|
2 التوازن المفقود بين الموارد والسكان فى مصر
فتحى سيد فرج
الحوار المتمدن-العدد: 1801 - 2007 / 1 / 20 - 12:13
المحور:
الادارة و الاقتصاد
مــــــقــــدمة تشكل العلاقة بين السكان والموارد الطبيعية فى مصر وضعا لا مثيل له فى أى مكان آخر من العالم ، فالمؤشرات الديموغرافية تشير إلى أن سكان مصر قد تضاعفوا خلال قرنين من الزمن 25 ضعفا ( 2.5 مليون نسمة عام 1800وصلوا إلى 63.9 عند عام 1999 ) وما تزال معدلات النمو السكانى فى مصر مرتفعة وتفوق المعدلات العالمية ، فى ظل نمو محدود للموارد الطبيعية وانخفاض مؤشرات النمو الاقتصادى بوجه عام . ويحلوا للمسئولين ترديد أن التزايد السكانى هو السبب الرئيسى لما تعانيه مصر من مشاكل ، وهو الذى يحرمنا من جنى ثمار التنمية ، والحقيقة أن الأمر لا يتوقف عند حدود التزايد السكانى ، بل ما يفاقم الأوضاع المتردية أن هذا التزايد ينحصر فى مساحة جد ضيقة من أرض الوطن بشكل يفوق قدرة هذا الحيز الضيق عن استمرار استيعاب هذا التدفق البشرى . والأمر الأكثر خطورة هو أن الموارد الطبيعية بشكل عام ، والأرض والمياه بشكل خاص ، تتعرض لقدر كبير من الفقد والتدهور عاما بعد عام بل ويوما بعد يوم ، بما يؤدى إلى نضوب هذه الموارد أو عدم صلاحيتها لاستمرار الحياة عليها فى الأمد المنظور . ويشير جمال حمدان فى أوراقه الخاصة إلى أن " مصر اليوم آما القوة أو الانقراض ، آما القوة وآما الموت ، فالمتغيرات أخذت تضرب فى صميم الوجود المصرى ، فالأرض أصبحت معرضة للتآكل الجغرافى لأول مرة فى التاريخ كله وإلى الأبد ، مغلقة بيولوجيا بلا صرف ، لا تتجدد مياهها أو تربتها ، وبيئة تلوث نموذجية ، وبعد أن كانت مصر سيدة النيل ظهر لها منافسون ومطالبون ومدعون بحقوق ، رصيدها المائى اصبح ثابتا ومحدود ، بلغ سكانها ذروة غير متصورة بينما القاعدة الأرضية والمائية فى ثبات أو انكماش أو انقراض بعد أن تعدى عامل السكان إمكانات الأرض ، وهو لا يتجاوز إمكاناتها فحسب وإنما يقلصها بقدر ما يتوسع إسكانا فى المدن والقرى والطرق ، حتى سيأتى اليوم الذى تطرد فيه الزراعة تماما من أرض مصر ، لتصبح كلها مكان سكن ، دون مكان عمل ، أى دون زراعة ، أى دون حياة ، لتتحول كلها فى النهاية من مكان سكن على مستوى الوطن إلى مقبرة بحجم دولة ، مع كل هذه الانكماشات الداخلية آتت الكوارث الخارجية بالجملة ، وأصبحت المتغيرات الداخلية تخرب المكان ، والمتغيرات الخارجية تخرب المكانة " ورغم هذا القدر الكبير من النظرة التشاؤمية ، إلا أنه يعبر عن حقائق قد تكون صادمة طالما استمرت هذه الأوضاع ، ما لم تتغير فى وقت قريب . أولا السيناريو المتشائم تعانى مصر خاصة فى السنوات الأخيرة من أزمة مستحكمة على جميع الأصعدة ، فالاقتصاد المصرى أصبح يعانى من اضمحلال شامل لقاعدته الإنتاجية ، ولم تتمكن الدولة من تأسيس اقتصاد يصلح للتفاعل مع المتغيرات العالمية ، أما فى مجال الثقافة فالمجتمع أصبح يعيش حالة حيرة شاملة وفقدان القدرة على الإبداع والتمتع بقدر من الحريات الفكرية ، وفى مجال السياسة فقدت الدولة هيمنتها على توجيه حركة المجتمع ، وعدم الرغبة فى السماح بصيغة ديمقراطية أو تأمين حقوق الإنسان وكرامة الفرد ، وأحزاب المعارضة مهمشة سياسيا ومقطوعة الصلة بالجماهير ومشاكل الواقع تدور فى صراعات حول مطالب لا تعبر عن المصالح والتطلعات الحقيقة للفئات الاجتماعية ، بالتالي فأن المجتمع والدولة فى حالة افتقاد للعمل الجاد وحسن المبادرة والقدرة على تجميع الأمة وراء هدف محدد ، ويسود مناخ من التشاؤم وعدم الاكتراث جنبا إلى جنب واللجوء إلى الحلول الفردية ، مع هواجس تدور حول إصلاحات غامضة ومتناقضة ، ومشروعات غير مدروسة تنبئ بالفشل ، وهذه الإصلاحات والمشروعات تتبدل وتتغير بتغير الأشخاص ، وهناك انفصال بين العقول المفكرة وبين متخذي القرار ، ولا يتم الاستفادة من الرؤى والاطروحات التى تحاول وضع خطط أو تصورات استراتيجية للخروج من هذه الأزمات . المشكلات تصل إلى حد الكوارث التى تتجلى فى تدنى مستوى الإنتاج الصناعى ، وانخفاض معدل الصادرات ، واستمرار حالة الكساد التجارى وتدهور أسعار الحاصلات الزراعية ، وارتفاع معدلات البطالة ، وأتساع التلوث فى الأرض والمياه والهواء ، وانتشار العشوائية فى السكن والمرور وسلوكيات البشر ، وانخفاض أداء الجهاز الإداري ، وتدنى مستوى الخدمات فى التعليم والصحة والنقل والمواصلات والإسكان . قد يكون السبب فى كل ذلك مقدار ما تتعرض له الموارد الطبيعية خاصة من الأرض والمياه إلى تدهور وإهدار كبير ينعكس على مجمل الحياة فى مصر ، وإذا استمرت هذه الحالة فسوف يستمر تدنى نوعية الحياة بصفة عامة مما يصعب معه استمرار البقاء فى بر مصر ، ويمكن تبيان ذلك من خلال الاستعراض الآتى : ( جدول 1) مؤشرات العلاقة بين السكان والأرض الزراعية خلال الفترة من 1897 ــ 1997 م تزايد المساحة تزايد السكان نصيب الفرد من المساحة م2 المساحة الزراعية مليون فدان السكان بالمليون السنة ـــ ـــ 2184 5.09 9.7 1897 3. % 30 % 1722 5.28 12.7 1917 1.. % 23 % 1386 5.27 15.9 1937 8. % 62 % 966 5.74 25.3 1957 بالسالب 51 % 588 5.53 38.8 1977 36 % 61 % 504 7.52 62.7 1997 47 % 546 % التغيرات خلال القرن 10 % 18 % 473 8.3 73.7 2006 لعل بيانات هذا الجدول توضح بجلاء مدى الاختلال بين تزايد السكان ، وتزايد مساحة الأرض الزراعية فى مصر خلال قرن من الزمان ، فبينما تضاعف السكان حوالى 5.5 مرات ، ظلت مساحة الأرض فى حالة ثبات نسبى حتى بعد منتصف القرن ، ولم تزد إلا بمقدار النصف تقريبا قرب نهاية القرن ، وهذا يعكس حجم الفارق بين أهم مورد لاستقرار البشر وقدرتهم على إنتاج غذائهم ، وتدبير حاجاتهم الأساسية من السكن والمرافق والأنشطة الاقتصادية الأخرى ، وبين الطوفان البشرى الذى يتزايد باستمرار بمعدلات مرتفعة . وبالتمعن فى هذا الجدول يتضح مقدار التزايد النسبى للسكان كل 20 عاما ، والذى لا يقل عن 23 % وقد يصل إلى أكثر من 60 % فى بعض المراحل ، أما المساحة الزراعية فلم تصل نسبة التزايد النسبى فيها أكثر من 8 % خلال الخمسينات ، وعادت إلى التناقص السلبى خلال السبعينات . وإن كانت حققت زيادة تصل إلى 36 % خلال الثمانينات والتسعينيات ، إلا أن متوسط نصيب الفرد كان فى تناقص مستمر طوال القرن بفعل التباين الصارخ بين تزايد السكان والأرض ، فبعد أن كان نصيب الفرد فى بداية القرن يصل إلى أكثر من نصف فدان ، تدنى إلى مستوى أقل من 1/8 من الفدان فى نهاية القرن ، والحبل على الجرار فى استمرار هذا التباين ، مما يجعلنا نقدر صدق جمال حمدان فى رصد حقائق الواقع وإن كانت مفزعة . ومما يؤكد ذلك ما يرصده المختصين وعلماء الأراضى فى مصر فيشير د . عاطف كشك إلى عديد من التقديرات لمعدلات اختفاء الأراضى الزراعية تحت استعمالات العمران ، فخلال السبعينيات بلغت نحو 52 ألف فدان سنويا ، وهناك من يرتفع بالرقم إلى 60 ألف فدان سنويا ، ويعرض لرأى جمال حمدان من أن جملة الفاقد حتى 2000 سيصل إلى 2.5 مليون فدان ، وهذا الفاقد يعادل كل ما ينتظر استصلاحه من الأراضى ، رغم الفارق الكبير فى قيمة المفقود من الأراضى القديمة ، وبين ضعف إنتاجية الأراضى الجديدة إضافة إلى تكاليف استصلاحها . ويحذر بعض العلماء ومنهم فاروق الباز بأن الأمر لو استمر بهذا المعدل فأن الأراضى الزراعية ستنقرض خلال 60- 90 عاما على الأكثر . ويعرض د .محمد مدحت مصطفى بيانات إحصائية من واقع دراسة قام بها معهد التخطيط القومى توضح أشكال الفقد فى الأراضى الزراعية خلال الفترة من 1983- 1990 ففى إطار التدهور المباشر والذى يؤدى إلى خروج الأرض من نطاق النشاط الإنتاجى ، كالتجريف والتبوير والبناء عليها وأشكال أخرى من التصحر والتعرية بلغت جملة المساحة المفقودة 53.4 ألف فدان . إضافة إلى تدهور غير مباشر نتيجة الإفراط فى استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية والمخلفات الصناعية ، وأساليب إدارة المياه من رى وصرف ، وعدم التزام بالدورة الزراعية التى تمنع تتابع المحاصيل ، وكل ذلك يؤدى إلى انخفاض إنتاجية الموارد الزراعية .
ويركز عاطف كشك فى هذا الصدد على أثار تكثيف وتحديث الزراعة فى مصر ، باعتباره عاملا أساسيا فى تدهور الأرض ، فكل قطعة من الأرض لها قدرة تحددها الطاقة الكامنة فيها ، ويمكن زيادة إنتاجية الأرض بإضافة بعض المدخلات ، ولكن ذلك لن يستمر طويلا ، إذ يختل بعدها التوازن الذى يحكم علاقة الأرض بعوامل تكوينها ، كما يضيف أشكال أخرى من التدهور غير المباشر مثل ، انتشار الأراضى الغدقة والمتأثرة بالأملاح ، وخطورة زحف الصحراء على أطراف الوادى والدلتا ، والتلوث بالمواد المشعة . كما يلفت النظر لظاهرة تفتت الحيازات لما تمثله من عدم قدرة صغار الفلاحين من المحافظة عليها لفقرهم وقلة حيلهم ، وعدم قدرتهم على صيانتها أو تحسينها ، وانقطاع صلاتهم بالخدمات التى يمكن أن يتمتع بها كبار المزارعين مثل ، الاستفادة من نتائج البحث العلمى والإرشاد والتسليف . وفى بحث آخر لد .مدحت مصطفى عن " مشكلة الاعتداء على الأراضى الزراعية " يعلق فيه على الغاء الأمر العسكرى الخاص بحظر تبوير وتجريف الأراضى وإقامة مبان أو منشآت عليها يذكر الآتى : · فى صباح30 سبتمبر2003 ظهرت الصحف تحمل إعلان رئيس الجمهورية بإلغاء الأوامر العسكرية . · فى ليلة 1أكتوبر وخلال أقل من 48 ساعة انطلقت آلاف السواعد المسلحة بأسلحة الدمار الشامل لتقوم بلاعتداء على أكثر من 1000 موقع للبناء عليها . · طوال شهر أكتوبر تخبط المحافظين ، فبدون الأمر العسكرى لا يملكون أية سلطة تجاه المخالفات ، لان المحكمة الإدارية العليا منعت وزير الزراعة أن يفوض المحافظين فيما هو مفوض فيه . · فى 12 يناير 2004 يدلى وزير الزراعة بتصريح : يذكر فيه أنه سيتم التنازل عن القضايا والأحكام الخاصة بحبس المواطنين المعتدين بالبناء مراعاة للبعد الاجتماعى وحرصا على استقرار الأسر المصرية ، وأنه لا هدم لأى مبنى ما دام يعيش به سكان إلا فى حالة وحود بديل توفره المحافظة . هذا وبعد السماح للبناء فى المتخللات نجد ظاهرة التوسع فى التبرعات الوهمية ، مثل التبرع بقراريط قليلة على بعد أكثر من كيلو من القرية لبناء مدرسة ، بعدها يتم الاعتداء على المساحة بين القرية والمدرسة ، ويرى د. مدحت أن هذه الكارثة تعود بسبب : أن الزيادة السكتنية مستمرة ولن تتوقف على المدى المنظور ، وأن إقامة السكان الجدد داخل الكتلة السكنية الحالية مستحيل إلا بالقضاء على ( الدجاجة التى تبيض ذهبا – أى الأرض الزراعية ) والمستفيد الأول هم سماسرة تقسيمات الأراضى . الخلل إذن ليس الأرض ولكن فى النظام الاقتصادى والاجتماعى الذى عجز عن توفير احتياجات المواطنين للمساكن خاصة الفقراء ، والغريب فى الأمر أن الحكومة تعتبر أكبر متعدى على الأراضى بغرض المنفعة العامة ، ويتم التوسع فى ظاهرة التعدى فى المواسم الانتخابية التى ترتفع فيها الأصوات مطالبة بتوصيل الكهرباء والمياه حتى للعشوائيات ، والأكثر غرابة مشاركة الفلاحين أنفسهم فى التعدى على الأرض بشكل اضطراري لعدم وجود بدائل للبناء عليها . وهذا الوضع ينعكس على مجمل حياة المصريين ، ويسبب مجموعة من الفجوات ، فنرى اتساع حجم الفجوة الغذائية ، وتزايد حدة الفجوة العمرانية ، بين احتياجات المصريين للسكن والمرافق والخدمات العامة والمنشآت الاقتصادية ، وبين ضيق المكان ، مما يسبب اعتداء على أهم ثروة تكونت عبر آلاف السنين ، ومن الصعب بل من المستحيل تعويضها ، وهى الأراضى الزراعية القديمة فى الوادى والدلتا . (جدول 2) مؤشرات العلاقة بين السكان ومياه النيل خلال الفترة من 1897ــ 1997 تدهور نصيب الفرد من المياه تزايد السكان نصيب الفرد من مياه النيل م3 السكان بالمليون السنة ـــــ ــــ 5084 9.7 1897 ـــ 24 % + 30 % 3858 12.7 1917 ـــ 9 % + 23 % 3484 15.9 1937 ـــ 38 % + 62 % 2158 25.3 1957 ـــ 33 % + 51 % 1425 38.8 1977 ـــ 40 % + 61 % 885 62.7 1997 ـــ 457 % + 546 % الـتـغــيرات خــلال الــقــرن ـــ 12 % + 16 % 753 73.7 2006
يتضح من خلال هذا الجدول حجم الفوارق الكبيرة ، بين التزايد السكانى من جهة ، وبين مقدار التدهور فى نصيب الفرد من مياه النيل ، فبينما تضاعف السكان حوالى 5.5 مرات خلال القرن ، نجد أن نصيب الفرد من المياه قد تدهور بمعدلات مرتفعة خلال المراحل المتتابعة وبلغ حجم التدهور أكثر من 4.5 مرة خلال القرن . وبالرغم من ضآلة نصيب الفرد المصرى من المياه فأن هناك أخطار خارجية وداخلية تهدد هذا النصيب المتواضع ، تكمن الأخطار الخارجية فى إثارة الخلافات بين مصر وبعض دول حوض النيل ليس حول مشروعات المستقبل ، بل وحول حق مصر فيما تحصل عليه من مياه وفقا للاتفاقيات الدولية المبرمة فى العقود الماضية . أما الأخطار الداخلية فتكمن فى حجم الفاقد من المياه ، إضافة إلى ما تتعرض له من تلوث يجعلها غير صالحة للاستخدامات الأساسية ، ووفقا لأرجح البيانات فأن الفاقد من إجمالى المنصرف من السد العالى وحتى وصول المياه إلى الحقول يصل إلى 35 % أى حوالى 19.4 مليارم3 بين أقماع الترع وفتحات الرى الزراعى ، إضافة إلى 2مليار م3نتيجة البخر ، و2.8 مليار م3 تمتصها الحشائش المائية خاصة ورد النيل ، كما أن أساليب الرى بالغمر تعتبر إهدارا لقدر كبير من الموارد المائية . أما عن شبكة مياه الاستخدامات المنزلية والصناعية فيقدر حجم الفاقد منها بنحو 40 % أى حوالى 2.3 مليار م3 من المياه النقية بعد تكلفة نفقات تنقيتها ونقلها ، وإذا إضفنا إلى ذلك 2.5 مليار م3 يلزم إطلاقها من السد سنويا بغرض الملاحة وتوليد الكهرباء ، فأن جملة الفاقد تصل إلى حوالى 29 مليارم3 من مياه النيل بنسبة تزيد عن 52 % ، ولا يتبقى للمصريين سوى 26.5 مليارم3 سنويا ، وهذا يجعل نصيب الفرد يزداد تدهورا . وتشير عديد من الدراسات إلى أن النيل وفروعه يتعرض لقدر كبير من التلوث ، فالمصارف الزراعية تلقى به دون أدنى معالجة ، كما أن أغلب القرى والمدن تلقى بمياه الصرف الصحى فى الترع والمصارف ، وكذلك مخلفات المصانع والسفن العائمة ، والغريب أن المصريين يعودون لاستخدام هذه المياه عالية الثلوث خاصة فى نهايات فروع النيل ، مما جعل د . ياسين عبد الغفار يوجه تحذير لكل المصريين بأن انتشار كثير من الأمراض وتوطنها ، يوشك أن يحدث تغيرات وراثية غير ملائمة سوف تتوالرثها الأجيال ، فنحو 60 % من الأطفال الذين تبدوى عليهم مخايل الصحة ، إنما هم يعانون من خلل فى وظائف الكبد ، وذلك له تأثير سلبى على مستوى التحصيل الدراسى ، وعلى الصحة العامة لجميع المصريين . وبعد هذا الاستعراض يمكن تصور سيناريو المستقبل فى ظل المحددات السابقة من تناقص الموارد وما تتعرض له من تلوث ، من جراء استمرار التباين الكبير بين الكثافة السكانية غير المسبوقة فى التاريخ ، والتى ليس لها مثيل فى أى مكان آخر من العالم ، وبين ضيق المكان . (جدول 3) التوقعات المستقبلية لعلاقة السكان بالأرض والمياه حتى 2025 م
التغير فى كميات المياه( 1ـــ 2 ) نصيب الفرد من المياه م3 نصيب الفرد من الأرض م2 إيرادات المياه مليار م3 (2) الاحتياجات المائية مليار م3 (1) مساحة الأرض مليون فدان السكان بالمليون السنوات + 5. 942 518 67.2 67.7 8.8 71.3 2005 ــ 4.0 867 505 68.5 75.5 9.5 79 2010 ــ 7.8 808 498 69.5 77.3 10.2 86 2015 ــ 11.7 764 466 70.3 81.9 10.9 92 2020 ــ 16.7 708 487 70.8 87.5 11.6 100 2025 5. % 29 % 31 % 40 % التغيرات
المصادر السكان : تم حسابها من خلال إسقاطات للبيانات السكانية الحقيقية لعام 2000 بمعدل زيادة طبيعية 1.9 سنويا . مساحة الأرض : عاطف كشك . بيانات المتوقع استصلاحه من الأراضى حتى 2025 – الأرض والمياه . الطبعة الثانية ص 160. الاحتياجات والإيرادات من المياه : عبد الهادى راضى . المنطلقات الإستراتيجية للسياسة المائية حتى 2025 . نقلا من مدحت مصطفى ـ اقتصاديات الموارد المائية ص 288، 289
نتبين من بيانات هذا الجدول أن الزيادة السكانية ستكون مستمرة بمعدلات مرتفعة خلال الأمد المنظور ، فقد بلغت نسبة الزيادة خلال 20 عاما 40 % ، بينما لم تزيد مساحة الأرض عن 31 % خلال نفس الفترة ، علما بأننا لم نخصم حجم الفاقد السنوى منها ، حيث لا يمكن التكهن بمقداره مسبقا ، أما عن الاحتياجات المائية فسوف تزيد بنسبة 29 % بينما الإيراد المائى لم تتجاوز زيادته 5. % ، وهذا يؤكد ارتفاع معدلات العجز المائى خلال السنوات القادمة لتصل إلى أكثر من 16 مليار م3 عام 2025 ، إضافة إلى استمرار تدنى نصيب الفرد من الأرض والمياه سنويا . هناك موارد آخرى تتعرض لأشكال أقسى من الققد والتدهور على رأسها الموارد البشرية نفسها التى يتدنى مستوى تعليمها وتأهيلها وتدريبها بما يفقدها إمكانية الانخراط فى سوق العمل الحرة بعد تخلى الدولة عن تعينهم ، و ترتفع معدلات البطالة خاصة بين المتعلمين بما يفقدهم الأمل فى المستقبل ، و هكذا يكون هذا التصور المفزع هو السائد على المستوى الفكرى والتطبيقى ، فغالبية الصفوة المصرية تعتقد أن هذا السيناريو مسار طبيعى لمجريات الواقع المتأزم ، وتقف مكتوفة الأيدي أمام سطوة السلطة التى لا ترغب ولا تستطيع بمحدودية قدراتها وافتقادها للرؤية والحلم والطموح على الخروج من هذه الأزمات المستحكمة .
السيناريو المتفائل يقوم هذا السيناريو على بعض التصورات والاطروحات العلمية التى تنظر للواقع بشكل آخر وترى المستقبل برؤية طموحة واعدة بالإنجازات ، فهناك من يرى أن السيناريو السابق مغرق فى التشاؤم ولا يعبر عن واقع الحال ولو كان الأمر بالصورة التى تعكسها البيانات السابقة لكنا تعرضا لمجاعات وكوارث اجتماعية متكررة ، فبعض خبراء العلوم الزراعية خاصة فى مجال الاقتصاد الزراعى يرون أن الزراعة المصرية قد حققت إنجازات كثيرة خلال عقدى الثمانينيات والتسعينيات ، فرغم الزيادة السكانية الكبيرة فى هذين العقدين إلا أن الزراعة تسير فى مصر نحو الاقتراب من الاكتفاء الذاتى فى اغلب المحاصيل ، أو على الأقل تحقيق التوازن بين الاحتياجات الأساسية من غذاء وكساء وبين الإنتاج الزراعى ، مضافا إليه عائد تصدير بعض الحاصلات الزراعية ، ويرى د . عبد الوهاب عبد الحافظ أنه قد تحقق فى هذين العقدين إنجازات فى المجال الزراعى يصعب تعدادها من أهمها : زيادة الرقعة الزراعية مع ارتفاع المساحة المحصولية ، كما ارتفعت قيمة الإنتاج الزراعى فى كل المحاصيل وفى الإنتاج الحيوانى وإنتاج الخضر والفاكهة ، وكان للبحوث الزراعية دور رائد فى رفع إنتاجية الفدان وتحسين نوعية الإنتاج . كما يشير د . مدحت مصطفى إلى أن العديد من الدراسات اهتمت بتوضيح تفوق النمو السكانى على النمو فى مساحات الأراضى الزراعية ، ومن ثم يجب الاهتمام بمشروعات استصلاح الأراضى أى التوسع الأفقى ، ثم اهتمت الدراسات بقياس معدل النمو فى المساحات المحصولية وفقا لدرجة التكثيف الزراعى ، إلا أننا نرى أن المقياس الأكثر دقة لدراسة هذه العلاقة هو الذى يربط معدل النمو السكانى بمعدل الناتج الزراعى ، لأن الناتج الفعلى يعبر عن مدى كل من التوسع الأفقى والرأسى أخذا فى الاعتبار جميع المتغيرات الداخلة فى تحديده بما فى ذلك معامل التكثيف الزراعى ، ولأكيد وجهة نظرة يعرض تطور كل من مساحة الأرض الزراعية والمحصولية وكمية الناتج الزراعى ومتوسط نصيب الفرد منهم فى جدول . (جدول 4) العلاقة بين تطور السكان وتطور الناتج الزراعى خلال الفترة من 1957 ــ 1997 م
نمو الناتج نمو السكان نصيب الفرد من الناتج بالطن الناتج الزراعى مليون طن المساحة مليون فدان السكان بالمليون السنة محصولية زراعية ـــ ـــ 640. 15 10.3 5.7 25.3 1957 33 % 22 % 695. 20 10.5 6.5 30.9 1967 35 % 25 % 650. 27 11 5.5 38.8 1977 22 % 32 % 595. 33 11.4 7.2 51.3 1987 12 % 22 % 587. 37 11.8 7.5 62.7 1997 1.47 1.48 التغيرات
يتضح من هذا الجدول أن السكان تضاعفوا خلال 40 عاما بما يقارب 1.5 ضعف ، وهو ما يكاد يكون معدل تضاعف الناتج الزراعى خلال نفس الفترة ، كما أن معدلات نمو السكان كل عقد تقارب إلى حد ما معدلات نمو الناتج الزراعى ، ويؤكد مدحت مصطفى أن نمو الناتج الزراعى السنوى يفوق معدل النمو السكانى ، فبينما كان معدل النمو السنوى للسكان خلال الفترة ( 1967 ــ 1977 ) 2.23 % كان النمو فى الناتج الزراعى 5.12 % هذا بالإضافة إلى التطور المضطرد لمعدلات نمو الناتج فى السنوات التالية . وهذا قد يعطينا الحق فى مناقشة وجهة نظر د . عاطف كشك حول مسألة التكثيف والتحديث الزراعى والتى يرى أنها سبب معظم مشاكل تدهور الأرض فى مصر ( الأرض والماء فى مصر ص 58 ) اعتمادا على إن الطاقة الكامنة فى الأرض لن تستمر طويلا عند إضافة مدخلات بغرض زيادة إنتاجيتها ، فقد يختل التوازن الذى يحكم الأرض بعوامل تكوينها ، ولكن التكثيف والتحديث الزراعى له عناصر عديدة ليست كلها متعلقة بالأرض وما يضاف إليها ، فالسلالات الزراعية الجيدة عالية الإنتاجية ، والمقاومة للآفات والأمراض الزرعية ، والتى تمكث فى الأرض فترات اقصر ، وتعاقب المحاصيل المختلفة نوعيا ، وإضافة الأسمدة العضوية ، كل هذه العناصر وغيرها قد يكون مفيدا للأرض وليس خصما من جودتها ، بل وقد تعمل على تجديد خصوبتها . هذا عن التصورات التى تناقش الواقع الراهن ، أما إطروحات المستقبل فنجد د . رشدى سعيد
#فتحى_سيد_فرج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التوازن المفقود بين الأرض والسكان فى مصر
-
سيناريوهات التوازن المفقود بين الأرض والسكان فى مصر
-
حلم الخروج من الوادى
-
جماعة الإدارة العليا - 4
-
جماعة الإدارة العليا -3
-
جماعة الإدارة العليا - 2
-
جماعة الإدارة العليا
-
رؤية أولية فى تخلفنا العربى - النموذج المصرى للتخلف - شخصنة
...
-
رؤية أولية فى تخلفنا العربى وآفاق تجاوزه - النموذج المصرى لل
...
-
رؤية أولية فى أسباب التخلف العربى وآفاق تجاوزه -الاقتصاد الر
...
-
رؤية أولية فى تخلفنا العربى وافاق تجاوزه
-
قراءات ورؤى حول مشروع سمير أمين - رؤية نقدية
-
الفكر العربى وسوسيولوجيا الفشل المقالة الرابعة - التجارة الب
...
-
الفكر العربى وسوسيولوجيا الفشل المقالة الثالثة. سوسيولوجيا ا
...
-
الحضارة المصرية القديمة 00استمرارية آم انقطاع المقالة الأخير
...
-
الحضارة المصرية القديمة ...استمرارية آم انقطاع المقالة الراب
...
-
الحضارة المصرية القديمة 00استمرارية ام انقطاع المقالة الثالث
...
-
اسكندرية مدينتى (1) بيروت الإسكندرية 00 التنوع يصنع الازدهار
-
الحضارة المصرية القديمة 0اسمرارية 00أم انقطاع- المقالة الثان
...
-
الحضارة المصرية القديمة ..استمرارية أم انقطاع- المقالة الأول
...
المزيد.....
-
هنغاريا: العقوبات على -غازبروم بنك- ستخلق صعوبات لدول أوروبا
...
-
أردوغان: نجحنا بنسبة كبيرة في التخلص من التبعية الخارجية في
...
-
بلومبيرغ: تعليق الطيران العالمي يترك إسرائيل في عزلة تجارية
...
-
موسكو: سوق النفط متوازنة بفضل -أوبك+-
-
سيل الغاز الروسي يبلغ شواطئ شنغهاي جنوب شرقي الصين
-
بيسكوف العقوبات الأمريكية على -غازبروم بنك- محاولة لعرقلة إم
...
-
نائب وزير الطاقة الروسي من اسطنبول: الغاز يدعم عملية التحول
...
-
أسعار -البتكوين-.. ماذا وراء الارتفاع القياسي لـ-الاستثمار ا
...
-
الدولار بأعلى مستوى في 13 شهرا وبيتكوين تقترب من 100 ألف دول
...
-
مرسيدس تعتزم خفض التكاليف واحتجاجات في مقر فولكس فاغن
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|