الى والدي العزيز شكري

جواد الديوان

الحوار المتمدن-العدد: 8308 - 2025 / 4 / 10 - 23:47
المحور: سيرة ذاتية
    

وثالث اولادك شكري، ولادته في 1958. ووقتها استولى على عقل العرب، شكري القوتلي حين تنازل عن الحكم في سوريا لصالح جمال عبد الناصر. التنازل كان اشبه بمسرحية كوميدية، ولكن عشقها كل العرب. عندما ابصرت دولة الوحدة (مصر وسوريا) النور. ابلغ حكام سوريا حكومة مصر برغبتهم في التنازل عن الحكم لصالح حكومة مصر، فورة عاطفية لم يسبقها مفاوضات او تحضيرات لقيام وحدة. وهذه حالم فريدة في تاريخ العالم العربي. وانفرط عقد حكومة الوحدة سريعا، بعد ان حصل شكري ابنكم على اسمه وسط تلك الفورة العاطفية. ولا زالت تلك اللحظة تؤكد شخصية العربي العاطفية، احداث تبعث الحماسة، ويرقص الناس لإنجازات سطحية ويتنازل الجمع فها عن العقل. وممكن تشبيها بالرحام الجماعي mass hysteria. والغريب لم ينتقد ذلك الموضوع حتى المتميزين برجاحة العقل والثقافة.
شكري الولد الثالث لكم بعد جواد وجمال الشهيد رحمه الله. وتكبر العائلة وتزداد مصاريفها كمتطلبات العائلة. وتتعقد العناية بالاطفال في نهاية الخمسينات وبداية الستينات. فعانى شكري من الهزال (سوء التغذية). وهو مرض شائع في بلدان العالم الثالث. وكانت ممارسة طب الاطفال وقتها تركز على توافه الامور تغذية اصطناعية او ما يعرف بالممية! ومن ممارسة طب الاطفال وقتها ان يغير الطبيب الحليب الى انواع اخرى من الحليب بمجرد الشكوى من الاسهال والقيء. وشيوع تصور ان عدم ملائمة نوع الحليب للطفل هي المشكلة. وقد يستغرب العديد هذا الكلام ولكنها الحقيقة. وقد خاضت المنظمات العلمية والسياسية معارك بل نضالا لإرساء مفهوم الرضاعة الطبيعية لتكون جزء من تربية الاطفال. وقد نجحت منظمة الصحة العالمية في ذلك بعد 1978 فقدمت مفهوم الرعاية الصحية الاولية Primary Health Care واشارت الى مؤشرات حول الصحة لدى الشعوب ومنها ممارسة الرضاعة الطبيعية. وكان ذلك في اعلان الماتا في كازخستان.
دولة الوحدة (مصر وسوريا) كلفت الموازنات أرقاما فلكية في إجراءات إدارية معقدة لم تصمد، فانهارت، لإعلانها بسرعة كسبا لقلوب الناس، وأهمل الساسة وقتها حياة شعوبهم. فكانت تتصف بوفيات عالية للأطفال الرضع وكذلك وفيات الأمهات وعمر متوقع قصير للانسان وغيرها. مشاكل صحية لم يسعى الساسة لمعالجتها ابدا.
وكانت حيرة لكم في موضوع شكري مع مراجعات متكررة لأطباء! لا تفقه الواقع الصحي ولا المعيشي وقتها. ولا زلت اتذكر مقولتكم بانك عادلت شكري بالفلوس في الميزان! وكررتها امي رحمكما الله. وتزداد الامور سوءا بولادة رفاق او كفاح كما تحب ان تناديها، وتبعها علاء. ازداد عدد اطفال العائلة، وبالتالي مصاريفهم من الحليب.
لم اجانب الحقيقة الواقع عند الحديث عن ممارسة طب الاطفال وقتها، وفيه التشجيع على الرضاعة الاصطناعية، والتصحيح على ايدي رجال علم اجانب. ومن الطريف القول ان اليونسيف ابلغت رئيس العراق ابان الحرب العراقية الإيرانية (الثمانينات) بان وفيات الاطفال الرضع في العراق تمثل في خسائر أكبر من خسائر العراق في جبهات القتال.
ادراكم العقلي كان عاليا في ذلك الزمان، ورويت لنا وقتها عن حجم العائلة في مصر ومشكلتها، فكان هناك بوستر يبين عائلتين احداها بعدد كبير من الاطفال، ويظهر على الدار الفوضى مع عدم النظافة، ودار اخر بطفلين الا انه نظيف ومنظم. وعند طلب اراء الناس، علق الرجال على الدار النظيفة والمنظمة بأنهم "خطية عندهم طفلين" اي تعاطف الكل مع العائلة باطفال اقل. في حين تم تصميم البوستر ليشجع على تحديد النسل تنظيم الاسرة. ولم يكن تجاوز الحدود الطبيعية للمجتمع بالامر الهين، وكثرة الاطفال للعائلة جزء من الحدود الطبيعية في ذلك الزمن. وعندما تتذكر مصر والقنبلة السكانية فيها تشير الى فشل جمال عبد الناصر في تبني تحديد النسل والاستمر في التنمية. وبالمقابل نجح الحبيب بورقيبة في تونس في تبني سياسة تحديد النسل. وتتركز اسباب فشل عبد الناصر كونه اسير خلفيته السياسية كعضو في الاخوان المسلمين، ورغبته في تزعم العالم العربي (الوحدة العربية وتدخلاته) وتزعم العالم في دوره في مؤتمر باندوغ وتأسيس حركة عدم الانحياز. أي كان يعمل ليحصل على زعامتين العالم العربي والعالم.
والصراع السياسي في العراق بين دعاة وحدة فورية وبين رافضيها، ابعد قادة العراق عن ملاحظة اشكاليات السكان فيه. والحديث عن موائع الحمل باشكالها مشكلة يساهم الكل بها، ومنهم رجل الدين والمعلم والسياسي وغيرهم، اضافة الى بدايات العمل بها في ذلك الوقت والمعلومات عنها قليلة او شحيحة. ويظهر شكري في صور عديدة مصابا بالهزال، بدون ان نسمع من طبيب بان ذلك هزال او سوء تغذية.
ومن احداث نمو شكري اصابته باشكاليات اخرى منها الهلوسة البصرية في سنواته الاولى، فكان يقفز ليلا ليصطاد فراشة في الغرفة، ومنفعل دائما او سريع الانفعال وفي تلك السن علامات الانفعال تتركز في البكاء والصوت العالي.

#جواد_الديوان (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات