كاوه كريم
الحوار المتمدن-العدد: 8308 - 2025 / 4 / 10 - 20:00
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
"العائق أمام رأس المال هو رأس المال نفسه"
على هامش إجراءات دونالد ترامب.
قبل مائة وخمسين عاما، أشار كارل ماركس، في انتقاده لمنطق الرأسمالية وحركتها الداخلية، إلى أن "العائق أمام رأس المال هو رأس المال نفسه". وهذا يعني أن بنية الرأسمالية وتطورها في حد ذاته يميل إلى خلق عقبات تحد من نموها واستقرارها. ولمزيد من لتوضيح، فإن طبيعة التعزيز الذاتي لرأس المال تتمثل في أنه يسعى باستمرار إلى النمو من خلال استخراج القيمة الزائدة والربح. ويتم ذلك من خلال الاستثمار في العمالة والمواد الخام والتكنولوجيا والموارد الأخرى. ولكن بما أن النظام الرأسمالي يعتمد على النمو المستمر، فلا بد لرأس المال أن يتزايد باستمرار من حيث الكمية، أو لابد لرأس المال أن يعمل باستمرار لإعادة إنتاج نفسه. ويؤدي هذا في حد ذاته إلى تركيز رأس المال وزيادة المنافسة بين أصحاب رأس المال. وفي نهاية المطاف، يؤدي هذا التركيز إلى انخفاض معدل الربح الإجمالي، وكما ينص قانون ماركس، " معدل الربح يميل إلى- الانخفاض"، مما يقود الرأسمالية إلى أزمة حادة.
إن انخفاض معدل الربح، وهو نتيجة منطقية داخلية للرأسمالية، يحدث عندما يستثمر رأس المال بكثافة في الإنتاج والتكنولوجيا لتنظيم الإنتاج وزيادته، مما قد يؤدي إلى انخفاض الحاجة إلى العمالة، مما يؤدي بدوره إلى زيادة البطالة. وسوف يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى خفض الطلب الكلي على السلع والخدمات، وهو ما قد يؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي. وهذا يخلق حاجزاً أمام رأس المال - فالسعي المستمر لتحقيق أرباح أعلى والنمو يتعارض مع الظروف الاقتصادية الفعلية. باختصار، تدور أفكار ماركس حول كيف أن رأس المال، من أجل التراكم والنمو، يخلق مشاكل وأزمات هيكلية تحد من قدرته على الاستمرار في النمو. وهكذا فإن حركة الرأسمالية الخاصة بها تسبب عقبات خاصة بها.
ألقى دونالد ترامب الأربعاء الماضي خطابا طويلا بعنوان "يوم الاستقلال" هز النظام الرأسمالي العالمي. وصفه بأنه "أحد أهم الأيام في تاريخ الولايات المتحدة" و"إعلان استقلال اقتصادي". يغطي نظام ترامب جمركي الجديد، الذي يتراوح بين 10% و43%، جميع الواردات من جميع الدول. وتزعم إدارة ترامب أن الرسوم الجمركية تهدف إلى تعزيز الناتج المحلي الإجمالي وخلق فرص عمل من خلال خفض العجز التجاري. وقال ترامب إن الضريبة الجديدة ستجمع "تريليونات الدولارات" لخفض الضرائب وسداد الدين الوطني.
وفي أول رد فعل، أعربت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن قلقها البالغ. وقال في مؤتمر صحفي في بروكسل إن "الاتحاد الأوروبي مستعد للرد "بقوة"، لكنهم ما زالوا ينتظرون حل القضايا على طاولة المفاوضات". وقال "هناك خطر حدوث فوضى كبيرة في الاقتصاد العالمي، وهذه السياسات يمكن أن تؤدي إلى زيادة التكاليف وربما تضر بالاقتصاد العالمي". أعرب معظم الزعماء الرأسماليين في العالم عن قلقهم العميق إزاء إجراءات ترامب.
ولكن دعونا نرى لماذا غامر ترامب. هل هو مرتبك و انفعالي، ويتخذ القرارات بمفرده؟ أو أن مشكلة في مكان آخر.
منذ ثلاثة عقود من الزمن، أعلنت البرجوازية أن النظام الرأسمالي هو البديل الوحيد والعولمة هي بديل أمام رأس المال. لقد تضافرت جهود الرأسماليين واحتضنوا بعضهم البعض، ووقفوا جميعًا بصوت واحد وراية واحدة ضد نضال وحقوق الطبقة العاملة.
بعد انهيار الرأسمالية الدولة للاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية، تحدثوا البرجوازية عن نهاية التاريخ، تاريخ اختفاء الشيوعية، وأعلنوا عن وصول تاريخ جديد وخلود النظام الرأسمالي الغربي. تم توقيع اتفاقيات بعد اتفاقيات بين أقطاب الرأسمالية. ولكن تبين أن دعاية تاريخهم الجديد والعولمة لم تجدي بجديد، لأنه خلال الثلاثين عاماً الماضية لم يعد منافسهم اللدود موجوداً على الساحة، وفي تاريخهم الجديد وقعوا في أزمة أكبر وأعمق من الأزمة التي كانت قائمة. أزمة تأكل رؤوسهم، أزمة دامت عشرين عامًا وتمثل نهاية تاريخهم الجديد. ولكن إذا نظرنا عن كثب إلى هذه الإجراءات، يمكننا القول إن هذه الإجراءات هي المسمار الأخير في نعش العولمة الرأسمالية، وزعزعة الوحدة والمصالح المشتركة. أو يمكننا أن نقول أنها جرس نهاية التاريخ الجديد للرأسمالية.
لقد أدت الأزمة الرأسمالية في العالم إلى تكثيف تأثيرات المنافسة الرأسمالية بشكل يهدد المجتمع البشري، والمنافسة على الربح والسوق، والمنافسة على تحقيق أقصى قدر من الربح، والمنافسة على تعويض انخفاض الأرباح. هذه هي رسالة الرأسمالية، حيث يجب على كل رأسمالي أن يتنافس مع الآخرين من أجل البقاء، أو أن يضع الرأسماليين الآخرين خارج الساحة، أو أن يجبرهم على الإفلاس. ويخلق هذا التركيز لرأس المال عقبات أمام التنمية المتساوية والعادلة بين الدول والرأسماليين في جميع أنحاء العالم. وهذا يعني أن رأس المال، في سعيه إلى التراكم والنمو، يخلق المشاكل والأزمات البنيوية التي تحد من إمكاناته.
المشكلة الأساسية ليست الرئيس ترامب، والمشكلة الأساسية ليست قرارات ترامب، بل هي المشكلة الأساسية في رأس المال والرأسمالية. إن المشكلة العميقة التي يعاني منها رأس المال هي الأزمة التي يعاني منها منذ عشرين عاما. عندما يتخلى ترامب عن اتفاقيات الجمارك العالمية أو اتفاقية باريس للمناخ واتفاقيات التجارة مع الصين والاتحاد الأوروبي، ويقرر بشكل أحادي فرض رسوم جمركية على منتجات دول أخرى، فهذا القرار مجنون وليس له نظير حول العالم. يريد ترامب أن يقول إن الوقت قد حان لاستخدام قوتي العسكرية وسيطرتي على العالم للدفاع عن مصالح الرأسماليين في بلدي وحمايتها.
والأمر المثير للاهتمام هو أنه في أزمة العصر الرأسمالي هذه، التي أدت إلى الأزمة المالية وأزمة الديون، وضعت الدول الرأسمالية الجزء الأكبر من التعويضات على عاتق الطبقة العاملة، لكن الأزمة مستمرة. لم يعد بإمكان ترامب ممارسة المزيد من الضغوط على الطبقة العاملة في بلاده وتجويعها أكثر، لذا يتعين عليه الضغط على الدول الرأسمالية الأخرى لتخفيف تأثير الأزمة على كاهل الرأسمالية في بلاده.
وأخيرا، لم يواجه النظام الرأسمالي في أي وقت من تاريخه أزمة عالمية عميقة مثل تلك التي قالها الاقتصادي العالمي الشهير الدكتور أورييل روبيني قبل خمسة عشر عاما ردا على الاقتصاديين البرجوازيين. ولكن هذا تشاؤم حقيقي بالنسبة للرأسماليين، لأن ما يحدث هو اندفاع لجر العالم كله بشكل أعمى إلى أزمة كارثية.
#كاوه_كريم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟