أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية... الرسوم الجمركية الأمريكية، التاريخ لا يعيد نفسه! (الجزء الأول)















المزيد.....

شذرات اقتصادية... الرسوم الجمركية الأمريكية، التاريخ لا يعيد نفسه! (الجزء الأول)


عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 8308 - 2025 / 4 / 10 - 12:58
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


فرض الرسوم الجمركية الجديدة من قِبَل الرئيس الحالي، دونالد ترامب، يحمل تداعيات بعيدة المدى على السياسات الاقتصادية العالمية. هناك عدة جوانب لهذه التأثيرات، وسنتناول جزءًا منها، ومن بينها التأثيرات المباشرة وغير المباشرة على الدولار الأمريكي وظهور نزعات قوية نحو نهاية العولمة.

في البداية، يمكن لهذه الرسوم أن تُعزِّز قيمة الدولار على المدى القصير، إذ تتزايد الحاجة إلى العملة الأمريكية لدفع الرسوم الجمركية المرتفعة على الواردات. هذا الطلب المتزايد يمكن أن يمنح الدولار دفعة مؤقتة. ومع ذلك، على المدى الطويل، فإن تقليل التجارة الدولية قد يؤدي إلى انخفاض الطلب على الدولار كعملة احتياطية عالمية، مما يسبب تآكل قيمته مع مرور الوقت. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي الرسوم إلى ارتفاع تكلفة السلع المستوردة، مما يزيد من التضخم المحلي ويدفع الاحتياطي الفيدرالي، تحت الضغوط السياسية الداخلية، إلى رفع أسعار الفائدة، وهو ما يؤثر بشكل غير مباشر على الدولار.

هذه النتيجة الحتمية تتعزز بالإجراءات التي تقوم بها مجموعة بريكس للحد من هيمنة الدولار. وقد تجلى ذلك في الخطوات التي اتخذتها الصين، مثل تقليص امتلاكها للديون الأمريكية خلال السنوات الخمس الأخيرة وزيادة احتياطياتها من الذهب. كما ساهمت الحرب الأوكرانية-الروسية في تقوية العلاقات التجارية مع دول مجموعة بريكس بلاس، بالإضافة إلى ظهور تكتلات إقليمية وعلاقات ثنائية قوية بين الدول. هذه التطورات في المشهد الجيو-اقتصادي العالمي تعزز فرضية نهاية العولمة التي تمت مناقشتها بشكل كبير من طرف العديد من الخبراء، وكما تناولتها أيضًا في إحدى "شذرات اقتصادية".

في هذا السياق، تبرز ظاهرة نهاية العولمة كأحد الآثار الأكثر وضوحًا للسياسة الاقتصادية الحمائية التي تسعى إدارة ترامب إلى فرضها على العالم. فالرسوم الجمركية تعزز الحمائية الاقتصادية وتجبر الدول والشركات على إعادة تقييم سلاسل التوريد العالمية. كما تهدف إلى تعزيز الدور الاقتصادي الأمريكي عالميًا والحفاظ على الهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة، أو ما يُطلق عليه "الاستثناء الأمريكي"، إضافة إلى الحد من الصعود الاقتصادي للصين كقوة اقتصادية عالمية. ربما يسعى الرئيس الأمريكي، من خلال هذا الإجراء، إلى إحداث هزة اقتصادية ومالية كالتي وقعت في الماضي.

يمكن النظر إلى هذه الخطوة كجزء من سلسلة من التحولات التاريخية التي تبنتها الولايات المتحدة لتعزيز مكانتها الاقتصادية والحفاظ على هيمنتها العالمية. ففي عام 1971، أقدم الرئيس ريتشارد نيكسون على إنهاء ارتباط الدولار بالذهب، مما أدى إلى انتقال النظام المالي العالمي إلى العملة الورقية. وكان هذا التحول بمثابة نقطة فاصلة في تاريخ الاقتصاد العالمي، حيث أتاح للولايات المتحدة مرونة أكبر في طباعة العملة، مما رسخ الدولار كعملة احتياطية دولية.

لاحقًا، جاء تعزيز الدولار عبر نظام "البترودولار"، حيث رُبطت تجارة النفط العالمية بالدولار الأمريكي. لم يعزز هذا الربط الطلب على الدولار فحسب، بل منح الولايات المتحدة نفوذًا اقتصاديًا وسياسيًا لا مثيل له عالميًا. وفي الثمانينيات، عندما برزت اليابان كقوة اقتصادية مهددة للهيمنة الأمريكية، اتخذت الولايات المتحدة إجراءات صارمة شملت فرض قيود تجارية على المنتجات اليابانية، خاصة السيارات والإلكترونيات. كما ضغطت على اليابان، ومعها بعض الدول الأوروبية كألمانيا، لرفع قيمة عملتها من خلال "اتفاقية بلازا" عام 1985، مما أضعف القدرة التنافسية للمنتجات اليابانية عالميًا وأدى إلى ركود الاقتصاد الياباني وتراجع الطلب العالمي على المنتجات اليابانية، خصوصًا في الولايات المتحدة.

اليوم، تظهر هذه الاستراتيجيات جليًا في قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي تهدف إلى كبح صعود الصين كقوة اقتصادية منافسة، مما يعكس التوجه الأمريكي المستمر نحو حماية مصالحها الاقتصادية وضمان استمرار هيمنتها كقوة عالمية أمام التحديات الناشئة. ومع ذلك، يبدو من الصعب إعادة الأحداث التاريخية، إذ إن الصين قادرة على الرد اقتصاديًا وخلق المفاجآت برؤيتها الاستراتيجية بعيدة المدى وبنيتها السياسية المرتكزة على الشمولية وتدخل الدولة لحفظ التوازنات، في حين تمتلك الهند وروسيا القدرة على خلق توازنات اقتصادية عالمية، فالتاريخ لا يعيد نفسه! لكن، يبقى السؤال حول قدرة الاتحاد الأوروبي، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، على مواجهة هذه التحديات، أم أنه سيكون أول الخاسرين في هذه المعركة.

حتى وإن تراجع الرئيس الأمريكي عن قراراته، سواء بسبب الاتفاقيات التي قد تُخفف من تأثير سياساته الاقتصادية أو تحت الضغوط الداخلية للمواطن الأمريكي، فإن التوجه الاقتصادي الأمريكي قد يدفع دول الجنوب إلى تعزيز التعاون الإقليمي وتطوير سلاسل توريد خاصة بها. قد يخلق ذلك فرصًا جديدة، رغم أنه يتطلب موارد واستراتيجيات قوية للتنفيذ، خاصة مع تصاعد النزاعات التجارية التي قد تؤدي إلى تراجع دور المؤسسات الدولية، مثل منظمة التجارة العالمية، مما يضعف العلاقات التجارية التي فرضتها القوى العالمية على دول الجنوب.

في هذا الإطار، قد تمثل هذه التطورات فرصة لخلق تحالفات جديدة إذا ما تمكنت دول مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا والهند، بالإضافة إلى دول أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا، من تطوير علاقات ثنائية وشراكات استراتيجية فيما بينها. بالنسبة لإفريقيا، يمكن لمثل هذه العلاقات أن تُعزز التعاون في مجالات متنوعة تشمل الزراعة، التكنولوجيا، الطاقة النظيفة والبنية التحتية.

وفي هذا السياق، يجب تسليط الضوء على السياسة الاقتصادية الخارجية للمغرب. إذ أن دوره كفاعل محوري في القارة الإفريقية مكّنه من تبني استراتيجية شاملة لتعزيز التنمية القارية. وتُجسد هذه الاستراتيجية من خلال مشاريع مهيكلة مع شركاء استراتيجيين في القارة، مثل مشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب، الذي يسعى لتحقيق التكامل الطاقي والاقتصادي بين دول غرب إفريقيا، والمشروع الأطلسي الذي يهدف إلى إنشاء ممر بحري لدعم دول وسط إفريقيا في مجالات التجارة والبنية التحتية.

تُعزز هذه الجهود والمبادرات مكانة المغرب كجسر اقتصادي بين إفريقيا وأوروبا من جهة، وكقائد إقليمي في تقديم حلول اقتصادية مبتكرة من جهة أخرى. في ظل هذه الديناميكية، قد تؤدي الشراكات الإقليمية الجديدة إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي وخلق نظام اقتصادي عالمي أكثر تنوعًا وعدالة. نظام يُركّز على التحرر التنموي ومجتمع المعرفة، ويُعيد صياغة العلاقات الدولية وفق مسارات تعزز التعاون والتنمية العادلة للجميع.
عائشة العلوي، أستاذة جامعية وخبير اقتصادية



#عائشة_العلوي (هاشتاغ)       Aicha_El_Alaoui#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرات اقتصادية... المرأة الفلاحية في المغرب: ما بين تحديات ا ...
- التضخم وارتفاع الأسعار في المغرب: أزمة ظرفية أم تحول بنيوي؟
- غنى وفقر مدن وقرى المعادن بالمغرب!
- حكاية من وحي المجتمع... لبيك تَمُورتْ إنُو (وطني)... -المسير ...
- شذرات اقتصادية... هل يمكن الوثوق بمجموعة بريكس+؟
- شذرات اقتصادية... المغرب والجزائر، -اليد الممدودة-...
- شذرات اقتصادية... التحول السريع الى أنظمة استبدادية…
- شذرات اقتصادية ... أية تداعيات لقرار بنك المغرب
- شذرات اقتصادية… الكرة -الهجينة- …
- شذرات اقتصادية ... التعاون جنوب ـ جنوب وسيادة الدولة
- شذرات اقتصادية… بناء الدولة الاجتماعية في زمن الأزمات...
- شذرات اقتصادية… أزمة الدولة أو الدولة في أزمة…
- شذرات اقتصادية... لا أصدقاء في الاقتصاد (1)
- شذرات اقتصادية... منطق السوق يسيطر على المؤسسات
- شذرات اقتصادية... التعليم وسؤال الجودة
- حكاية من وحي المجتمع... أنا شاب، عالة على أسرتي...
- شذرات اقتصادية... -المتحور- الكوفيد الاقتصادي في المغرب
- شذرات اقتصادية... بعد السكتة القلبية، الناتو يعلن عن -مشروع ...
- أقصوصة من وحي المجتمع... لقاء خاص مع أطفال هُم لَنَا
- كوفيد19، الحرب ما بين المعلومة والمصلحة


المزيد.....




- مسؤول إيراني : إستيراد 96 طناً من الذهب بقيمة 7.6 مليار دولا ...
- تحت وقع رسوم ترامب... صادرات الصين ترتفع بنسبة 12.4% وسط ترا ...
- ارتفاع الأسهم العالمية بعد إعفاء الأجهزة الإلكترونية من الرس ...
- من هو الراحل ماريو فارغاس يوسا صاحب نوبل للآداب وآخر ممثلي ا ...
- وزير صومالي: الدعم التركي مكننا من إعادة تصور ما هو ممكن لاق ...
- استراتيجية الطاقة الروسية 2050.. توقعات بزيادة صادرات النفط ...
- مقاطعة العلامات الداعمة لإسرائيل في الأردن تنعش الصناعة المح ...
- البنك المركزي العراقي يتجه نحو تعميم الدفع الإلكتروني وإنشاء ...
- حمّى الذهب في السعودية.. مصدر جديد للثروة
- -بلومبرغ-: ترامب أنقذ -آبل-


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية... الرسوم الجمركية الأمريكية، التاريخ لا يعيد نفسه! (الجزء الأول)