علي وتوت
الحوار المتمدن-العدد: 1801 - 2007 / 1 / 20 - 12:15
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
وإذا ما كان المفكرون الغربيون وعلى رأسهم جون ستيوارت مل John Stuart Mill (1806-1873) قد تنبهوا لمثل هذه الإشكالية التي تنتجها الديمقراطية، إذ حاول هذا المفكر أن يوفق بين حريات الأفراد والتزاماتهم نحو الحكومة والمجتمع، فأكد أن الغرض من الدولة هو إنماء الملكات الثقافية في الفرد, ويتوقف مستقبل المجتمع على مدى نجاح الدولة في تحقيق هذا الغرض. وبناءً على ذلك اعتقد (ستيوارت مل) أن اختيار الطبقة الحاكمة يجب ألا يترك للجماهير الجاهلة، فلا يصح أن يكون للأكثرية العددية حق اختيار الحكومة, ولا يصح أن تتساوى أصوات الناخبين, ويقترح بدلاً من ذلك نظام التمثيل النسبي، مع إقامة وزن أكبر للكفاءات، ولكن هذا وحده لا يمكنه إلغاء التفوق العددي للجماهير الجاهلة التي تهدد باكتساح الأقلية المتعلمة. فأكد على قصر حق التصويت على الأفراد الذين حصلوا على قدر معين من التعليم يؤهلهم لممارسة هذا الحق ممارسة فعالة ومنتجة. ولذلك يقترح (ستيوارت مل) تعميم التعليم، وجعله إلزامياً ومجانياً !!. وهو ما طبق فيما بعد في بريطانيا ودول أخرى عدة.
إن التجربة السياسية العراقية السابقة (سواءً في بداية الدولة العراقية الحديثة الراحلة أو في نهاياتها على عهد الدكتاتورية البغيضة لصدام حسين والتي يريد البعض تكرارها الآن)، هذه التجربة (التي قد يجهلها القائمون على إدارة الدولة العراقية بعد الاحتلال وسقوط الدكتاتورية) أثبتت أن نموذج مزاوجة الشكل السياسي الحديث متمثلاً بـ (الدولة)، مع الواقع الاجتماعي المغرق في عصبيته القبلية والعشائرية، هو نموذج فاشل وعاجز في ذات الآن. فهو فاشل في تأدية وإنجاز مهام الدولة الحديثة، وهو عاجز عن توليد نموذج بديل لاجتماعه السياسي. فهو بذلك يعاني فشلاً مركباً شكل عقبة كأداء في توجه المجتمع نحو الديمقراطية، وأوصله إلى ما وصل إليه.
إذ كما هو واضح في نتائج هذه الديمقراطية المفترضة عراقياً (مثلما هو الحال في العديد من المجتمعات العربية المجاورة) كان صعود قوى مغرقة في الانتماءات الضيقة (الإثنية والدينية والطائفية) عوضاً عن الانتماء الوطني الذي تلاشى بفعل ضعف الدولة. فسيطرت على المشهد السياسي قوى مغرقة في المثالية عوضاً عن قوى تتطلع للمستقبل، قوى ظلامية عوضاً عن تلك التي تحدد بوضوح مسيرتها. أنها النتيجة الفعلية لتعثر عمليات التحديث والتنمية في العراق، والفشل في خلق هوية وطنية عراقية تتفوق في انتماء الأفراد إليها عوضاً عن انتماءاتهم الضيقة الفاعلة في الوقت الراهن والحرج من عمر الدولة العراقية.
فهل أن الحديث عن الديمقراطية في العراق هو أمر واقعي، كما يتشبث البعض حين يؤكدون أن أكثر من عشرة ملايين عراقي ذهبوا للإدلاء بأصواتهم ؟ أم إن الأمر هو أشبه ما يكون بمحاولة لأسطرة المفهوم على حساب الواقع، حينما نعلم جيداً أن فئةً قليلةً فقط ممن ذهبوا للإدلاء بأصواتهم في عملية الاقتراع، كانوا يعلمون أنهم يمارسون بحريةٍ ووعيٍ كبيرين حقهم كمواطنين عراقيين ؟
#علي_وتوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟