|
(1) السعي خلف الغنائم ...؟
مصطفى حقي
الحوار المتمدن-العدد: 1800 - 2007 / 1 / 19 - 11:24
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
(لمحة عن الكاتب علي الدشتي وأعماله في مطلع مقالنا – معجزة القرآن) الحوار المتمدن تاريخ10/12/2006 يرى بعض الباحثين الغربيين ممن درسوا الإسلام أنه ظاهرة محلية وينتقدون كثيراً من أحكامه على أنها لا تصلح للمجتمعات الراقية . ومن بين الأمثلة التي يوردونها على ذلك فريضة الصلاة والوضوء خمس مرّات في اليوم الواحد ويُفَضّل ذلك في المسجد ؛ وقياس الزمن بسنوات تتألف كلِّ منها من اثني عشر شهراً قمرياً ؛ والصيام والامتناع عن النشاط الحيوي من شروق الشمس إلى مغربها خلال شهرٍ كاملٍ من تلك الأشهر ، دون مراعاة الواقعة الجغرافية المتمثّلة في أن الشمس في بعض المناطق البعيدة عن خط الاستواء لاتغيب في بعض الفصول فيستمر النهار في وقت الليل . ويرى هؤلاء الباحثون أنّ من شرّع صيام رمضان لم يكن مطّلعاً إلا على ظروف الحجاز في القرن السابع الميلادي، فأخذها معيارأ لجهله بظروف سواها من البقاع. أما النهي عن الربا فَيُنـْتـَقـَد على أنه يضرّ باستثمار رأس المال والتطور الاقتصادي . كما يُرى إلى إباحة الرقّ على أنها تشريع لمعاملة البشر معاملة البهائم . ويُرى إلى عدم مساواة النساء في الإرث مع الرجال، في الوقت الذي تكون فيه النساء بحاجة أكبر نظراً لعدم قيامهن بأعمال منتجة للثروة في العادة ، على أنه أمر مناف للمنطق ، كما يُرى إلى افتراض أنّ لشهادة المرأة نصف قيمة شهادة الرجل على أنه مخالف لحقوق الإنسان . أما لحدّ بقطع يد السارق ثم قطع رجله إذا ما عاد لمثلها فيُنْـظَر إليه على أنه فعل مخالف لمصالح المجتمع إذ يجعل المدانين مُقعَدين وعاجزين عن العمل . كما ينظر إلى تعدد الزوجات الشرعيات حتى أربع زوجات ، وإلى التسري غير المحدود بالإماء ولو كنّ متزوجات من أسرى ، وإلى تبني أحكام الشريعة اليهودية برجم الزاني والزانية على أنها أفعال مخالفة للمبادئ الإنسانية . كما يُنظَر إلى تقييد حرّية الأشخاص في أن يوصوا بتوزيع ثرواتهم كما يشاؤون على أنه يخالف المبدأ الشرعي الإسلامي القائل : الناس مسلّطون على أنوالهم وأنفسهم . وفحوى هذه الانتقادات جميعاً أنّ مثل هذا الدين لايمكن أن تكون له قيمة شاملة ودائمة . ومن الصحيح بالطبع أنّ كثيراً من هذه الأحكام ، كالرجم، وقطع اليد ، والثأر على – مبدأ العين بالعين – والسنّ بالسنّ . لم تعد ساريةً في معظم البلاد الإسلامية ، وأنّ المصارف التي تتعامل بالربا والفائدة قد تواجدت في معظم هذه البلدان . فإذا ما ذُكِرًت هذه الحقيقة للنقاد ، عمد هؤلاء إلى تعليقات لاذعة تتعرض للحجّ، فهم يقولون إنّ تسمية موضع للأصنام بيتاً لله ، وتحويل الشعيرة الوثنية القديمة المتمثّلة بلثم الحجر الأسود إلى شعيرة إسلامية ، بل ومناسك الحجّ الأخرى جميعاً تتنافى مع ادّعاء الإسلام أنه أنقذ القوم من الوثنية والخرافة وينبغي تفسيرها على أنها تعبير عن شعور عرقيّ. وهم يرون أنّ ما من دين يمكن أن يكون كونياً ودائماً ما لم يهْدِ البشرية كلها إلى الخير والصلاح ويتعالَ على كل تعصب ملّي أو قومي . لكن هؤلاء النقـّاد غالباً ما ينسون أنّ أفضل الشرائع هي تلك التي تسدّ الثغرات وتقارع الشرّ والفساد القائمين في المجتمع المعنيّ . ففي أرضٍ كان فيها القتل , والنهب، وانتهاك حقوق الآخرين وكرامتهم أموراً شائعة ، لايمكن لغير الصرامة وحدها أن تكون ناجعة . فقطع يد السارق ، والرجم ، ومبدأ المعاملة بالمثل قد تكون الأدوية الوحيدة في مثل هذه الأوضاع . ولقد مارست الرقّ الشعوب المتمدنة التي سبقت الإسلام أو عاصرته ، كالرومان والآشوريين والكلدانيين ؛ وفي الإسلام كان فكّ الرقاب أو إعتاق الرقيق كفّارة عن كثير من الآثام . وكما أشرنا من قبل في المقطع الخاص بالنساء في الإسلام من الفصل الثالث، فإن النساء العربيات قبل الإسلام لم يكن لهنّ أية حقوق ؛ حتى إنّ زوجة المتوفى كان يمكن أن تؤول إلى وريثه بوصفها جزءاً من التركة . وأحكام القرآن الخاصة بالنساء تَسِمُ ترقّياً ثورياً بهذا الشأن . ومن السخف أن تـُقـَوَّم أعمالُ وأحكامُ قائدٍ من القرن السابع تبعاً للمعايير التي سادت في القرنين التاسع عشر والعشرين ؛ ومن ذك أن يُقال ، مثلاً، إنّ محمداً كان ينبغي أن يتعامل مع الرقّ كما تعامل معه أبراهام لنكولن . يمكن الردّ على كثيرٍ من هذه الانتقادات بردود تنقضها. فحتى في مسألةٍ مهمةٍ مثل حرية الفكر والاعتقاد ، يمكن أن نبرّر للمسلمين تخييرهم أهل المناطق المفتوحة بين الإسلام ودفع الجزية . أما بمعايير الفكر المتقدم في القرن العشرين ، فمن البديهي أن ّإعمال السيف لإجبار الناس على قبول الدين الإسلامي ليس باللائق أو العادل . ولا يمكن للفكر الحديث أن يقبل أن الإله القدير قد اصطفى عرب الجزيرة في القرن السابع لهداية البشرية جمعاء. ولو كان الله معنياً بهذا القَدر بأن تهتدي إلى الإسلام شعوب الشام ، ومصر، وفارس، فإنّ وسائل ألطف كانت متاحةً لهذه الغاية ، بحسب الآية 8 من سورة فاطر : ( إن الله يُضِلّ من يشاء ويهدي من يشاء ) فحقيقة أن هداية البشر لايمكن أن تكون بالسيف هي حقيقة واضحة في الآية 42 من سورة الأنفال ليهلك من هَلَك عن بينة ويحيي من حيّ عن بيّنةٍ ) ويمكن أن نورد عشرات من الآيات القرآنية الأخرى التي تحمل المعنى ذاته وتؤكد على هذه الأطروحة، لكننا سنكتفي بالآية6 من سورة الكافرون : ( لكم دينكم ولي ديني). والحال ، أنّ دراسة هذا الأمر تفضي بنا إلى نتيجة مدهشة مفادها أنّ فرض الخيار بين الإسلام ودفع الجزية كان سياسة التعامل مع سكان جزيرة العرب، ولم يتم تبيّنه إلا بعد الاستيلاء على خيبر وخاصة بعد فتح مكّة وإخضاع قريش . فعزم محمد كان أن يجعل من جزيرة العرب وحدة سياسية واحدة، ولذلك كان قد أعلن ، بحسب حديث موثوق ، أنه - لا يُتـْرَك في جزيرة العرب دينان – وقد تلا فتح مكّة نزول الآية 28 من سورة التوبة التي تنصّ على أنّ المشركين نَجَسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام. وتدلّ مقاطع متعددة في السورة ذاتها على أنّ قصد النبي كان إقامة وحدة قومية عربية تحت لواء الإسلام . ولذلك هُدّد الأعراب ، الذين تقول فيهم الآية 97 من سورة التوبة : ( الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود الله) بإجراءات صارمة وباللجوء إلى القوّة . أما ما ورد في الآية 198 من سورة الشعراء: ( ولو نزّلناه على بعض الأعجمين) . فيشير إلى الأقوام من غير العرب كانوا أسرع من العرب في فهم القرآن وتقبّل تعاليمه . ومن بين ملاحظات الباحثين الأوربيين ، تبقى ملاحظتان لم يُجَب عنهما في الحقيقة . وتـُعنى أولى هاتين الملاحظتين بلا معقولية أن يكون الله قد أمَرَ عرب الحجاز بأن يهذّبوا شعوب العالم ويهدوهم بحدّ السيف إلى مكارم الأخلاق والتوحيد . ولأن ذلك يصعب تصديقه بالفعل ، فلن نتابع تقصّي هذا الموضوع هنا لكي نتوقف عند الملاحظة الثانية التي تُعنى بالدافع الاقتصادي وراء الفتوحات العربية . لاحظنا في المقطع السابق من هذا الفصل أنّ الطموح إلى القيادة والحكم هو ما شكّل تاريخ الإسلام منذ وفاة النبي . وهنالك أدلة وافرةٌ أيضاً على أن المحرّض على الفتوحات العربية كان الرغبة في الاستيلاء على ثروات الشعوب الأخرى . فالرجال الذين كانوا يعيشون عيشة خشنة ولا يتدبّرون قوتهم القليل من تربتهم القاحلة إلاّ بشق الأنفس، كانوا يعلمون أنّ خلف حدودهم أراضي خصبة ومدائن مزدهرة حيث الحوائج وضروب التنعّم متوافرة بكثرة. والمؤسف أنّ هذه المناطق الآهلة كانت تعود إلى الإمبراطوريتين الجبارتين الفارسية والبيزنطية ، وما كان من المتصوَّر أن تستولي عليها جماعة من البدو الفقراء بعتادهم الرديء. غير أنّ الإسلام كان قد وضع حداً للقتال الضروس بين القبائل العربية ، ووسّع آفاقها، وجمع قواها المشتتة في كل واحدٍ قويّ. وغدا عندها المستحيل ممكناً . ولقد اعتاد أولئك القوم الفقراء على إشباع أطماعهم من خلال السطو على مائتين أو ثلاثمائة من الإبل في غزوة على قبيلة ضعيفة من القبائل. أمّا حين اجتمعوا في جيش واحد ، فقد غدوا قادرين على الاستيلاء على غنائم أكثر بما لا يقاس، وعلى فتح أراضٍ خصبة وغنية، وامتلاك الحسان البيضاوات والكنوز التي لا تُقدّر بأثمان . وما كانوا ليهابوا الموت في سعيهم وراء الأسلاب والشهوات. وكانوا يزحفون ، تحت لواء الإسلام ، ليس أملاً بالغنائم وحدها بل ثقة أيضاً بأنّ لهم الجنّة إذا ما قَتَلوا أو قـُتِلوا . فهذه القناعة كانت تلبي لديهم حاجةً روحية ماسّةً ، فضلاً عن توقهم إلى المجد والسؤدد . لم يعد ثمة مجال لأن تغير تميم على تغلب ، أو الأوس على الخزرج، أو ثقيف على غطفان؛ فبدلاً من ذلك ، صار بمقدور الجميع أن يشخصوا بأبصارهم إلى الشام والعراق . وكما لاحظنا في المقطع الثالث من الفصل الثالث، فإن الغنائم كانت عاملاً مهماً في ترسيخ دعائم الإسلام وتوطيد أواصر المسلمين . فالاستيلاء على قافلة قريش في نخلة في السنة الثانية للهجرة عزّز وضع المسلمين، والاستيلاء اللاحق على جزء من أملاك بني القينقاع ,وأملاك بني قريظة كلها جعل أوضاعهم المالية راسخة متينة. وقد صوّر القرآن تصويراً نابضاً بالحياة تعطّش الأعراب الذي لا يرتوي إلى الغنائم. ففي الآية 15 من سورة الفتح: ( سيقول المُـخلّفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذَرونا نتبعكم) فهذه الآية تشير إلى فئة من الأعراب كانوا قد تخلّفوا عن قتال قريش وعن المشاركة في البيعة تحت الشجرة ، وأرادوا لاحقاً أن يلتحقوا بغزوة يهود خيبر لينالوا نصيباً من الغنائم الكثيرة التي وعد بها الله المؤمنين . وفي غزوة خيبر ، أعطى النبي لغطفان حصّة من الغنائم ليقنعهم بالعدول عن مدّ يد العون لحلفائهم هناك من اليهود . وتقدم روايات العقد الأول بعد الهجرة أمثلة كثيرة مثل هذه عن طمع الأعراب بالغنائم . ويستحق المثال الذي سبق أن ذكرناه في المقطع الخامس من الفصل الثالث اهتماماً خاصاً ، أعني استياء الأنصار حين قـُسّمَت غنائم هوازن على رؤوس قريش. فالأخبار تقدّم برهاناً على ما لدى الأعراب من غريزة الإغارة والسلب وما لدى النبي من تفهّم لذهنية قومه . ومن المهم أن نبقي في أذهاننا ، لدى مناقشة هذا الأمر ، أن لجوء النبي إلى وسائل مثل مهاجمة القوافل وإجلاء أو إخضاع اليهود كان مدفوعاً بهدف أرفع من رغبة الأعراب في جمع الثروات . ( من كتاب : 23 عاماً دراسة في الممارسة النبوية المحمدية ) (مؤلف الكتاب : علي الدشتي وترجمة ثائر ديب وإصدر رابطة العقلانيين العرب ) يتـــــبع ....
#مصطفى_حقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جنٌّ مسلمون يغتصبون منزلاً ويحرقونه من بالوعة ....؟
-
(4).... مابعد النبوّة ...الخلافة
-
(3).. ما بعد النبوّة .. الخلافة.
-
(2 )...ما بعد النبوّة ... الخلافة ..
-
(1) ما بعد النبوّة...الخلافة ..؟
-
تحية للدكتورة وفاء سلطان على منبر الحوار المتمدن ...
-
نشأة الكون وتقسيم الزمن ....؟
-
الجنّ والسّحر ...؟
-
..( 4 ) الله في القرآن..
-
.. وأد العقل العربي هل تفاقم إلى ظاهرة تراثية إرثية ..؟
-
....(الله في القرآن ...(3
-
..(.الله في القرآن ..( 2
-
..- الله في القرآن ..-1
-
... النساء والنبي -2-؟
-
.. النساء والنبي ....-1-..؟
-
... النساء في الإسلام ...؟
-
النبوّة والحكم .....؟
-
سياسة التقدم نحو السلطة ....؟
-
الكاتب القاص المدمن عشقاً صبحي دسوقي يبتهل لنارا....؟
-
بداية اقتصادية على أموال اليهود...؟
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|