خالد محمود خدر
الحوار المتمدن-العدد: 8308 - 2025 / 4 / 10 - 02:00
المحور:
المجتمع المدني
قبل عدة سنوات كتب أحد الأصدقاء في موقعه على الفيسبوك ان كلمة العار ( إسم ) وهو عيب وكل مايعيب به الإنسان من فعل أو قول أو يلزم منه سبة ووصمة عار ، ومنه أشتق كل مايتعلق بالعري هكذا جاء في المعاجم والقواميس ! ، والذي لايمارسه إلا من فقد صفة الحياء ، وعلى كل حال فهو كلمة بذيئة بحق من تلصق به ، وقد تلصق بكتل بشرية أو هيئات خصوصا في حالة الحروب والهزائم ويصبح مصدرا لعقد نفسية تعاني منها بعض الشعوب . ولكن أي عار ذلك الذي يتباهى به أصحابه وهم في سكرتهم يعمهون !. وأضاف ذلك الصديق قائلا انه قبل أكثر من ثلاثة عقود ، عندما كنت في انكلترا في نهاية السبعينات و بداية الثمانينات من القرن الماضي ، للحصول على شهادة الماجستير ، قال لي رجل إنكليزي بسيط لا يمتهن السياسة ، بعد أن شاهد فلما عن أعمال السحل والقتل في شوارع بغداد وإبادة العائلة المالكة بطريقة همجية بعد إنقلاب تموز عام 1958 بأن تاريخ العراق الحديث قد لحقه عار لن يمحى أبدا.
واسترسل الصديق في مقاله ليشير في نهايته إلى أن أنواع العار قد توالت في العهد الجمهوري ، حتى صارت جزءا من حياة العراقيين البائسة ، فلم تعد خجلا الهتافات الجوفاء والشعارات الفارغة والمظاهرات المصطنعة وإعدام الناس وسجنهم بدون محاكمات حتى لو اضطر لذلك إلى رشهم بالغازات السامة والقائمة طويلة عريضة لها أول وليس لها آخر حتى وصلنا للدرك الأسفل (انتهى الاقتباس).
في ثورة 14تموز 1958 تم قتل العائلة المالكة بطريقة بشعة ، وهم يعلنون استسلامهم و موافقتهم على تسليم السلطة ومغادرة العراق. و بينما هم في طريقهم ، وفي مقدمتهم الملك و جدته ثم خاله وخالاته، من الطابق العلوي للقصر الى فنائه حيث يتواجد امر الفصيل المكلف بالسيطرة على القصر الملكي ، تفاجئوا بمباغته النقيب عبدالستار العبوسي برمية من مدفع هاون تبعها رشقات اخرى مكثفه من رشاشات الفصيل ليتم في الحال قتلهم جميعا ، باستثناء زوجة عبدالاله التي نجت بأعجوبة بعد معافاتها من جراحها. وكان النقيب عبد الستار العبوسي قد جلب مدفع الهاون هذا للتو من وحدة عسكرية قريبة ملتحقا بالفصيل العسكري المكلف ، دون ان يبلغه او يكلفه احد بالمشاركة بالثورة فجر يوم 14تموز 1958، واستغل قرب هذه الوحدة من القصرالملكي ، مع انه كان مكلفا بالاصل في إقامة دورة عسكرية لتدريب مجموعة من الضباط ، وسرعان ما التحق مع افراد الفصيل مزودا أياها بذخيرة عتاد من تلك الوحدة عند سماعه اطلاقات منذرة باقتحام القصر الملكي.
بعدها وصل اﻻمر بسحل جثة عبدالاله خال الملك ولي العهد في شوارع بغداد الرئيسية حتى تهرأت ، ثم علقت على احد أعمدة جسور بغداد بعد يوم طويل من السحل. وقبل أن تحرق بقاياها أخذت الجثة من قبل المتحمسين ثانية الى الشارع ، لتأتي امرأة من بينهم وتقطع منها قطعه بسكين لها لتعرضها ساخرة للبيع.
وفي مكان آخر يقوم ضابط كبير بقطع اصبع رئيس الوزراء نوري السعيد بعد مقتله وسحل جثته وتعليقها على أحد جسور بغداد مع جثة عبدالاله ، لياخذ الاصبع هذه بعد سنوات خمس وهي محفوظة في حاوية حافظة كهدية خاصة منه للرئيس المصري جمال عبد الناصر. وعندما التقاه ضمن وفد رسمي ، قدمها له قائلا له هذه اﻻصبع هي هدية لك وهي الاصبع التي اشرت مرارا لك ب ﻻ لكل خطاباتك او مشاريعك القومية العربية ، ولكن عبدالناصر ابدى استغرابه وعدم رضاه عن ذلك ، كما يقول سكرتيره في كتاب تضمن مذكراته. ذلك حصل بعد ان شارك هذا الضابط القائد بوحدته في اﻻنقلاب على عبدالكريم قاسم .
توالت الاحداث بعدها لياتي من يمارس هذه الطرق البشعه مع الكثير ، ممن كانوا يحملون أفكارا وروى أخرى او كانوا محسوبين على حزب معارض لهم في انقلاب 8 شباط 1963 ، لينالوا منهم بدمويه بالغه.
في مذكرات لوزير من النجف ينحدر من عائله عريقه محسوبة على الناصريين ،سرد فيها هذا الوزير ما عاناه في قصر النهايه الذي كان باﻻصل قصرا ملكيا ، و إن من كان يدخل هذا القصر لحما يخرج عظاما ، ولم يصدق هو كيف خرج منه ليهاجر بعدها إلى مصر ولم يرجع منها إلا بعد عام 2003 في زيارة موقتة ، بعد ان شاهد ما حصل لغيره ، وما كان يسمعه عندما احتجز وحقق معه في هذا القصر ، بين فترة قصيرة وأخرى يوميا من اطلاقات رصاص في اطراف القصر وفنائه على أجساد من كانوا قبل ساعات احياء معه في الزنزانه (الملكيه ). زنزانه اسست هي اﻻخرى لكل ما هو قادم بعدها في العراق ، وهو حديث يطول لو تناول كل السنوات اللاحقه. والكلام هذا فيه استثناء لفترة شهدت اصدار قرارات وقوانين التي كان بالإمكان معها أن تضع البلد في مسار لو قدر له الاستمرار بالتطبيق الحقيقي لتغير حال البلد الى حال ما حصل حصل بعده كل ما جرى لاحقا من ما يتناوله المغزى من المقال.
اما ما حصل لعبد الستار العبوسي فقد كوفئ بعد ايام بان اصبح مسؤول لسجن ابو غريب الخاص باعتقال كل رجال العهد الملكي من رؤساء وزراء ووزراء وغيرهم الكثير ، وقد زجوا في قاعة واحدة في ذلك الصيف اللهاب. وأصبح العبوسي في زمن عبدالسلام عارف ملحقا عسكريا برتبة عالية في الاتحاد السوفيتي ، لتنتهي حياته بعد ذلك منتحرا في داره ، بعد معاناة نفسية وتأنيب الضمير و عدم استطاعته النوم لرؤيته احلاما يرى فيها عبدالاله يشكيه عن قتله الشنيع للعائلة المالكة.
كانت لجنة الضباط الاحرار قبيل ثورة تموز 1958 قد قررت قتل كل من الملك وخاله ونوري السعيد ، وضرورة تحديد يوم للثورة يضمن تواجد الثلاثة المعنيين في بغداد. هناك من المصادر تشير الى موقف عبدالسلام عارف المؤيد لقتل الملك ، إذ عوتب عندما رجع إلى داره لياخذ استراحة ، من قبل زوجته على قتله ، عندما قالت له ما ذنب هذا الطفل لتقتلوه ، ليرد عليها ضاحكا ، بما يعني تأييده لقتله ، فيما تؤكد مصادر اخرى عدم موافقة عبدالكريم قاسم على قتله وامر بنقله إلى اقرب مستشفى قبل ان يفارق الحياة فيه ، كما امر باجراء تشييع عسكري رسمي لجثه نوري السعيد كونه ضابطا سابقا وتم دفن بقايا جثته في مكان سري ، ولكن سرعان ما وصل اليه جموع من الناس لينبشوا الجثه ويكرروا اعمال السحل بها
أما ذلك الرجل اﻻنكليزي البسيط ، كما ورد بمقال الصديق ، فوجدته على بساطته ومن حديثه أنه كان حكيما عندما قال ان عارا كبيرا لحق بالعراق سوف لن يمحى ابدا . ولعله على بساطته هذه كان يقصد بقوله انه عار لن يمحى ليس فقط ﻻنه تم توثيقه في كتب ووثائق تاريخيه نقلها اﻻعلام العالمي ، قدر ما ان طريقه التعامل بوحشيه بالغه بينت او اسست في اللاوعي الجمعي عند العراقيين قبوﻻ وسكوتا عن حاﻻت قتل وتصفيات كثيرة مماثله ﻻحقه لمن اصبح وجودهم يمثل خطرا لدى الحاكم أو موخرا لدى تنظيمات إرهابية ، ليتم القبض عليهم أو ملاحقتهم او قتلهم جماعيا على الهوية القومية أو الدينية باسم الحاكم اوالتنظيم الارهابي من قبل مجاميع خاصة تابعة لهم ، لتمارس معهم شتى أنواع التعذيب او القتل مباشرة والدفن في مقابر جماعية ، ليعبر كل ذلك بالإجمال على (عواطف ) مريضه هائجه دون كياسه العقل وحكمه المتأني ، المحب لوطنه وأهله اجمعين ، في المواقف الصعبه التي تتطلب سياده القانون ورحمه القلوب وحكمة العقل والتروي ، وسط سكوت الكل المجتمعي ، ليغيب بالنتيجة الضمير الجمعي مع تقادم السنين ليقبل و يتناسى او يتفرج لا مباليا على كل شيء حتى وصل البلد الى حالة يرى فيه اﻻﻻف يقتلون سويه بدم بارد ويرمون في النهر او العراء من قبل منظمات ارهابيه على مراى من الكثير اللامبالي في احسن الاحوال .
في مقال للدكتور سعد ناجي جواد، نُشر على موقع "رأي اليوم" بعنوان ثورة 14 تموز 1958 في ذكراها الخامسة والستين.. ما لها وما عليها ، كتب أنه مهما كانت وجهات النظر حول ذلك الحدث التاريخي، فإن تاريخ 14 تموز سيظل رمزًا لفشل الأنظمة التي أنشأتها القوى الاستعمارية من ناحية، ومن ناحية أخرى، يمثل بداية مرحلة من العنف السياسي، ومحاولات الاستيلاء على السلطة بالقوة. والأخطر من ذلك، أن هذا الحدث فتح الباب أمام استسهال القتل والاغتيالات واستباحة الدم العراقي من قبل مختلف الأطراف ، سواء كانت حزبية أو عسكرية، رسمية أو معارضة.
ذات يوم وقبل اكثر من عشرة سنوات كنت استمع بالراديو حديث لوزير التخطيط العراقي الاسبق اشار فيه بان الرشوه والنهب ﻻموال الدوله قد اصبحت امرا لا يمكن معالجته ، وعليه اقترح في حديثه بقبول حد ادنى منها كي نحافظ على ما تبقى من اموال الدولة .
ان ياتي حديث وزير مسؤول هكذا فانه لأمر كبير وان اقل ما يعنيه ان مفهوم الدولة غايب او مغيب.
لو كتب لذلك الرجل اﻻنكليزي العيش حتى هذا الزمن والتقى ثانية بصديقي الذي اشرت له فانه من المؤكد أن يبادره بالقول : الم اقل لك كل هذا.
العار معيار له محطة تؤسس لأكبر منه وما مر به البلد عموما صب في
ما قاله الرجل اﻻنكليزي وما رمى الصديق اليه.
الغريب لم نجد الا القليل من كبار الساسه والمجتمع قد عبر عن وجهة نظره جهرا و قال ما قاله ذلك اﻻنكليزي وقتها وبعدها عن كل ماشابه ذلك من أحداث مأساوية حتى
اصبح العار عند البعض يعار او يباع او يستأجر من شخص الى اخر من قبل الكثير وهم فرحين طالما يبشر ذلك بوجاهة او مال وفير ، وان كان مالا حراما وملك للشعب.
كم الكل العراقي بحاجة إلى قراءة الماضي بتأن وأخذ العبر والبدء بالعمل يدا واحدة بعيدا عن ماض مؤلم ، قراءة توسس لدولة مدنية علمانيه بنظام مؤسساتي هدفه خدمة الوطن والمواطن ، دولة فيها الدين لله والوطن للجميع كما عبر عن ذلك الملك فيصل الاول. قراءة تستبعد الدم العراقي وتحرمه ، تنظر إلى المواطنين بسواسية دون النظر إلى ايه هوية غير هوية الانتماء للوطن.
#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟