمبريالية الثالثة، التي لن تكون نتائجها غير الرجوع بالعالم إلى المشاعة، حيث فشل القطب الاشتراكي سابقا لا يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه إلا على شكل مهزلة كما قال ماركس.
لا يمكن للصين أن تقود الإمبريالية عالميا، حيث من يقودها هو تحالف الاحتكاريين السياسيين والاقتصاديين برئاسة ترمب رئيس أكبر دولة احتكارية، والصين ليس لديها أفق الدولة الاحتكارية الكبرى، رغم مستوى المنافسة التجارية الذي يبرز على هامش الصناعة الأمريكية، التي ترتكز في أكبر أخطبوط من الشركات العابرة للقارات، تغطي جميع الدول الكبرى والصغرى عالميا، ذلك ما لا يمكن للصين أن تغطيه.
الصين بعدد سكانها المليار ونصف، لا يمكن لها أن تنافس أمريكا على نزع قمة الرأسمال المالي الإمبريالي، وهي لم تعلن يوما ذلك، وترمب يرى في الصين سوقا تجارية عالمية، لكن لا تستفيد منها أمريكا بقدر ما تستفيد الصين من أسواق أمريكا، ويعمل ترمب على محاولة تركيعها بالتعريفة الجمركية، أو تخريب اقتصادها بعد عزلها عن العالم، حيث أسواق إفريقيا لا تشكل بديلا للصين عن أسواق أمريكا.
وما يجري اليوم في عالم البورصات، بعد التعريفة الجمركية، يفند مقولة القطبين في ظل الإمبريالية، ولطالما عارضنا هذه المقولة المغلوطة، على غرار مقولة قطب البريكس التي ليست إلا كلام لا علمي ولا مادي تاريخي، ولا موقع له في السياسة والاقتصاد والرأسمال المالي، حيث مجموعة من الدول مجتمعة لا تملك قوة الدولة الاحتكارية الأمريكية، التي تحوم حولها عشرات الدولة التابعة لها سياسيا واقتصاديا، وتربطها بقيود القروض بالبنوك التي تسيطر عليها.
العالم تسير به الإمبريالية إلى الهلاك، وقانون المادة لا يقبل القيادة برأسين، لا بد من التناقض الذي يفضي إلى النفي أو نفي الفي، ذلك ما وقعت فيه الصين، حيث تسعى إلى نفي أمريكا لتقع في نفي النفي. وما يقوم به ترمب وهو رئيس أكبر دولة احتكارية عالميا، هو قيادة العالم إلى الهلاك، وقول قيادة أمريكا للعالم حقيقة وليست تمجيدا لها، حيث سيطرة الرأسمال المالي الإمبريالي لا يقبل الجدال، وهو لا لون له، لا ذوق له، لا حس له، ولا أخلاق له، لا يعرف إلا المزيد من الربح والريع، والعصف بالفقراء إلى الجحيم، ذلك ما يجري في عصر الإمبريالية في أعلى تجلياتها اليوم.
لا يمكن للصين ذات مليار ونصف بشر، أن تقود الرأسمال المالي الإمبريالي العالمي، وكل ما يقال عن قوتها الاقتصادية الكثير منه غير صحيح، ينشره الإعلام الإمبريالي الأمريكي حتى يصنع منه عدوا، والصين في حقيقتها عدوة الإنسانية في خانة واحدة مع أمريكا، والخطأ الذي تؤدي ثمه هو خطأ شي جين بينغ، وهو يريد تغيير مسار ماو تسي تونغ الوطني، ووقع في خطأ تاريخي يوم تخلى عن تجربة الاقتصاد الاشتراكي الوطني بالصين، وغرق في وحل الرأسمال المالي الإمبريالي عالميا، وما عليه إلا أن يكمل طريقه، حيث لا عودة له إلا بالركوع لمطالب ترمب أو الهلاك.
هكذا أغرقت أمريكا الصين بشركاتها الإمبريالية، وطبعت اقتصادها باستغلال الرأسمال المالي الإمبريالي لأزيد من 880 مليون عاملة وعامل، يشتغلون ليل نهار في ظروف شبيهة بعملية تيلور الاستعبادية للعمال، وما يقوم به ترمب هو السعي لحصد هامش الربح الذي تبقى للصين، حيث هذا العدد الهائل من العمال يمكن أن يحدث التغيير في العالم، لكنه في ظل عزله عن حزبه الثوري تبقى الأليغارشيا هي السائدة، تسيطر على الحزب الشيوعي وحولته إلى أداة إمبريالية، في خدمة الرأسمال المالي الإمبريالي، والعالم يسير نحو الهلاك، والشعوب ينتظرها الجحيم، وهي تسعى للإفلات منه بدون أحزاب ثورية تقودها.
#امال_الحسين (هاشتاغ)
Lahoucine_Amal#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟