ويصا البنا
مقدم برامج _ اعلامى _كاتب - مشير اسرى -قانوني
(Wisa Elbana)
الحوار المتمدن-العدد: 8297 - 2025 / 3 / 30 - 23:59
المحور:
حقوق الانسان
في زيارة ميدانية لواحدة من أهم محافظات الصعيد، وقف وزير الصحة المصري أمام مواطن مريض بالكلى، يشكو له من طول الانتظار قبل إجراء جلسة الغسيل الكلوي، فما كان من معاليه إلا أن رد عليه قائلًا: "اشكر الدولة الأول إنها عملت لك المستشفى... وبعدين اشتكي!"
بكل أمانة، لم أكن أعلم أن الشكر أصبح شرطًا مسبقًا للحصول على أبسط حقوق المواطن: العلاج. يبدو أننا انتقلنا من مفهوم "الخدمة مقابل الضرائب"، إلى "الخدمة مقابل التصفيق"!
المواطن المصري – في نظر بعض المسؤولين – أصبح مخلوقًا عليه أن يُصفّق وهو يتألم، ويبتسم وهو ينتظر، ويموت وهو يردد: "شكراً يا دولة!"
تخيلوا معي لو أن هذا المنطق طُبّق في كل نواحي الحياة:
المعلم يقول للطالب: "اشكر المدرسة الأول على الجدران... وبعدين اتكلم عن غياب المدرسين!"
القاضي يقول للمظلوم: "اشكر الدولة على وجود محكمة... وبعدين اشتكي من الظلم!"
والمسؤول عن النظافة يقول: "اشكر الدولة على وجود الشارع... وبعدين اتكلم عن الزبالة!"
الأغرب أن هذا المواطن لم يطلب شيئًا خارج عن المألوف، لم يطالب بتكييف في غرفة الغسيل، ولا بسفرة رمضانية... كل ما طلبه جلسة غسيل كلوي في وقتها، لكي يعيش.
هل أصبح طلب الحياة ترفًا يستوجب الامتنان؟
أنا هنا لا أهاجم الأشخاص، بل العقليات التي ترى أن النقد خيانة، والشكوى تجاوز، والمطالبة بالحق وقاحة. نحن بحاجة إلى مسؤول يسمع، لا يُلقن. يُصغي، لا يُحاضر. يقف في صف المواطن، لا فوق رأسه.
هذه ليست لحظة للسخرية فقط، بل لحظة لطرح سؤال جاد:
هل نريد دولة تُربينا على الشكر الأعمى؟ أم دولة تُحاسب نفسها وتُحسّن من خدماتها؟
هل نريد مستشفيات تُزين الزيارات الرسمية؟ أم مستشفيات تُنقذ المرضى في صمت؟
هل نريد وزراء يُغسلون أدمغتنا بالشكر؟ أم يُنقذون أرواح الناس بالغسيل الكلوي؟
نعم، نشكر الدولة على ما تُنجزه، لكن الشكر لا يُلغِي الحق، ولا يمنع السؤال، ولا يُحرّم النقد.
وفي مجالس التشريع القادمة، علينا أن نُذكّر الجميع أن المواطن ليس تابعًا، بل شريكًا. وأننا هنا، لا لننافق أحدًا، بل لنقول الحقيقة كما هي:
الصحة حق، وليس مكرمة...
والكرامة ليست رفاهية.
#ويصا_البنا (هاشتاغ)
Wisa_Elbana#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟