أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - كاظم حبيب - الدروس التي يمكن استخلاصها من الحرب الأخيرة واحتلال العراق















المزيد.....



الدروس التي يمكن استخلاصها من الحرب الأخيرة واحتلال العراق


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 543 - 2003 / 7 / 17 - 16:13
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

نشاط قوى صدام حسين ما بعد سقوط النظام

الحلقة العشرون

الدروس التي يمكن استخلاصها من الحرب الأخيرة واحتلال العراق

تشكل أخيراً مجلس الحكم العراقي المؤقت لا من خلال مؤتمر وطني عام, كما كان المؤمل والمطلوب, بل من خلال ترشيح القوى والأحزاب السياسية لممثليها, إضافة إلى عدد من المستقلين الذين حضوا بتأييد الأحزاب والقوى المختلفة في البلاد وموافقة الحاكم المدني العام ي العراق السيد بريمر. أي أن القوى السياسية العراقية وسلطة الاحتلال قد التقت في وسط الطريق. وهو أمر في المحصلة النهائية إيجابي ولصالح المجتمع العراقي في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق, كما أنها جاءت, وهو أمر مهم بفعل تغيرات جارية على صعيد العالم إزاء المسالة العراقية والحرب والضغوط المتعاظمة على الإدارتين الأمريكية والبريطانية بشأن مدى صواب امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل التي شنت الحرب رسمياً بسببها, وكذلك ضغط الشارع العراقي والقوى السياسية الفاعلة في البلاد, مضافاً إليها الفوضى التي سادت البلاد وعجزت سلطة وقوات الاحتلال على تدبيرها والسيطرة عليها.

ولا شك في أن هذا الإجراء لا يعتبر نقل السلطة إلى العراقيين بشكل كامل ومباشر, إذ أن القرار 1483 لعام 2003 هو المتحكم بأوضاع العراق والذي قضى اعتبار القوى التي خاضت الحرب ضد النظام العراقي هي قوى محتلة للعراق. ومن هنا فأن صراعاً سينشب لا محالة بين مجلس الحكم العراقي الجديد وسلطة الاحتلال حول الصلاحيات والواجبات وأسس العمل واتجاهاته ومضامينه وسبل التنفيذ والمصالح التي يحققها ...الخ. إلا أن التناقضات المحتملة والصراعات التي يمكن أن تنشأ عنها يفترض حلها بالطرق السلمية والحوار لتجنيب العراق مزالق فوضى جديدة أو حتى معارك إضافية لم يعد المجتمع العراقي يتحملها. إلا أن الدلائل كلها تشير إلى قدرة مجلس الحكم العراقي على تنفيذ السياسة التي سيضعها رغم المصاعب التي ستواجهه بسبب الظروف الدولية وقرب الانتخابات الأمريكية والضغوط المتعاظمة على الدولتين المحتلين, إضافة إلى تكاليف الاحتلال العالية التي لم تكن متوقعة من جانب الإدارة الأمريكية والتي تبلغ حالياً بين 3-4 مليار دولار أمريكي شهرياً, أو ما يعادل 26-48 مليار دولار سنوياً كتقدير أولي, وإلى 100 مليار دولار سنوياً كتقدير يقارب الواقع.

إن الغالبية العظمى من الشعب العراقي تشعر اليوم بالارتياح لثلاثة أسباب أساسية يفترض أن لا يقع أي محلل سياسي بخطأ تجاوزها, وأعني بذلك:

· أن الشعب العراقي بعربه وكرده وأقلياته القومية تشعر بالسعادة الحقيقية لخلاصها من نظام الاستبداد والموت ومن الدكتور الذي شوه حياتها وأحالها إلى هم وضيم وحرمان وبؤس مستمر.

· وأن الشعب العراقي يتوقع من مجلس الحكم الجديد أن يحقق الأمن والاستقرار ويعيد بناء الخدمات العامة ويبدأ بالتحضير الهادي والرصين لحياة حرة ديمقراطية مديدة عبر وضعه لدستور مدني وديمقراطي فيدرالي وعلماني حديث يفصل الدين عن الدولة لصالح الدين والدولة في آن, ويجري بعد سنة أو سنتين انتخابات عامة حرة وديمقراطية ليضمن قيام برلمان حر ومنتخب بكل حرة ويتداول السلطة ديمقراطياً وسلمياً وفق نتائج الانتخابات وبعيداً عن أية مشاعر طائفية أو ذهنية قومية شوفينية أو ضيقة أو ذهنية عسكرية عدوانية, وأن يستثمر مجلس الحكم ثروات وإمكانيات العراق والمساعدات والقروض التي يحصل عليها لإعادة إعمار وتطوير العراق اقتصادياً واجتماعياً وفق أسس عقلانية.

· وأن الاحتلال الراهن سينتهي مع نهاية المرحلة الانتقالية وقيام حكومة عراقية منتخبة ديمقراطياً تعزز استقلال وسيادة العراق وفق المفاهيم الحديثة للاستقلال والسيادة الوطنية والتي تعبر عن واقع التفاعل والاندماج المتزايد في الاقتصاد الدولي في ظل ظروف العولمة الموضوعية وليس سياسات العولمة التي يراد فرضها على شعوب البلدان النامية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية المتمثلة باللبرالية الجديدة والمعبرة عن ذهنية ومصالح المحافظين الجدد.

إن ما تحقق في العراق ينبغي أن لا يتحول إلى نموذج في السياسات الدولية, إذ عندها ستواجه الشعوب حروباً محلية وإقليمية شرسة. ولكنها يفترض أن تكون إنذاراً لكل النظم الاستبدادية في العالم في أن العالم قد تحول منذ سنوات إلى قرية صغيرة متجاورة في بيوتها وغرفها وعلينا أن نعمل من أجل سيادة الديمقراطية وحقوق الإنسان في كل البيوت والغرف والسكان الذين يعيشون في هذه القرية. وبالتالي يمكننا منع التجاوزات من بعضنا على البعض الآخر, رغم أن هذه الإشكالية تبقى نسبية بسبب الأطماع التي تنفك تعبر عنها القوى الرأسمالية الأكثر جشعاً في العالم للهيمنة على موارد وثروات الشعوب الأخرى والمقاومة العادلة التي تبديها الشعوب إزاء تلك السياسات.

إن المشكلة العراقية فجرت مشكلة دولية ارتبطت بواقع سياسات العولمة الأمريكية على الصعيد العالمي, كما أنها ستكون السبب في نشوء حالة جديدة تفرض على العالم كله أن يمارس دوره في السياسة الدولية بدلاً من الخضوع للسياسة الأمريكية. إن الرؤية العقلانية للعالم والسياسات الدولية ينبغي أن لا تختفي أو تغيب من حسابات العراقيات والعراقيين بسبب ما حصل في العراق والذي تجاوز الإرادة الدولية والرأي العام العالمي. لقد مرت حادثة العراق بسلام, ولكن هذا لا يعني بأن الحالات الأخرى التي يمكن أن تخاطر بها الولايات المتحدة ستمر بسلام أيضاً. وهذا هو الأمر الذي ينبغي أن نستخلصه من تجربة العراق في حرب الخليج الثالثة. وهي كانت, كما يبدو نتيجة واضحة بسبب السياسات التدميرية التي مارسها النظام العراقي ورئيسه المصاب بجنون العظمة وانفصام الشخصية والسادية الجامحة لا في حق شعب العراق فحسب, بل وبحق شعوب المنطقة وخاصة جيران العراق.

علينا أن نتابع ما جرى في العالم من أجل القبول بسياسة الحرب في العراق من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لتكون ذات فائدة للجميع مستقبلاً. وكانت حسابات الدولتين قبل الحرب غير التي توصلت إليها بعد الحرب, وغير ما توقعته أيضاً, وبالتالي هذا سيجعلها أكثر حذراً في صفقاتها العسكرية القادمة. يمكن أن نتابع السياسة الأمريكية وفق الخطوات التالية, رغم أن الهدف النهائي كان واضحاً لواضعي السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط:

· دعم وإسناد نظام دكتاتوري دموي في العراق بهدف تحقيق جملة من الأهداف من خلال ذلك التأييد. كانوا يدركون أن رأس النظام مدين لهم في وجوده على رأس السلطة بغض النظر عن الأساليب والأدوات التي مورست حتى وصوله إلى السلطة, وكانوا يدركون طموحاته وجوانب مهمة من شخصيته غير المتوازنة والمريضة.

· دفعه ومساعدته على التسلح المتعدد الجوانب والمتنوع الاتجاهات, ولم تكن علاقات العراق بالاتحاد السوفييتي تغيض الولايات المتحدة بأي حال, إذ كان الرجل في المحصلة النهائية غير معادٍ لها, بل صديق مؤقت يحسب حسابه.

· دفعه بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى فرض هيمنته على البلاد وتصفية القوى السياسية المناهضة له. وفي هذا تتوصل إلى نتيجتين مهمتين: أفراغ الساحة السياسية من كل قوة سياسية قادرة على مقاومته وبالتالي يسمح له هذا الوضع بممارسة السياسة التي يريدها بكل حرية على الصعيدين الداخلي والخارجي أولاً, وفرض العزلة الدولية تدريجاً عليه بسبب كونه يمارس سياسة استبدادية مناهضة للديمقراطية وحقوق الإنسان وفضح غير مباشر للاتحاد السوفييتي التي تقيم أقوى العلاقات السياسية والاقتصادية مع نظام من هذا النوع في حين أنها لم تكن تمتلك علاقات دبلوماسية مع العراق ثانياً. فهي بهذا تضر عصفورين بحجر واحد.

· دفعه إلى ممارسة سياساته الخارجية ذات الأطماع ومساندته في الحرب ضد إيران وهي بذلك تضمن ثلاث قضايا في آن واحد: الانتقام من سياسات إيران بعد الثورة إزاء الولايات المتحدة وموضوع احتجاز رهائن في السفارة الأمريكية بطهران وخسارة الولايات المتحدة لحليف ثابت وأمين لها هو الشاه ونظامه من جهة, وإضعاف الدولة الإيرانية وتسهيل إمكانية توجيه ضربة قاصمة لها فيما بعد من خلال زعزعة النظام الجديد فيها من جهة ثانية, وإضعاف النظام العراقي على الصعيد الداخلي والعربي والدولي وعدم السماح له بالانتصار وخلق توازن بين إيران والعراق, مع دفع النظام العراقي إلى مزيد من الاستبداد والاستعداد لخوض مغامرات جديدة.

· وكانت الحرب العراقية – الإيرانية والمآسي التي ارتبطت بها, وخرج النظامان منها وهما يئنان تحت وطأة عواقب الحرب المجنونة, لا غالب ولا مغلوب, ولكن الشعوب العراقية والإيرانية دفعت ثمن ذلك غالياً جداً, وتعمق الاستبداد في البلدين بطرق متباينة.

· ثم كانت المغامرة التي لم يتوقعها الكثيرون, مغامرة غزو الكويت, التي شجعته بشكل غير مباشر عليها سفيرة الولايات المتحدة في العراق, إذ كان المعتقد أن النظام لا يكف عن نزواته وذهنيته العدوانية. وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير. ومنذ تلك الحرب قرر البنتاغون وقررت الإدارة الأمريكية التخلص من صدام حسين بعد استنفاذ حاجتهما منه وليس على عجل. فكانت حرب الخليج الثانية التي دمرت النظام والاقتصاد العراقي وبنيته التحتية ولكنها لم تسقط النظام إذ لم يكن قد استنفد أغراض وجوده وخدماته. وكان الحصار الذي أضعف الشعب العراقي إلى أبعد الحدود المتوقعة, كما لم تسمح للنظام العراقي بالتطور العسكري ولكنها سمحت له بتوجيه المزيد من الضربات للمعارضة العراقية لجعلها عاجزة عن ضرب النظام العراقي وإسقاطه, ولكنه تجلب القلق له دوماً من جهة, ومضطرة إلى التحري عن من يساعدها للخلاص من النظام القائم ما دامت هي عاجزة عن ذلك.

· وكخطوة أولى بادرت الإدارة الأمريكية في عام 1998 إلى إصدار قانون تحرير العراق عن الكونغرس الأمريكي, علماً بأن قرار الخلاص من النظام وضع في عام 1991 بعد أن وجه النظام العراقي بعض صواريخه البائسة إلى إسرائيل, ورغم ذلك لم يكن قد استنفذ دوره كاملاً.

· إن صدور قانون تحرير العراق عبر التدخل العسكري المباشر للولايات المتحدة قد اصطدم بخمس عقبات مهمة جداً, وهي: 1) رفض رئيس الولايات المتحدة السابق بيل كلنتون خوض الحرب ضد العراق رغم مساندة بعض الديمقراطيين لذلك, ولكن الغالبية كانت ضد مثل هذه السياسة, 2) عدم وجود غطاء شعبي أمريكي لمثل هذه الخطوة, 3) رفض أوروبا والكثير من دول العالم لمثل هذه الحرب المحتملة, 4) انقسام المعارضة العراقية على نفسها, 5) الدول العربية المجاورة كانت تعارض وتخشى انفلات الأمن الداخلي في بلدانها, وبالتالي كانت ترفض مثل هذه الخطوة وتفضل طريقة أخرى للخلاص من صدام حسين, إن كان ذلك ضرورياً للولايات المتحدة.

· إلا أن التغيير السياسي الذي حصل في عام 2001 في الولايات المتحدة وتسلم بوش الابن لرئاسة الدولة الأمريكية وضع على رأس السلطة هناك القوى المحافظة الجديدة الأكثر تشدداً والأكثر استعداداً لخوض الحروب لفرض الهيمنة الأمريكية على العالم والتي يفترض أن تبدأ من العراق, تماماً كما بدأت ممارسة سياسة العولمة الأمريكية وفرض القطبية الواحدة مع حرب الخليج الثانية وإنهاء دور الاتحاد السوفييتي في حينها كدولة عظمى في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية. وكان ملف الحرب في العراق قد طرح نفسه من جديد وبدأت الإدارة الأمريكية الجديدة تدرس مع خبرائها العوامل التي تستند إليها في إقناع الرأي العام الأمريكي والعالمي بضرورة شن الحرب وسبل التنفيذ.

· ثم جاءها العامل الذي أنقذها من عملية التحري عن العوامل, جاءت العمليات الانتحارية الإجرامية التي قادتها منظمة القاعدة المتطرفة والإرهابية في نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول من عام 2001. وكان القرار واضحاً بخوض حربين لا واحدة, حرب ضد الأفغان بحجة العدوان, وحرب على العراق بحجتين ثم ثلاث, بحجة التعاون مع القاعدة وبحجة امتلاك أسلحة الدمار الشامل وتهديد الدول المجاورة وإسرائيل على وجه الخصوص والولايات المتحدة الأمريكية أيضا, وبحجة الاستبداد والقمع والإرهاب ضد الشعب العراقي. وكانت الحجة الثالثة هي الحجة الوحيدة الصادقة والمعبرة عن حقيقة النظام العراقي وقدراته في تلك الفترة. لقد كان النظام العراقي قادراً على اضطهاد وقمع الشعب العراقي وحده وزيادة عدد للمقابر الجماعية, ولكنه لم يكن قادراً على تهديد جيرانه ولم يكن على علاقة بتنظيم القاعدة. بل هما قوتان متعارضتان من حيث المبدأ.

· وقدم النظام العراقي ما يكفي من الحجج لتشديد الموقف الأمريكي والشك بمصداقيته, وهي حقيقة, في أن العراق يحتمل أن يمتلك أسلحة دمار شامل من خلال جرجرته وامتناعه وتعقيده عمليات التفتيش عنها في العراق, وكان هذا كافياً للولايا المتحدة الأمريكية بخوض الحرب.

· كانا, بوش ومعه إدارته الجديدة المكونة من صقور السياسة الأمريكية, ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير, على استعداد للقيام بكل ما يمكن, بما في ذلك عمليات تلفيق واسعة بهدف إقناع الشعب والكونغرس ومجلس الشيوخ في الولايات المتحدة بضرورة الحرب, وكانت خطابه في اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة الموجه لأمريكا والعالم وخطابه الموجه إلى الشعب الأمريكي قد تضمنا حقائق كثيرة عن الواقع العراقي وعن النظام العراقي, ولكنهما تضمنا أيضاً معلومات ليست غير مدققة فحسب, بل وكاذبة أيضاً, ليبررا خوض الحرب ضد النظام العراقي.

· وكانت السياسة الأمريكية في أثناء ذلك قد نجحت في شق المعارضة العراقية إلى كتلتين, إحداهما مع الحرب والأخرى ضد الحرب من جهة, وإلى تجميد نشاط المعارضة المؤيدة للحرب عن أي نشاط مناهض للنظام في ما عدا الدعاية للحرب واستمرار الحصار والدعوة إلى إنقاذ العراق من أسلحة الدمار الشامل ومن الاستبداد والمخاطر التي يشكلها النظام على العالم, وعقدت مؤتمراً في لندن وصلاح الدين لتأييد الحرب وتحقق ذلك فعلاً.

· ولعب الإعلام الأمريكي الموجه من قبل الإدارة الأمريكية والبنتاغون ووكالة المخابرات المركزية والأمن الداخلي دوراً أساسياً في إقناع الغالبية العظمى من الشعب الأمريكي بصواب قرار خوض الحرب للتهديد الذي يشكله النظام للسلام في أمريكا والعالم. ونفس الدور لعبته بعض الصحف البريطانية وبعض القوى المسؤولة بما فيها أجهزة الأمن البريطانية والإسرائيلية والإيطالية والأسبانية وغيرها.

· ورغم الرفض الذي جوبه به قرار الحرب في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي, وقعت الحرب وأمكن إسقاط النظام بسرعة كبيرة وفرض الاحتلال على العراق وتحرر العراق من نظام الاستبداد والقتل.

· وعلينا أن ننتبه على حقيقة أن صدام حسين لم يكن مجرد آلة, بل كان إلى جانب ذلك لاعباً رئيسياً في لعبة العراق والمنطقة. إذ كانت له أطماعه وتصوراته وأهدافه أيضاً, خاصة وأن صدام حسين كان يقف على رأس حزب سياسي عقائدي شوفيني وعنصري يؤمن بالاستبداد والعنف والهيمنة, ووقف على راس نظام يمتلك الثروة لتطوير قدراته العسكرية والاقتصادية والسياسية للسير في طريق تحقيق أهدافه, إضافة إلى أن صدام حسين, كما أشرنا سابقاً, كان وما يزال مصاباً بجنون العظمة وانفصام الشخصية والسادية, وهي أمراض عشنا عواقبها المريرة في العراق.

هذا هو المجرى الذي سارت عليه خطة الحرب ضد النظام العراقي. وهو أمر مهم وضع النقاط على الحروف لمواجهة الحالات في المستقبل.

إلى ماذا نخلص من كل ذلك؟

1) رغم النجاح الذي تحقق في العراق في إسقاط الدكتاتورية, إلا أن الحرب يفترض أن لا تكون في كل الأحوال الطريق لحل المشكلات والنزاعات الدولية والإقليمية والمحلية, بل يفترض تكريس السبل الديمقراطية وآلياتها الضرورية لتحقيق السلام وضمان سيادة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في مختلف بلدان العالم.

2) إن الاستبداد ومصادرة الحريات الديمقراطية وحقوق الشعوب والذهنيات العسكرية والشوفينية والعنصرية لا يمكن إلا أن تنتج الحروب والموت والدمار, ولهذا يفترض مواجهتها قبل أن تتفاقم لتتحول إلى نزاع وكأنه لا يحل إلا بخوض الحرب.

3) إن الدول الكبرى ذات المصالح الدولية والمعبرة عن مصالح أكبر الاحتكارات في العالم مستعدة كل الاستعداد على ممارسة الكذب والتلفيق والتحايل للوصول إلى الأهداف التي تسعى إليها, إلا أن حبل الكذب قصير دوماً.

4) إن الشعوب ترفض الاحتلال وبالتالي على القوى السياسية أن تنتبه إلى هذه الحقيقة وتنهي الاحتلال الذي تعرض له العراق, رغم التحرير الذي تحقق من ربقة الدكتاتورية المجرمة, بسرعة والعمل على تكريس الديمقراطية والحياة الطبيعية.

5) قامت حركة السلام في العالم بحملة عالمية واسعة مناهضة للحرب ودعت إلى منع وقوعها واستطاعت تنظيم مظاهرات عارمة في أوروبا ضد الحرب, ولكنها فشلت حقاً في استيعاب حقيقة أن منع الحرب أمر ممكن فقط في حالة الربط العضوي والدائم بين رفض الحرب ورفض الاستبداد ورفض مصادرة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, أو بين تحقيق السلام وسيادة الحرية والديمقراطية في مختلف البلدان. وهو درس ثمين يتمنى الإنسان على حركة السلام العالمية أن تأخذ به لاحقاً.

6) إن الحل الذي حصل في العراق يفترض أن لا يكون الصيغة التي تمارس مع البلدان الأخرى, بل لا بد من معالجتها قبل الوصول إلى احتمال شن الحروب. فاتفاق المصالح بين الدول العظمى والدول النامية محدود في هذه المرحلة, إذ سرعان ما تنتهي مع انتهاء حالة معينة, بعدها تبدأ المصالح غير المتوافقة بالعمل, وهنا ينشأ التناقض والصراع فالنزاع. ومن هنا تنشأ أهمية الانتباه إلى ذلك. ورغم الاتفاق على الخلاص من الدكتاتورية بين الولايات المتحدة وبريطانيا والقوى السياسية العراقية, فأن ما يأتي بعد ذلك يمكن أن يصطدم بخلافات. وهنا تقع على عاتق القوى السياسية العراقية إيجاد الآليات المناسبة لمعالجة تلك الخلافات بالطرق السلمية والديمقراطي حتى يحين وقت إنهاء الاحتلال.

إن المرحلة الجديدة التي يعيشها العراق تتطلب من الشعب العراقي وعي ثلاث مسائل أساسية يصعب بدونها تحقيق النجاحات والاستقرار المنشود. فالشعب العراقي, ومعه القوى والأحزاب السياسية وكل الفئات الاجتماعية, بحاجة إلى التعلم من دروس الماضي والانتباه لمجرى الأحداث والمساهمة فيها كعامل أساسي ورئيسي فاعل وليس كمتفرج, إن الشعب بحاجة إلى الصبر القليل لتجاوز المرحلة الصعبة الراهنة بعد أن عاش تحت ظل القهر الداخلي ما يقرب من أربعين عاماً أو القرن العشرين كله. ويحتاج إلى التعامل الواعي من خلال الاعتراف بالآخر وحقوقه وحرياته ومصالحه وممارسة مبدأ التسامح لتعزيز اللحمة الوطنية العراقية مع الاعتراف الكامل لحقوق الشعب الكردي والأقليات القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية. إن الشعب بحاجة إلى نبذ الطائفية وهي بخلاف الحق في تبني المذاهب الدينية المختلفة, فالدين والمذهب علاقة بين الإنسان وربه في حين نحن بحاجة إلى علاقة أخرى علاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان, وهي علاقة تنظمها الدولة والمجتمع. نحن بحاجة إلى دور فعال ومتكافئ للمرأة في المجتمع العراقي, إلى امرأة متحررة وواثقة من نفسها وذات شخصية مستقلة, تحترم كرامتها وتعزز مساهمتها الحرة والديمقراطية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. والشعب بحاجة إلى احترام الجيران والأشقاء وتعزيز العلاقات معه جميعاً لصالح التعاون والتنسيق المشترك لخير المنطقة بأسرها. إن ألاف السنين من الضيم والقهر والاستبداد لا تنتهي خلال أيام وأشهر, بل تحتاج إلى سنوات وسنوات, ولكن الإنسان يتمنى أن تكون هذه هي البداية على طريق طويل وشاق ولكن لا بديل له أن كنا نريد أن نعيش في ظل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, فظل الأخوة الصادقة والسلام والطمأنينة والسعادة لنا ولأجيالنا القادمة.

إن أعمال الشغب والإرهاب وإشعال الحرائق من جانب قوى صدام حسين لن تكون لها نتائج, كما يتوقعها منفذو العمليات الإجرامية. ولكن الشعب قادر على وضع حدٍ لها بتضافره وتضامنه والتصدي لها ومواجهتها بحزم صارم. إن إمكانية تحقيق النجاحات لهذه القوى ممكن فقط في حالة عدم نهوض الشعب وقواه السياسية بالمهمات الملقاة على عاتقها وترك الأمور لقوات الاحتلال, عندها فقط تستطيع هذه القوى أن تحقق النتائج التي تسعى إليها. ولكن الشعب غير مستعد لذلك ولا قواه السياسية التي عانت المرارة والعذاب والموت في ظل النظام الدكتاتوري السابق.



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التركة الثقيلة لنظام صدام حسين الاستبدادي على المرأة العراقي ...
- الجولة الأخيرة واليائسة لصدام حسين وعصابته أو صحوة موت
- لمواجهة نشاط قوى صدام حسين بعد سقوط النظام - الحلقة الخامسة ...
- أفكار حول الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في العراق
- العوامل المحركة للقضية العراقية والصراع حول السلطة في العراق
- كيف يفترض أن نتعامل مع فتوى آية الله العظمى السيد كاظم الحسي ...
- موضوعات للحوار في الذكرى الأربعينية لثورة تموز عام 1958
- لِمَ هذه الخدمات المجانية لدعم غير مباشر لقوى صدام حسين التخ ...
- هل الدور الجديد الذي يراد أن تلعبه العشائر العراقية في مصلحة ...
- من أجل أن لا ننسى ما فعله الاستعمار البريطاني والنظام الملكي ...
- من أجل التمييز الصارم بين مواقف الشعب ومواقف أعداء الحرية وا ...
- قراءة في كتاب -دراسات حول القضية الكردية ومستقبل العراق- للأ ...
- انتفاضة السليمانية وثورة العشرين
- إجابة عن أسئلة تشغل بال مواطنات ومواطنين عرب ينبغي إعارتها ك ...
- من أجل مواصلة حوار هادئ, شفاف وبعيد عن الحساسية والانغلاق وا ...
- تحويل بعض بيوت الله من منابر للتسبيح بحمد الدكتاتور إلى مراك ...
- من أجل مواصلة حوار هادئ, شفاف وبعيد عن الحساسية والانغلاق وا ...
- الشفافية والمجاهرة حاجة ماسة في العلاقة المنشودة بين القوى ا ...
- من يقف وراء حملة التمييز بين مناضلي الداخل والخارج؟ وما الهد ...
- محنة الأكراد الفيلية في العراق!


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - كاظم حبيب - الدروس التي يمكن استخلاصها من الحرب الأخيرة واحتلال العراق