أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - حروب بلا رصاص: الإعلام في زمن الخوارزميات والواقع المزيف














المزيد.....

حروب بلا رصاص: الإعلام في زمن الخوارزميات والواقع المزيف


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8306 - 2025 / 4 / 8 - 10:06
المحور: الصحافة والاعلام
    


في العقود الأخيرة، أفضت التحولات التقنية العميقة إلى إعادة تشكيل العلاقة بين الإعلام والصراعات بطريقة غير مسبوقة، حيث لم تعد وسائل الإعلام مجرد ناقل للخبر أو وسيط بين الحدث والمتلقي، بل أصبحت لاعبًا رئيسيًا ومؤثرًا جوهريًا في مسار الأزمات وبنية الخطاب حولها. ومع بروز التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، والواقع المعزز، وتقنيات البلوك تشين، والخوارزميات الذكية، وأدوات تحليل البيانات الضخمة، تغيّر وجه الإعلام المعاصر من وسيلة تقليدية إلى منظومة رقمية معقدة قادرة على التأثير في الرأي العام، وصناعة السرديات، بل والتلاعب بالحقائق في خضم الصراعات الجيوسياسية والعرقية والثقافية.

لقد أصبح الإعلام في ظل هذه التقنيات أكثر من مجرد قناة للتواصل؛ إنه ساحة صراع بحد ذاته، تُخاض فيها حروب ناعمة بأدوات رقمية، وتُخترق بها العقول قبل الحدود. فالذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، بات يُستخدم في توليد الأخبار الزائفة وصناعة الفيديوهات المزيفة (Deepfakes)، مما يساهم في تشويه الوقائع وتعزيز خطاب الكراهية والانقسام في المجتمعات، خصوصًا في بيئات النزاع الهشة. كما تلعب الخوارزميات دورًا خفيًا لكن بالغ التأثير في ترويج محتوى معين وتضييق الخناق على أصوات أخرى، مما يعيد تشكيل الإدراك العام وفق أولويات شركات التكنولوجيا أو القوى السياسية المسيطرة.

وفي خضم الحروب والصراعات، أصبح الإعلام الرقمي أداة فعالة في التعبئة السياسية والدعائية، حيث تُستخدم المنصات الاجتماعية لنشر السرديات الرسمية، أو لكسر احتكار الدولة للمعلومة، أو حتى لإثارة الفوضى وإرباك الخصم. ويمكن ملاحظة هذا التحول في نماذج مثل الصراع الروسي-الأوكراني، أو الحروب في سوريا واليمن، حيث أصبحت البيانات والمقاطع المصورة والشهادات الحية سلاحًا بيد كل طرف، تُدار وتُوجّه من خلال تقنيات متقدمة لضمان أقصى تأثير على المتلقي المحلي والعالمي. وهنا، تتجاوز المسألة مجرد تقديم تغطية إعلامية إلى ممارسة ضغط سياسي ونفسي، بل إلى استخدام المعلومات كسلاح حربي.

كما أتاح تطور تكنولوجيا الاتصال إمكانية وصول المواطنين العاديين إلى أدوار إعلامية غير مسبوقة، إذ تحوّل الهاتف الذكي إلى أداة توثيق ونقل وصناعة للرأي العام. لكن هذا التمكين الرقمي لم يخلُ من الإشكاليات، فقد تزامن مع صعود "فوضى المعلومات" والانفجار غير المنضبط في المحتوى، ما جعل الحقيقة ذاتها محل شك دائم، وأضعف من قدرة الجمهور على التمييز بين ما هو صادق وما هو مصطنع. وهنا تتجلى الحاجة إلى أدوات تحقق رقمية و"صحافة تحقق" قائمة على التحقق من صحة الصور والمصادر والأرقام، في مقابل تنامي ظاهرة "الإعلام المؤدلج رقميًا".

في الوقت ذاته، فتحت التقنيات الناشئة الباب أمام إمكانيات جديدة لصحافة السلام وبناء سرديات بديلة تحفّز على التفاهم والحوار بدل الاستقطاب والعداء. فمن خلال الواقع الافتراضي، مثلًا، أصبح بالإمكان نقل الجمهور إلى قلب الأزمة بطريقة تفاعلية تحفز على التقمص الوجداني والتعاطف، ما يسهم في إعادة صياغة العلاقة بين المتلقي والحدث الإنساني. كما أتاحت تقنيات الذكاء الاصطناعي إمكانيات تحليل عميق للخطابات الإعلامية، وكشف التحيزات، وفهم الديناميكيات الخفية التي تغذي العنف الرمزي والمباشر.

في المحصلة، فإن تأثير التقنيات الناشئة على الإعلام والصراعات ليس تأثيرًا خطيًا أو أحادي البعد، بل هو جدلي ومعقد، يُعيد تشكيل مفهوم الحقيقة، ويعيد تعريف أدوار الفاعلين، ويضع العالم أمام تحديات أخلاقية وسياسية هائلة. فالإعلام المعاصر لم يعد فقط ناقلًا للخبر، بل أصبح جزءًا من معادلة الصراع نفسها، وفي أحيان كثيرة، نقطة تفجير له أو مساحة نادرة لإعادة ترميمه، وذلك وفقًا لكيفية توظيف التكنولوجيا ووعي المستخدمين بها. وهذا ما يفرض على الباحثين والممارسين ضرورة إعادة التفكير في أخلاقيات الإعلام، وفي طبيعة البنية الرقمية التي تشكل الإدراك الجمعي في زمن الأزمات، حتى لا تتحول التكنولوجيا من أداة تحرير إلى وسيلة إخضاع جديدة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفكيك المقدس: العقل الفلسفي في مواجهة الإيمان المسيحي في الف ...
- ما بعد الهيمنة : قراءة في خرائط النظام العالمي الجديد
- صراع العمالقة : الولايات المتحدة والصين ... إعادة رسم خرائط ...
- نظرية المعرفة عند ابن رشد: العقل، التجربة، والتأويل الفلسفي
- من الحق الإلهي إلى العقد الاجتماعي: التحولات الفلسفية للسلطة
- الوعي المقيد والوعي الحر: قراءة في أنماط التصديق الدوغمائي و ...
- فاطمة الفهرية: سيدة العلم التي شيدت أول جامعة في التاريخ
- جدلية السلطة والفكر: قراءة موسوعية في تطور الأفكار السياسية ...
- المنطق الرياضي: حجر الأساس للعقلانية والاستدلال في عصر الذكا ...
- مارتن لوثر وثورة الفكر: التداعيات الفلسفية للإصلاح الديني عل ...
- الفلسفات المادية الأوروبية: أزمات جوهرية وتحديات مستقبلية في ...
- ما بعد العلمانية: تحولات المفهوم ومآلاته الفلسفية
- جون لوك: ثورة فكرية غيرت مسار الفلسفة والسياسة
- العدم الرقمي: الإنسان في متاهة ما بعد المعنى
- سبينوزا والكتاب المقدس: نقد النص وإعادة بناء الإيمان
- تحولات السلطة والفكر: رحلة الفلسفة السياسية الأوروبية من ميك ...
- العلمانية الإنسانية: يوتوبيا زائفة أم أزمة وجودية؟
- حماس بين التصنيفات الدولية: جدلية المقاومة والإرهاب في ميزان ...
- الحرية بين وهم الحداثة وسلطة الخوارزميات: من التنوير إلى الا ...
- حفلة شاي بوسطن: شرارة الثورة الأمريكية وتغير موازين التاريخ


المزيد.....




- الدفاع الروسية: قوات كييف استهدفت بنى الطاقة 8 مرات في 24 سا ...
- نواف سلام يبحث مع أبو الغيط الوضع في لبنان والمنطقة
- ليبيا.. حرائق غامضة تلتهم 40 منزلا في مدينة الأصابعة خلال 3 ...
- رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام يصل إلى دمشق حيث سيلتقي بال ...
- -يجب علينا تخيُّل العالم ما بعد الولايات المتحدة- - الغارديا ...
- الجزائر تمهل 12 موظفا في سفارة فرنسا 48 ساعة لمغادرة أراضيها ...
- -ديب سيك - ذكيّ ولكن بحدود... روبوت الدردشة الصيني مقيّد بضو ...
- انخفاض تعداد سكان اليابان إلى أدنى مستوى منذ عام 1950
- جدل في الكنيست حول مصر.. وخبير يعلق: كوهين أحد أدوات الهجوم ...
- وزير خارجية فرنسا يدعو لفرض -أشد العقوبات- على روسيا


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - حروب بلا رصاص: الإعلام في زمن الخوارزميات والواقع المزيف