أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - “لام شمسية- … حين تخجلُ الشمسُ














المزيد.....

“لام شمسية- … حين تخجلُ الشمسُ


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 8304 - 2025 / 4 / 6 - 12:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


Facebook: @NaootOfficial
اللغةُ مرآةُ الضمير، والشمسُ لا تخطئ طريقَها، لكنها قد تتوارى خجلًا حين تكونُ شاهدةً على فصول من الإعتام الإنساني والتقزّم الروحي. كيف يشرق النورُ فوق أمكنة يُخدشُ فيها الطُهرُ، وتنكسرُ أحلامُ الطفولة تحت معاول القُساة؟! في مسلسل “لام شمسية”، نرى كيف تنطفئ الشمسُ في عيون الصغار حين تُغتالُ براءتهم، في صمتٍ بارد، تحت سُقفٍ يُفترضُ أنه آمنٌ! بدايةً، تحيةَ احترام للعنوان العبقري الذي يحمل طبقات من الرموز والدلالات؛ توجز مأساة "المسكوت عنه" مما يحدث بين ظهرانينا ولا ننطق به خجلا أو جُبنًا وربما تواطئًا، مثلما نكتبُ اللام الشمسية ولا ننطقها.
مسلسل “لام شمسية”، تأليف المبدعة "مريم نعوم" وإخراج "كريم الشناوي"، يقتفي أثر ظلٍّ ثقيل يجثم فوق صدر الطفولة، وكأن الأبجدية تُعلن احتجاجها على اختلاط الحروف النورانية بالخطايا والدنايا مثل جريمة “التحرش بالأطفال”. “لامٌ شمسية”، لكنها لا تضيء كشمس، بل تستتر وتتخفّى، مثلما تختبئ الخطيئةُ وراء أبوابٍ موصدة، وقوانينَ لا تنجح في القصاص من الخُطاة، إلا إذا حررنا صمتَ "اللام الشمسية" لتصرخَ في وجه وحشٍ لا يستحي من افتراس الصغار.
أكثرُ ما يميّز المسلسل أنه لا يتحدثُ عن الضحية والجاني، بل عن المجتمع ككل. مَن يصنعُ المُجرم، ومَن ييسّر له الاستمرار في جُرمه؟ هل نصوّب السهم إلي المنحرف فحسب، أم نختصمُ ثقافةً خجولا تُبرر الصمتَ وتُعلِّمُ الأطفالَ أن “الفضيحة” أسوأُ من الجرم؟ المسلسلُ الجسور يضعُ الجميع أمام مسؤولياتهم: الأهل، المُعلمين، القانون، القُضاة، المحامون، والضمير المجتمعي. جرسُ إنذارٍ زاعقٌ يستحيلُ تجاهله، حتى في مجتمع يُفضِّل الصمت على المواجهة، غافلا عن أن صمته لا يُنجّي المجرمَ وحسب، بل قد يصنع من الضحايا الصغار جُناة مستقبليين.
هذا المسلسل اختبارٌ للضمير المجتمعي "الانتقائي" الذي كثيرًا ما يختارُ الصراخَ في وجه قضايا تافهة، ويغضُّ الطرف عن كوارثَ مريعة. يعلمنا المسلسلُ أن الصمت ليس خيارًا حين يدنو الأذى من صغارنا. إنها "مرآة ميدوزا" نُطالع على صفحتها خيباتنا وتداعياتها المستقبلية، دون وعظ فجّ، ولا استغلال للتيمة الشائكة من أجل الإثارة الجوفاء، بل جاء السرد الواقعي "المُورِّط" ليجعل المُشاهِدَ شريكًا في القصة، ومسؤولا عن تغيير الواقع المتخاذل ومواجهة تلك الظاهرة المخيفة. المسلسلُ يقتربُ من “التابو” المُحرَّم، لكنه لا يُقدمهُ كحكاية مأساوية مجردة، بل كناقوس خطرٍ يُحتِّم علينا الصحوَ قبل أن يصبح صغارنا ضحايا الصمت والتواطؤ.
التحرش بالأطفال ليس مجرد “حدث” قاسٍ في دراما تلفزيونية، نشاهدها ونتألم لها، ثم ننساها، بل هو لعنةٌ عالقةُ في هواءٍ نلوّثه بصمتنا. تأتي الحكاية لتُحرِّك المياه الراكدة، وتنكأ البقعة المظلمة في وعينا؛ فتُرينا كيف يذوي الطفلُ حين يفقد الشعور بالأمان، وكيف تتشقق روحُه مثل زجاج نافذة تُرمى بالحجارة فيتصدّعُ ببطء، ولا يبقى منه إلا شظايا تجرح كل مَن يحاول ترميمها.
لا يُمكن الحديث عن “لام شمسية” دون التطرق إلى الواقع القانوني والاجتماعي. في عالمنا العربي، يظل التحرش بالأطفال قضية يُفضل البعض دفنها تحت ركام العيب والفضيحة، بدلًا من مواجهتها. وحين يتحرك القانونُ تظلُّ صعوباتُ إثبات الجريمة حائلا دون إتمام القصاص. لهذا يجب تثقيف الأطفال بالوعي بقداسة أجسادهم وخصوصيتها، لوأد الجريمة قبل وقوعها.
المجتمع في “لام شمسية” ليس مجرد مشهد خلفي، بل هو شخصية حاضرة بكامل ثقافتها ووعيها إن واجهت القبح، أو غفلتها وجهلها إن صمتت وأغمضت عينيها عن الظلم وغلّفته بوهم الحفاظ على “السمعة”. في المسلسل، يتحول الصمتُ إلى شريك في الجريمة، لأنه يعمق معاناة الأطفال الضحايا ويقيد تحركاتهم في محاولة للهروب من جدران الخوف. ولكن مع كل صمت، يظهر دائمًا بصيص من الضوء، يتمثل في أولئك الذين لا يستسلمون للخوف، ويواجهون.
تحية احترام لضيف الشرف، الفنان العظيم "كمال أبو رية" لأدائه المدهش دور القاضي بوجهه العابس من هول ما بين يديه من أوراق ووقائع تضرب في صميم الكرامة الإنسانية، ورِقته في التعامل مع الطفل، وتهذبه الحاسم في التعامل مع الحضور والصحافة حين يطالبهم بإخلاء القاعة، وإنصاته لآراء مستشاري الميمنة والميسرة في غرفة المداولة قبل نطقه بالحكم. تحية احترام للطفل "علي البيلي" بطل العمل لأدائه المضبوط على ميزان الذهب، والرائع "محمد شاهين" الذي كان "صمتُه ونظراتُه وابتساماتُه المبتورةُ وتعبيراتُ وجهه" أبطالا إضافيين في شخصيته المركّبة، وللقديرة "صفاء الطوخي" التي تصارع داخلها الضميرُ والأمومة، وجميع أبطال المسلسل الجميل. شكرًا للموسيقى التصويرية التي جاءت كصوتٍ خافتٍ يتسللُ إلى الوعي، فلا تُزعج، بل تُوجع. وشكرًا للإضاءة، والظلال التي كانت جزءًا من اللعبة البصرية؛ حيث درجاتُ الرمادي العَبوس، مثل عبوس أطفال فقدوا إحساسهم بالأمان، والإعتام الموغل كأنما الشمسُ فقدت قدرتها على الكلام كما "لام شمسية" خرساء.


***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيدُ الفطر … ذكرياتُ الفرح
- أنا … -أمٌّ مثالية-... لابنٍ مثاليٍّ
- مع الكُرد العظماء …. في عيدهم
- -يوم زايد للعمل الإنساني-… إرثُ العطاء المستدام
- مآذنُ وأجراسٌ... ومصرُ الواحدة
- طواويسُ الجمال والدهشة
- الإفطار مع -السيدة الأولى-
- حلويات رمضان (٢)
- حلويات رمضان … دون سكّر… بالشهد المُصفّى (١)
- ألا في الفتنةِ سقطوا (٢)
- مايسترو -الضمير- … في صالوني
- مدرستي الجميلة CGC ... ١١٠ عامًا من المجد ...
- مدرستي الجميلة CGC ... ١١٠ عامًا من المجد ...
- التسامحُ الدينيُّ ومكافحةُ خطابِ الكراهية
- “مش روميو وجولييت-… التحليقُ بالفنِّ
- ألا في الفتنةِ سقطوا (١)
- رأسُ السنة الصينية... في دفء القاهرة
- طقسُ الشتاء والقراءة في -معرض الكتاب-
- المرأةُ وحقوقُها … في -منتدى القيادات النسائية-
- “خبيئة بيكار- … في صُوانِ طفولتنا


المزيد.....




- لابيد: هناك إرهاب يهودي في إسرائيل ونتنياهو يتصرف كزعيم عصاب ...
- تقرير: من بينها كتائب حزب الله.. الفصائل الشيعية في العراق ت ...
- -تهجير الفلسطينيين القسري سيجلب عواقب وخيمة-.. إيهود باراك ي ...
- بسبب عبارة -أنا حضرت اليهود والأرمن هنا-.. تفاعل على فيديو ل ...
- فرنسا: توقيف شابين بشبهة التحضير لهجوم إرهابي أحدهما أعلن مب ...
- -يديعوت أحرونوت- تنشر تقريرا عن ملياردير يهودي جعل العالم يق ...
- -يديعوت أحرونوت- تنشر تقريرا عن ملياردير يهودي جعل العالم يق ...
- محافظ السويداء يكشف كواليس لقائه مع شيوخ الطائفة الدرزية
- شاهد.. أول ظهور علني لـ ’بابا الفاتيكان’ بعد مغادرته المستشف ...
- تشريح جثة مراهق فلسطيني معتقل يكشف وفاته بسبب -سوء التغذية- ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - “لام شمسية- … حين تخجلُ الشمسُ