أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - مصطفى محمد غريب - هل هناك حياد فكري حقيقي؟ وما معنى اللامنتمي ؟!حتى الفلسفة لم تكن يوماً من الأيام حيادية بل كانت حزبية















المزيد.....

هل هناك حياد فكري حقيقي؟ وما معنى اللامنتمي ؟!حتى الفلسفة لم تكن يوماً من الأيام حيادية بل كانت حزبية


مصطفى محمد غريب
شاعر وكاتب

(Moustafa M. Gharib)


الحوار المتمدن-العدد: 543 - 2003 / 7 / 17 - 16:14
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

ليس بالحتمية أن ينتمي المرء تنظيمياً إلى حزب من الأحزاب السياسية.. وليس بالحتمية أن يكون المرء حيادياً فكرياً، لا بل أرى أن الإنتماء الفكري قضية موضوعية ليس فيها ذرة من الحياد بين الخير والشر، من الضروري فهم هذه المسألة وعدم الوقوع في متاهة التفسيرات غير الواقعية حول حيادية الفكر..

هل فكرة اللامنتمي التي طرحها )كولن ولسن( وغيره من اصحاب هذه النظرية كانت تعني التنظيم الحزبي .. أو الإنتماء الفكري؟

ان كان الأول هو المقصود فليس هناك اعتراض على فكرة اللامنتمي لحزب وتنظيماته، وإذا كان الأمر يتعلق بالفكر فذلك ينافى الحقيقة ويؤدي إلى الوقوع في شراك التبسيطية لأمور الفكر التي تتحكم فيها كمية المعرفة وتأثيرات الثقافة والمعتقد والايديولوجيا.

لا حياد من القضايا التي تدور حول المرء وبخاصة القضايا التي لها صله بالوعي الاجتماعي، ولايمكن مثلما اشارنا أن يقف المرء حيادياً ما بين الخير والشر، ما بين الحرب والسلم ما بين العدالة والظلم، وما بين الإيمان والإلحاد وغيرها من الامور التي تزامل الإنسان بعد تدرج وعيه الشخصي وصولاً إلى الاستقلالية النسبية التي يتمتع بها والقرارات الخاصة التي يتخذها بعيداً عن الفرض والقوة.. وإذا ما اصطف المرء واختار أحد الأمرين يفقد صفة الحياد أو الإستقلال كما يسميه البعض.

إذن من يقول في السياسة أو اثناء مناقشة قضايا سياسية وفكرية بأنه مستقل، غير صحيح ولا يكون منطقياً في التأكيد على حياده تجاه القضايا المطروحة والتي تحتاج إلى موقف واضح، أما معها أو بالضد منها، ويحتاج المرء في هذه الحالة أن يقر بعدم حياده المطلق وربما نوع من الحياد النسبي في القضايا التفصيلية الثانوية..

وكثيراً من مُدوّني التاريخ يطلق عليهم وعلى بحوثهم وسردهم أنهم كانوا حيادين مع الأحداث التي حدثت حين دوّنوها بصورة حيادية وهذا صحيح مع وقوع الحدث التاريخي أو حيثيات تطوره، إلا أن الأمر على غير هذه الصورة أيضاً، فإذا سألت أي شخص منهم عن حدث دموي تاريخي فسوف لن يقف على الحياد مطلقاً فهو لن يساوي ما بين الجلاد وضحاياه وبهذا يفقد حياديته واستقلاله الذي يدعيه..

في التاريخ العراقي السياسي دأب بعض من الناس في سعيه على ان يكون حيادياً أو مستقلاً ما بين المعارضة وبين الحكومة أو الدولة وراح في خياله هذا يوزع مكاسب هذا الحياد وفوائدة الجمة وبقى يعلل هذا الحياد كالمثل المصري " الحيط الحيط " لعله يصل إلى بر الأمان من غضب الجهات الأمنية الحكومية، ولم يقتصر هذا التوجه الظاهري على نفسه إنما نقله إلى عائلته وكثيراً ما كان يضغط بإتجاه عدم الولوج في العمل السياسي لأن السياسة تجلب الويلات، وكان ضغطه هذا يصل إلى حد العقاب إذا حاول أحد افراد العائلة التمرد عليه، كما أنه لا يقصر في توجيه النصائح للاقرباء والأصدقاء..

قال لي صديق سجن 5 سنوات لأساباب سياسية " كنت أعطيع خالي إطاعة عمياء وأعتبره قدوة لي وبخاصة اني فقدت والدي وأنا طفل صغير، فعشت في كنفه، أنا وأمي التي كانت عازفة عن الزواج.. طوال دراستي الإبتدائية والثانوية إلتزمت حرفياً بما كان يقول خالي ونصائحه لي ـــ لا تتدخل في السياسة كي تعيش آمناً وبدون وجع الرأس.. وكثيراً ما يكرر لي قصة الواواي في زمن الفيضانات والأمطار الكثيرة، ويقول قبل أن ترعد السماء وتمطر الغيوم التي تؤدي إلى السيول والفيضانات كان الواوي يحس بهذه الأخطار قادمة قبل وقوعها ولهذا يذهب إلى سفح أحد التلول ويحفر لنفسه جحراً ويختفي فيه قبيل سقوط الأمطار، يبقى فترة وبعدما يحس بأن عليه التأكد من انقطاع الأمطار يخرج بوزه ليشتم الهواء ومن خلال حاسة الشم يعرف أن المطر انقطع أم لا ، وبعدها يخرج الواوي وينفض حاله ويتمصر قليلاً ثم يتلفت ليرى من مات ومن فطس فيزهو من الفرح والطرب لأنه كان يفهم سر لعبة المطر دون الحيوانات الأخرى .. هكذا يجب أن تكون " لكن الأمر لم يبق على هذا الحال فعلى الرغم من حيادي واستقلالي عن السياسة فقد اعتقلوني بسبب زمالتي لأحدهم ، وعذبوني قائلين نعرف أنك معه لأنك ليس منا، ومنذ ذلك الحين فكرت بنفسي وبحيادي ففهمت أنني لم أكن حيادياً فكرياً أبداً لأنني كنت اصطف بدون شعور مني إلى جانب الفقراء من الناس ولا أحب الأغنياء، لا بل ظهر لي بعد ذلك أن ابن خالي كان منتميا ليس فكرياً فقط وإنما تنظيمياً لأحد الأحزاب، والأكثر من كل هذا أن خالي اعترف لي في آخر أيام حياته أنه قاسمي ( نسبة للمرحوم عبد الكريم قاسم ) حسب قوله لكنه لم يظهر ذلك لأحد من الناس " ..

أردت من خلال سرد هذه القصة الواقعية البسيطة التوصل إلى كيفية فهمنا للحياد أو عدم الإنتماء.. وخلال التجارب السياسية في الأقطار العربية وبخاصة العراق لا يوجد مفهوم للإستقلالية أو الحيادية، فالحكومات تريد منك الإنتماء لفكرها خلال ممارستك لوظيفتك او عملك ومراقبة نشاطك من قبل اجهزتها وبهذا تفرض عليك اللاحيادية بهذه الطريقة، أما معها او عليها ولا يوجد حياد ما بين سياستها القمعية التي تنتج ضحايا وبين الضحايا أنفسهم.. وإذا كنت " الحيط الحيط " فأنت مشكوك بأمرك من خلال علاقاتك الشخصية أو تواجدك في أي تجمع " نادي ، مقهى، جامع ... الخ".. وقد يحسبونك بدون أن تعرف على أحدى الجهات، أما من ناحيتك فوجودك بين هذه التجمعات ومشاهداتك وسماعك لا بد أن تتأثر فكرياً بهذا الحدث أو ذاك، وبدون أية مقدمات تظهر عندك المواقف معَ أو بالضد حتى وإن لم تعلن عن موقفك المعين ، وبدون أن تشعر تنسحب مواقفك أيضاً منها فكرياً وتنتهي نظرتك الحيادية بعد الوصول إلى حكم تحكمه بينك وبين نفسك أو في العلن..

في العراق أختلف الحال فقد أظهر قمة الشذوذ عن القاعدة، وبخاصة بعد مجيء حزب البعث العراقي واستلامه السلطة في 1968 .. فأنت أما معهم أو ضدهم ! ولهذا أختاروا طريق أنهاء الحيادية النسبية بالقوة والتعسف والقهرأو بالإغراء والخديعة.. ونتيجة هذا الإرهاب انتهى أيضاً الحياد أو الإستقلال النسبي لدى بعض الأفراد حيث بدأوا ينتمون إلى حزب البعث بالقوة والخوف أو من اجل لقمة العيش، أما فكرياً فقد انتموا أرادوا أم لم يريدوا إلى المعارضة حتى لو كانت المعارضة سلبية..

وعندما استشرس النظام الشمولي وجعل محيطه عبارة عن تابع له وفق مقولة لصدام حسين الجميع بعثيون وإن لم ينتموا أصبح جميع العراقيين منتمين( معَ أو بالضد فكرياً )

ولو يفتش كل إنسان في أعماق ذاته لعثر على شيء حتى وإن كان صغيراً من اللاحياد والإنتماء ، يفلسفها حسب رأيه أو حسب نظرته للإمور.. وحتى الفلسفة لم تكن في أي وقت ما حيادية وأثبت علماء الإجتماع والفلاسفة حزبيتها بشكل واضح فهو " انتماء كل فيلسوف، كل تيار فلسفي أو مدرسة فلسفية إلى أحد الاتجاهين المتضادين ــ المادية أو المثالية " وتبرز هذه الحزبية ايضاً في مصالح الطبقات الاجتماعية المتعارضة، لاسيما في أعمال البعض الذي يسعى لتطوير المجتمع والعلم وبين الاخر الذي يعمل لإعاقة هذا التطور.

بعد سقوط النظام الشمولي في العراق، وهيمنة قوات الإحتلال على المقاليد وفق قرار دولي ، لاحظنا كيف انقلب الحال من الكبت والإضطهاد وإرهاب السلطة إلى الحرية من الإضطهاد والإنطلاق بلا قيود لإعلان المواقف، وهذه دلالة مادية أن العراقيين كانوا منتمين مثلما اشرنا ولم يكن الحياد المعلن ظاهرياً إلا حجاباً أختفت خلفه الإنتماءات الفكرية، ثم ظهر الشيء الجديد وبدأ يتبلورمن خلال المواقف السياسية والفكرية من الإحتلال وقيام الحكومة الإنتقالية أو المجلس العام الذي ستعينه الولايات المتحدة الأمريكية..

إذن الحياد أو (اللإنتماء) الظاهري يظهر اثناء مرحلة الخوف من الإضطهاد والإستبداد، وبالتالي فعندما يزول الإضطهاد يرحل الخوف ويظهر الإنتماء بشكل واضح.

أما في الظروف الراهنة فلا يوجد حياد في ما يجري للعراق، لكل فريق أو فرد طريقة للإنتماء أو إتخاذ الموقف ، ما بين الضد أو المعَ، ضد الإحتلال أو مع الإحتلال، وفي كِلا المعسكرين اجتهادات واختلافات في المواقف كما في المعَ أيضاً يوجد الشيء نفسه..

فابحث مع نفسك وتعمق في البحث ستجد أنك منتمي حتى لو قلت عن نفسك أنك حيادي أو مستقل، لأن المستقل في عالمنا الراهن هو خارج دائرة الزمان والمكان، وقد يدرك المرء بعد مرور سنين من حياته أنه خسر الكثير عندما لم يتخذ موقفا حازماً من الأحداث التي مرت على الرغم من تحيزه في ذلك الحين إلى جهة معينة أو قضية معينة.

كما اتضح لنا بعد ذلك حتى حياد دول العالم الثالث منذ مؤتمر باندونغ أو ما يسمى دول عدم الإنحياز، كان نفاقاً وكذباً وتغطية على النيات المبيتة، وبخاصة الشعار الذي طبل له ( لا شرقية ولا غربية ) لأن الذين أوجدوا هذا الشعار كان أكثرهم قلباً وقالباً مع الغربية وضد الشرقية وقد أثبتت الحياة ذلك وهذه تحتاج إلى مقالة اخرى..



#مصطفى_محمد_غريب (هاشتاغ)       Moustafa_M._Gharib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما معنى الحياد؟ ما معنى اللامنتمي
- ظلامية القرون الوسطى ومخططات تصفية المفكرين على ما يظهر أن ا ...
- أَخِي..!
- متاهات نوبل وبيان غابرير غارسيا ماركيزلماذا لا يعلن الإستاذ ...
- مؤتمر الثقافة العربية هل كان الإستبداد غائباَ في يوم من الأي ...
- محسن الرملي ـ ليالي القصف السعيدة
- عبد الباري عطوان وعقدة المثقفين العراقيين هل يحق لعبد الباري ...
- هامات فسفورية مشرقة
- العزيز الدكتور وليد الحيالي تعلم الآخرين التواضع من خلال توا ...
- ما بين الحرب والإحتلال وبين التحرير ما بين التطرف وقيام الح ...
- الجامعة العربية والإتحاد الدولي لنقابات العمال العرب وجهان ...
- الشاعر سعدي يوسف..... وعواد ناصر هل السخرية قيمة حضارية أم ...
- السيد عزيز الحاج و التعلم والتسامح الديمقراطي
- هكذا التهميش وإلا فلا انهم أول من يحتقرون كلابهم اللاحسة الم ...
- بول بريمر .. وعود، وإلغاء، ووعود عديد من - البروفات - لمسرحي ...
- هل الدولة الدينية حلاً لمشاكل جميع العراقيين والعراق ؟
- أين كنتم يا أيها البرلمانيون من ضحايانا ؟ نصيحة للذين يتراشق ...
- للأطْفَــــــــالِ أُغَنِي
- ما الفرق بين زيارة وزيارة ؟ زيارة بلير للبصرة وزيارة جي جارن ...
- حنين إلى المـــــــدّ


المزيد.....




- دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك ...
- مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
- بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن ...
- ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
- بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
- لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
- المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة ...
- بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
- مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن ...
- إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - مصطفى محمد غريب - هل هناك حياد فكري حقيقي؟ وما معنى اللامنتمي ؟!حتى الفلسفة لم تكن يوماً من الأيام حيادية بل كانت حزبية