سرود محمود شاكر
باحث في مجال حقوق الإنسان ومدرب معتمد دولي
(Surd Mahmooed Shakir)
الحوار المتمدن-العدد: 8306 - 2025 / 4 / 8 - 23:05
المحور:
حقوق الانسان
مقدمة
تُعتبر اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (CAT)، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1984 بقرار 39/46 ودخلت حيز النفاذ في 26 يونيو 1987، أداة قانونية محورية لحماية حقوق الإنسان. كما يعزز البروتوكول الاختياري (OPCAT)، المعتمد في 18 ديسمبر 2002 والذي دخل حيز النفاذ في 22 يونيو 2006، هذا الإطار من خلال تركيز خاص على الوقاية من التعذيب عبر زيارات أماكن الاحتجاز. يهدف هذا البحث إلى تقديم تحليل شامل لالتزامات الدول عند التصديق أو الموافقة على الاتفاقية والبروتوكول، مع الإشارة إلى التحديات العملية والأمثلة الواقعية، مستندًا إلى مصادر موثوقة.
أولاً: اتفاقية مناهضة التعذيب (CAT)
1.1 الإطار القانوني والتعريف
تنص المادة الأولى من الاتفاقية على أن التعذيب هو "أي عمل يُسبب ألمًا أو عذابًا شديدًا، جسديًا أو عقليًا، يُلحق عمدًا بشخص ما" بغرض الحصول على معلومات أو اعتراف، أو كعقوبة، أو لأسباب تمييزية، ويُرتكب بمشاركة أو موافقة مسؤول عام. هذا التعريف يميز التعذيب عن أشكال أخرى من المعاملة السيئة التي قد لا تصل إلى هذا الحد من الشدة أو العمدية.
1.2 الالتزامات القانونية عند التصديق
عند التصديق أو الانضمام إلى الاتفاقية، تتحمل الدول الأطراف التزامات قانونية محددة تشمل:
1. التدابير التشريعية والتنفيذية: تُلزم المادة 2/1 الدول باتخاذ "تدابير فعالة" لمنع التعذيب في أي إقليم تحت ولايتها القضائية، مما يعني ضرورة تعديل القوانين الوطنية لتجريم التعذيب صراحةً وفرض عقوبات رادعة. على سبيل المثال، قامت جنوب إفريقيا بعد التصديق في 1998 بسن قانون "منع التعذيب" لعام 2013 لتتماشى مع الاتفاقية .
2. الحظر المطلق: تنص المادة 2/2 على أن "لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية كالحرب أو الاضطرابات الداخلية" لتبرير التعذيب، مما يجعل الحظر مطلقًا وغير قابل للتحفظ . هذا يعني أن الدول ملزمة باحترام هذا الحظر حتى في أوقات الأزمات، كما أكدت لجنة مناهضة التعذيب في تعليقاتها على تقارير دول مثل الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 .
3. الولاية القضائية: تفرض المادة 5 على الدول إقامة ولايتها القضائية على جرائم التعذيب إذا ارتُكبت في أراضيها، أو بواسطة مواطنيها، أو ضد مواطنيها، أو إذا كان الجاني موجودًا في أراضيها ولم يتم تسليمه . على سبيل المثال، استخدمت إسبانيا هذا المبدأ لملاحقة قضايا تعذيب مرتبطة بنظام بينوشيه في تشيلي .
4. التحقيق والمحاسبة: تُلزم المادة 12 الدول بإجراء تحقيقات "فورية ومحايدة" عند وجود أدلة معقولة على وقوع تعذيب، بينما تُوجب المادة 7 تسليم أو محاكمة المتهمين . فشل دول مثل مصر في إجراء تحقيقات مستقلة في ادعاءات التعذيب أدى إلى انتقادات من اللجنة في تقاريرها لعام 2017 .
5. التعويض وحقوق الضحايا: تنص المادة 14 على ضمان تعويض عادل لضحايا التعذيب وإعادة تأهيلهم، وهو التزام قد يتطلب إنشاء صناديق خاصة أو برامج دعم .
6. التقارير الدورية: تُلزم المادة 19 الدول بتقديم تقارير إلى لجنة مناهضة التعذيب خلال سنة من التصديق، ثم كل أربع سنوات، لمراجعة الامتثال . على سبيل المثال، قدمت المملكة المتحدة تقاريرها بانتظام منذ تصديقها في 1988، مما يعكس التزامًا بالشفافية .
1.3 التحديات العملية
تشمل التحديات نقص الموارد، ضعف الإرادة السياسية، والفساد. على سبيل المثال، واجهت دول مثل الهند، التي وقّعت الاتفاقية في 1997 لكنها لم تصادق عليها بعد، انتقادات لعدم تجريم التعذيب محليًا بشكل صريح، مما يعيق الامتثال الكامل .
ثانيًا: البروتوكول الاختياري (OPCAT)
2.1 الإطار القانوني والأهداف
يهدف البروتوكول إلى تعزيز الوقاية من التعذيب عبر نظام مزدوج: زيارات دولية من اللجنة الفرعية لمنع التعذيب (SPT) وزيارات وطنية من الآليات الوقائية الوطنية (NPMs)، كما تنص المادة 1. يشمل نطاقه جميع أماكن الاحتجاز، بما في ذلك السجون، مراكز الشرطة، والمستشفيات النفسية.
2.2 الالتزامات القانونية عند التصديق
عند التصديق على البروتوكول، تتعهد الدول بالتالي:
1. إنشاء آليات وقائية وطنية (NPMs): تُلزم المادة 3 الدول بتأسيس أو تعيين هيئة مستقلة خلال سنة من التصديق، مع ضمان استقلالها الوظيفي والمالي (المادة 18). على سبيل المثال، أنشأت ألمانيا آلية وطنية في 2008 بعد تصديقها في 2006، تتألف من لجنة فدرالية ووكالات محلية .
2. السماح بالزيارات: تنص المادة 4 على السماح للجنة الفرعية والهيئات الوطنية بزيارة أماكن الاحتجاز دون إشعار مسبق، مع توفير الوصول الكامل إلى المعلومات والمعتقلين . نفّذت المكسيك هذا الالتزام باستقبال زيارات اللجنة الفرعية في 2016، مما كشف عن انتهاكات في السجون .
3. التعاون مع اللجنة الفرعية: تُلزم المادة 11 الدول بالرد على توصيات اللجنة الفرعية، إما بتنفيذها أو تقديم مبررات لرفضها . على سبيل المثال، رفضت روسيا بعض التوصيات بعد زيارة اللجنة في 2018، مما أثار جدلاً حول الامتثال .
4. الحظر على التحفظات: تنص المادة 30 على عدم جواز التحفظ على البروتوكول، مما يعني التزامًا كاملاً بجميع الأحكام .
5. التدريب والتوعية: تتطلب المادة 23 تدريب الموظفين العموميين على منع التعذيب، وهو التزام عملي قد يشمل برامج تعليمية واسعة .
2.3 التحديات العملية
تشمل التحديات تمويل الهيئات الوطنية، وضمان استقلالها، ومقاومة السلطات المحلية للزيارات. على سبيل المثال، واجهت البرازيل تأخيرًا في تفعيل آليتها الوطنية بعد التصديق في 2007، بسبب نقص التمويل والتنسيق.
ثالثًا: الآثار القانونية والعملية
الإطار القانوني الدولي
تُعتبر حظر التعذيب قاعدة آمرة (Jus Cogens) في القانون الدولي، مما يجعل الالتزام بها ملزمًا حتى للدول غير الموقعة في سياق القانون العرفي . التصديق يعزز هذا الالتزام بإطار تعاقدي، مع مساءلة عبر لجنة مناهضة التعذيب واللجنة الفرعية. الأمثلة العملية
- نجاحات: نجحت الدنمارك في تطبيق البروتوكول عبر آلية وطنية قوية، مما قلل من شكاوى التعذيب في السجون .
تحديات: واجهت دول مثل تركيا انتقادات لعدم الامتثال الكامل، خاصة بعد تقارير عن تعذيب في أعقاب محاولة الانقلاب عام 2016 .
العراق واتفاقية مناهضة التعذيب: التفاصيل الموسعة
1. التصديق على الاتفاقية
- تاريخ التصديق: صادق العراق على اتفاقية مناهضة التعذيب في 7 يوليو 2011،[29] ليصبح بذلك الدولة الـ148 التي تنضم إلى الاتفاقية. هذا التصديق جاء بعد فترة طويلة من الاضطرابات السياسية والأمنية التي شهدها العراق، خاصة بعد الغزو الأمريكي في 2003 وسقوط نظام الديكتاتور .
- البروتوكول الاختياري (OPCAT): حتى تاريخ اليوم، 8 نيسان 2025، لم يصادق العراق على البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية، والذي يُلزم الدول بإنشاء آليات وطنية مستقلة للوقاية من التعذيب وزيارة أماكن الاحتجاز. هذا التأخير يعكس تحديات داخلية في تعزيز الإطار الوقائي.
2. الالتزامات القانونية للعراق بموجب الاتفاقية
بصفته دولة طرفًا في الاتفاقية، يتحمل العراق التزامات محددة تشمل:
- تجريم التعذيب: تُلزم المادة 4 الدول بجعل التعذيب جريمة في قوانينها الوطنية، مع فرض عقوبات تتناسب مع خطورة الفعل. في العراق، يُحظر التعذيب بموجب المادة 37 من الدستور العراقي لعام 2005، التي تنص على أن "جميع أشكال التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية محظورة"، وأن أي اعتراف يُنتزع تحت الإكراه لا يُعتد به.
- منع التسليم: تُحظر المادة 3 تسليم أو ترحيل أي شخص إلى دولة قد يتعرض فيها للتعذيب.
- التحقيق والمحاسبة: تُلزم المادة 12 بإجراء تحقيقات فورية ومحايدة في حالات التعذيب المزعومة، بينما تُوجب المادة 7 محاكمة أو تسليم المتهمين.
- تقديم التقارير: يتعين على العراق تقديم تقارير دورية إلى لجنة مناهضة التعذيب كل أربع سنوات لمراجعة مدى الامتثال.
3. الوضع الحالي والتقاريرالمقدمة
- التقرير الأولي: قدم العراق تقريره الأولي إلى لجنة مناهضة التعذيب في 2014، وتمت مناقشته في أب 2015. أشار التقرير إلى جهود الحكومة لتدريب قوات الأمن وإدخال المناهج الحقوقية في الكليات العسكرية والشرطة.
- التقرير الثاني: تم تقديم التقرير الثاني في 2022 ونوقش في نيسان 2022. أعربت اللجنة عن قلقها إزاء استمرار التقارير عن التعذيب المنهجي في مراكز الاحتجاز، خاصة ضد المشتبه بهم في قضايا الإرهاب، وغياب آليات فعالة للمحاسبة.
- ملاحظات اللجنة: في التقييم الأخير لعام 2022، دعت اللجنة العراق إلى:
- سن قانون شامل ضد التعذيب يتماشى مع تعريف المادة 1 من الاتفاقية.
- ضمان الوصول الفوري إلى الضمانات القانونية الأساسية للمحتجزين، مثل الحق في محامٍ والفحص الطبي.
- التحقيق في ادعاءات التعذيب ومحاسبة الجناة، خاصة في ظل التقارير عن استخدام التعذيب لانتزاع اعترافات.
4. التحديات في التنفيذ
- الإطار القانوني: على الرغم من الحظر الدستوري، لم يُصدر البرلمان العراقي قانونًا محددًا يجرم التعذيب بما يتماشى مع الاتفاقية. مشروعا قانون تم مناقشتهما في 2017 و2020 لم يتم إقرارهما، واعتبرتهما اللجنة غير كافيين لأنهما لا يعكسان التعريف الدولي للتعذيب.
- الاعتماد على الاعترافات: يعتمد النظام القضائي العراقي بشكل كبير على الاعترافات كدليل أساسي في المحاكمات، خاصة في قضايا الإرهاب. تقارير منظمات حقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش، أشارت إلى أن هذه الاعترافات غالبًا تُنتزع تحت التعذيب، بما في ذلك الضرب، الصعق الكهربائي، والتحرش الجنسي.
ظروف الاحتجاز: تعاني مراكز الاحتجاز في العراق من الاكتظاظ الشديد، سوء الصرف الصحي، وغياب الرقابة المستقلة.-
الإفلات من العقاب: يسود مناخ من الإفلات من العقاب، حيث نادرًا ما يتم محاسبة المسؤولين عن التعذيب، من أفراد القوات الأمنية.
الوضع الأمني: التحديات الأمنية المستمرة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والاضطرابات السياسية، تُستخدم كذريعة لتبرير التجاوزات، على الرغم من أن المادة 2/2 تحظر التذرع بالظروف الاستثنائية.
5. أمثلة واقعية
- احتجاجات 2019: خلال الاحتجاجات الشعبية في بغداد وجنوب العراق، وثّقت منظمات حقوقية والمفوضية العليا لحقوق الإنسان حالات تعذيب للمعتقلين، بما في ذلك الضرب المبرح واستخدام المياه الباردة تحت الضغط .
6. موقف المجتمع الدولي
- لجنة مناهضة التعذيب: دعت العراق مرارًا إلى التصديق على البروتوكول الاختياري وإنشاء آلية وطنية للوقاية. كما أوصت بإصلاح النظام القضائي لضمان استبعاد الأدلة المنتزعة تحت التعذيب.
- الأمم المتحدة: في يونيو 2010، حثت بعثة الأمم المتحدة في العراق (UNAMI) الحكومة على التصديق على الاتفاقية، ولاحقًا على تعزيز التنفيذ بعد التصديق.
- منظمات حقوقية: منظمات مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وثّقت انتهاكات مستمرة، داعية إلى تحقيقات دولية وإصلاحات جذرية.
7. الخطوات المستقبلية المقترحة
- تشريع شامل: إصدار قانون وطني يعرّف التعذيب وفقًا للمادة 1 ويفرض عقوبات صارمة.
- آلية وطنية: التصديق على البروتوكول الاختياري وإعطاء الصلاحية الكاملة للمفوضية العليا لحقوق الإنسان وفق الولاية الممنوحة لها وفق القانون رقم ٥٣ لسنة ٢٠٠٨ لزيارة أماكن الاحتجاز.
- تدريب وتوعية: تعزيز برامج تدريب قوات الأمن والقضاة على منع التعذيب واحترام حقوق الإنسان.
- محاسبة: إنشاء آليات مستقلة للتحقيق في الانتهاكات وفّق المادة ٥من قانون المفوضية العليا لحقوق الإنسان رقم ٥٣ لسنة ٢٠٠٨ومحاكمة الجناة.
الخاتمة
تشكل اتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول الاختياري نظامًا قانونيًا وعمليًا متكاملاً لمنع التعذيب وحماية الكرامة الإنسانية. تتطلب الالتزامات التشريعية والتنفيذية من الدول الأطراف إصلاحات داخلية عميقة، بينما تضيف الوقاية بُعدًا استباقيًا عبر البروتوكول. على الرغم من التحديات، يبقى التصديق خطوة حاسمة نحو تعزيز حقوق الإنسان، شريطة توفر الإرادة السياسية والموارد.
ورغم تصديق العراق على اتفاقية مناهضة التعذيب في 2011، يواجه تحديات كبيرة في التنفيذ بسبب ضعف الإطار القانوني، الاعتماد على الاعترافات القسرية، والإفلات من العقاب. التقدم يتطلب إرادة سياسية قوية ودعمًا دوليًا لضمان الامتثال الكامل لالتزاماته الدولية. الوضع الحالي يعكس فجوة بين الالتزامات النظرية والتطبيق العملي، مما يستدعي إصلاحات عاجلة لحماية حقوق الإنسان في البلاد.
المصادر
اتفاقية مناهضة التعذيب، قرار 39/46، الأمم المتحدة، 1984، متاح على: https://www.ohchr.org
البروتوكول الاختياري، قرار 57/199، الأممالمتحدة، 2002، متاح على: https://www.ohchr.org
"قانون منع التعذيب"، جنوب إفريقيا، 2013، متاح على: https://www.gov.za
تقرير لجنة مناهضة التعذيب، الولايات المتحدة، 2006، CAT/C/USA/CO/2.
"قضية بينوشيه"، المحكمة الوطنية الإسبانية، 1998.
تقرير المملكة المتحدة، 2019، CAT/C/GBR/6.
"الهند وحقوق الإنسان"، Amnesty International، 2020.
"الآلية الوطنية الألمانية"، تقرير SPT، 2010.
تقرير زيارة اللجنة الفرعية، المكسيك، 2016، SPT/INF/16/1.
"البرازيل وOPCAT"، Human Rights Watch، 2019.
"القانون الدولي لحقوق الإنسان"، الأمم المتحدة، 2023، unsdg.un.org.
تقرير الدنمارك، OPCAT، 2020.
تقرير لجنة مناهضة التعذيب، تركيا، 2016، CAT/C/TUR/CO/4.
https://mofa.gov.iq/geneva/?p= تقرير الظل عن مناهضة التعذيب من المفوضية العليا لحقوق الإنسان
https://ihchr.iq/index.php?name=Pages&op=page&pid=85
#سرود_محمود_شاكر (هاشتاغ)
Surd_Mahmooed_Shakir#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟