أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - الاستسلامُ ليس خياراً: دُروسٌ من بيروت إلى غزَّة














المزيد.....

الاستسلامُ ليس خياراً: دُروسٌ من بيروت إلى غزَّة


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8306 - 2025 / 4 / 8 - 16:47
المحور: القضية الفلسطينية
    


عند كلّ عدوانٍ يشنّه الاحتلالُ على قطاع غزّة، يتكرّر السؤال: لماذا لا تستسلمُ المقاومة؟ لماذا لا تُلقي السلاح لتجنّب المدنيين ويلات الدمار؟ يبدو السؤال منطقيّاً من منظور الراغبين في إنهاء المعاناة، لكنه يتجاهل دروسَ التاريخ التي أثبتت أن الاستسلام لا يعني السلام، بل يعني الذبحَ والتهجيرَ والخضوعَ التامّ.

لِنَعُد إلى السادس من يونيو عام 1982، حين اجتاح الاحتلالُ لبنان بذريعة اغتيالِ دبلوماسيٍّ تابعٍ له في لندن. كان الاحتلال قد أعدَّ العدّة مسبقاً لهذه الحرب، ووجد المبرّر المناسب. دخلت دباباته إلى لبنان، وحاصرت بيروت الغربية، حيث كانت تتمركز قواتُ منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات.

بدأ الحصار، في مشهدٍ يُشبه ما تشهده غزة اليوم: قطعٌ للمياه، ومنعٌ للدواء والغذاء، وقصفٌ بلا هوادة. كان الاحتلال يسعى إلى تصفية الوجود الفلسطينيّ المسلّح في لبنان، تماماً كما يسعى اليوم إلى القضاء على المقاومة في غزة.

صمدت المقاومة الفلسطينية واللبنانية ثمانين يوماً رغم الخسائر الفادحة، لكن الحلفاء بدأوا في التراجع. انسحبت بعض الفصائل اللبنانية، ونصح وليد جنبلاط عرفات بإنهاء المعركة. اضطرَّ عرفات إلى قبول الخروج من بيروت إلى تونس برفقة ألفي مقاتلٍ بسلاحٍ خفيف، في صفقةٍ بدت كأنها ستُنهي المأساة، لكن ماذا حدث بعد ذلك؟

ما إن غادر عرفات حتى وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا في 16 سبتمبر 1982، حيث تعاون جيش الاحتلال مع ميليشياتٍ لبنانية على ذبح أكثر من ألفي فلسطينيٍّ في المخيمات بوحشيةٍ تقشعرّ لها الأبدان. كان هذا أول "جزاء" للاستسلام، لكن الاحتلال لم يتوقّف عند ذلك.
في الأول من أكتوبر 1985، قصفت طائراته مقرَّ منظمة التحرير في تونس، محاولةً اغتيال عرفات، ما أسفر عن مقتل 50 فلسطينيّاً و15 تونسيّاً.

ظنّ البعض أن خروجَ منظمة التحرير من بيروت سيمنح الفلسطينيين بعضَ الأمان، لكنه كان مجردَ بدايةٍ لسلسلة اغتيالاتٍ استهدفت القادة الفلسطينيين في المنافي:

عام 1988، اغتال الاحتلالُ خليل الوزير (أبو جهاد) في تونس بـ76 رصاصة.

عام 1991، قُتل صلاح خلف (أبو إياد) ورفاقُه بأيدٍ فلسطينية يُشتبه في ارتباطها بمخابرات الاحتلال.

أثبتت هذه الأحداث أن الاستسلام لم يُوفّر الأمان للقادة، بل سهَّل استهدافهم.

بعد الخروج من لبنان، فقدت منظمة التحرير وجودها العسكريَّ في دول الطوق، فأصبحت عاجزةً عن مقاومة الاحتلال. أدّى ذلك لاحقاً إلى توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، الذي حوَّل القضية الفلسطينية من مشروعٍ تحريريٍّ إلى "سلطةٍ" تدير الشؤونَ المدنيةَ تحت الاحتلال، وتقوم باعتقال المقاومين نيابةً عنه.

وهذا بالضبط ما تخشاه المقاومة اليوم: أن يُؤدّي الاستسلام إلى تصفية القضية الفلسطينية نهائيّاً، وتحويل غزة إلى كيانٍ منزوع السلاح تحت سلطةٍ تعمل لمصلحة الاحتلال.

اليوم، يحاصر الاحتلالُ غزة كما حاصر بيروت عام 1982، ويسعى إلى القضاء على المقاومة كما سعى إلى القضاء على منظمة التحرير. لكن المقاومة في غزة تعي درسَ الماضي: الاستسلام لن يجلب السلام، بل سيؤدي إلى التطهير العرقيِّ والتهجيرِ القسريّ، تماماً كما حدث في النكبة عام 1948.

الاحتلال لا يُقدّم للفلسطينيين خياراً حقيقياً بين الحرب والسلام، بل يفرض عليهم معادلةَ الموتِ بأشكاله المختلفة: إمّا بالمجازر، أو بالحصار، أو بالتهجير. في هذه الظروف، يصبح القتالُ حتى الرمقِ الأخيرِ خياراً عقلانيّاً، لا مجرَّد عنادٍ أيديولوجيّ.

لماذا لا تستسلم المقاومة في غزة؟

لأنّ التاريخ علَّم الفلسطينيين أنَّ من يثقُ بوعودِ الاحتلال يلقى حتفه، وأنَّ من يُلقي السلاح يواجه المجازر، وأنَّ من يستسلم يتحوَّل إلى أداةٍ لقمع شعبه.
في هذه الظروف، تبدو المقاومةُ حتى النهاية الخيارَ الوحيدَ للحفاظ على القضية الفلسطينية، حتى لو كان الثمنُ باهظاً.

التاريخ ليس مجردَ رواياتٍ تُحكى، بل هو دليلٌ عمليٌّ على ما ينتظرُ من يسلكُ الطريقَ نفسه. أثبتت تجربةُ منظمة التحرير الفلسطينية بعد خروجها من بيروت، وما تبعها من اغتيالاتٍ وتصفيةٍ للمقاومين، أنَّ الاستسلام لا يجلبُ الأمان، بل يجعل الفلسطينيين أكثرَ عرضةً للإبادة.

غزة اليوم تدرك هذا الدرس جيداً. ليست معركتها مجردَ صراعٍ عسكريٍّ، بل معركةَ وجود. الاستسلامُ يعني القبولَ بالخضوعِ الكامل، وفقدانَ أيِّ فرصةٍ للتحرّر، بل وربما فقدانَ الأرضِ نفسها عبرَ التهجيرِ القسريّ. لهذا، تُصرُّ المقاومةُ على القتال رغم كلفة المواجهة، لأنها تعلمُ أنَّ ثمنَ الاستسلام سيكونُ أشدَّ فداحة.

الاحتلال لا يمنحُ الفلسطينيين خياراتٍ عادلة، بل يفرضُ عليهم معادلةَ الموتِ بأشكاله المختلفة. وفي ظلِّ هذه المعادلة، يصبحُ الصمودُ والمقاومةُ قراراً عقلانيّاً، لا مجردَ اندفاعٍ عاطفيّ. الفلسطينيون جرّبوا طريقَ التفاوضِ والتنازل، فكانت النتيجةُ مزيداً من القتلِ والاستيطانِ والقمع.
لهذا، لا ترفعُ غزة الرايةَ البيضاء، لأنها تعرف أنَّ من يُسقطُ سلاحهُ اليوم، سيُبادُ غداً.

التاريخ علَّم الفلسطينيين أنَّ الاستسلامَ ليس سلاماً، بل فخٌّ قاتل. فهل تعلّمَ العالمُ هذا الدرس؟



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتور صالح الشيباني... من تُرابِ فلسطين تَكَوَّنَت رُوحُهُ
- أَحمد الشُّقيري... رجُلٌ صَنَعَ الثَّورة فخذلتهُ!
- نوح الفلسطيني: بين طوفانِ الخذلانِ وسفينةِ الصُّمودِ
- فرحان السعدي: الشَّيخ الذي صامَ عن الحياةِ وارتوى بالمجدِ
- اليمن: أَصلُ العروبة وَشُمُوخُ الجبالِ
- نافع محمد: من القامشلي إِلى فلسطين.. حكايةُ عشقٍ لا تنتهِي!
- الشَّهِيدُ مرعي الحسين: نَسرٌ حَلَّقَ في سماءِ المجدِ ولم يه ...
- حينَ يغيبُ الكبارُ... وداعاً أَبا سعيد!
- إبراهيم أبو خليل: عاشقُ الوطنِ الذي رَوَى الأرضَ بِدَمِهِ
- فاطمة فاعور.. أُمُّ الشهداء التي ودَّعتهُم ثُمَّ لحِقَت بِهِ ...
- عمر المحمود (أبو مروان): طائرُ الحُزنِ والحنينِ للوطنِ
- نمر كلّم وحَمَر.. قصَّةُ شهيدٍ لم يُخذِّلهُ كلبُهُ!
- وصيّةُ ندى لافي كلّم: حينَ تكتُبُ الأرضُ رسالتَها الأخيرةَ
- ندى لافي كلَّم (أم علي)... وصيَّةُ الأَرض التي لا تموتُ
- قمة العرب 7353: فلسطين على الرَّفِّ والتَّطبيع على الطَّاولة
- شربل فارس.. حين يُزهر البؤس كبرياءً
- أبو عرب: صوتُ الأرضِ وحارسُ الذاكرة الفلسطينية
- طائرُ السُّنُونُو.. صوتُ الشَّرفِ الفلسطينيِّ في زمنِ العارِ ...
- ثورةٌ بدأَت بالبنادقِ... وانتهت بالتَّنسيقِ الأَمنيِّ المُقد ...
- أمنٌ يَحرُسُ الكُرسيَّ... لا الوطنَ!


المزيد.....




- حزمة استثمارات قطرية في مصر بقيمة 7.5 مليار دولار
- زيلينسكي يدعو ترامب لزيارة أوكرانيا: ستشهد بنفسك التهديد الذ ...
- بي بي سي ترصد آثار الحرب على البنية التحتية في السودان
- الصليب الأحمر: إسرائيل تحتجز مسعفاً فلسطينياً مفقوداً في هجو ...
- إصابة مجندة إسرائيلية في عملية دهس بالخليل وفرار المنفذ
- في لحظة دولية فارقة... لوكمسبورغ تحتضن أول اجتماع أوروبي رفي ...
- في قلب بيروت.. التياترو الكبير شاهد على ويلات الحرب الأهلية ...
- وفاة الكاتب ماريو فارغاس يوسا الحائز على جائزة نوبل للآداب ع ...
- شاهد ما حدث في غابات اسكتلندا بسبب حرائق هائلة
- بنغلاديش تعيد حظر السفر إلى إسرائيل


المزيد.....

- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - الاستسلامُ ليس خياراً: دُروسٌ من بيروت إلى غزَّة