أسامة خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 8305 - 2025 / 4 / 7 - 14:02
المحور:
القضية الفلسطينية
كاتب فلسطيني
التزمت حركة حماس بكل بنود اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 17/1/2025، ولم يكن هناك أي مبرر حقيقي لدى إسرائيل للعودة إلى الحرب، وكان من الممكن متابعة المسار التفاوضي، والتوصل إلى اتفاق حول المرحلة الثانية وإطلاق سراح جميع الأسرى لدى المقاومة دون سفك الدم، فقد أبدت المقاومة كل الليونة للتوصل إلى اتفاق، لأن المقاومة تريد أن تنهي فظائع القتل والإجرام المرتكبة بحق شعبنا. لكن نتنياهو انتهك اتفاق وقف إطلاق النار، بعد فترة من الهدوء النسبي والهش، استشهد خلالها أكثر من 100 فلسطيني، وأفشل نتنياهو كل الجهود التي بذلت في المفاوضات، وأدخل المنطقة في مرحلة خطيرة أكثر دموية وتعقيداً من أي وقت مضى، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الحرب مستمرة حتى تحقيق كل أهدافها، وقد عجز جيش الاحتلال خلال 15 شهراً ما قبل الهدنة عن تحقيق أي من أهداف الحرب إلا إنجازاته في القتل والتدمير.
الاعتبارات الشخصية أو الحسابات التي تخص نتنياهو وحده هي عناصر أساسية وجوهرية في سلوكه الساعي إلى التصعيد لتحقيق أغراضه الشخصية، وهي أحد الأسباب الدافعة التي تفسر إصراره على استئناف القتال، لأن وقف الحرب يعني إحالة بنيامين نتنياهو إلى التحقيق والمحاكمة بتهمة الفساد، واستمرار الحرب تضمن له التهرب من التحقيق العام في إخفاق 7 أكتوبر الذي سيؤدي إلى تحميله المسؤولية عن الهزيمة التي ألحقتها المقاومة بفرقة غلاف غزة، ومطالبته بتقديم استقالته، وفقدان الكرسي الذي يتمسك به، ويريد أن يحقق ما يسميه النصر المطلق ويعزوه لنفسه ولقدراته الشخصية «القيادية الفذة» ليغطي به هذا الفشل، لعله يدرك إنقاذ مستقبله السياسي، والترشح للانتخابات القادمة 2026.
يصر نتنياهو على أن التحقيق معه في عدد من القضايا هو تحقيق سياسي يهدف إلى إسقاط حكومته التي يعمل ما بوسعه لإطالة أمدها رغم هشاشتها وانتهازية وزرائها. ولا تتوقف الأمور عند فشله في منع هجوم 7 أكتوبر «طوفان الأقصى»، بل أيضاً بسبب ما يسمى «قطرغيت» حول المنحة المالية القطرية لقطاع غزة التي لم تستخدم لتمويل الوقود ورواتب الموظفين فقط (حسب جهات الاتهام الإسرائيلية)، بل تم تحويل جزء منها إلى الجناح العسكري لحركة حماس، كما يجري الحديث عن تلقي مكتب نتنياهو رشى لتمريرها إلى غزة، والتي أدت إلى توقيف اثنين من مساعديه، بالإضافة إلى فضيحة صفقة غواصات ألمانية أبرمها نتنياهو لخدمة مصالحه الشخصية، مما يؤكد انتهازيته في تغليب مصالحه الشخصية على «المصلحة العامة».
استئناف الحرب ضمن له تأجيل كل هذه القضايا الشخصية لمدة سنتين قادمتين على الأقل لحين انتخابات الكنيست القادمة في العام 2026. واستطاع نتنياهو بخبث أن يربط الاعتبارات الشخصية بالاعتبارات الداخلية لتجاوز أزمته المركبة، هذا التصعيد يرتبط بشكل وثيق بمواجهة نتنياهو الداخلية مع القضاء والأمن والصراع مع رئيس «الشاباك» رونين بار، والاحتجاجات المتزايدة في الشارع ضد حكومته، فاستئناف القتال لن يحقق الأهداف المعلنة للحرب بالقضاء على حماس وإعادة الأسرى دون صفقة، إنما الحرب محاولة من نتنياهو لتصدير أزماته الداخلية، خصوصاً أن العودة إلى الحرب، وحالة الفوضى، تخدم مصالح نتنياهو السياسية والشخصية بالبقاء على كرسي رئاسة الوزراء. فبالحرب وحدها تبقى حكومته، ورئاسته لها تؤجل ملفاته القضائية، استرضى بن غفير ونفذ شرطه بالعودة إلى الحرب، مما جعله يطمع في المزيد من المناصب، وفي سياق هذا التطور كان رد فعل سموتريتش بالاستقالة احتجاجاً على هذا المطلب لمنافسه في التطرف، وقبل استقالته كان الوعد باستئناف الحرب كافياً مع بتسلئيل سموتريتش بالبقاء في الحكومة، وقد أقنعه نتنياهو بالقول إنه واثق بأن «حماس» ستخرق الاتفاق، الأمر الذي سيبرر لإسرائيل أن تعود إلى القتال، وتضع الرئيس ترمب أمام هذا الخرق ليوافق على استئناف القتال، لكن سموتريتش، اشترط البقاء بالحكومة بعدم التوجه للمرحلة الثانية من اتفاق غزة والعودة إلى القتال، وعبّر سموتريتش عن دعمه لاستئناف القتال، قائلاً: «من أجل هذه اللحظة بقينا في الحكومة رغم معارضتنا للصفقة، ونحن عازمون أكثر من أي وقت مضى على إتمام المهمة»، ولا شك الآن أن لديه مطالب ابتزاز جديدة للعودة إلى الحكومة، وقد أصبحت الحكومة كالوكالة بلا بواب، أما بن غفير فلم تكن الوعود كافية بالنسبة له للبقاء في الحكومة، وربط عودته برؤية دماء الفلسطينيين تسيل بغزارة، وأجسادهم تتقطع بفعل القنابل الثقيلة والانفجارات الهائلة، عندها يعود بن غفير المتعطش للدماء إلى حكومة نتنياهو، وحال استئناف القتال أعلن إيتمار بن غفير، العودة إلى الائتلاف. وأظهر سعادته وقال: « نرحب بعودة دولة إسرائيل إلى القتال».
ونجح نتنياهو من خلال التصعيد العسكري إنقاذ حكومته قبل إقرار الموازنة، التي تؤدي في حال عدم إقرارها إلى سقوط حكومته، والذهاب إلى انتخابات مبكرة، التي قد تفقده كرسيه، وبعد أن أقرت الموازنة، بقي لدى نتنياهو وأعوانه تبريرات جاهزة وعديدة للعودة للقتال، ألقى كل من وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو باللوم على رفض حماس إطلاق سراح الرهائن باعتباره السبب وراء استئناف القتال. رغم أن التحليلات تجمع بأن العودة إلى القتال لن يحقق هدف الحرب المعلن بإعادة «المختطفين» الإسرائيليين، بل تجعل عودتهم سالمين غير ممكنة، نائب رئيس الأركان الإسرائيلي السابق دان هرئيل يقول: «الحكومة لا تريد إعادة الرهائن خشية إنهاء الحرب وتفكك الائتلاف». ويفضل نتنياهو خيار «عقيدة هنيبال» على أي ثمن سياسي يدفعه لقاء عقد صفقة تبادل أسرى.
مع بدء الغارات الجوية على غزة الثلاثاء 18/3/2025، زعمت مصادر إسرائيلية أن حركة حماس كان تحضر لهجمات جديدة على إسرائيل لتبرير تسريع العودة إلى الحرب على قطاع غزة مرة أخرى. كرد مباشر واستباقي لما تعتبره تهديداً من حركة حماس، وكانت هيئة البث العبرية قالت إن رئيس أركان الجيش إيال زامير أقر خططاً عسكرية لاستئناف الحرب على قطاع غزة، تتضمن تكثيف الضربات الجوية، وتوسيع نطاق التحركات البرية، وإعادة إخلاء شمال قطاع غزة من الفلسطينيين، إلى جانب الاستعداد لاستدعاء مئات آلاف من جنود الاحتياط وفقاً لأوامر الطوارئ. هذه الخطط مدعومة أمريكياً وسط تصريحات نارية عن الجحيم والمحرقة الأسوأ من المحرقة النازية، تصريحات ترامب شكلت غطاء لحرب الإبادة (هولوكوست الجديد)، سمح للإسرائيليين بإحراق أطفال غزة في أفران الجحيم، وتأكد للجميع أن الهولوكوست الجديد ضد الفلسطينيين سيناريو أميركي بتنفيذ اسرائيلي. كارولين ليفيت المتحدثة باسم البيت الأبيض تردد عبارات ترامب في قولها: «كل من يسعى لـ(إرهاب) إسرائيل ستُفتح عليه أبواب الجحيم»، حتى بدا الجحيم ملكية حصرية لترامب هتلر العصر الحالي.
أهم الاعتبارات الخارجية في حرب نتنياهو، هو ترامب وعقيدته المتمثلة في خيارين كل منهما إعلان جريمة حرب: فتح أبواب جهنم، وريفيرا الشرق الأوسط، في الأولى حرب إبادة جماعية، ونيران تحرق خيم النازحين وبيوت الأمنين ومن يقيم فيها من أطفال ونساء ومدنيين فلسطينيين، والثانية تطهير عرقي ودعوة للترانسفير وإخلاء القطاع بالكامل من سكانه، وإعادة توطينهم في الدول المجاورة.
على الصعيد الشخصي المرتبط بالاعتبارات الخارجية أن نتنياهو ملاحق دولياً ومطلوب اعتقاله لدى أي زيارة له إلى دولة عضو بالجنائية الدولية لارتكابه جرائم حرب فهو متهم باستهداف المدنيين عمداً، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، واستخدام التجويع كسلاح حرب، وقد استقبله رئيس وزراء المجر متجاهلاً خطاب الجنائية الدولية لاعتقاله، كما تستعد الولايات المتحدة لاستقباله دون اكتراث بقرارات محكمة الجنايات الدولية.
حتى في شوارع تل أبيب تظاهرات ترفع شعارات ضد شخصه بالذات، هي اعتبارات شخصية امتزجت بالاعتبارات الداخلية بالاعتبارات الخارجية، حسابات المعارضة وتهديدات اليمين المتطرف، وابتزاز نتنياهو من قبل بن غفير وسموتريتش، تثير دواعي ومخاوف وعوامل، أهمها مسألتان، الأولى: ما يسمونه محور الشر، دور إيران، نفوذها وأذرعها في الشرق الأوسط. والثانية: العامل الأميركي، فاستئناف الحرب على قطاع غزة، اتخذ بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، ويهدف إلى ممارسة الضغوط على حركة حماس لقبول شروط تل أبيب وواشنطن في مفاوضات صفقة التبادل، ثم القضاء نهائياً على حماس سياسياً وعسكرياً، باعتبارها أحد أذرع إيران، والضغط على جماعة الحوثيين لتفكيك محور المقاومة وهزيمته.
#أسامة_خليفة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟