|
سر الرجولة التي أثبتها صدام للشيخ أحمد زكي يماني
طلال شاكر
الحوار المتمدن-العدد: 1801 - 2007 / 1 / 20 - 12:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يوم الجمعة الثاني عشرمن يناير2007 نشرت جريدة أيلا ف الالكترونية مقالاً للشيخ احمد زكي يماني وزير البترول السعودي الأسبق عن مشهد إعدام صدام، المقالة بدأت في سياقاتها المختلفة، استهلالاً وخاتمة، نأياً عن جدل الحقيقة واختلاقا لمزايا لاتليق بطاغية غادر، ليس به واحدة مما ذكره الشيخ، في معالجة أضاعت هدفها بين تفصيلات باهتة على حساب حس المسؤولية وعدالة الرؤية وجوهر القضية، كان بإمكاني تجاهل المقالة والاكتفاء بقرائتها، بوصفها تواتراً وتناسخاً لسيل ومضمون تلك الآراء المتشابهة والمكررة التي يحكمها سبق الموقف، وتعصبه، وجوره، كما عبر عنها ألقذافي اوعبد الباري عطوان أو القرضاوي أو وبلخادم رئيس وزراء الجزائر وغيرهم كثير، لكن الشيخ يماني ومن خلال تجربته الثرة والمديدة في قيادة أهم واخطر قطاع سراتيجي كوزير اسبق للبترول السعودي، والرؤية العقلانية التي استبقاها تفكيره في مواقفه المتعددة والدقيقة،في المجالات السياسية والاقتصادية وتلازم هذه السيرة مع ثقافة أوربية وانحداره من تكوين ثقافي أخر تأسست ركائزه في رحاب الدهاء السياسي السعودي وأناته، كل ذلك جعل رغبة الإنصات لما يقوله ألشيخ يماني في هذا الاحتدام السياسي المعقد يستحق الصبر الجميل في بعده وغايته. لكن تلك الرغبة الشغوفة تاهت في قفار التعصب ووحشة مسالكه المضنية. أن ألا راء والاستنتاجات التي عالج بها الشيخ يماني موضوعة إعدام صدام في مقالته المنشورة في إيلاف، كانت ملفتة ومحيرة، وحتى موجعة بكل المقاييس والاعتبارات ، ليس بدلالاتها واستعاراتها الرمزية الدينية والسياسية وقل العقائدية التي تحاضنت مع فيض المشاعر المتطرفة التي غمر بها الكاتب واقعة إعدام صدام فحسب ، بل بالطريقة الجزعة والنافرة،التي عالج بها الشيخ يماني هذه الموضوعة المحتدمة، وهو يغدق بسيل من الاستعارات والتوصيفات المحلقة عن بطل(مهما قالوا عنه فقد اثبت رجولة وبطولة وقوة أثناء إعدامه) بهذه العبارة المترعة بالثناء الرخيص، قدم الشيخ يماني بطله وقضيته و هو يستطرد في استكمال رؤيته وموقفه وإيجازها بحق رجل كان في أحسن الظروف ضحية لافخاخ ومؤامرات أمريكية غدرت به في نهاية المطاف لتسلمه الى عملائها... ليغتالوه، وهكذا ورغماً عن الجميع يتحول الطاغية الى شهيد، بهذه المباشرة والتوصيف رسم الشيخ يماني قصة بطله صدام الذي انتصر على أعدائه وهو صريعاً....!. في خضم الاهتياج الجمعي المأزوم الذي اجتاح الشارع العربي جزعاً على إعدام صدام، كنت ابحث عن رؤية وموقف خارج صخب الاهتياج وانفعالاته ينظر الى موضوعة صدام خارج لحظة المشنقة والجلاد وأيضا خارج اهتياج الأخر وخارج انفعالاته وسقطاته، وان لايشكل الموت الجسدي لصدام بتداعياته المنفرة عقدة الموضوع وان لاتضيع لحظة مواجهة الحقيقة ومعالجتها من قبل مفكر عقلاني في رقعة معلقة شعرية تستمرئ الجانب الوجداني على أهميته، وهي تنسج خيوط قصة واهنة من خلال عقد متنافرة غير مترابطة لترسم ملامح بطل لم نكتشفه طيلة 35 سنة دامية، كنت أتأمل تجسيدات الاقتراب من أساسيات ذلك المشروع الجهنمي الذي حكم به صدام العراق وكيف يصنعها مفكر من وزن الشيخ يماني وهو يقف أمام تلك المنظومة الفكرية والتربوية التي أنتجت صدام، البيئة التي صنعت ثقافة صدام، أفول المشروع ألبعثي الشوفيني، مصير النظام الاستبدادي الذي كونه وسار به صدام، كيف يرى سبل تجاوز العراق لازمته.. أي عبرة يجب أخذها من سيرة هذا الطاغية الكريه، الذي قلب تاريخ شعب ودمر طموحاته، هذا المستبد في كل شيء في كلامه في تفكيره في لبسه في ضحكته، في عفوه، في عهده، في صداقته، في كل مراسيم حياته، هذا الكارثة التي تخطت حدود العراق لتجلب الدمار والخراب على المنطقة، فبدلاً من كل ذلك غطس في قعر تفصيلات سطحية في بعدها وخلاصتها وجائرة في رؤيتها . لقد أتلفت عقدة المؤامرة وولع الاعتقاد بها عقول السياسيين من اليمين الى اليسار الى المتدينين، فباتوا يتلمسون مخرجاً مشرفاً لطاغية وخائن، لايستحق سوى الاحتقار والازدراء، بجعله شهيداً وبطلاً،قتله الأمريكان المتآمرون بيد عملائهم، من خلال مختلقات خرافية، تضعه في دائرة المظلومية.. في هذا الجدل أقول هل كان مطلوباً من الشيخ يماني ان يضع صدام في علياء الشهادة والبطولة، وهل هنالك معايير أخلاقية تجعل من القاتل والمجرم في لحظة تجالده مع الموت فروسية، وماذا عن الذين سفح دمهم ظلماً وعدواناً وماذا عن الوطن الذي عذبه وهوى به نحو قاع الخراب والتدمير طيلة 35 سنة وماذا نقول مثلاً لاحصراً، لللاسر الكويتية المفجوعة بأبنائها هل نقول لهم مهما ذرفتم من دموع ومهما غرقتم في أسى نكبتكم وفاجعتكم ومهما قلتم عنه، فان صدام بطلا ورجلا وقوياً رغماً عنكم ...اذهبوا انتم وأمثالكم من الضحايا العراقيين الى الجحيم.... فالشيخ أطال الله عمره ماقصر..! فلقد اكتشف رجولة صدام وقوتها، وبالتالي لا يحق لضحية بعد اليوم أن تحتج أو يطالب أهلها بألا نصاف أو رد الاعتبار.. فلا يجوز تجريم قاتل فتك بكم وخرب بيوتكم لأنه صار شهيداً بمعايير الشيخ اليماني، والشهيد تسقط ذنوبه ماتأخر منها وما تقدم. لم يكتف الشيخ يماني بجعل صداماً بطلاً وقوياً، بل عده ورعاً يحمل القران ويحفظه ويتذكر آياته وقارنه بالحجاج المتدين :- مع أن كلاهما جبارعرفا كيف يحكما العراقيين
في هذا الاستطراد المغرض يجزم الشيخ يماني، أن العراقيين لايلائمهم غير الطغاة والمتجبرين من أمثال الحجاج وصدام حسين وهم يستحقون عنفهم وظلمهم، تصوران هذا الكلام يصدر من مستنير يعيش في رحاب لندن، ورويداً ويسير نحو غايته ليوجزها في استخلاصات ظالمة يجري فيها تحميل الشيعة المسؤولية والإثم لأنهم قتلوا صدام السني وبالتالي فتحوا باب العداء بينهم وبين السنة ، عندما يعاين المرء دلالات الرؤى في عبارات الشيخ يماني هذه، سوف يصاب بخيمة أمل عميقة، ليس لان مثل هذا الكلام وهذه الآراء غير مكررة و غير معروفة، فيما يتصل بأحتدامات المشهد العراق وبخاصة من المتطرفين والغلوائيين والنفعيين، لكن أن يجري تكرارها والتمسك بمضمونها ، بتأكيد وبرؤية رجل كثيراً ما قدم نفسه ممثلاً للاعتدال والعقلانية في السياسة العربية والورع الديني في سلوكه لاسيما وانه يدير مركزاً للبحوث الاسلامية !،إذن مالذي غير الرجل وسواه في منعطف يحتاج للروية وحسن التقدير والترفع عن إذكاء اللهيب المستعر بإلقاء المزيد من حطب الطائفية ،وكره الأخر باللاوعي الموروث..! لاشك أنها تناقضات الثقافة العربية في ارثها وتقاليدها وعصبيتها ومذهبيتها وهي تكابد من عقدة التجديد والانفتاح التي لم يتخطى عقباتها الوعي العربي عموماً، لاسيما وان صنعة خنق الحقيقة صارت في هذه الظروف الحالية مجالاً مفتوحاً للانتهازية السياسية والنفعية التي استهواها الكثير من المثقفين والمفكرين والسياسيين العرب منمن انخرطوا في دروبها الوسخة ، نتيجة لمعايير مختلة غير عادلة وتصورات طائفية متعصبة. أن لحظة إعدام صدام بطقوس تنفيذ متعسفة وغير مقبولة، لايمنح الطاغية صدام حقاً ولا اعتباراً ولا امتيازاً فإعدامه كان في كل الأحوال والظروف قصاصا واستحقاقاً عادلاً وقانونياً لجرائم وانتهاكات وحشية مركبة لاينكرها الامعدوم الضمير والشرف، كان بإمكان الشيخ يماني أن يدين ويستنكر الطريقة التي جرى بها إعدام صدام وسيبدو ذلك مقبولاً وعادلا ًوله الحق أيضا أن ينتقد الطرف الأخر ويعيب عليه طائفيته ويعيب عليه سلوكه وطيشه..الخ، أما أن يجعل . (صداما بطلا وقويا وشهيداً رغم انف ضحاياه) فهذا الظلم بعينه وهذا التعسف بتجسيداته..؟ّ!. لم يضف الشيخ يماني أي قيمة معنوية أو مادية ملموسة الى قضية خاسرة وخائبة لطاغية كصدام حسين أدمى شعبه وخلق له كل الإشكالات المؤذية ، هذا الخائن القميء الذي جلب الدمار لوطنه وشعبه على خلفية مساومات رخيصة ومذلة مع كل من تخاصم معه وضعف أمامه، من اجل أن يبقى بكرسي الحكم لايرى من تحته الاعراقيين أذلاء عبيداً وأرقاء له ولحزبه وهم يرددون ( صدام حفظه الله ورعاه). (وان كل العراقيين بعثيون وان لم ينتموا) أسألك بالله ياشيخ دلني على مأثرة واحدة تركها صدام.... حروبه العبثية، الأنفال، قتل وتصفية 8000 كردي فيلي في جبهة الفاو دون أن تسلم جثة واحدة الى أهلها بعد ا ن هجر عشرات الآلاف من أهاليهم ظلماً وعدواناً، الاغتيال السياسي، اغتصاب العراقيات ، وبيعهن كرقيق، المقابر الجماعية، نهب أموال العراق، إجبار العراقيين على الانتماء الى حزب البعث قسراً صلم الأذان جدع الأنوف ،وشم الجباه ، تقطيع الأعضاء ، غزو الكويت ضرب السعودية بالصواريخ.، الحرب العراقية الإيرانية قتل رجال الدين، قتل القادة السياسيين. إذا كان هنالك هولوكست واحد يعرفه العالم، فأقسم بكل عزيز وغالي ، أنه في كل بقعة من بلادنا سبايا وهولكوست صنعها بطلك صدام ، انه ..السبي ألبعثي للعراقيين.. ويجب ان لاينس العراقيون هذا المصطلح ( السبي ألبعثي ..... ، وأرجوك ياشيخ أن تضيف هذه المآثر الى بطولات صدام ورجولته وقوته حتى لاتنساها.....! قبل الختام أقول جل مافعله الشيخ احمد زكي يماني في مقالته انه استكمل عدداً ناقصاً لواعظ سلطاني جديد لااكثر ولا اقل، ويبدو أن النهاية لم تخالف البداية . أن هزيمة صدام ومشروعه كطاغية ومستبد استثنائي، تلزمنا باستخلاص الدروس وأخذ العبر مما حدث وجرى ، وأن تطرح بإلحاح أهمية تجديد ثقافتنا المتهرئة التي عجزت عن قطع الطريق املم تعاقب الحكام المستبدين والطغاة ووعاظ السلاطين.. ليس المهم أن تعرف الحق بل الأهم أن ترافقه...... طلال شاكر كاتب وسياسي عراقي
#طلال_شاكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صالح المطلك ينوح على صروح الدكتاتور.
-
حين توارى رئيس جمهوريتنا الطالباني في منتجع دوكان
-
حداد القذافي علىصدام نفاق المستبدين ونخوتهم الكاذبة
-
عندما يجعل عبد الباري عطوان.... صدام مرفوع الرأس .
-
تقرير بيكر هاملتون وعقدة الاستعلاء الامريكي
-
. !بقاء القوات الامريكية في عراقنا ضمانة ومصلحة وطنية
-
اربع عوائل تتحكم بمصير العراق- القسم الثاني والاخير...
-
أربع عوائل تتحكم بمصير العراق-القسم الاول
-
السيد مسعود البارزاني يحسم خيارات العراق بثلاثة فقط لاغير
-
الطائفية مأزق العراق القاتل
-
أي غريم نصالح؟
-
في الزمن العراقي الردئ قادة التخلف يتحكمون؟
-
أين الخلل في حكم الشيعة للعراق
-
العراق يحترق وقادته مازالوا يتباحثون
-
الأنتهازيون والمرتزقة قاعدة وسند لكل انحراف واستبداد
-
غربة الخطاب السياسي العراقي ومرتكزاته المفقودة
-
لتعد العمائم الى مساجدها
-
الحكم بثلاثين سنة سجن فقط على كلمة متمردة
-
صدام ومحاكمته شهادة توجز محنة وطن
-
الانتخابات العراقية حذاري أن يستغرقنا التفاؤل
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|