أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - الوعي تحت المقص: مقارنة نقدية لتحولات الإعلام والدراما المصرية في ظل السلطة














المزيد.....

الوعي تحت المقص: مقارنة نقدية لتحولات الإعلام والدراما المصرية في ظل السلطة


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8308 - 2025 / 4 / 10 - 00:02
المحور: الصحافة والاعلام
    


د.حمدي سيد محمد محمود

منذ الثالث من يوليو 2013، دخل الإعلام المصري مرحلة جديدة من التشكّل السياسي والثقافي، حيث لم يعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو إنتاج الترفيه، بل تحوّل إلى أداة سلطوية لإعادة تشكيل الوعي الجمعي، وفق منطق الهيمنة والسيطرة. تغيّرت الوظيفة التقليدية للإعلام بوصفه سلطة رقابية أو منبرًا للتعدد والتعبير، ليغدو أداة لتكريس خطاب أحادي، يُعلي من صورة النظام السياسي القائم، ويُقصي كل الأصوات التي تنتمي إلى طيف مغاير أو معارض. هذا التحول لم يكن معزولًا عن مسار تاريخي أوسع شهدته المنطقة العربية، بل يمكن مقارنته بتجارب إعلامية مماثلة في دول مجاورة، وأخرى عرفها التاريخ المعاصر في فترات الصراع الأيديولوجي.

في الحالة المصرية، تم تفكيك البنية الإعلامية المستقلة أو شبه المستقلة التي برزت بعد ثورة يناير 2011، من خلال سياسات السيطرة المباشرة وغير المباشرة على المؤسسات الإعلامية، عبر شركات ضخمة مرتبطة بأجهزة سيادية. أُقصي الإعلاميون المستقلون، وتعرض بعضهم للملاحقة أو السجن أو التضييق، فيما جرى تمكين إعلاميين يدورون في فلك السلطة، ويتبنون خطابًا تعبويًا يكرس الطاعة، ويُجرّم النقد، ويُشوّه كل من يعارض السياسات الرسمية.

هذه الديناميكية لا تختلف كثيرًا عمّا شهدته تجارب أخرى في المنطقة العربية، خاصة في سوريا والعراق في عهدي حافظ الأسد وصدام حسين، حيث كان الإعلام يُستخدم كأداة لتقديس الزعيم، وتبرير سياسات القمع الداخلي، وإخفاء الأزمات الاقتصادية والاجتماعية خلف شعارات النصر والمقاومة والوحدة. في تلك السياقات، كما في الحالة المصرية، تم تصوير الإعلام على أنه جزء من الأمن القومي، ما أضفى على الرقابة بعدًا أيديولوجيًا يتجاوز الاعتبارات المهنية أو الأخلاقية.

الدراما المصرية، التي كانت يومًا ما تُشكل رافعة ثقافية في العالم العربي، لم تسلم من هذا التحول السلطوي. فبدءًا من عام 2014، برزت موجة من الإنتاجات الدرامية التي ركزت على تمجيد الأجهزة الأمنية والعسكرية، وصناعة أبطال يرتبطون حصرًا بالمؤسسات الرسمية، بينما صُوّرت الحركات الاحتجاجية أو المعارضة السياسية باعتبارها خلايا تخريبية أو تهديدات للتماسك الوطني. وهكذا، تحوّلت الدراما من وسيلة للتساؤل النقدي والتعبير الفني، إلى أداة لنقل الرسائل الرسمية وتدعيم السرديات السلطوية.

هذه التجربة لها ما يشابهها في تاريخ الأنظمة التسلطية، كما في ألمانيا النازية، حيث لعبت السينما دورًا محوريًا في بناء صورة هتلر وتكريس النزعة القومية المتطرفة، أو في الاتحاد السوفيتي الستاليني، حيث كانت الفنون كلها، بما فيها الرواية والمسرح والسينما، خاضعة لما يُعرف بـ"الواقعية الاشتراكية"، التي تُمجد النظام وتُقصي كل تمثيل للواقع المعقد أو النقدي. في كل هذه التجارب، كما في مصر المعاصرة، يُستبدل الوعي النقدي بوعي مُوجَّه، والإبداع الحُر بصناعة رمزية خاضعة للرقابة.

وفي المقابل، شهدت بعض الدول العربية تجارب إعلامية أكثر توازنًا، مثل التجربة اللبنانية، التي وإن لم تخلُ من الانقسامات الطائفية والسياسية، فإنها حافظت نسبيًا على فضاء إعلامي متعدد، يضم قنوات وصحفًا تعبر عن طيف متنوع من الآراء. وكذلك التجربة التونسية ما بعد الثورة، التي، رغم ما واجهته من تحديات، سعت للحفاظ على استقلالية نسبية لوسائل الإعلام، وأقرت تشريعات تعزز حرية الصحافة، وإن كانت هذه المكاسب تبقى هشّة في ظل الصراعات السياسية المتجددة.

عودة إلى مصر، يتضح أن الإعلام والدراما لم يعودا يعكسان نبض الشارع أو أوجاع المواطن، بل صارا مرآة مشوهة لواقع متخيل، يُقدَّم للمواطن على أنه الحقيقة الوحيدة، في ظل تغييب ممنهج للأصوات الأخرى. لقد أصبحت الشاشة مساحة لإعادة إنتاج الولاء، لا لفهم التناقضات المجتمعية، أو طرح الأسئلة الكبرى عن العدل والحرية والكرامة.

إن الأزمة ليست أزمة إعلام فحسب، بل هي جزء من أزمة المجال العام نفسه، حيث يتم تفكيك الفضاءات التي تسمح بالنقاش، والتعدد، والتفكير الحر. إننا أمام بنية رمزية جديدة، يُعاد من خلالها تشكيل الوعي العام، ضمن معادلة مغلقة تُقصي الحرية لصالح الأمن، وتُقصي التعدد لصالح الخطاب الواحد، وتُقصي الإنسان لصالح الدولة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية الحق بين الفلسفة والقانون: نحو أفق رقمي جديد لحقوق الإ ...
- مشروع محمد عابد الجابري: قراءة نقدية في تفكيك التراث وبناء ا ...
- حروب بلا رصاص: الإعلام في زمن الخوارزميات والواقع المزيف
- تفكيك المقدس: العقل الفلسفي في مواجهة الإيمان المسيحي في الف ...
- ما بعد الهيمنة : قراءة في خرائط النظام العالمي الجديد
- صراع العمالقة : الولايات المتحدة والصين ... إعادة رسم خرائط ...
- نظرية المعرفة عند ابن رشد: العقل، التجربة، والتأويل الفلسفي
- من الحق الإلهي إلى العقد الاجتماعي: التحولات الفلسفية للسلطة
- الوعي المقيد والوعي الحر: قراءة في أنماط التصديق الدوغمائي و ...
- فاطمة الفهرية: سيدة العلم التي شيدت أول جامعة في التاريخ
- جدلية السلطة والفكر: قراءة موسوعية في تطور الأفكار السياسية ...
- المنطق الرياضي: حجر الأساس للعقلانية والاستدلال في عصر الذكا ...
- مارتن لوثر وثورة الفكر: التداعيات الفلسفية للإصلاح الديني عل ...
- الفلسفات المادية الأوروبية: أزمات جوهرية وتحديات مستقبلية في ...
- ما بعد العلمانية: تحولات المفهوم ومآلاته الفلسفية
- جون لوك: ثورة فكرية غيرت مسار الفلسفة والسياسة
- العدم الرقمي: الإنسان في متاهة ما بعد المعنى
- سبينوزا والكتاب المقدس: نقد النص وإعادة بناء الإيمان
- تحولات السلطة والفكر: رحلة الفلسفة السياسية الأوروبية من ميك ...
- العلمانية الإنسانية: يوتوبيا زائفة أم أزمة وجودية؟


المزيد.....




- الدفاع الروسية: قوات كييف استهدفت بنى الطاقة 8 مرات في 24 سا ...
- نواف سلام يبحث مع أبو الغيط الوضع في لبنان والمنطقة
- ليبيا.. حرائق غامضة تلتهم 40 منزلا في مدينة الأصابعة خلال 3 ...
- رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام يصل إلى دمشق حيث سيلتقي بال ...
- -يجب علينا تخيُّل العالم ما بعد الولايات المتحدة- - الغارديا ...
- الجزائر تمهل 12 موظفا في سفارة فرنسا 48 ساعة لمغادرة أراضيها ...
- -ديب سيك - ذكيّ ولكن بحدود... روبوت الدردشة الصيني مقيّد بضو ...
- انخفاض تعداد سكان اليابان إلى أدنى مستوى منذ عام 1950
- جدل في الكنيست حول مصر.. وخبير يعلق: كوهين أحد أدوات الهجوم ...
- وزير خارجية فرنسا يدعو لفرض -أشد العقوبات- على روسيا


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - الوعي تحت المقص: مقارنة نقدية لتحولات الإعلام والدراما المصرية في ظل السلطة