أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - حمدي سيد محمد محمود - الأمن المائي في العالم العربي: بين التحديات الجيوسياسية والفرص الاستراتيجية














المزيد.....

الأمن المائي في العالم العربي: بين التحديات الجيوسياسية والفرص الاستراتيجية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8308 - 2025 / 4 / 10 - 08:52
المحور: الصناعة والزراعة
    


د.حمدي سيد محمد محمود
في قلب الصحراء الممتدة من المحيط الأطلسي حتى الخليج العربي، يتجسد التحدي الأكبر الذي يواجه الأمن القومي العربي في القرن الحادي والعشرين: الماء. فعلى الرغم من أن المنطقة العربية تُعد من أكثر مناطق العالم افتقارًا للموارد المائية الطبيعية، فإنها في الوقت ذاته تُعد من أكثر المناطق عرضةً لصراعات المياه الإقليمية والدولية، نظرًا لاعتمادها الكبير على أنهار عابرة للحدود، وتحكم قوى غير عربية في منابعها. تزداد خطورة هذا التحدي مع تسارع عوامل التغير المناخي، والانفجار الديمغرافي، والتوسع العمراني غير المدروس، ما يجعل الأمن المائي العربي في قلب معادلة البقاء، بل في صميم معارك السيادة والاستقلال والتنمية.

لقد تحولت المياه من كونها مجرد مورد بيئي إلى أداة جيوسياسية في لعبة النفوذ والسيطرة، حيث باتت بعض الدول تستخدمها كأداة ضغط على دول المصب، ما يهدد الاستقرار الإقليمي ويعيد رسم خرائط الصراع والتحالف. في المقابل، ورغم قتامة المشهد، تلوح فرص واعدة إذا ما استُثمرت بإرادة سياسية جماعية، واستُند فيها إلى استراتيجيات تكاملية وإقليمية مستدامة توازن بين الأمن القومي والمصلحة البيئية، وبين حقوق الشعوب والسيادة الوطنية.

أولًا: المشهد المائي العربي – بين الجفاف الطبيعي والاستنزاف البشري

يعاني العالم العربي من فجوة مائية متزايدة نتيجة لعوامل طبيعية وبشرية معقدة. فالهطول المطري في أغلب الدول العربية محدود وغير منتظم، والمصادر السطحية كالأودية والأنهار قليلة ومتباعدة. كما أن أكثر من 65% من الموارد المائية في الدول العربية تأتي من خارج حدودها، ما يجعلها رهينة لتقلبات سياسية في دول الجوار غير العربي، كما هو الحال في نهر النيل، ودجلة، والفرات.

أما على المستوى الداخلي، فقد فاقم سوء الإدارة، وغياب التخطيط المستدام، والاعتماد الكبير على الزراعات المستنزفة للمياه، من حجم المشكلة. فالكثير من الدول العربية تعاني من فقدان مائي هائل نتيجة شبكات توزيع متهالكة، وممارسات زراعية قديمة، وسياسات لا تستند إلى كفاءة أو عدالة توزيع الموارد.

ثانيًا: التحديات الجيوسياسية – الماء كسلاح في صراعات النفوذ

تمثل الأنهار العابرة للحدود ساحة صراع حقيقية في العلاقات الإقليمية، حيث أصبحت بعض الدول تسعى إلى بناء سدود ضخمة دون تنسيق أو اتفاقات ملزمة، كما هو الحال في أزمة سد النهضة الإثيوبي الذي يهدد الأمن المائي لمصر والسودان. كذلك، فإن تزايد النفوذ التركي في منابع دجلة والفرات، يضع العراق وسوريا أمام واقع مائي خانق.

هذه التحديات لا تتوقف عند الصراع المباشر، بل تمتد إلى التوظيف السياسي للمياه، حيث يتم استخدامها كورقة تفاوض في ملفات أخرى، من الأمن والطاقة إلى النفوذ الإقليمي، ما يفتح المجال أمام تدخلات دولية وتحالفات جديدة يعاد فيها رسم توازنات المنطقة.

ثالثًا: التحولات المناخية – طوفان من الجفاف والتصحر

لا يمكن الحديث عن الأمن المائي دون التطرق إلى التغير المناخي، الذي ضرب المنطقة العربية بقوة خلال العقدين الأخيرين. فقد تزايدت درجات الحرارة، وتراجعت معدلات الأمطار، وارتفعت معدلات التصحر والملوحة، مما أدى إلى تدهور التربة وتراجع الإنتاج الزراعي. المدن العربية الساحلية أصبحت أيضًا مهددة بارتفاع مستوى سطح البحر، ما يُنذر بفقدان مصادر مائية جوفية ونزوح من المناطق المنخفضة.

وبالتالي، فإن التغير المناخي لم يعد مجرد قضية بيئية بل تحول إلى خطر وجودي يهدد الإنسان العربي في غذائه ومأواه واستقراره.

رابعًا: الفرص الاستراتيجية – نحو أمن مائي مستدام

رغم قتامة الصورة، فإن هناك فرصًا استراتيجية يمكن استثمارها لإعادة بناء الأمن المائي العربي. أولها يكمن في تعزيز التعاون الإقليمي العربي في مجال إدارة الموارد المائية، من خلال بناء منظومات معلوماتية مشتركة، وتبادل الخبرات، ووضع سياسات موحدة.

ثانيًا، ينبغي الاستثمار الجاد في تقنيات تحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة، خاصة في الدول التي تمتلك سواحل طويلة وشمسًا ساطعة طوال العام. كما أن تطوير الزراعة الذكية وتقنيات الري الحديثة سيساهم بشكل كبير في تقليص الفاقد وتحقيق الأمن الغذائي المائي.

ثالثًا، يتطلب الأمر إرادة سياسية لإنشاء مجلس عربي موحد للأمن المائي، يتجاوز الخلافات السياسية الضيقة، ويضع الماء في صدارة الأمن القومي العربي.

خامسًا: الآفاق المستقبلية – من الصراع إلى الشراكة المائية

إن مستقبل الأمن المائي في العالم العربي مرهون بقدرة الدول على التحول من عقلية الصراع والانكفاء إلى منطق الشراكة والتكامل. فكما أن النفط كان موردًا استراتيجيًا في القرن العشرين، فإن الماء هو مورد القرن الحادي والعشرين، بل هو جوهر السيادة والبقاء.

من خلال التعاون في مشروعات إقليمية كبرى لتحلية المياه، وإعادة تدويرها، وتوسيع نطاق الأحواض الجوفية المشتركة، يمكن للعرب أن يتحولوا من ضحايا لأزمات مائية إلى روّاد في ابتكار حلول بيئية وتنموية، تضمن الأمن والاستقرار وتفتح آفاقًا جديدة للتنمية المستدامة.

من الظمأ إلى اليقظة – نحو مشروع نهضة مائي عربي

ليس الأمن المائي خيارًا، بل هو قدر لا يمكن التراخي معه. إن العالم العربي يقف اليوم على مفترق طرق حاسم: فإما أن يستمر في النزيف المائي والتبعية والتهديد، أو أن ينهض بمشروع مائي جامع يعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والمكان، بين السيادة والموارد، بين الجغرافيا والسياسة.

هذه اللحظة التاريخية تستدعي يقظة استراتيجية شاملة، تبدأ من الاعتراف بالواقع، وتمتد إلى بناء بنية تحتية قانونية، اقتصادية، علمية، وشعبية لحماية الماء. فالعرب أمام فرصة تاريخية لتحويل أزمة الظمأ إلى مشروع نهضة، يُعيد للعالم العربي روحه، ويضمن لأجياله القادمة حق الحياة الكريمة والسيادة المستدامة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوعي تحت المقص: مقارنة نقدية لتحولات الإعلام والدراما المصر ...
- نظرية الحق بين الفلسفة والقانون: نحو أفق رقمي جديد لحقوق الإ ...
- مشروع محمد عابد الجابري: قراءة نقدية في تفكيك التراث وبناء ا ...
- حروب بلا رصاص: الإعلام في زمن الخوارزميات والواقع المزيف
- تفكيك المقدس: العقل الفلسفي في مواجهة الإيمان المسيحي في الف ...
- ما بعد الهيمنة : قراءة في خرائط النظام العالمي الجديد
- صراع العمالقة : الولايات المتحدة والصين ... إعادة رسم خرائط ...
- نظرية المعرفة عند ابن رشد: العقل، التجربة، والتأويل الفلسفي
- من الحق الإلهي إلى العقد الاجتماعي: التحولات الفلسفية للسلطة
- الوعي المقيد والوعي الحر: قراءة في أنماط التصديق الدوغمائي و ...
- فاطمة الفهرية: سيدة العلم التي شيدت أول جامعة في التاريخ
- جدلية السلطة والفكر: قراءة موسوعية في تطور الأفكار السياسية ...
- المنطق الرياضي: حجر الأساس للعقلانية والاستدلال في عصر الذكا ...
- مارتن لوثر وثورة الفكر: التداعيات الفلسفية للإصلاح الديني عل ...
- الفلسفات المادية الأوروبية: أزمات جوهرية وتحديات مستقبلية في ...
- ما بعد العلمانية: تحولات المفهوم ومآلاته الفلسفية
- جون لوك: ثورة فكرية غيرت مسار الفلسفة والسياسة
- العدم الرقمي: الإنسان في متاهة ما بعد المعنى
- سبينوزا والكتاب المقدس: نقد النص وإعادة بناء الإيمان
- تحولات السلطة والفكر: رحلة الفلسفة السياسية الأوروبية من ميك ...


المزيد.....




- الدفاع الروسية: قوات كييف استهدفت بنى الطاقة 8 مرات في 24 سا ...
- نواف سلام يبحث مع أبو الغيط الوضع في لبنان والمنطقة
- ليبيا.. حرائق غامضة تلتهم 40 منزلا في مدينة الأصابعة خلال 3 ...
- رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام يصل إلى دمشق حيث سيلتقي بال ...
- -يجب علينا تخيُّل العالم ما بعد الولايات المتحدة- - الغارديا ...
- الجزائر تمهل 12 موظفا في سفارة فرنسا 48 ساعة لمغادرة أراضيها ...
- -ديب سيك - ذكيّ ولكن بحدود... روبوت الدردشة الصيني مقيّد بضو ...
- انخفاض تعداد سكان اليابان إلى أدنى مستوى منذ عام 1950
- جدل في الكنيست حول مصر.. وخبير يعلق: كوهين أحد أدوات الهجوم ...
- وزير خارجية فرنسا يدعو لفرض -أشد العقوبات- على روسيا


المزيد.....

- كيف استفادت روسيا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لصالح تطو ... / سناء عبد القادر مصطفى
- مشروع الجزيرة والرأسمالية الطفيلية الإسلامية الرثة (رطاس) / صديق عبد الهادي
- الديمغرافية التاريخية: دراسة حالة المغرب الوطاسي. / فخرالدين القاسمي
- التغذية والغذاء خلال الفترة الوطاسية: مباحث في المجتمع والفل ... / فخرالدين القاسمي
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي- الجزء ا ... / محمد مدحت مصطفى
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي-الجزء ال ... / محمد مدحت مصطفى
- مراجعة في بحوث نحل العسل ومنتجاته في العراق / منتصر الحسناوي
- حتمية التصنيع في مصر / إلهامي الميرغني
- تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام ... / عبدالله بنسعد
- تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الطريقة الرشيدة للتنمية ا ... / احمد موكرياني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - حمدي سيد محمد محمود - الأمن المائي في العالم العربي: بين التحديات الجيوسياسية والفرص الاستراتيجية