التوسع الكوني بين القرآن الكريم والعلم الحديث ( دراسة نقدية للشيخ الوائلي ) القسم الاول

رحيم فرحان صدام

الحوار المتمدن-العدد: 8303 - 2025 / 4 / 5 - 09:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

بَعد سنوات مِن سُبات الفِكر التنويري ونمو الفِكر الأصولي والراديكالي ظهرت فَرضيات جديدة نابعة مِن الجهل والثِقة بالمجهول وَدقَّ جَرسَ الإنذار لدى المُفكرين والمُتنورين والمُتابعين لِمسيرة الفِكر ، فقبل سنوات ظهر عميد المنبر الحسيني الشيخ احمد الوائلي (1928- 2003) الذي يَحمل شَهادة الدكتوراه في الشريعة الاسلامية ، ولكن الغريب في الأمر أن الشيخ يَعمل بعيداً عن تَخصصهِ وَبل بعيداً عن المنطق أيضا !! ، اذ يدّعي بان القرآن الكريم يحتوي على إعجاز علمي في الآية السابعة والأربعون من سورة الذاريات وهذا نَصُها : { وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } اذ يَزّعم بأن القرآن أشار إلى توسع الكون قبل قرون عديدة ويدّعي بأن كلمة
( لَمُوسِعُونَ ) تعني التوسّع الكوني (1) .
والغريب ان الشيخ الوائلي هو من كان ينتقد مروجي ما يسمى بالإعجاز العلمي و يقول عنهم بانهم يحاولون ان يجعلوا القران الكريم كتاب فيزياء او كيمياء ويرد عليهم بأن القران كتاب هداية وليس كتاب علوم ، ثم يدعي ان القران فيه اشارات علمية سبق بها الغرب او فيه اعجاز علمي !!!
إن الكلمة التي أستند عليها في إعجازه المزعوم لا تًدُل على التوسّع أبداً لسببين أولهما لغوي والآخر فلكي ، فمن الناحية اللغوية نرى بان الكلمة جاءت مرسومة هكذا في القرآن ( لَمُوسِعُونَ ) أي - بفتح اللام وضم الميم وكسر السين وضم العين وفتح النون - ومعظم التفاسير الإسلامية كالبغوي(2) والقرطبي(3) يشيرون الى أن الآية والكلمة تَدُل على الإيساع في رزق العباد وغيرهم ، ونقول هل يصح التأويل الإعجازي ؟ ومرة أخرى لم ينتبه الدكتور إلى سقطةٍ أخرى وهي أن الآية تقول (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا ) ولم تقل ( الكون ) ونحن نعلم جيداً الفرق بين السماء والكون! .

ولدينا عدة ملاحظات على النص اعلاه :
1- ادعى الشيخ ان المراد " بموسعين ان الله سبحانه يزيد الفضاء اتساعا باستمرار وعلى مدى الأيام" وهو ادعاء باطل لا يتفق مع المعنى اللغوي للكلمة لان الآية تقول:( لَمُوسِعُونَ ) بالتشديد والتي تعني زيادة الرزق كما في قوله تعالى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}(4) لا موسعون بمعنى توسع الكون .
2- ادعى الشيخ انه يعتمد على اهل الاختصاص في علم الفلك في تفسير الآية زاعما ان معنى الآية ان الفضاء يتمدد بين المجرات باستمرار ، وان حجم الفضاء العالمي الآن يبلغ نحو عشرة أضعاف حجمه منذ بداية تمدده .. فهل تحدثت الآية عن المجرات والتوسع الكوني او النظرية النسبية اصلا ام ان الأمر هو التكلف وتحميل النص ما لا يتحمل .
3- وقد فسر السيد الطباطبائي الآية بقوله :" فالمعنى على الأول : والسماء بنيناها بقدرة لا يوصف قدرها وإنا لذو واسعة في القدرة لا يعجزها شيء ، وعلى الثاني : والسماء بنيناها مقارنا بناؤها لنعمة لا تقدر بقدر وإنا لذو واسعة وغنى لا تنفد خزائننا بالإعطاء والرزق نرزق من السماء من نشاء فنوسع الرزق كيف نشاء .(5)
من الواضح ان السيد الطباطبائي فسر الآية بسعة قدرة الله او سعة الرزق للعباد فلا علاقة للآية بنظرية التوسع الكوني الا انه ناقض نفسه متكلفا التفسير العلمي بقوله:" ومن المحتمل أن يكون ( موسعون ) من أوسع في النفقة أي كثرها فيكون المراد توسعة خلق السماء كما تميل إليه الأبحاث الرياضية اليوم " (6) ونقول للسيد ما علاقة سعة النفقة بسعة خلق السماء ام هي محاولة تطبيق النظرية العلمية على الآية القرآنية من باب الاحتمال وليس الدليل .

مفهوم السماء في علم الكون الحديث
يمكن القول ان التصورات الدينية ساذجة ومتهالكة ومن العبث المقارنة بينها وبين النظريات والاكتشافات العلمية عن الكون، وقد يحتج علينا الاعجازيون بما ورد في تفسير الماوردي بالقول:
" لموسعون السماء"(7) يبدو أن الاعتقاد بوجود السماء كبناء كان من مفاهيم العصور القديمة والوسيطة والذي عاشه الإنسان طيلة آلاف السنين، بسبب المعتقدات والأساطير الدينية التي تعتقد بوجود السماء أو السماوات السبع وعوالمها الذي نفاه العلم حين اكتشف أن الكون لا يحتوي على سماء أو سماوات بل هو فضاء مفتوح لا حدود فيه يتمدد إلى الخارج بمرور الزمن.
والسؤال الذي يفرض نفسه من أين جاءت السماء؟ جوابه بسيط فهذا اللون الأزرق الذي نراه فوقنا ما هو إلا ضوء منعكس من ضوء الشمس على ذرات الغبار القريبة من الأرض. (8)
فهو ليس بسقف أو مادة أو سبع طبقات كما ورد في بعض الآيات القرآنية كقوله تعالى {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا } (9) وقوله تعالى {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} (10). فكل ذلك لا يتفق مع العلم بمعنى اخر لا يوجد شيء اسمه سماء فضلا عن انه يتسع ، هذا من جهة ومن جهة اخرى لا يمكن القول ان السماء هي الكواكب والمجرات والنجوم؛ لان القرآن فرق بينهما كقوله تعالى :{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) } (11).
وبذلك يتبخر وهم( الاعجاز العلمي) في قوله تعالى { وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } الذي روج له الشيخ الوائلي وهو يتناقض مع المعنى اللغوي للآية التي تعني التوسعة في الرزق للناس لا توسع السماء .
واخيرا نقول ليس مطلوباً من الاسلام أن يتوافق مع العلم ليصيح أتباعه بالإعجاز العلمي بالقرآن وما هو إلا لوى عنق الكلمات من جهة وإهمال تام لنصوص تتصادم مع العلم من جهة أخرى .

الهوامش
(1) {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} - الشيخ أحمد الوائلي
https://youtu.be/MUl3v9w2sSk?si=27QiYLvsrbuwWEnb
(2) البغوي ، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (ت 516 هـ/1123م)، معالم التنزيل في تفسير القرآن ، المحقق : عبد الرزاق المهدي، الناشر : دار إحياء التراث العربي –بيروت ، الطبعة : الأولى ، 1420هـ. (4/ 287).
(3) القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري (ت671هـ/ 1273م)، الجامع لأحكام القرآن ،
تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة، الطبعة: الثانية، 1384هـ / 1964م. (17/ 52).
(4) سورة البقرة، الآية 236.
(5) السيد الطباطبائي : محمد حسين (ت 1981) ، تفسير الميزان، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ، ج ١٨، ص ٣٨١ .
(6) السيد الطباطبائي : تفسير الميزان، ج ١٨، ص ٣٨٢.
(7) الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد البصري، (ت 450هـ/1056م)، النكت والعيون ، تحقيق: السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم ، الناشر: دار الكتب العلمية ، ( بيروت – بلات ). ج ٥، ص ٣٧٣.
(8) الدكتور خزعل الماجدي: سلسلة تاريخ الحضارات ، تاريخ الخليقة ، منشورات تكوين ،ط4 ،2021. ص131 .
(9) [الأنبياء: 32].
(10) [الرحمن: 37].
(11) [الانفطار: 1 - 2].

#رحيم_فرحان_صدام (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات