أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - الشهبي أحمد - تازة... حين تتحول الصحافة إلى ميكروفون بلا شهادة














المزيد.....

تازة... حين تتحول الصحافة إلى ميكروفون بلا شهادة


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8307 - 2025 / 4 / 9 - 18:13
المحور: الصحافة والاعلام
    


ما إن أدخل إلى الفايسبوك حتى أغرق في طوفان الصفحات والأسماء التي تسبقها صفة "الصحافي"، "الإعلامي"، أو "المراسل المعتمد"، وكأننا في تازة نعيش عصرًا ذهبيا للإعلام الموازي. الغريب أنني أعرف بعض هؤلاء معرفة شخصية، أعرف أنهم غادروا مقاعد الدراسة باكرًا، بعضهم بالكاد تجاوز السلك الإعدادي، وآخرون ودّعوا التعليم نهائيًا قبل أن يتعرفوا على الفرق بين الفعل والفاعل. ومع ذلك، تراهم يوزّعون الأوصاف على أنفسهم بسخاء، يقدّمون أنفسهم كمرجعيات إعلامية، وينتصبون للحديث باسم "الرأي العام"، بينما كل ما يملكونه هو هاتف به كاميرا متشققة و"لايف" يومي من حومة أو سوق.

في تازة، يكفي أن تشتري هاتفا ذكيا وتفتح صفحة فيسبوك باسم "تازة الآن" أو "تازة مباشر" حتى تُصبح صحافيًا، بل وقد يُقدَّم لك كرسي في الصف الأول في لقاء رسمي، وتُطلب منك التصريحات، وتُمنح شارة "صحافي مهني" مكتوبة بخط Comic Sans ( هذه الجملة بحد ذاتها لن يفهمها الصحافي الذي يقرأ مقالي الآن) . هنا، لا حاجة لك بمعهد عالٍ ولا تكوين، فقط قليل من الجرأة وكثير من الفايسبوك، وستُصبح بين ليلة وضحاها "سلطة رابعة"... بلا دستور، بلا قواعد، وبلا حتى فواصل بين الجمل.

مدينة تازة التي أنجبت فقهاء وشعراء ومفكرين، لم تستطع أن تُنجب – أو لِنَقُل لم يُسمح لها أن تُنجب – صحافيًا خريج المعهد العالي للإعلام والاتصال. الغريب في الأمر أن عدد من يدّعون صفة "صحافي" يفوق عدد المراسلين في القنوات الوطنية مجتمعة. فمن أين خرجوا؟ وكيف طغوا على المشهد؟ ولماذا اختفت الكفاءة وبقيت الكاميرا؟

في مدينة تازة، إن بحثتَ عن خريج من المعهد العالي للإعلام والاتصال، فستُشبه الباحث عن إبرة في سوق أسبوعي. لا وجود لهم تقريبًا، لا في الصحف، ولا في الإذاعات، ولا حتى على الهامش. ورغم هذا الفراغ الأكاديمي، تعج المدينة بصحافيين من كل شكل ولون، بعضهم لا يفرق بين "السبق الصحفي" و"السبق فالسويقة"، وآخرون يعتبرون كتابة تدوينة عن غلاء الطماطم تحقيقًا استقصائيًا خطيرًا.

فما الذي يحدث؟ ولماذا تحولت الصحافة إلى مهنة من لا مهنة له؟ بل كيف أصبح الميكروفون متاحًا لمن هبّ ودب، والبطاقة الصحفية تُوزّع كما تُوزّع كؤوس الشاي في مقاهي تازة السفلى؟

الجواب لا يحتاج كثير بحث: الصحافة أصبحت مغرية. لا من حيث المدخول طبعًا، بل من حيث السلطة الرمزية. تكفيك كاميرا مكسورة وبذلة مستعملة و"بادج" ملون لتصبح "الإعلامي فلان الفلاني" وتبدأ في اصطياد الدعوات المجانية، وافتتاحيات المقاهي، والظهور على منصات التواصل كما لو كنت مراسلًا من قلب الحرب، بينما لا يتجاوز ميدانك حي المسيرة أو السوق البلدي.

وما يزيد الطين بلة هو غياب أي هيكلة حقيقية للمشهد الإعلامي المحلي. لا أحد يسائل من أين جاء هؤلاء؟ من منحهم الصفة؟ أين تكوينهم؟ هل خضعوا لأي تكوين قانوني، أخلاقي، لغوي؟ لا شيء من هذا. فالصحافة في تازة أصبحت كالهواء، كل من أراد تنفسها فعل، دون رقيب ولا حسيب.

أما خريجو المعهد العالي للإعلام والاتصال – وهم قلة نادرة أصلًا في هذه المدينة – فيفضلون الصمت أو الهجرة الرمزية نحو مهن أخرى، بعد أن وجدوا أنفسهم غرباء وسط ساحة يحكمها العشوائيون. فأن تكون متعلمًا في حقل تسيطر عليه الفوضى، هو أن تصبح الشاذ وسط قاعدة لا تعترف إلا بالصوت العالي والنقل السريع ولو كان من جدران فيسبوك.

الصحافة ليست خطأ المهنة، بل مهنة الأخطاء حين يسيء إليها من لا علاقة له بها. والمضحك المبكي أن البعض يتحدث عن نفسه كـ "إعلامي مخضرم"، وهو لم يسبق له أن كتب جملة من ثلاث كلمات دون أن يرتكب فيها جريمة لغوية.

فهل نلومهم؟ أم نلوم الفراغ الذي سمح لهم بالتمدّد؟ هل نحاسب من تجرأ على الكلمة؟ أم نحاسب من فرّ من الميدان وتركه لهم؟

ربما الجواب الأصح هو أن نعيد ترتيب الأوراق: لا بمنع أحد من الكلام، بل بجعل الكلمة مسؤولية. أن يُمنح الميكروفون لمن يعرف وزنه، لا لمن يبحث عن متابعين أو دعوة غداء. وأن تُفتح أبواب الإعلام أمام الكفاءات، لا أمام الطارئين الذين يختزلون الصحافة في "لايف" و"سيلفي" وابتسامة صفراء أمام العدسة.

ولهذا، وبكل وضوح ودون مواربة، أتحدى كل من يقدّم نفسه كصحافي في هذه المدينة، وكل من يتصدر الصفوف الأولى في اللقاءات ويذيّل اسمه بصفة "إعلامي"، أن يخرج علينا ببطاقة تثبت أنه خريج المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط. فقط بطاقة واحدة، لا نريد شواهد فيسبوكية ولا صفحات ممولة ولا صور سيلفي مع المسؤولين. نريد دليلاً واحدًا على التكوين، على الشرعية المهنية، على الحد الأدنى من المصداقية. وإن عجزوا – وسيفعلون – فليعرف الجميع أن ما نعيشه ليس إعلامًا، بل فوضى مدججة بالهواتف ومزينة بعناوين فضفاضة لا علاقة لها بالصحافة، لا من قريب ولا من بعيد.

الصحافة في تازة، كحال الكثير من الأمور، تحتاج إلى غربلة. وغربلة حقيقية تبدأ بسؤال بسيط: من أنتم؟



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جيل التسعينات: من الحلم إلى الاختناق؟
- المعلم ... من مربٍ إلى هدف
- الجزائر بين وهم الماضي وواقع المغرب المتقدم: الحقيقة التي لا ...
- طفولة المغرب بين مؤثرات الإعلام وتآكل القيم
- المغاربة… يكذبون الكذبة على الفايسبوك ويؤمنون بها
- الطاكسيات في المغرب: تقدر توصل وتقدر ما توصلش
- المغربي: بطل الأساطير في مسرح الحياة اليومية.
- صوتٌ يصدحُ من بين القيود: رؤيةٌ نقديةٌ ل-تحرير المرأة- مع قا ...
- شوبنهاور والعيد: سعي بلا نهاية نحو السعادة الزائفة
- التطرف السياسي والخيانة: عندما يصبح المبدأ عرضة للتغيير
- عندما تصبح الصحافة صراعاً شخصياً: هل نعيش عصر -الفرجة الإعلا ...
- صفعة تمارة: السلطة والمواطن بين القانون والثقة المفقودة
- الوعي المثقف: مرض ودواء في قبو دوستويفسكي
- -أصداف الدهور-: حين يصبح الزمن قفصًا، والماضي لؤلؤة مفقودة ف ...
- أصداف الدهور: حين يصبح الزمن قفصًا، والماضي لؤلؤة مفقودة في ...
- الليل لنا: تأملات في الغياب والحضور في رواية محمد مباركي
- السياسي والمؤرخ: صراع الزمن والقلم
- مزهوون بمتلاشيات الآخرين
- أنقاض الروح والكلمة: قراءة في مجموعة - تحت الركام- القصصية ل ...
- التعليم المغربي: حلم يتهاوى بين فوضى السياسة وصمت الجميع


المزيد.....




- حزمة استثمارات قطرية في مصر بقيمة 7.5 مليار دولار
- زيلينسكي يدعو ترامب لزيارة أوكرانيا: ستشهد بنفسك التهديد الذ ...
- بي بي سي ترصد آثار الحرب على البنية التحتية في السودان
- الصليب الأحمر: إسرائيل تحتجز مسعفاً فلسطينياً مفقوداً في هجو ...
- إصابة مجندة إسرائيلية في عملية دهس بالخليل وفرار المنفذ
- في لحظة دولية فارقة... لوكمسبورغ تحتضن أول اجتماع أوروبي رفي ...
- في قلب بيروت.. التياترو الكبير شاهد على ويلات الحرب الأهلية ...
- وفاة الكاتب ماريو فارغاس يوسا الحائز على جائزة نوبل للآداب ع ...
- شاهد ما حدث في غابات اسكتلندا بسبب حرائق هائلة
- بنغلاديش تعيد حظر السفر إلى إسرائيل


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - الشهبي أحمد - تازة... حين تتحول الصحافة إلى ميكروفون بلا شهادة