أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - وفاء سلطان: بين ممارسة الحب وممارسة الحرث والنكاح















المزيد.....



وفاء سلطان: بين ممارسة الحب وممارسة الحرث والنكاح


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 1801 - 2007 / 1 / 20 - 12:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كان آخر شيء يمكن أن أتوقعه، أو يتوقعه من لديه بعض المفردات البسيطة من الثقافة، أن نقرأ يوما لكاتب يدعي أنه مثقف ثم يقول: هذه الكلمة جميلة وهذه الكلمة قبيحة، أو يقول هذا اللفظ جميل وهذا اللفظ قبيح، وليت من قال بهذا قد أشار إلى قبح أو حسن في استخدام معنى ودلالة الكلمة أو اللفظ، بل إن من المضحك المبكي في آن، أن من يقول بهذا يشير إلى قبح أو حسن الكلمة ذاتها من حيث تكوينها الحرفي ورمزها الصوتي!!!.

فقد لاحظت منذ فترة طويلة ومن خلال مطالعاتي لمقالات البعض مما يدعون الثقافة ويمتهنون الكتابة، أنه يعيب ويستقبح المكون الحرفي لكلمة ما، ولرمزها الصوتي، دون أي ذكر للمبرر المنطقي أو العقلي أو العلمي لذلك الاستقباح، ودون أية إشارة إلى موضع استخدام دلالة ومعنى هذه الكلمة. فقد قامت السيدة وفاء سلطان (عالمة النفس المقدسة) لدى البعض، بشن هجوم صبياني أهوج وأرعن على بعض كلمات القرآن ككلمة (نكاح) وكلمة (حرث) وراحت تصرخ في مقالها بأعلى صوتها وتقول: (انكحوا!! ألا تشعرون بالخجل عندما ترددون تلك الكلمة في القرن الواحد والعشرين؟).

وأنا هنا لا أدافع عن كلمات القرآن لأنها كلمات القرآن، كلا، بل أدافع عن حقيقة هامة، وهي أن اللغة، أية لغة في العالم، ما هي إلا رموز صوتية تعارف الناس عليها للرمز بها إلى الأشياء، سواء كانت هذه اللغة عربية أو إنجليزية أو فرنسية أو أي لغة أخرى. وبالعودة لموضوع مقالنا حول الهجمة العمياء للسيدة وفاء سلطان على بعض كلمات القرآن كالحرث والنكاح، دون أن تذكر تلك السيدة، أي مبرر منطقي أو علمي أو عقلي لذلك، سوى أنها تغني لتطرب البعض دون أن يعرف البعض شيئا عن ماذا تغني، ويظهر ذلك بكل وضوح في استقباحها لبعض الكلمات العربية لا لسبب سوى أنها جاءت في القرآن. ولنرى ما هي حقيقة الكلمة وطبيعتها وقيمتها في أي لغة من لغات العالم، كما توصل إلى ذلك علماء اللسانيات واللغة الغربيين والعرب، ثم نعرض لما جاء في مقال وفاء سلطان، حول كلمة الحرث والنكاح، ولكن قبل عرض ما توصل إليه العلماء، أود ابتداء أن أبسط وأفصل هذا الأمر للقارئ لربما نصل إلى حقيقة سواء نتفق عليها، أو نختلف.

لنأخذ مثلا: كلمة (أبيض) فمما هو معلوم للجميع أن هذه الكلمة (أبيض) ليس لها أي معنى أو دلالة سوى أنها تعني وتدل على لون بعينه من الألوان المعروفة لدى كل الناس، الذين يتكلمون العربية، فحينما نقول (أبيض) يتبادر إلى أذهان الجميع ذلك اللون الجميل الذي قد نراه في الورد أو الملابس بشتى أنواعها أو أي شيء آخر من الأشياء التي تحتوي على اللون الأبيض.

فكلمة (أبيض) كلمة مكونة من أربعة أحرف هي: (أ – ب – ي – ض) هذه الأحرف الأربعة هي في الأصل عبارة عن أربعة أصوات يصدرها جهاز النطق في الإنسان عند تحركه للتعبير عن الأشياء أو للتعبير عما في نفس الإنسان، وهي أيضا عبارة عن رموز كتابية مرئية ومنظورة للتعبير عن أصوات هذه الأحرف، إذن فالحرف في جميع لغات العالم هو عبارة عن صوت يخرج من جهاز النطق ونعبر عنه برمز كتابي معين، فمثلا حرف (الألف) في كلمة أبيض له صوت محدد ومخرج محدد في جهاز النطق في الإنسان، هذا الصوت للحرف ألف نرمز له كتابيا بالشكل التالي: (أ)، وهذا الصوت للحرف ألف يختلف في صوته ومخرجه عن الحرف (باء) ويختلف الحرف ألف والحرف باء في صوتهما ومخرجهما ورمزهما الكتابي عن الحرف (ي) وتختلف كل من الحروف ألف وباء وياء في أصواتهم ومخرجهم ورموزهم الكتابية عن الحرف (ض).

إذن، فالحروف أو الوحدات التي تتكون منها الكلمة هي عبارة عن مجرد أصوات مختلفة، لها مخارج مختلفة، ولها رموز كتابية مختلفة، أما الكلمة فهي عبارة عن مركب من هذه الوحدات الصوتية الصغيرة التي تسمى بالحروف، إذن فأي كلمة في أي لغة من لغات العالم هي عبارة عن مجموعة من الوحدات الصوتية التي نسميها نحن في العربية بالحروف، ويطلق عليها الغربيون (فونيم) (phoneme)، هذه الكلمة بهذا المكون وبهذا التعريف في أي لغة من لغات العالم لا يمكن لأحد عقلا ومنطقا أن يصفها بأنها كلمة جميلة أو قبيحة أو سيئة أو حسنة، دون النظر للمعنى والاصطلاح والدلالة التي وضعت لها هذه الكلمة، وهذا ليس قاصرا على اللسان العربي (اللغة العربية) فقط، بل عام في أي لغة من لغات العالم، وهذا ما أثبتته وأجمعت عليه البحوث والدراسات العربية والغربية في علم اللغة واللسانيات.

إذن، فكلمة (أبيض) هي مجموعة من الأصوات والرموز الكتابية التي أصطلح عليها العرب للإشارة إلى لون بعينه، ولو جردنا هذه الكلمة من معناها ودلالتها فستصبح هذه الكلمة لا شيء سوى أنها مجموعة من الأصوات المسموعة والرموز المكتوبة، والتي لا يمكن وصفها بأنها حسنة أو سيئة. ومثالا على ذلك لو قرأنا كلمة (أبيض) معكوسة فأصبحت بهذا النحو: (ضيبأ) فهذه الأصوات أو هذه الحروف المكونة لكلمة (أبيض) حين قمنا بتبديل مواقعها في الكلمة أصبحت لا تعبر عن شيء له معنى معروف أو دلالة معروفة.

ومن هذا المنطلق أقول: إن أية لغة من لغات العالم بما فيها اللغة العربية ليست لها أية ميزة أو أفضلية على أية لغة أخرى، سوى في مدى تمكن مستخدميها في التعبير عن الأشياء وعما بداخل النفس الإنسانية، إذن التميز والأفضلية يكمنان فقط في الشخص مستخدم اللغة ومدى دقته وعمق تعبيره، وليس التميز قاصرا على اللغة بذاتها. بمعنى أن اللغة العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية أو أي لغة أخرى ليست لأي منها أفضلية على غيرها من اللغات، إلا في مدى دقة الشخص المستخدم لهذه اللغة وعمق تعبيره.

إذن، نخلص من كل ما تقدم، بأن أية كلمة في أية لغة من لغات العالم، لا يمكن وصفها علما وعقلا ومنطقا، بأنها كلمة قبيحة أو كلمة جميلة إلا بعد معرفة معناها ودلالتها الحقيقية ودقة وعمق استخدامها، وكما قلت وضربت مثالا في مقال سابق لي: (أنه لو قال زيد لعمرو أنت حمار, هل كلمة (حمار) كلمة قبيحة من حيث مجموع حروفها ومعناها الأصلي؟ أم أن استخدام الكلمة في موضع السب والتحقير هو القبيح؟ الجواب بالتأكيد كلمة حمار كلمة عادية لأنها تدل على حيوان بعينه، لكن استخدامها للنيل من عمرو وتحقيره وإهانته هو القبيح).

وتثبيتا وتدليلا على ما سبق ذكره سأعرض مقتطفات من أقوال الباحثين في علم اللغة على النحو التالي:
يقول الدكتور رمضان عبد التواب عميد كلية الآداب بجامعة عين شمس(سابقا) ما يلي: (الوحدة الكبرى لأية مجموعة كلامية, هي الجملة, مثل قولنا: "محمد في البيت" مثلا. وتتركب الجملة من وحدات أصغر منها, هي ما يطلق عليها اسم الكلمات, مثل: (محمد) و (في) و (البيت) في الجملة السابقة, كما تتركب الكلمات هي أيضا من وحدات أصغر منها, هي ما يطلق عليه اسم: الأصوات مثل ما نراه في كلمة: (محمد) من صوت الميم, ثم صوت الضمة, ثم صوت الحاء, ثم صوت الفتحة, ثم صوت الميم, ثم صوت الفتحة, ثم صوت الدال, على الترتيب. وهذه الوحدات الأخيرة, هي موضوع "علم الأصوات" الذي يدرس الأصوات اللغوية, من ناحية وصف مخارجها, وكيفية حدوثها, وصفاتها المختلفة, التي يتميز بها صوت عن صوت, كما يدرس القوانين التي تخضع لها هذه الأصوات في تأثرها بعضها ببعض, عند تركبها في الكلمات أو الجمل.)انتهى.
(المصدر: المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي, د. رمضان عبد التواب, مكتبة الخانجي، الطبعة الثانية، القاهرة، 1985، ص13).

ويقول الدكتور رمضان أيضا: (هذه الأصوات المختلفة، التي يُعبَّر عنها في الكتابة برمز واحد، ولا تستخدم في اللغة للتفريق بين المعاني المختلفة، هي ما يطلق عليه الغربيون اسم: (فونيم) (phoneme) = وحدة صوتية/ عائلة صوتية. وفي إمكاننا نحن أن نطلق عليه اسم: (حرف) مقصودا به الرمز الكتابي، ونعمل بذلك على التفريق بين الاصطلاحين: (صوت) و (حرف). فالصوت هو ذلك الذي نسمعه ونحسه, أما الحرف فهو ذلك الرمز الكتابي, الذي يتخذ وسيلة منظورة, للتعبير عن صوت معين.)
(المصدر السابق: ص83، 84.)

وعن الفرق بين الصوت والحرف يقول الدكتور تمام حسان: (هو فرق ما بين العمل والنظر, أو بين المثال والباب, أو بين أحد المفردات والقسم الذي يقع فيه, فالصوت عملية نطقية تدخل في تجارب الحواس, وعلى الأخص السمع والبصر, يؤديه الجهاز النطقي حركة, وتسمعه الأذن, وترى العين بعض حركات الجهاز النطقي حين أدائه. أما الحرف فهو عنوان مجموعة من الأصوات, يجمعها نسب معين, فهو فكرة عقلية لا عملية عضلية. وإذا كان الصوت مما يوجده المتكلم, فإن الحرف مما يوجده الباحث.) انتهى.
(المصدر: اللغة بين المعيارية والوصفية، د. تمام حسان، القاهرة 1958، ص 130).

وحول علاقة علم الاجتماع باللغة، يقول فندريس: (في أحضان المجتمع تكونت اللغة, ووجدت يوم أحس الناس بالحاجة إلى التفاهم بينهم, وتنشأ من احتكاك بعض الأشخاص, الذين يملكون أعضاء الحواس, ويستعملون في علاقتهم الوسائل التي وضعتها الطبيعة تحت تصرفاتهم, الإشارة إذا أعوزتهم الكلمة, والنظرة إذا لم تكف الإشارة).
(المصدر: اللغة، فندريس- ترجمة: عبد الحميد الدواخلي، والدكتور محمد القصاص- القاهرة 1950، ص35).

وحول علاقة علم النفس باللغة، يقول فون در جابلنتس: (الإنسان لا يستخدم اللغة, للتعبير عن شيء فحسب, بل للتعبير عن نفسه أيضا).
(المصدر السابق: اللغة، لفندريس، ص183).

إذن، ومن كل ما سبق، لا يمكننا عقلا ومنطقا أن نفهم حقيقة اعتراض واستنكار السيدة وفاء سلطان، لكلمتين وردتا في القرآن الكريم وهما كلمة (حرث)، وكلمة (نكاح)، بل إنها تعتقد أن هاتين اللفظتين لا يتناسبان والقرن الواحد والعشرين، ألا يدعو كلام هذه السيدة إلى الضحك ثم البكاء، حيث إن امرأة كهذه عالمة نفس كما تدعي وتحظى بالقداسة لدى البعض أن تتفوه بكلام كهذا، وخصوصا إذا علمنا من خلال دراسات وأبحاث علماء اللغة الغربيين والعرب، بأن الكلمة ما هي إلا مجرد أصوات يقوم بإحداثها جهاز النطق في الإنسان للتعبير بها عن شيء ما من الأشياء، هذا بالنسبة للكلمة المجردة عن المعنى والدلالة، كما سبق وأن مثلت بكلمة أبيض.

إذن، ومن خلال ما سبق وبعد أن بينا من أقوال علماء اللغة، لا نجد أي دليل عقلي أو منطقي على اعتراض واستنكار السيدة وفاء سلطان على كلمتي (حرث) و (نكاح)، حتى ولو افترضنا جدلا أن كلمة نكاح وكلمة حرث تعني الممارسة الجنسية بين الرجل والمرأة، حتى لو افترضنا أن العرب اصطلحوا فيما بينهم على تسمية الممارسة الجنسية بهذه الكلمات التي هي في الحقيقة ليست بشيء غير أنها مجرد أصوات اصطلحوا عليها واتفقوا في إطلاقها على الممارسة الجنسية، هذا لو افترضنا جدلا أن الكلمتين وضعتا للدلالة على الممارسة الجنسية، وهما لم يوضعا لذلك إطلاقا كما سأبين لاحقا، ومن ناحية أخرى لو نظرنا مثلا إلى الناطقين بالإنجليزية لوجدناهم يستخدمون كلمة (sex) للدلالة على الجماع بين الرجل والمرأة، فهذا اللفظ (sex)، هو مجرد كلمة، أو وحدة مركبة من مجموعة من الأصوات التي اصطلح عليها الغربيون في تسمية الممارسة الجنسية بين الرجل والمرأة، وهذه الأصوات المكونة لكلمة (sex) لا يمكن عقلا ومنطقا لأي شخص كان أن يعترض أو يستنكر على هذه الكلمة أو يصفها بأنها جميلة أو سيئة، لأن كلمة (sex) لو جردناها من معناها ودلالتها، لأصبحت مجرد أصوات لا معنى لها، ولو عرفنا معناها الحقيقي ودلالتها، أيضا فلا يمكن لأحد عاقل سليم العقل سوي النفس، أن يستنكر هذه الكلمة، أو أن يصفها بأنها كلمة قبيحة أو جميلة، خاصة بعد أن عرفنا أن أي كلمة في أي لغة ما هي إلا عن مجموعة أصوات اصطلح عليها أهل تلك اللغة للرمز بها إلى شيء ما.

ولو افترضنا جدلا أن العرب قد اصطلحوا على تسمية الممارسة الجنسية بين الرجل والمرأة بالحرث والنكاح، والأمر ليس كذلك، فما هو وجه الاعتراض وما هو المبرر العقلي والمنطقي لاستنكار هاتين الكلمتين من حيث مجموع صوتيهما ومن حيث دلالتهما، خاصة إذا علمنا أن الكلمة ما هي إلا مجموعة من الأصوات، وليست لتلك الأصوات أية علاقة بالمعنى أو المسمى أو المدلول؟؟.

وللإجابة على هذا السؤال أقول: إن جميع الأسماء والمصطلحات في جميع لغات العالم لا توجد أية علاقة طبيعية لزومية ضرورية بينها وبين مسمياتها ومدلولاتها، ومثالا على ذلك، لو أن شخصا ما اسمه (ماجد) هل هناك أية علاقة بين هذا الشخص وبين اسمه؟؟، الجواب كلا، لأنه لو كان هناك علاقة طبيعية وضرورية بين الاسم والمسمى لما جاز لأي شخص آخر أن يحمل نفس هذا الاسم سوى هذا الشخص، فعلماء اللغة واللسانيات أقروا بأنه ليست هناك أية علاقة طبيعية لازمة أو ضرورية بين الاسم والمسمى، وبالتالي نجد أن هناك الآلاف من الناس المختلفين في صفاتهم ودياناتهم وثقافاتهم وأوطانهم يحملون اسم ماجد، مما يدل على أنه ليست هناك أية علاقة بين الاسم والمسمى، وأقدم دليلا على ذلك، مجموعة من أقوال علماء اللغة الغربيين والعرب تأييدا لذلك، على النحو التالي:

يقول الدكتور رمضان عبد التواب: (ليس ثمة بين الاصطلاح اللغوي, والشيء الذي وضع له هذا الاصطلاح, أية علاقة طبيعية, وإنما هي علاقة تقاليد. وهذا معناه أنه ليس هناك ارتباط طبيعي بين الاسم والمسمى, فالضمائر: (أنا) و (أنت) و (هو) مثلا, ليس فيها شيء يدل بذاته على أحد الأشخاص الثلاثة, وإنما تستعمل لأنه في جماعة بشرية ما, جرت التقاليد بأن تستعمل هذه الصيغ. ومن ثم نرى أكثر علماء اللغة حنكة عاجزا كغيره من الناس أمام خطبة أو نص مكتوب بلغة مجهولة.)انتهى.
(المصدر: المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي, د. رمضان عبد التواب, مكتبة الخانجي، الطبعة الثانية، القاهرة، 1985، ص208).

ويقول عالم اللغة ستيفان أولمان: (كلماتنا, رموز تقليدية ونحن نكتسب معنى هذه الكلمات في طفولتنا المبكرة ولكن بطرق التعلم إذ لا يوجد في اللفظ ما ينبئ عن المدلول. فبالإضافة إلى عدم وجود أية علاقة بين كلمة (منضدة) وما تدل عليه مثلا, هناك شيئان يعارضان افتراض وجود أية علاقة طبيعية بينهما مهما كانت هذه الصلة غامضة, الأول يتمثل في تنوع الكلمات واختلافها في اللغات المختلفة. والثاني يتبلور في الحقائق التاريخية. فلو كانت معاني الكلمات كامنة في أصواتها لما أمكن أن تتغير هذه الكلمات في لفظها ومدلولها, تغيرا يستحيل ربطه بالوضع الأصلي لها.)انتهى.
(المصدر: دور الكلمة في اللغة، ستيفان أولمان، ترجمة: الدكتور كمال بشر، القاهرة 1962، ص70، 71).

ويقول الدكتور رمضان عبد التواب: (ويتضح من هذا كله وضوحا كاملا " أن القيمة التي يدل عليها الرمز تتم بطريقة التحكم والفرض وأنه ليس هناك أي رابطة فطرية بين اللفظ ومدلوله. ولو صح الافتراض القائل بوجود علاقة فطرية بينهما لكان حتما أن يتكلم الناس لغة واحدة, ولكن الأمر على غير ذلك, فكلمة dog في اللغة الإنجليزية يقابلها :chien بالفرنسية, و perro بالإسبانية وhund بالألمانية, و inu باليابانية.) انتهى.
(المصدر: المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي, د. رمضان عبد التواب، مصدر سابق، ص 209)

ويقول ماريو باي: (اللغة المتكلمة تعتمد إذن على الاصطلاح والاتفاق الجماعي مهما قل عدد أفراد الجماعة اللغوية, وهذا يضع اللغة حتما في قائمة الرموز مثل عملة النقد الورقية التي ترمز إلى قيمة شرائية معينة, وتعتمد في قيمتها على العرف والاتفاق بين أفراد المجتمع لا على قيمتها الذاتية.)انتهى.
(المصدر: أسس علم اللغة، ماريو باي، ترجمة: الدكتور أحمد مختار عمر، منشورات جامعة طرابلس، 1973، ص41).

ويقول ستيفان أولمان: (والأشياء هي الأشياء , فلا يغير من حقيقتها التعبير عنها برموز لغوية مختلفة وقد صدق "شكسبير" حين وضع على لسان "جولييت" هذه العبارة: "ماذا في اللفظ ؟ إن ما نسميه: وردة, سوف يحتفظ برائحته الزكية, فيما لو سميناه باسم آخر")انتهى.
(المصدر: دور الكلمة في اللغة، ستيفان أولمان، مصدر سابق، ص83).

وأنصح القارئ بأن يطالع علم اللغة، فهو علم قيم ومفيد، وأقصد بعلم اللغة ليس علم اللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة، بل علم اللغة العام أو علم اللسانيات، وهو العلم الذي يبحث في لغة الإنسان بوجه عام من ناحية وصفها وتاريخها ومقارنتها باللغات الأخرى ووظائفها وأساليبها، يقول الدكتور رمضان عبد التواب عن طبيعة هذا العلم العظيم ما يلي:

(علم اللغة, هو العلم الذي يبحث في اللغة ويتخذها موضوعا له, فيدرسها من النواحي الوصفية, والتاريخية, والمقارنة, كما يدرس العلاقات الكائنة بين اللغات المختلفة, أو بين مجموعة من هذه اللغات, ويدرس وظائف اللغة وأساليبها المتعددة, وعلاقتها بالنظم الاجتماعية المختلفة. وموضوع علم اللغة, هو كل النشاط اللغوي للإنسان في الماضي والحاضر, يستوي في هذا الإنسان البدائي والمتحضر, واللغات الحية والميتة, والقديمة والحديثة, دون اعتبار لصحة أو لحن, أو جودة أو رداءة, أو غير ذلك.)انتهى.
(المصدر: المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي, د. رمضان عبد التواب، مصدر سابق، ص7)

إذن نستخلص من كل ما تقدم أن الكلمة في أية لغة من لغات العالم ما هي إلا أصوات، اتفق الناس على أن يرمزوا بها لشيء ما، أو يعبروا بها عن شيء ما، وليس في هذا الرمز الصوتي الذي نسميه كلمة أو مجموعة حروف، في أية لغة من لغات العالم، كلمة جميلة وكلمة قبيحة.

وقد يسأل سائل: فأين إذن يكمن الحسن والقبح في الكلام الإنساني؟؟. أقول: الحسن والقبح في الكلام الإنساني يكمن في استخدام أسماء أشياء ما، والتعبير من خلالها عن أشياء أخرى، غير أشيائها الحقيقية التي وضعت لها، وذلك للتعبير بدقة وعمق عن أي أمر يراد التعبير عنه، ومثالا على ذلك، لنرى مدى جمال وعمق تعبير الشاعر (نزار قباني) عن مشاعره في أغنية عبد الحليم الشهيرة التي يقول فيها: (علمني كيف أقص جذور هواك من الأعماق، علمني كيف يموت الحب وتنتحر الأشواق)، فما هو معلوم لدى الجميع، أن الهوى ليست له جذور حقيقية يمكن قصها، ومن المعلوم أيضا أن الحب لا يموت بشكل حقيقي، وكذلك الأشواق لا يمكن أن تنتحر، إذن نجد الشاعر قد استخدم مصطلحات وكلمات في غير موضعها الحقيقي الذي وضعت له، والذي اصطلح الناس على وضعها فيه، للتعبير بعمق ودقة وقوة عن مشاعره التي أراد أن يعبر عنها. إذن، يكمن الجمال الحقيقي والقبح الحقيقي ليس في الكلمة كرمز صوتي، وإنما في مدى الدقة وحسن نقل الكلمات من موضعها الحقيقي، لموضع آخر للتعبير عن المشاعر والحقائق والأشياء المراد التعبير عنها.

# الحرث والمحراث؟؟

تقول وفاء سلطان:
(تقول: فالقرآن خاطب القوم بما اصطلحوا عليه من مسميات حتى يفهموا ما يقال لهم! هذا كذب وافتراء، ومع هذا سأحترم ما قاله السيد الطنطاوي في حال واحدة: عندما يعلن على الملأ بأن القرآن جاء بلغة القرن السابع الميلادي وحسب مفاهيمه، ولغته الآن لا تصلح لهذا الزمن! عليه أن يمتلك الجرأة للاعتراف بذلك كي يبرهن على صحة ما قاله. لماذا يراعي الله لغة القوم في ذلك الزمن ولا يراعي لغتنا في زمننا هذا؟! أليس من المفروض أن يكون كتاب الله بلغة تصلح ولا تراعي ما هو سائد؟!! أليس من المفروض أن يكون بلغة صالحة لكلّ زمان ومكان؟!!)انتهى.

وتقول وفاء سلطان:
(لماذا شبّه القرآن المرأة بالحرث والرجل بالمحراث)انتهى.

وتقول وفاء سلطان:
(إن السفيه والأعرج في فكره وفي خلقه هو من يرفض أن يستشفّ لغة الحب في كل مكان وزمان!)انتهى.

أقول: بكل صراحة قد احترت في المقصد الحقيقي لكلام السيدة وفاء سلطان، وسبب حيرتي، هو أنها لم تحدد بالضبط ماذا تقصد بالحب أو بممارسة الحب؟؟ هل تقصد الحب الذي هو عبارة عن مشاعر وعواطف بريئة ونظيفة، أم تقصد ممارسة الجنس؟؟ إذ هناك فرق بين الحب كمجرد عواطف نقية ومشاعر نظيفة وبين ممارسة الجنس، وأغلب الظن أنها تقصد ممارسة الجنس، وليس الحب الذي هو مشاعر وعواطف وأحاسيس مجردة، بدليل تعليقها على شعر امرئ القيس حين قالت: (قالوا تحبها قلت نكحتها.. وشققت بمحراثي أرضها؟!!) ملحوظة: هذا الشعر من تأليف وفاء سلطان، وليس لامرئ القيس.

ولست أدري أيضا ما علاقة الحرث والمحراث، ونكح والنكاح، بممارسة الجنس بين الرجل والمرأة؟؟، وهل بالفعل وصف الله (العضو الذكري) للرجل بالمحراث كما تدعي وفاء سلطان، أم هو من بنات أفكارها؟؟، وهل وصف الله ممارسة الجنس بين الرجل والمرأة بالحرث؟؟، وماذا تقصد وفاء سلطان تحديدا بممارسة الحب؟؟.

كل هذه الأسئلة التي يثيرها كلام السيد وفاء سلطان سوف أجيب عنها على النحو التالي:

أولا: إن الحب أو لغة الحب أو ممارسة الحب التي تريد أن تعلمنا إياهم السيدة وفاء سلطان، ليس هو الحب الذي يعرفه الناس والذي هو عبارة عن العواطف النبيلة والمشاعر البريئة التي يشعر بها كل من الرجل والمرأة تجاه الآخر، إنما الحب الذي تقصده السيدة وفاء سلطان: هو: ممارسة الجنس بين الرجل والمرأة خارج إطار الزوجية، فمن يشاهد الأفلام الغربية، ومن له أدنى اطلاع على الثقافة الغربية يعرف تمام المعرفة أن تعبير (ممارسة الحب) أو حتى تعبير (ممارسة الجنس) أو تعبير (الصداقة) يطلقونه في الغرب على علاقات الزنا المحرم بين الشاب والفتاة اللذين تجمعهما علاقة صداقة خارج إطار العلاقة الزوجية المشروعة، وذلك حتى يتم إضفاء شيء من المشروعية أو النظافة أو اللياقة على ارتكاب جريمة الزنا. بالضبط كما يفعل بعض الداعرين العرب حين يسمون الزنا والدعارة بزواج المسيار والعرفي والمتعة، ليجملوا وجه الدعارة القبيح، بل إن السيدة وفاء سلطان، التي تعطينا دروسا في الحب والعفة والطهارة، تفرض عليها ثقافة المجتمع الأمريكي الذي تعيش فيه وتعترف بأنها مدينة له، وتقر بفضله عليها، تفرض عليها ثقافة ذلك المجتمع، أنه لو كان لدى السيدة وفاء سلطان ابنة وبلغت هذه الابنة الرابعة عشر من عمرها ولم يكن لها صديق يمارس الحب (الجنس) معها، فستعتبر السيدة وفاء سلطان ابنتها مريضة وستصطحبها فورا لأقرب طبيب نفسي ليعالجها!!!!.

وحتى لو افترضنا جدلا أن ممارسة الحب يعبرون بها في الغرب عن ممارسة الجنس، فما علاقة هذا الوصف (ممارسة الحب) بكلمة (النكاح) وكلمة (الحرث)؟؟. يبدو أن السيدة وفاء سلطان لديها عقد نفسية من بعض الرموز الصوتية للكلمات، حتى وإن لم تعرف معناها ومدلولها الحقيقي، وهذه حالة فريدة من نوعها، أنصح علماء النفس أن يدرسوها، لأنها بالفعل حالة شاذة. وحتى ولو افترضنا جدلا أن ممارسة الجنس توصف في القرآن بالنكاح أو بالحرث، ولو افترضنا جدلا أن القرآن وصف (العضو الذكري) للرجل بالمحراث وهو ليس كذلك إطلاقا، فما المشكلة إذن؟؟، ألم يقل شكسبير في رائعته (روميو وجولييت): (إن ما نسميه: وردة, سوف يحتفظ برائحته الزكية, فيما لو سميناه باسم آخر)؟؟، وأنا أقول طبقا للهجة وفاء سلطان: (تعددت الأسماء والمحراث واحد، فلا فرق إطلاقا بين المحراث العربي والمحراث الغربي، إلا في الجودة والنكهة وحسن الأداء، ولا يدعي فرقا بين المحراثين إلا من جربهما).

ثانيا: لم يصف الله سبحانه وتعالى الممارسة الجنسية بين الرجل وزوجته بالحرث، ولم يصف الله سبحانه وتعالى (العضو الذكري) للرجل بالمحراث، فهذه الأوصاف هي من بنات أفكار وبنات أوصاف السيدة وفاء سلطان، وبعيدة كل البعد عن المعنى الحقيقي الذي اصطلح عليه العرب، ولا تدل أوصافها هذه إلا عن قلة ثقافتها وضعف فهمها، أو بسبب نقلها الأعمى من كتب التراث دون وعي أو دراسة، بل إن السيدة وفاء سلطان لا تفرق بين مفهوم الحرث ومفهوم الزرع والإنبات، بل هي تخلط بين المفهومين خلطا عجيبا، فكلمة (حرث) ليس لمعناها الحقيقي أية علاقة بشق الأرض ووضع البذور فيها، وليست له أية علاقة كذلك بشق الأرض وإصلاحها، بدليل أن كلمة (حرث) تطلق على أشياء كثيرة متنوعة ومتناقضة، كما سنرى في السطور القادمة.

ثالثا: سبق وأن قلت في مقال سابق لي، إن أصل كلمة (حرث) في اللسان العربي لا يعني إطلاقا الزرع، ولا يعني شق الأرض ووضع البذور فيها، ولا يعني النبات، وإنما معناها كما ذكره بن فارس في معجم مقاييس اللغة على النحو التالي:
قال بن فارس: (حرث: الحاء والراء والثاء، هو الكسب والجمع).انتهى.
إذن فحينما وصف الله المرأة في القرآن بأنها حرث الرجل، أي كسبه وجمعه، والكسب يدل على ابتغاء وطلب وإصابة، كما ذكر بن فارس أيضا، إذن الحرث يطلق على كل ما يكسبه الإنسان في حياته، فليس حصاد زرعه فقط ولا كسب تجارته فقط، ولا كسبه في سباق فقط، بل في كل شيء يبذل فيه الإنسان جهدا وعملا متواصلا بغية طلبه والحصول عليه، فمثلا حين يوصف الزرع بالحرث فليس المقصود منه شق الأرض أو زرعها أو إنباتها، وإنما المقصود هو ما تم كسبه من الأرض بعد خروج الزرع منها، وهو الثمر والحبوب والفواكه والخير الذي يخرج من باطن الأرض بعد طول عمل ورعاية وطلب له، وبعد أن يستوي الزرع ويحين جمعه، إذن فالحرث هو ما يتم كسبه وجمعه من خيرات الأرض وما يأتي به النبات من حبوب وفواكه وثمار، وليس كما يظن الناس خطئا أنه عملية وضع البذور في الأرض أو شقها أو إنباتها، كلا، إنما وحسب التعبير القرآني أن المرأة حرث للرجل أي لم يتم كسبها والفوز بها إلا بعد طول شقاء وعمل دءوب وطلب وابتغاء جمعها وكسبها، ولا يطلق الحرث إلا على شيء تم ابتغاؤه وطلبه والعمل من أجله طويلا بجد وجهد ثم في النهاية تم إصابته والحصول عليه.

ونذكر بعضا من النصوص القرآنية حول الأشياء التي وصفت في القرآن بالحرث وكيف أن الله فرق بين الحرث والزرع والأرض على النحو التالي:

(أنظر للآية التالية كيف فرق الله فيها بين عمل البقرة في إثارة الأرض أي شقها وإصلاحها، وبين عملها في سقي الحرث الذي هو الثمار والحبوب)
(قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ)( سورة البقرة- 71). فإثارة الأرض: شقها وتقليبها. وحرثها: هو ما يتم جمعه وكسبه منها.

(وانظر للآية التالية كيف فرق الله بين الأرض والحرث والنسل)
قال تعالى:
(وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)( سورة البقرة-205).

(أنظر للآية التالية كيف وصف الله كسب الدنيا وكسب الآخرة بعد العمل الطويل طيلة عمر الإنسان في الدنيا)
(مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ)(الشورى-20) فالحرث هو الجزاء والكسب والجمع.

وقال تعالى:
(أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)(الواقعة-63، 64)
انظر كيف فرق الله في هذه الآية بين الزرع والحرث، فالزرع هو عملية الإنبات، وهي العملية التي أسندها الله إلى نفسه بقوله (نحن الزارعون) وهي العملية التي لا يقدر عليها إلا الله وحده، أما الحرث الذي هو الكسب وجمع الحصاد من حبوب وثمار فهي العملية التي أسندها الله إلى الناس بقوله (أفرأيتم ما تحرثون) أي ما تكسبون وتجمعون من خيرات الزرع، فالله يزرع، والناس تحرث.

فما أجمل وصف الله سبحانه للمرأة، بأنها حرث الرجل، أي كسبه لها بعد طول عمل وابتغاء وطلب دائم لها. فهل يمكن أن يقال بعد ذلك أن الله قصد بالحرث الممارسة الجنسية بين الرجل والمرأة، أو أن المرأة عبارة عن أرض يشقها الرجل بمحراثه، أو أن (العضو الذكري) للرجل هو عبارة عن محراث، كما قالت وفاء سلطان؟؟؟!!!.

# نكح والنكاح:

تقول وفاء سلطان:
(انكحوا!! ألا تشعرون بالخجل عندما ترددون تلك الكلمة في القرن الواحد والعشرين؟ يقال: نكح الثور البقرة! امّا فعل الحياة عند البشر فهو ارقى واسمى، وليس مجرد نكاح!)انتهى.

أقول: أنا بين يدي الآن خمسة معاجم لغوية لم أجد في معجم واحد منها قول السيدة وفاء سلطان: (يقال: نكح الثور البقرة)، فمن أين أتت هذه السيدة بهذا المعنى ومن أين أتت بالثور وبالبقرة؟؟، لا أدري؟؟، أقول: ربما يكون هذا من الأشياء التي تنسجها من وحي خيالها، على شاكلة قصصها وافتراءاتها، ألم تقل هي في مقالها: (أن زيد طلق زينب في الصباح وتزوجها الرسول في المساء!!. وقالت: إن الرسول تزوج زينب قبل أن تنقضي عدتها، وقالت: أين هي الكتب الإسلامية التي تقول بحدوث خلافات بين زينب وزيد)!!! فلا حرج على هذه السيدة في أي شيء تقوله.

يذكر بن فارس في معجم مقاييس اللغة معنى نكح في لسان العرب كالتالي: (النون والكاف والحاء أصل واحد، وهو البضاع، ونكح ينكح، وامرأة ناكح في بني فلان أي ذات زوج منهم، والنكاح يكون العقد دون الوطء، (قبل الدخول) يقال نكحت: تزوجت، وأنكحت غيري.)انتهى.
(المصدر: معجم مقاييس اللغة، بن فارس، ص 1047).

إذن، تبين لنا أن النكاح هو مجرد تسمية لعقد الزواج قبل الدخول بالزوجة وقبل جماعها، وتبين أيضا من أصل الكلمة في لسان العرب الذي نزل به القرآن أنه لا علاقة له إطلاقا بالممارسة الجنسية بين الرجل والمرأة، وإنما هو مجرد كلمة اصطلح العرب على أن يسموا بها عقد الزواج قبل الدخول بالزوجة.

وأقدم للسيدة وفاء سلطان نص قرآني يثبت بالدليل القاطع أن النكاح ليست له أية علاقة بالممارسة الجنسية، فلتقرأ وفاء سلطان هذه الآية التالية وليتها تفهما:
قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا).(الأحزاب – 49).

اقرئي وتعلمي كيف فرق الله بين النكاح الذي هو عقد الزواج وبين المس الذي هو الجماع: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ)، أفهمت هذه السيدة وعرفت أن الطلاق يمكن أن يكون بعد النكاح وقبل المس أي قبل الجماع؟؟.

وهنا أتساءل وأقول: ما هو الوجه المنطقي والعقلي والعلمي لاعتراض السيدة وفاء سلطان على كلمة النكاح؟؟، وخاصة أننا عرفنا من علماء اللغة كما سبق بأنه ليست هناك أية علاقة طبيعية بين المصطلح وبين مدلوله سوى الرمزية الصوتية فقط لذلك المدلول، وعرفنا أن المصطلحات والكلمات ما هي إلا أصوات رمزية يرمز بها إلى الأشياء، وتقاليد صوتية تعارف عليها أفراد المجتمع فيما بينهم. وعرفنا من معنى ومدلول الكلمة في اللسان العربي، ومن نصوص القرآن أن كلمة النكاح لا تعني من قريب ولا من بعيد الممارسة الجنسية بين الرجل والمرأة.

أقول: بعد أن عرفنا بأن الحرث والنكاح ليسا لهما أية علاقة بالممارسة الجنسية بين الزوجين، لا بأس أن نعلم السيدة وفاء سلطان بعض الأوصاف القرآنية السامية للممارسة الجنسية بين الزوج وزوجته على النحو التالي:

قال تعالى:
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)(الأعراف- 189)

وقال تعالى:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(الروم-21).

وقال تعالى:
(وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُم ُ النِّسَاء).(النساء- 43).

وقال تعالى:
(وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ).(البقرة- 237).

لماذا لم تستشف السيدة وفاء سلطان لغة الحب بين الرجل والمرأة في القرآن، واستشفتها فقط في لغة الغرب؟؟؟!! سؤال ينبغي أن يوضع أمامه العشرات من علامات الاستفهام والتعجب. فهذه هي لغة الحب التي تسأل عنها السيدة وفاء سلطان والتي أعماها الله عن أن تجدها أو تدركها لا ببصرها ولا ببصيرتها، هذه هي أوصاف القرآن النظيفة السامية للعلاقة بين الرجل والمرأة، انظري أيتها المرأة وتعلمي اللغة النظيفة وتعلمي جمال التعبير ورقة الأسلوب:

1 – (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)

2 – (خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)

3 – (لاَمَسْتُم ُ النِّسَاء)

4 – (تَمَسُّوهُنَّ)

أيهما أكثر أدبا وأجمل تعبيرا وأرق أسلوبا، (ممارسة الحب)؟؟، أم تلك التعبيرات القرآنية السامية؟؟.

تقول وفاء سلطان:
(لماذا تنفي عن عصر الجاهلية وصدر الاسلام اللغة الجميلة والعذبة؟!! ألأنك لم تسمع بها، أم لأنك لا تريد ان تسمع بها؟! قال امرئ القيس قبل حوالي الف عام من الاسلام:
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل... وان كنت قد ازمعت صرمي فأجملي
أغرّك مني ان حبّك قاتلي..... وأنك مهما تأمري القلب يفعل
وما ذرفت عيناك الاّ لتضربي... بسهميك في اعشار قلبي مقتّل
لماذا شبّه القرآن المرأة بالحرث والرجل بالمحراث، ولم يكن قادرا على أن يبلغ عذوبة وجمال اللغة الموجودة في تلك الابيات؟!! أتحاول ان تقنعني بأنّ من يقول تلك الابيات لا يستطيع ان يفهم العلاقة بين الرجل والمرأة حبا؟!! أتحاول ان تقنعني بأنّه لا يوجد اي تشابه بين تلك اللغة الجميلة ولغتنا في القرن الواحد والعشرين؟ اتق الله يا رجل! في القرن السابع الميلادي ـ الذي لا ترى فيه إلاّ لغة الحرث والمحراث ـ قال الشاعر عمر بن ابي ربيعة:
قالوا تحبّها قلت بهرا ... عدد النجم والحصى والتراب
بناء على حد زعمك كان المفروض ان يقول:
قالوا تحبها قلت نكحتها.. وشققت بمحراثي أرضها؟!!). انتهى


أقول: ألا يرى القارئ معي أن هذه السيدة وصلت حالتها المرضية لدرجة أنها تخلط وكما هي عادتها بين الحب كعواطف ومشاعر نفسية وقلبية مجردة، وبين ممارسة الجنس، لدرجة أنها فسرت شعر امرؤ القيس تفسيرا جنسيا كعادتها؟؟.

#: وهل كان امرؤ القيس يتحدث في شعره عن الحب والعواطف والعشق والمشاعر والغزل البريء، أم كان يتحدث عن ممارسة الجنس كما فهمت وفاء سلطان؟؟.
#: وهل فاطمة التي كان يتغزل فيها امرؤ القيس كانت زوجته؟؟ أم حبيبته؟؟.
#: وهل كان جواب عمرو بن أبي ربيعة في شعره، عن مدى حبه لحبيبته؟، أم عن مدى ممارسة الجنس معها؟؟.
#: وهل بالفعل الحالة المصابة بها وفاء سلطان جعلتها لا تميز في شعر امرؤ القيس وشعر عمرو بن أبي ربيعة بين مشاعر الحب وممارسة الجنس؟؟.
#: وهل أصبحت وفاء سلطان تفسر كل ما تقرأ وتكتبه وتسمعه وتراه وتفهمه تفسيرا جنسيا حتى مشاعر الحب النظيفة وشعر الغزل البريء؟؟.

#: من طريف ما حدث أثناء كتابة هذا المقال:

(أنه يوجد شاب هندي يعمل بالمكتب المجاور لمكتبي هنا في الكويت، وهو يدين بالبوذية، في بعض الأحيان حين لا يكون لديه عمل، يأتي إلي ليجلس معي ونتبادل الحديث معا، وهو يجيد اللهجة الخليجية بصورة لا بأس بها، فما حدث أنني كنت منذ يومين وأنا أعد لمحاور هذا المقال الذي بين أيدينا، وكان ذلك الشاب الهندي وقتها موجودا لدي بالمكتب، فخطر لي أن أساله عن المصطلح أو الاسم الذي يطلقونه في اللغة الهندية على الممارسة الجنسية، فسألته، فضحك، ثم قال إنهم يسمونه (لاغانغا) ثم طلبت منه أن يكتب لي هذه الكلمة بالإنجليزية فكتبها كالتالي: (LAGANGA)، ثم قلت له احمد ربك أنك لست مسلما، فلو كنت مسلما وشمت السيدة وفاء سلطان خبرا باللاغانغا، لكانت لعنت (لاغانغا) ولعنت أهلك وتاريخك ودينك وبلدك ولعنت حتى بوذا في قبره).

(وللحديث بقية: في الجزء الأخير: وفاء سلطان لا تفرق بين قول المسيح وما جاء في التوراة)



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وفاء سلطان: وعقدة زواج الرسول من زينب بنت جحش
- وفاء سلطان : ونفاقها للمسيحية والمسيحيين
- وفاء سلطان: وحالة الهذاء المرضي -البارانويا
- وفاء سلطان : عالمة نفس؟ أم عبد السلام النابلسي؟
- بعد فوات الأوان
- العقل العربي والعقل الغربي
- البحث عن وجود الله داخل سراويل المسلمين
- العقيدة الأرثوذكسية لمذهب الشيعة والمعتزلة
- العقيدة الكاثوليكية لمذهب أهل السنة والجماعة
- أمطار الصيف
- أخطاء وخطايا الكتابة في الدين - الجزء الثاني
- أخطاء وخطايا الكتابة في الدين - الجزء الأول
- أعلن انسحابي
- الفرار إلى الله والفرار منه
- حوار الأديان أطرافه مفتقدة الأهلية
- تعقيب على رد الأستاذ أسعد أسعد ، ليس المسيح والله شيء واحد
- محاضرة البابا بين الله المسيحي والله المسلم
- محاضرة البابا وردود الأفعال
- الولاء والبراء في القرآن
- نهرو طنطاوي يرد على كامل النجار - القرآنيون ليسوا خوارج


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - وفاء سلطان: بين ممارسة الحب وممارسة الحرث والنكاح