أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - الأزهر في مصر بؤرة للتخلف والانحطاط!















المزيد.....

الأزهر في مصر بؤرة للتخلف والانحطاط!


ياسين المصري

الحوار المتمدن-العدد: 8307 - 2025 / 4 / 9 - 22:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تتجه حاليا بعض الدول المتأسلمة إلى التخلص تدريجيا من كابوس الأسلمة، دون معارضة تذكر، وفي مقدمتها مملكة آل سعود، المفترض أنها منبع هذه الديانة الشاذة، بينما تتجه مصر إلى مزيد من الأسلمة ومزيد من ثقل حملها وانحطاطها شيئا فشيئا!
كانت ولا زالت منظومة الأسلمة على مر التاريخ سلاحًا فتاكا، في أيدي الحكام الجهلة والعجزة، بدأت مصر تشهد تحوّلًا تدريجيًا نحو مزيد منها مع بداية حكم البكباشي جمال عبد الناصر، فلم تعد قاصرة على المؤسسات الدينية فحسب، بل تمددت لتشمل الإعلام والسياسة والتعليم، وحتى العلاقات الاجتماعية، والقضاء، فبينما كان البكباشي يصفي الإخوان المتأسلمين، من خلال الإعدامات والسجن والتشريد، كان بغباء منقطع النظير يقوي مكانة الأزهر، ويزيد من نفوذه ليقف بجانبه في كل تصرفاته الحمقاء. قبل عامين فقط من استيلائه على السلطة، كان وزير المعارف في مصر هو الدكتور طه حسين. رجلٌ ذو ثقل عالمي، تُسمع كلمته في باريس كما تُسمع في القاهرة، يتبادل الرسائل والآراء مع كامو وسارتر، ويقود مشروعًا للتعليم والتنوير لم تعرف مصر مثيلًا له من قبل. هذا الرجل، في عهد ما يسميه البعض بـ"الملكية الفاسدة"، كان وزيرًا للمعارف، أي أن قضايا الوعي والعقل والتعليم كانت تُدار بعقولٍ كبرى. وحين جاء البكباشي بجمهوريته، سلّم هذا الموقع المفصلي في تشكيل وجدان الأمة لزميله الضابط كمال الدين حسين، رجل لا صلة له بالتعليم، ولا بالفكر، ولا بأي ملامح تؤهله لإدارة وزارة بهذا الحجم. رجل اشتهر بالبصم لا بالفكر، وبالولاء لا بالكفاءة. وفي ذروة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، قرر كمال الدين حسين أن يوقف تدريس اللغة الفرنسية في المدارس! قرار عبثي، لا يصدر إلا عن عقلٍ ضيق الأفق، يرى في الثقافة خطرًا، وفي اللغات الأجنبية جريمة، وكأنَّ العزلة سلاح للتحرر! والأدهى من ذلك، أن مدير مكتبه في تلك الفترة كان سيد قطب. نعم، سيد قطب نفسه، الذي تحوّل لاحقًا إلى منظر للتكفير والعنف والإرهاب الإسلاموي، كان في قلب وزارة التربية والتعليم المصرية، يساهم من موقعه في تشكيل سياساتها. هذه التصرف البسيط يلخّص طريقة تفكير "الضباط الأشرار"، وتُظهر كيف تحوّل التعليم من مشروع وطني للتنوير في عهد طه حسين، إلى أداة في يد العسكر الجهلة والتيارات الظلامية في عهد البكباشي. شتّان ما بين العهدين، عهد يرى في العقل قائدًا، وفي الثقافة طريقًا، وفي التعليم رسالة، وبين عهد اختزل فيه العسكر الدولة في "دفتر الخدمة"، واستبدلوا المثقفين بأصحاب الولاء، وأطفأوا أنوار التنوير التي أضاءها جيل النهضة.
ولأن المسألة برمتها كانت (ولازالت) أهواء شخصية خالصة ولا تمت للسياسة بشيء، فقد أفرج الصاغ أنور السادات عن الإخوان المتأسلمين من سجون عبد الناصر ليدعموه فيما أطلق عليه أنذاك ”ثورة التصحيح“، وهي إجراءات عنيفة ضد رجال عبد الناصر الذين يقفون في طريقه، فما كان من الإخوان المفرج عنهم أن اغتالوه، أما الملازم طيار حسني مبارك فقد أفضى به جهله وعجزه إلى ترك الحبل على الغارب للمؤسسات والهيئات والجماعات الإسلاموية بشتى انتماءاتها تمرح في المجتمع، وتلعب بعقل الشعب الجاهل المتدين مظهريا بطبعه، فقويت شوكتها، وازداد نفوذها الشعبي.
وبعد الانتفاضة الشعبية التي أزاحت به من السلطة شعر العسكر بتهديد حقيقي لسلطتهم الطاغية في البلاد، فعقدوا العزم على التخلص من الإخوان المتأسلمين نهائيا، مهدوا الطريق لهم للوصول إلى السلطة من خلال انتخابات مزيفة، وأثناء حكم الإخوان الذي لم يتجاوز العام، سبب العسكر لهم مشاكل اجتماعية واقتصادية كثيره، مما سهل لهم تجييش المواطنين ضدهم، ومن ثم إزالتهم بعيدا عن الحكم، واستيلاء العسكر عليه من جديد ولكن هذه المرة بقبضة حديدية، فتخلص الحاكم بأمره في مصر من الإخوان المتأسلمين إلى حد كبير، قتل من قتل وسجن من سجن وأجبر من أجبر منهم على الفرار من البلاد، وذلك لإبعادهم عن جنون السعي إلى السلطة في البلاد، واحتكار العسكر لها وحدهم. ولكنه أطلق العنان لفصيل أسوأ وأجهل من الإخوان هم المشايخ السلفيين الأزهريين المحترفين والهواه. والمفارقة العجيبة والغريبة أنه في نفس الوقت يطالب شيخ الأزهر (أحمد الطيب) مرارا وتكرارا إصلاح الخطاب الديني، فتذهب جميع مطالبه أدراج الرياح، ولا يتمكن من اتخاذ إجراء ضد الشيخ ومؤسسته الأزهريّة، خوفا من إغضاب الشعب الجاهل والمتدين ظاهريا بطبعه. أما شيخ الأزهر من ناحيته، يعرف تمام المعرفة أنه يتعامل مع حاكم لا يخرج عن نمط الحكام الجهلة ومغتصبي السلطة والعجزة عن آداء الحكم الرشيد منذ نشأة الإسلاموية وحتى اليوم، وأنه في وقت ما سوف يستدير 180 درجة مثله مثل غيره، ويكف عن مهاجمته ومطالبته بشيء لا يستطيع عمله، لأنه وجموع المشايخ في مؤسسته يقتاتون من الوضع الحالي، وأن أي تغيير يطالها سوف ينسف النمط الأزهريّ الفاسد بكامله، وربما يعجل بالقضاء على الإسلاموية نفسها.
وبينما كان يلاحق الإخوان المتأسلمين ويعمل بوحشية على قطع دابرهم، راح يتوجه بوضوح نحو "أسلمة" الإعلام، حيث صرّح في أكثر من مناسبة برفضه لـ"نشر الإلحاد" و"الدعوة للانحلال". وفي 2022 وجه صناع الدراما خلال لقائه بممثلي الفن في مؤتمر الشباب بأن يقدموا محتوى "يُرسخ القيم الدينية". فتلا ذلك موجة من المسلسلات الهابطة التي تركز على شخصيات دينية، أو تدمج مشاهد الصلاة والدعاء في سياق الرواية. وشهد الإعلام أيضًا ظهور متكرر لدعاة إسلامويين على شاشات الدولة، يروجون لخطاب رجعي، وسط تغييب شبه كامل للأصوات العلمانية أو التنويرية.
وفي الشارع المصري، تزايدت مظاهر التدين السطحي: الحجاب بات أكثر انتشارًا، وتحوّلت النقاشات العامة إلى أحكام دينية وفتاوى، حتى في المسائل الحياتية البسيطة. وبدأت تظهر فتاوى لا تمت للعقل بصلة وتتناول الجن والعفاريت ومدة حمل المرأة التي تصل إلى أربع سنوات وأكثر ورضاعة كبار السن وغير ذلك من الهذيانات!
ومع تدهور الوضع الاقتصادي، وارتفاع معدلات الفقر، انتشرت برامج دينية "للتطبيب النفسي" و"الرضا بالقضاء"، مما ساهم في تقبل الناس للوضع بدلًا من السعي لتغييره.
أصبحت مؤسسة الأزهر الدينية دولة داخل الدولة، تمارس نفوذًا سياسيًا كبيرًا، وتشارك في صناعة القرار المجتمعي من خلال فتاويها وتدخلاتها في التعليم والمناهج، بل وحتى القوانين، مع رفضها تجديد حقيقي للخطاب الديني، وهاجمت بشراسة أي محاولة للخروج عن التفسير السلفي التقليدي، وبات "التدين الشعبي المظهري" وسيلة لصرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية. لتدهور الأحوال الاقتصادية وتدني قيمة العملة المصرية وارتفاع الأسعار وزيادة الديون ومعدلات الفقر، صار المشايخ المحترفين والهواة يرددون عبارات مثل "ربنا حيكرم"، "الدنيا اختبار"، "اصبر تؤجر"، بينما تُغيّب الأسئلة الجادة حول إدارة الدولة للموارد. يقول المفكر الفرنسي فولتير:« حينما تزداد السلطة فشلًا، تلجأ للدين لتمنح نفسها شرعية زائفة».
وهكذا باتت أسلمة مصر ليست مجرد تحول ديني، بل مشروع سياسي اجتماعي ثقافي، يُعيد تشكيل هوية الدولة ويُقصي المختلف. ما بين إعلامٍ يروّج لمثاليات دينية، ومجتمع يزداد تخلفا، ودولة تخلط الدين بالسياسة، وسقوط الجميع سقوطا مدويا في فخ التديُّن الكاذب؟
وصف فارس التنوير الراحل الدكتور سيد القمني مؤسسة الأزهر بأنها آخر قلاع الاحتلال العربي لمصر، كما قال (في أحد اللقاءات ) بان الأزهر « يدرس فقهًا يُخرج مجرمين وقتالين قتلة، ولا يختلفون عن عناصر داعش». وفي موضع آخر، طالب القمني بإقالة مشايخ الأزهر.. حيث قال: « لو أردنا الإصلاح بجد، علينا أولاً الإغلاق على هؤلاء.. يا مصريين أقيلوا مشايخ الأزهر تصحّوا، لا تستضيفوا المشايخ في التليفزيونات ستصيرون أفضل وزى الفل. صلِّي وأدِّي الفروض التي طلبها الله منك، امتنع عمّا نهاك عنه لكن لا تُخرج بلاويك على المجتمع». وفي محاضرة ألقاها فى العاصمة البريطانية لندن بمقر منظمة مدنية إنجليزية، يطلق عليها "أدهوك" قال الدكتور القمني : « مناهج الأزهر بعد التجديد كارثة ومصيبة سودة.. الشباب وولادى وحبايبى الآن يرفعون قضية فى المحاكم الدولية، باعتبار الأزهر مؤسسة إرهابية، لدى الأدلة التى سأقدمها ولم يعد فى العمر بقية، عشان عيالى وعيالكم يعيشوا فى بلد محترم يلحق بقطار الحداثة وقافلة النور، نحن فى القاع وفى الظلمة والظلمات».. بل إنه قال فى معرض حديثه عن قانون ازدراء الأديان: « قانون ازدراء الأديان لا يطبق إلا برغبة المشايخ، ازدراء الأديان محاسبش اللى بيسب المسيحيين واليهود على المآذن والمساجد وفى إذاعات الدولة، كلها تزدرى غير المسلمين، هنحاكمهم إزاى، هات ربنا حاكمه عشان هو صاحب الكلام ده، يا تلغوا القانون». كما وصف مطالبة الأزهر بتجديد الخطاب الديني بأنها كمن يطلب من الفيروس أن يقتل نفسه. وهي تصريحات كانت سببا في مهاجمته وتكفيره من شيوخ الازهر والسلفيين، وتهديده بالقتل.
المفكر السوداني محمود محمد طه أعدمه حاكم السودان النميري بمباركة من الأزهر، فقال قبل إعدامه: « سوف يأتي وقت توضع على باب الأزهر خشبة مكتوب عليها هنا كان يدرس الجهل»
الحقيقة أن تاريخ الأزهر يزخر بانحطاط فكري وتملق للحكام، والسير دائما في ركاب السلطة، والعمل على تغفيل وتجهيل الشعب باسم الدين، حتى أن جميع أعداد مجلة الأزهر تكاد لا تخلو من ذلك.. ونورد هنا بعض الأمثلة على مواقف رجال الأزهر في تاريخه القريب:
في أثناء الحملة الفرنسية على مصر استمرت ثلاث سنوات فقط (1798-1801)، تشكل ديوان من علماء الأزهر والأعيان لمعاونة الحكومة، وأصدروا بيانا للشعب المصري لتهدئة ثورته وتثبيط نضاله وجهاده، ضد الفرنسيين، قال البيان: « نصيحة من كافة علماء الاسلام بمصر المحروسة.. نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، ونبرأ من الساعين في الأرض بالفساد..) ويستطرد البيان فيقول: (.. فعليكم الاّ تحركوا الفتنة، ولا تطيعوا المفسدين، ولا تسمعوا كلام من لا يقرأون العواقب، لأجل أن تحفظوا أوطانكم، وتطمئنوا على عيالكم، وأديانكم، فان الله سبحانه وتعالي، يؤتي ملكه لمن يشاء، ويحكم بما يريد، ونصيحتنا لكم، ألا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة».. (المرجع: تاريخ الجبرتي)
وإبان الاحتلال الانجليزي لمصر عام 1914، استعان الانجليز بعلماء الأزهر، لتهدئة حركة المقاومة الشعبية.. جاء في كتاب "حوليات مصر السياسية – الجزء الأول – تأليف أحمد شفيق باشا" ما يلي: « إنهم لجأوا، من باب زيادة الحيطة، الي الاستعانة بهيئة كبار العلماء بالديار المصرية، فاصدروا منها في 16/11/1914 رسالة الي الأمة، تدعوها فيه إلي السكون، والتفادي عن الفتن، وإطاعة الحكومة، وكان على رأس كبار العلماء صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر "الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر والشيخ بكري عاشور مفتي الديار المصرية" ولم يترك أصحاب الفضيلة، العلماء، آية من آيات الذكر الحكيم، أو حديثا من الأحاديث النبوية، تحض على عدم المخاطرة، وعدم القاء الانفس إلي التهلكة، أو اتقاء الفتنة، أو البعد عن تدخل المرء فيما لا يعنيه، إلا أتوا به في هذه الرسالة»..
وتفيض مجلة الأزهر بخطب شيوخه، في مدح وتمجيد الحكام الواحد تلو الآخر، فلا تمر مناسبة إلا أشادوا بالحاكم، وبحرصه على الدين، على سبيل المثال ما حدث في الاحتفال الذي أقيم لعيد ميلاد الملك فاروق، والذي توافد إليه رجال الأزهر وطلابه، وتورد مجلة الأزهر ، التي يبدو أن أحدا لا يقرأها، سنة 1939 عن ذلك:« نهض الشيخ محمد مصطفي المراغي شيخ الأزهر، فألقي خطبة جمعت، فأوعت في مناقب حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق». وكان مما قاله في هذه الخطبة عن الملك فاروق: « إنه مثال من مثل الخير العليا، وصورة كاملة من صور الفضيلة المحببة للنفوس».. هذا هو رأي مؤسسة الأزهر في الملك فاروق الذي سمونه الملك الصالح، وتمشيا مع اتجاه الأزهر، في التملق، فقد ألحقت نقابة الأشراف نسب الملك فاروق بنبي الأسلمة!!

وفي نفس الاتجاه، كتبت نفس المجلة 25/5/1952 بقلم رئيس تحريرها أحمد حسن الزيات، مادحة الملك فاروق، قبل الانقلاب عليه بشهرين، قائلة: « وبهدي صاحب الرسالة محمد (صلعم)، لسان الوحي ومنهاج الشرع، ومعجزة البلاغة، وبعطف صاحب الجلالة الفاروق، ناصر الاسلام، ومؤيد العروبة وحامي الأزهر، أعز الله نصره، وجمل بالعلوم والاداب عصره» انتهي.. أما فاروق، ناصر الاسلام هذا، قد عاد عند مجلة الأزهر فاسقا ماجنا بعد سقوط عرشه!! فكتب نفس الشخص (أحمد حسن الزيات) في عدد يوليو سنة 1960، عن فاروق، مناقضا ما سبق أن قرره من قبل: « وكان آية من آيات ابليس في الجراءة على دين الله، انه كان كما حدثني أحد بطانته المقربين إليه، أنه إذا اضطرته رسوم الملك، أن يشهد صلاة الجمعة، خرج إليها من المضجع الحرام، وصلاها من غير غسل ولا وضوء، وأداها من غير فاتحة ولا تشهد، وكان يقول إن أخوف ما أخافه، أن يغلبني الضحك وأنا أتابع الإمام في هذه الحركات العجيبة. وبلغ من جراءته على الحرمات، أنه كان يغتصب الزوجة ويقتل الزوج ويسرق الدولة)!! هذا هو فاروق الذي كال له الزيات المدح أول الأمر، وقال عنه محمد مصطفى المراغي (1881 - 1945) شيخ الأزهر في الفترة من 1928 حتى استقالته في 1930ثم تولى المشيخة مرة أخرى عام 1935 وحتى وفاته عام 1945.: « إنه مثال من مثل الخير العليا وصورة كاملة من صور الفضيلة».. فأي درك من النفاق تردت فيه مؤسسة الأزهر، وأي عار تلطخ به شيوخها!!
لم يتردد مشايخ الأزهر في كيل المديح أيضا لعبد الناصر ليمارسوا حرفتهم التاريخية في مدح الحكام، وتملقهم والتزلف إليهم.. وهاك بعض الأمثلة لذلك:
رد الشيخ محمد النواوي على هجوم طه حسين على جمود الأزهر، قال فيه: « إن الأزهر حق الله، لأنه يبلغ رسالة الله، ورسالة الانبياء من قبل، اصلاح عالمي، وسلام إسلامي، ولأنه يعاون الحكم الصالح الذي يتمثل اليوم في حكومة الثورة» - المرجع: مجلة الأزهر - الجزء الرابع 16/11/1955، وهكذا يستعدي النواوي السلطة على طه حسين، والأزهر هنا "حق الله" لأنه يبلغ رسالة الله و"لأنه يعاون الحكم الصالح المتمثل في حكومة الثورة"!
وفي الجزء الرابع 16/11/1955 من مجلة الأزهر ورد أيضا رد الشيخ محمد على عامر على هجوم طه حسين على الأزهر يقول: « ما كنت أظن أن الدكتور طه حسين... يتمادي في التهكم بالأزهريين، ويدأب على التهوين من شأنهم، في الوقت الذي تمر به مصر الآن، فيكتب عنهم "بأنهم لا يتعلمون كما يتعلم الناس" ويصفهم بأنهم "لا يعرفون من العلوم الا أسماءها وظاهرا من أطرافها..".. ويرد على بعض كتاب الأزهر فيقول - عن الأزهر - "انما عاش وما زال يعيش في القرون الوسطي" وهو يعلم حق العلم بأن الرئيس عبد الناصر وصحبه من رجال الثورة، أغير الناس على الأزهر، وأشدهم حرصا على كرامته»...
كما أورد الشيخ محمود شلتوت في عدد ديسمبر سنة 1960، عن واجب المسلم، في طاعة السلطة الحاكمة، ما لم تخالف أوامر الله، ما يلي: «... فعلى المسلم السمع والطاعة، فقد عرف أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وواجب المسلم لا يختلف، ولا يقل نحو حكومته، ما دام كل عملها، في المصلحة العامة، وما دامت لا تخالف أوامرها أوامر الله ولا أوامر الرسول لا فرق في ذلك بين حكومة علمانية أو حكومة دينية». هذا هو رأي شيخ من أبرز مشايخ الأزهر في طاعة الحكومات.. وهو مفصل تماما على حكومة عبد الناصر، وهل يمكن ان يكون لهذا الحديث علاقة بالدين أو بالورع؟ وهل ثمة حكومة علمانية غير مخالفة لأوامر الله!!!
وعلى كثرة ما أحتشد تاريخهم بالملق، والتطبيل للحكام، لم يبلغوا من ذلك ما بلغوه في عهد عبد الناصر، فقد كتبت مجلة الأزهر 1963 مقالا بقلم رئيس تحريرها، أحمد حسن الزيات، رجح فيه اشتراكية جمال عبد الناصر على اشتراكية محمد بن عبد الله! لأن اشتراكية محمد تقوم على العقيدة، واشتراكية عبد الناصر تقوم على العلم! ولما ثار بعض جال الدين على ذلك، تدخل محمود شلتوت، شيخ الأزهر، لتهدئة خواطرهم!
وبتاريخ 2/6/1962 كتبت مجلة الأزهر مقالا آخر لرئيس تحريرها الزيات، في الجزء الأول، وصف فيه ميثاق عبد الناصر، بما يلي: « إن ميثاقك الذي عاهدت الله الوفاء به، وعاهدك الشعب على اللقاء عليه، حروف من كلمات الله، لم يؤلفها أحد قبلك في أي عهد، لا في القديم، والحديث، لا في الشرق والغرب!!» ميثاق عبد الناصر عنده حروفه من كلمات الله مثل القرآن، وهذا مكتوب في مجلة الأزهر!!
ولقد تداعي به التمسح بأعتاب عبد الناصر، أن أورد في مجلة الازهر، يناير 1963 - الجزء السادس ما يلي: « .. وسينتشر ضوء ميثاقك المحكم الهادي في كل نفس، وفي كل أرض، انتشار كلمة الله، لأنه الحق الذي وضعه الله في شرعه والنهج الذي سنه لجميع خلقه». انتهي..
ولو كانت هذه المجلة غير مجلة الأزهر، لكان مجرد صمت شيوخ الأزهر، على مثل هذه الأقوال، عارا ما بعده عار، دع عنك أنها مجلة أكبر وأعرق مؤسسة دينية في العالم الاسلامي، وأنها أولا وأخيرا لسان حال هذه المؤسسة الضليعة في الفساد والانحطاط!
يقول أحد رواد النهضة، السوري عبد الرحمن الكواكبي (1855 - 1902م) في كتابه طبائع الاستبداد: جميع فقهاء الاستبداد يقدسون الحكام، حتى أوجدوا لهم الحمد إذا عدلوا والصبر عليهم إذا ظلموا».
ولكن تخلف الأزهر وانحطاط مشايخه لا يقتصر على مداهنة الحكام فقط، بل تتمثل أيضا في تكفيره للمفكرين، واتهامهم بالزندقة! بداية بالشيخ علي عبد الرازق مرورا بطه حسين، وقاسم أمين، وانتهاء بسيد القمني وخليل عبد الكريم وغيرهم.



#ياسين_المصري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد: شخصية نبوية مفبركة! (1-2)
- معضلة المواطن المستقر في بلادنا!
- لماذا يكره الفرس العربان؟ (2/2)
- لماذا يكره الفرس العربان؟ (1/2)
- جنون العظمة من البكباشي إلى المشير
- فتاوي ”البلاوي“ والهوس الجنسي
- ابن سلمان وصدمة التغيير
- العلمانية والضلال الإسلاموي المبين
- أصل الاستبداد الإسلاموي
- الغرب و شيزوفرينيا العربان
- الصنم الذي يتحكَّم حيا وميِّتا!
- من أين يبدأ تنوير المتأسلمين؟
- ثقافة ”البهللة والسبهللة“ الدينية!
- التفضيل بالنفاق في مصر! (2/2)
- التفضيل بالنفاق في مصر! (1/2)
- أنا لسْتُ مُدينًا بشيء لوطن مسلوب الإرادة!
- أين حدود الصبر؟!
- يا شعب مصر (العظيم)!
- الآلهة التي دمَّرت مصر (2/2)
- الآلهة التي دمَّرت مصر (2/1)


المزيد.....




- لورا لومر صحفية يهودية تحمل لواء معاداة المسلمين في أميركا
- قتلى بمظاهرات ضد قانون إصلاح الأوقاف الإسلامية بالهند
- رغم وجوده في فترة نقاهة.. البابا فرانسيس يقوم بزيارة مفاجئة ...
- إصابتان وتضرر عدة مركبات في هجوم للمستعمرين غرب سلفيت
- أسعدي طفلك..تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر نايل سات وعر ...
- مفتي القاعدة السابق يروي سبب انتقال بن لادن من أفغانستان إلى ...
- لماذا تدعم الطرق الصوفية المصرية الدولة وتحتمي بها؟
- إعادة انتخاب نوري المالكي أمينا عاما لحزب الدعوة الإسلامية ا ...
- إعادة انتخاب نوري المالكي أمينا عاما لحزب الدعوة الإسلامية ا ...
- إيهود باراك يحذر من انهيار وشيك لإسرائيل بسبب نتنياهو


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - الأزهر في مصر بؤرة للتخلف والانحطاط!