أحمد سلامة
الحوار المتمدن-العدد: 8304 - 2025 / 4 / 6 - 16:44
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
موقع درب
في خطوة فكرية ونقدية بارزة، أعلن المؤلف رزكار عقراوي عن إصدار كتابه الجديد المعنون “الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: التكنولوجيا في خدمة رأس المال أم أداة للتحرر؟”، والذي صدر باللغتين العربية والإنجليزية في وقت واحد، ليصبح متاحًا لجمهور واسع من القراء حول العالم. هذا الكتاب، الذي يمثل إضافة نوعية إلى المكتبة الفكرية اليسارية، يأتي ليضع الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة تحت مجهر التحليل النقدي، في محاولة لفهم دورهما في تعزيز الهيمنة الرأسمالية، أو تحويلهما إلى أدوات للتحرر الاجتماعي والسياسي في ظل الصراع الطبقي المعاصر.
رؤية نقدية للذكاء الاصطناعي في العصر الرقمي
الكتاب، الذي يمتد عبر فصول متعددة، يقدم رؤية شاملة ومعمقة حول كيفية تسخير التكنولوجيا، وبشكل خاص الذكاء الاصطناعي، في خدمة النظام الرأسمالي العالمي. يتناول عقراوي هذه القضية من زوايا متعددة تشمل الاقتصاد، السياسة، الثقافة، والفكر، مؤكدًا أن هذه التكنولوجيا، التي تمتلك إمكانيات هائلة لتحسين حياة البشرية، تُستخدم اليوم بشكل أساسي لتعظيم الأرباح وتعزيز السيطرة الطبقية، على حساب العاملين بأيديهم وأفكارهم. وفي هذا السياق، يطرح الكتاب تساؤلاً جوهريًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة تحرر إذا تم انتزاعه من قبضة رأس المال وتوجيهه نحو خدمة المجتمع؟
الفجوة الرقمية: تحدٍ كبير أمام اليسار
من أبرز النقاط التي يركز عليها الكتاب هي الفجوة الرقمية المتسعة بين اليسار والقوى الرأسمالية. يرى عقراوي أن الشركات التكنولوجية الكبرى والدول الرأسمالية تسيطر بشكل شبه كامل على الفضاء الرقمي، مستفيدة من مواردها المادية والتقنية الهائلة لتشكيل التكنولوجيا بما يخدم مصالحها. في المقابل، يبقى اليسار في موقف ضعف واضح، حيث يفتقر إلى الأدوات والرؤى التنظيمية اللازمة لمواكبة هذا التطور المتسارع. يصف المؤلف هذا الوضع بأنه “النملة التي تواجه الفيل”، مشيرًا إلى أن هذه الفجوة لا تقتصر على الناحية التقنية فقط، بل تمتد إلى نقص في الوعي السياسي والاستراتيجي حول كيفية استخدام التكنولوجيا في النضال اليساري.
الأمية الرقمية: عائق أمام التأثير الجماهيري
في فصل آخر، يناقش الكتاب قضية الأمية الرقمية داخل التنظيمات اليسارية، وهي ليست مجرد عدم القدرة على استخدام الأدوات التقنية، بل تشمل أيضًا غياب الفهم العميق لكيفية عمل هذه الأدوات وتأثيرها على الحياة اليومية والوعي الجماهيري. يحذر عقراوي من أن هذا النقص يحد من قدرة اليسار على التأثير في الجماهير، لا سيما في عصر تهيمن فيه الخوارزميات على تدفق المعلومات. ويدعو إلى برامج تدريبية شاملة تهدف إلى محو الأمية الرقمية، ليس فقط من خلال تعليم الأدوات، بل من خلال بناء وعي نقدي يمكّن اليساريين من فهم السياقات السياسية والاقتصادية التي تشكل التكنولوجيا.
تطوير الكفاءات التقنية: ضرورة استراتيجية
يؤكد الكتاب على أن تطوير القدرات التقنية لدى اليسار لم يعد خيارًا، بل ضرورة استراتيجية موازية لتطوير قدراته السياسية والفكرية. يرى المؤلف أن الاستقلالية التكنولوجية تشكل مكملًا أساسيًا للاستقلالية الفكرية والتنظيمية، مشيرًا إلى أن أي نضال ضد الرأسمالية الرقمية لا يمكن أن ينجح باستخدام أدوات خصومها. ويتساءل: كيف يمكن لتنظيمات يسارية أن تطمح إلى التحرر وهي تخضع لرقابة خوارزميات مصممة لتقييد خطابها وتقليص تأثيرها؟ هذا الوضع، بحسب عقراوي، يضع اليسار في موقع دفاعي دائم، مما يستدعي بناء أدوات رقمية مستقلة تحمي خصوصيته وتعزز فعاليته.
الشباب: قوة التغيير الرقمي
في سياق متصل، يبرز الكتاب دور الشباب كعنصر حاسم في تعزيز التحول الرقمي داخل التنظيمات اليسارية. يرى المؤلف أن الشباب، بفضل قدراتهم العالية على التعامل مع التكنولوجيا، يمثلون العمود الفقري لأي تطوير رقمي ناجح. ويدعو إلى تمكينهم وإزالة العوائق التنظيمية التي تعيق انضمامهم أو استمرارهم في العمل اليساري، مؤكدًا أن قدرتهم على الابتكار والإبداع يمكن أن تفتح آفاقًا جديدة للنضال في العصر الرقمي.
أمميات يسارية رقمية: مواجهة الهيمنة العالمية
من الأفكار المحورية التي يطرحها الكتاب هي ضرورة بناء “أمميات يسارية رقمية”، أي تحالفات عالمية بين التنظيمات اليسارية لمواجهة هيمنة الشركات التكنولوجية والدول الرأسمالية. يرى عقراوي أن هذه الأمميات يمكن أن تعمل على تطوير تقنيات بديلة مفتوحة المصدر، تخدم العدالة الاجتماعية بدلاً من تعزيز الاستغلال الطبقي. ويشدد على أهمية تجاوز الخلافات الفكرية بين التيارات اليسارية المختلفة لتحقيق هذا الهدف المشترك.
الذكاء الاصطناعي تحت الرأسمالية: أداة قمع وسيطرة
في تحليل نقدي للواقع الحالي، يوضح الكتاب كيف يتم توظيف الذكاء الاصطناعي تحت النظام الرأسمالي لتعزيز القمع والسيطرة. يشير عقراوي إلى أن الخوارزميات الحالية تُصمم لتوجيه الوعي الجماهيري نحو الأفكار الرأسمالية، مع تقييد انتشار الفكر اليساري. كما يسلط الضوء على استخدامه في تعزيز التمييز في سوق العمل، وتطوير الأسلحة، والإضرار بالبيئة، مؤكدًا أن هذه التكنولوجيا، رغم إمكانياتها الهائلة، تُستغل اليوم بطرق تخدم مصالح النخب الرأسمالية.
بدائل يسارية: تحويل التكنولوجيا إلى أداة تحرر
في المقابل، يقترح الكتاب رؤية بديلة تتمثل في توجيه الذكاء الاصطناعي نحو خدمة الجماهير بدلاً من الشركات الكبرى. يدعو عقراوي إلى تطوير تطبيقات مفتوحة المصدر، تخضع لإشراف ديمقراطي، وتُستخدم لمعالجة قضايا مثل الفقر، التعليم، والمساواة الجندرية. ويؤكد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يصبح أداة فعالة في تقليص ساعات العمل، مكافحة التمييز، وحماية البيئة، إذا تم تحريره من منطق الربح.
استخدام حذر للذكاء الاصطناعي الحالي
مع ذلك، يحذر المؤلف من الاعتماد الأعمى على الذكاء الاصطناعي الحالي، الذي يُعتبر منتجًا رأسماليًا غير محايد. ويدعو إلى استخدامه بحذر ووعي نقدي، مع ضمان الشفافية وحماية الخصوصية، بحيث يكون داعمًا للعمل الميداني اليساري وليس بديلاً عنه.
لغة الكتاب وتوزيعه
تمت كتابة “الذكاء الاصطناعي الرأسمالي” بلغة بسيطة وواضحة، لضمان وصول أفكاره إلى جمهور واسع، سواء كانوا متخصصين أو غير متخصصين. الكتاب متاح مجانًا عبر الإنترنت من خلال موقع المؤلف، كما يُباع عبر دار النشر “أمازون” بأقل سعر ممكن. ويُسمح باستخدام نصوصه بحرية دون قيود، مع تشجيع الإشارة إلى المصدر.
دعوة للحوار والعمل الجماعي
في ختام الكتاب، يدعو عقراوي إلى حوار جماعي بين التنظيمات والشخصيات اليسارية لتطوير رؤية رقمية بديلة. يؤكد أن الأفكار المطروحة ليست حلولاً نهائية، بل نقاط انطلاق لنقاش موسع يهدف إلى وضع خطة عمل واضحة لمواجهة الرأسمالية الرقمية.
بهذا الإصدار، يقدم رزكار عقراوي مساهمة فكرية عميقة تهدف إلى إعادة صياغة العلاقة بين التكنولوجيا والنضال اليساري، داعيًا إلى تحويل الذكاء الاصطناعي من أداة هيمنة إلى وسيلة للتحرر الجماعي
#أحمد_سلامة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟