أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بوتان زيباري - لعبة المصالح: الدبلوماسية بين الوهم والواقع في ظل صراع الأجندات الدولية














المزيد.....

لعبة المصالح: الدبلوماسية بين الوهم والواقع في ظل صراع الأجندات الدولية


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8307 - 2025 / 4 / 9 - 09:55
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


في خضم هذا العصر المضطرب، حيث تتداخل الخطوط بين السيادة والخضوع، وبين الاستقلال والتبعية، تطفو على السطح أسئلة وجودية تُقلب موازين السياسة وتكشف عن تناقضاتها. فهل يمكن لدولة أن تحافظ على قرارها السيادي بين فكي كماشة القوى العظمى؟ وهل تُصنع القرارات في العواصم الصاعدة أم تُفرض من مراكز النفوذ العالمية؟ هذه التساؤلات ليست مجرد تنظير فلسفي، بل هي جوهر الصراع الذي تعيشه تركيا اليوم، حيث تُختزل إرادة الشعوب في معادلات المصالح، وتُسحق المبادئ تحت أقدام البراغماتية.

السيادة المُسْتَباحة: بين التبعية ووهم الاستقلال
يُثار الآن جدلٌ محتدم حول طبيعة العلاقة بين أنقرة وواشنطن، خاصة بعد التصريحات المثيرة لـ "أوزغور أوزيل"، التي تتهم النظام التركي بالخضوع لإملاءات ترامب في قضية اعتقال "إكرام إمام أوغلو". لكن الوزير التركي يرد بحدة: "من السخف الظن أننا نحتاج إذنًا من أي طرف لاتخاذ قراراتنا!" إلا أن هذه الكلمات، رغم بلاغتها، تتحول إلى سراب عندما نرى كيف تُدار الخيوط في الخفاء. فالقوة لا تعترف بالخطابات، بل بالوقائع، والحقيقة أن تركيا، كغيرها من الدول الواقعة في فلك النفوذ الأمريكي، تتحرك ضمن مساحات مُحددة سلفًا، حتى لو تظاهرت بالتمرد.

إن ادعاء أن الاعتقالات السياسية تتم بتنسيق مباشر مع البيت الأبيض قد يكون مبالغًا فيه، لكنه ليس بعيدًا عن روح العصر. فالدول الكبرى لا تحتاج إلى إعطاء أوامر صريحة، بل تكفي إشارات ضمنية، أو صمتٌ مُطبق، لتمرير ما تريد. وعندما يُعلن المتحدث الأمريكي أن بلاده "لا تتدخل في الشؤون الداخلية"، فهذا لا يعني الحياد، بل يعني القبول الواضح بما يجري، شرط ألا يتعارض مع المصالح الأمريكية. وهنا تكمن المفارقة: فبينما تُصور تركيا نفسها كقوة إقليمية مستقلة، فإنها في الحقيقة ترقص على إيقاع العولمة، حيث تُباع المبادئ وتُشترى الولاءات.

المعارضة وخطيئة التبسيط: عندما يتحول الحليف إلى خصم
تقع المعارضة التركية في فخ التبسيط السطحي حينما تحوّل ترامب إلى شيطانٍ مسؤول عن كل انتهاكات النظام. فهذا الخطاب العاطفي، رغم مشروعيته الأخلاقية، يخالف قواعد اللعبة الدبلوماسية. فبدلًا من اتهام واشنطن مباشرةً بالتواطؤ، كان الأجدى بها كشف التناقض الأمريكي: كيف يتغاضى ترامب عن انتهاكات حقوق الإنسان في تركيا بينما يرفع شعار الديمقراطية في أماكن أخرى؟ كيف يُطلق سراح القس "برانسون" تحت التهديد بالعقوبات، بينما يُترك إمام أوغلو رهينة الصفقات؟

إن السياسة لا تعترف بالعواطف، بل بالتحالفات المرحلية. فلو أن المعارضة ركزت على فضح ازدواجية المعايير الأمريكية، بدلًا من تحويل ترامب إلى عدو، لربما كسبت تعاطفًا دوليًا أوسع. لكن الخطاب الثوري الأجوف، دون فهمٍ لمعادلات القوة، يُحوّل الحلفاء المحتملين إلى خصوم، ويُغلق الأبواب قبل فتحها.

القس برانسون: درس في فن الابتزاز الدبلوماسي
عندما قال ترامب إنه "استعاد القس برانسون بسهولة لأن علاقته بأردوغان جيدة"، كان يختزل قصةً أكثر تعقيدًا. فالحقيقة أن الإفراج عن برانسون لم يكن ثمرةً للحب، بل للتهديد الصريح. فتصريح نائب الرئيس الأمريكي آنذاك، مايك بنس، كان واضحًا: "العقوبات ستُفرض على عائلة أردوغان وشركاته إن لم يطلقوا سراحه!" هذه هي لغة القوة التي لا تعترف بالمجاملة.

لكن الأهم من ذلك هو ما يكشفه هذا الموقف عن طبيعة العلاقة بين الدول: فالقوي لا يطلب، بل يُملي. والضعيف لا يُقاوم، بل يتنازل. وإذا كانت تركيا قد أفرجت عن برانسون خوفًا من العقوبات، فما الذي يضمن أنها لن تفعل المثل في قضايا أخرى؟ أين تكمن السيادة الحقيقية في ظل هذا النموذج من العلاقات غير المتكافئة؟

سوريا وغزة: المسرح الذي تُقاس فيه المصالح
في كلمته الأخيرة، كشف ترامب النقاب عن جزءٍ من الصفقة: فتركيا، عبر وكلائها في سوريا، تُشكل ورقة ضغط في يد واشنطن. لكن أردوغان، خوفًا من المحاسبة، ينكر ذلك أمام الملأ. وفي المقابل، يُصرّ نتنياهو على منع الوجود التركي في سوريا، باعتباره تهديدًا لأمن إسرائيل. وهنا نرى المشهد بكامل بشاعته: فبينما تُخطط إسرائيل لتهجير ملايين الفلسطينيين من غزة، تقف تركيا موقف المتفرج، وكأنها تكتفي بالخطابات الرنانة دون فعلٍ حقيقي.

إنها معادلة مُعقدة: فتركيا تتلقى صفعات الدبلوماسية صامتةً في سوريا، وتتنازل عن دورها في فلسطين، كل ذلك في سبيل الحفاظ على شراكتها الواهية مع واشنطن. لكن إلى متى يمكن لهذا المسرح الهش أن يستمر؟

الانهيار الاقتصادي: عندما يُسحق القانون، تتدمر الثروات
بينما تنشغل النخبة التركية بصراعاتها السياسية، ينزف الاقتصاد. فخسارة 40 مليار دولار من احتياطيات البنك المركزي في أشهر قليلة ليست مجرد رقم، بل هي صرخة مدوية تُعلن انهيار الثقة. فعندما يُهان القضاء، وتُلغى الضوابط، لا ينهار فقط حكم القانون، بل ينهار معه الاستقرار المالي. والآن، تُحاول السلطات كبح جماح الدولار بحرق الاحتياطيات، لكن هذه سياسةٌ أشبه بإطفاء حريقٍ بالبنزين. فالثمن سيدفعه الشعب، كما هو الحال دائمًا، بينما تتنعم النخب بثمار الفساد.

الخلاصة: هل من مخرج؟
على المعارضة أن تتعلم من دروس التاريخ. فبدلًا من الانخراط في خطاب التهريج العاطفي، عليها أن تتبنى لغة السياسة الواقعية:

فضح الصفقات الخفية بين أردوغان وترامب، وكيف تُباع السيادة الوطنية في سوق المساومات.

كشف التناقض الأمريكي بين شعارات الديمقراطية ودعم الأنظمة الاستبدادية.

بناء تحالفات دولية ذكية، بعيدًا عن الخطابات العدائية غير المجدية.

ففي النهاية، السياسة ليست معركة مبادئ فحسب، بل هي أيضًا معركة مصالح. ومن لا يفهم قواعد اللعبة، سيُدفع ثمن جهله، وستدفعه الأجيال القادمة من بعده.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملٌ في متاهات الهويّة وسراديب السلطة
- أحجية السلطة والدماء: سردية القمع في مرايا التاريخ التركي
- رقصة الموتى على أنقاض الضمير: سوريا وتأملات في انكسار المرآة ...
- بين لعنة الجغرافيا وخيانة الجيوسياسة: القضية الكوردية في مهب ...
- أوتار الحرية… بين ناي الصمت وطبول النسيان
- ظلال التاريخ وغدرة الزمان: قراءة نقدية في نوايا تركيا تجاه ا ...
- حين تنحني الكلمات لروحٍ لا تنحني
- بين سيوف الطغاة ومكر الساسة: الأكراد في متاهة الجغرافيا والد ...
- السياسة التركية بين الخوف والتبعية: بين الجغرافيا السياسية و ...
- سوريا: أوديسة الوجود بين صراع الآلهة الأرضية وجغرافيا الدم
- تأمل في سوريا: بين الفوضى والأمل
- متاهة التوافق المدمر: تركيا، إسرائيل والرقص الدقيق للشرق الأ ...
- الكورد، القضية والوجود: بين حلم الدولة وواقع القمع
- الكورد والجغرافيا السياسية: لعبة الشطرنج بين أنقرة وطهران
- في مجاهل العقل وانحناءات التاريخ
- ملحمة الصمود الكردي: فلسفة النضال بين مطرقة القمع وسندان اله ...
- أنشودة التغيير في سماوات سوريا المتأرجحة
- من اللامركزية إلى وحدة الوجود: درس من دروب السياسة والحقوق
- كردستان حلم مؤجل
- الاتحاد بين الرياح: تأمل في دروب المعارضة السورية والكورد


المزيد.....




- يوم دامٍ في أوكرانيا.. لحظة انفجار ضخم في سومي بعد قصفها بصو ...
- مصدر لـCNN: ويتكوف أطلع مسؤولا مقربا من نتنياهو على محادثات ...
- -الكرش- الهندي: من رمز للمكانة الاجتماعية إلى قاتل صامت
- الحوثيون يطلقون صاروخيْن باليستييْن على تل أبيب وغارة أمريكي ...
- رغم القصف والدمار.. فلسطينيون يحيون أحد الشعانين في غزة
- قرقاش يعلق على لقاء محمد بن زايد مع الشرع
- الأمن الروسي يعتقل عميلين جندتهما استخبارات كييف في مولدوفا ...
- أكبر مزاد لملابس الأميرة ديانا
- ترامب سيطلب من الدول العربية أن تختار بين المعسكرين الأمريكي ...
- زيلينسكي يتعهد باستعادة -الأراضي المحتلة- لكنه يجهل الطريقة ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بوتان زيباري - لعبة المصالح: الدبلوماسية بين الوهم والواقع في ظل صراع الأجندات الدولية