|
المسألة القوميّة الكرديّة – - نداء القرن - حلّ أم تفسّخ ؟ [ تقييم لتصريح عبد الله أوجلان في 27 فيفري 2025 ]
شادي الشماوي
الحوار المتمدن-العدد: 8297 - 2025 / 3 / 30 - 22:51
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
منشورات الحزب الشيوعي التركي الماركسي -اللينيني www.tkpml.com
( ملاحظة : هذا الكرّاس تقييم ل " نداء مجتمع سلمي و ديمقراطي " أطلقه عبد الله أوجلان ، قائد حزب العمّال الكردستاني في 27 فيفري 2025 ) أوّلا ، لا بدّ من تذكير ضروريّ . عقب " عمليّة طوفان الأقصى " التي نفّذتها المقامة الوطنيّة الفلسطينيّة في 7 أكتوبر 2023 ، شهد الشرق الأوسط تطوّرات ذات دلالة تاريخيّة . فقد شنّت إسرائيل عمليّات عسكريّة بداية ضد غزّة و تاليا ضد لبنان . و في الأثناء ، في سوريا ، تداعى نظام البعث ، و سلّمت السلطة إلى عصابة سلفيّة - جهاديّة ، هيئة تحرير الشام . إنّ التناقضات بين القوى الإمبرياليّة على الصعيد العالمي تصاعدت لتبلغ حربا معلنة مع غزو روسيا لأوكرانيا و الحروب و النزاعات القائمة في الشرق الأوسط . و هذا الوضع فرض إعادة تشكيل التحالفات و إعادة الإصطفاف في صفوف القوى الرأسماليّة – الإمبرياليّة إستنادا إلى هذه التناقضات . و كلا الجانيان يعدّان لحرب جديدة لإعادة تقسيم العالم ( الحرب الإمبرياليّة الثالثة لإعادة تقسيم العالم . ) بكلمات الرئيس ماو ، " هناك فوضى تحت السماوات " . و من غير المعقول أن لا تؤثّر هذه التطوّرات على الدولة التركيّة و الطبقات الحاكمة في تركيا . فمنذ تأسيسها ، كانت تركيا سوقا شبه مستعمَرة للإمبرياليّة ، و نظرا لموقعها الجغرافي السياسي ، خدمت ك " حارس منطقة " لدي القوى الإمبرياليّة، جاعلة هذا الوضع حتمي أكثر تماما . و في حين أنّ غايات و أهداف تركيا في سوريا معروفة جدّا ، فإنّ ظهور الإدارة الذاتيّة لشمال و شرق سوريا – بقيادة الحركة القوميّة الكرديّة وهي تشمل عدّة قوميّات و معتقدات ، لا سيما القوميّة العربيّة – أضحى عاملا حيويّا . و مع إكتساب هذا " الحكم الذاتي " بصفة متنامية آفاق بلوغ وضع رسميّ ، إضطرّت الطبقات الحاكمة التركيّة إلى تطوير سياسة جديدة بشأن القضيّة القوميّة الكرديّة . فتوجّهت الدولة الكرديّة من جديد إلى عبد الله أوجلان الذى أبقته في عزلة شديدة بجزيرة إمرالى طوال 26 سنة . و ظهرت تقارير عن أنّ سيرورة لم تقع تسميتها رسميّا " سيرورة حلّ " كانت قائمة عقب الإجتماعات التي بدأت على ما يبدو قبل سنة من ذلك . و نتيجة هذه السيرورة ، في 27 فيفري 2025 ، أعلنت " بعثة إمرالى " نداء عنوانه " مجتمع سلمي و ديمقراطيّ " ، كتبه أوجلان شخصيّا . و إثر تلاوة البيان بكلّ من اللغتين الكرديّة و التركيّة ، عضة من البعثة سيري سوريّا أندار نشر ملاحظة ساقها أوجلان : " بينما نتقدّم بهذا الأفق ، فإنّه يتطلّب بلا شكّ التخلّى عن السلاح ، و تفكيك صفوف حزب العمّال الكردستاني و الإعتراف بالإطار القانوني و السياسي للسياسة الديمقراطيّة ". و هذه التطوّرات أعادت من جديد و إلى الواجهة تركيز النقاشات على المسألة القوميّة الكرديّة . و بطبيعة الحال ، مقاربات " الأحزاب " لهذه السيرورة متباينة بشكل دراماتيكي . تبنّت الحركة القوميّة الكرديّة نداء أوجلان و أعلنت أنّ قوّات الأنصاريّين سيسلّمون سلاحهم . و أكّدت أنّ الحركة القوميّة الكرديّة لا شروط لديها بشأن هذه السيرورة . و كما وضع ذلك سيري سوريّا أوندار من " بعثة " امرالى " : " لا شروط لهذا . لا شروط مسبّقة و لا شروط لاحقة " ( 3 مارس 2025). و موقف الناطقين الرسميّين باسم الدولة التركيّة معروف جدّا بحيث أنّه يجعل من غير المفيد تكراره . و ليست هذه هي المرّة الأولى التي إنخرطت فيها الدولة التركيّة في مفاوضات مباشرة و غير مباشرة بشأن المسألة القوميّة الكرديّة . و على سبيل المثال ، سنة 1993 ، في ظلّ مبادرات الرئيس ترغت أوزال ، صرّح قائد حزب العمّال الكردستاني، عبد الله أوجلان بإيقاف لإطلاق النار إحادي الجانب لأوّل مرّة في 20 مارس 1993 . و عقب وقوع أوجلان في الأسر في 15 فيفري 1999، نتيجة مؤامرة عالميّة ، دعا إلى إيقاف إطلاق نار آخر ، صرّح حزب العمّال الكردسناني بقبوله في سبتمبر 1999 . و إلى جانب هذا ، صدرت أوامر بإنسحاب القوّات الأنصاريّة من الحدود التركيّة . و قد طبّق حزب العمّال الكردستاني بدرجة كبيرة هذه الدعوة و أطلق فترة " عدم تحرّك إحادي الجانب " دامت إلى 2004 . و لمّا أخفقت الدولة التركيّة في إتّخاذ أيّ خطوات بإتّجاه " حلّ " ، وضع حزب العمّال الكردستاني إيقاف إطلاق النار من جانب واحد و إستأنف النضال المسلّح في 1 جوان 2004 . و شنّ حزب العدالة و التنمية ما سمّي بسيرورة " المبادرة الديمقراطيّة " سنة 2009 تحت إسم " الوحدة القوميّة و مشروع الأخوّة " . و إستؤنفت المحادثات مع عبد الله أوجلان على جزيرة إمرلى و بين مسؤولين من منظّمة المخابرات القوميّة ( MIT ) و بعض ممثّلى حزب العمّال الكردستاني ) من اللجنة المركزيّة ) في أوسلو ، بأوروبا . و جدّت هذه المحادثات المعروفة بمحادثات أوسلو تمّت بين 2009 و 2011 . و في ديسمبر 2012 ، أعلن ما كان حينها الوزير الأوّل رجب طيب أردوغان على الملأ أنّ المفاوضات كانت جارية مع أوجلان بجزيرة إمرالى . و بعد هذا التصريح ، في بدايات 2013 ، عقد ممثّلو الحكومة ، بقيادة نائب السكرتير العام للمخابرات ، مباحثات " بعثة إمرلى " . و هذه الفترة التي دامت من 2013 إلى 2015 و صارت معروفة ب " سيرورة الحلّ " في الخطاب العام ، شهدت حكومة حزب العدالة و التنمية تقطع خطوات لمأسسة السيرورة . و في 2014 ، وقع تمرير قانون ، و بعث المجلس القومي الأعلى التركي " لجنة حلّ " و شكّل " لجنة حكماء " . و في 21 مارس 2013 ، أثناء إحتفالات نيروز في آماد ، قُرأت رسالة أوجلان على الملأ . و في 28 فيفري 2015 ، بعثة إمرلى و ممثّلون لحكومة حزب العدالة و التنمية عقدوا ندوة صحفيّة مشتركة في قصر دولمابهسى . و خلال هذه الندوة الصحفيّة ، جرت تلاوة إطار المفاوضات في 10 نقاط الذى صاغه أوجلان و أُعلن أنّ أوجلان يدعو حزب العمّال الكردستاني إلى عقد مؤتمر خارق للعادة في الربيع لأخذ قرار بصدد نزع السلاح . و مع ذلك في مارس 2015 ، عارض الرئيس رجب طيّب أردوغان إتّفاق دولمابهسى ، مؤكّدا أنّه لم يوافق عليه و مصرّحا ، " لا أعترف بالإتّفاق " . و مع نهاية 2024 ، ظهرت تقارير مفادها أنّ سيرورة " مفاوضات " جديدة كانت دائرة بين الدولة التركيّة و عبد الله أوجلان . و كانت هذه السيرورة مغايرة للسيرورات السابقة في كونها لم تنعت رسميّا بأنّها " سيرورة " و أنّ تفاصيل اللقاءات لم تعلن للجمهور . و بينما جاء في تقارير أنّ الحركة القوميّة الكرديّة لم تعبّر عن أيّة شروط أو أيّ طلبات ، فإّن الدولة التركيّة ، من ناحيتها ، لم تقدّم أيّ إلتزامات أو تنازلات . و النتيجة ، تظلّ طبيعة هذه السيرورة غير معلومة . و مع ذلك ، يجب التشديد على أنّ تجديد الدولة التركيّة التعاطى مع عبد الله أوجلان بصدد القضيّة القوميّة الكرديّة له دلالته . و يعزى ذلك أوّلا ، على التطوّرات الجارية في الشرق الأوسط ، خاصة في سوريا . و بالتالى ، من الأساسي تحليل السياسة الجديدة للدولة التركيّة في هذا السياق . تعزيز الجبهة الداخليّة :
إنّه من المفهوم أنّ العدوان الإسرائيلي ، و السيرورة الجارية في سوريا و التطوّرات العامة في الشرق الأوسط قد دفعوا الدولة التركيّة بإتّجاه تطوير سياسة جديدة . و علامات هذه السياسة أخذت تطفو على السطح قبل سنة . و أتت الإشارة الأولى عندما شدّد رئيس تركيا ورئيس حزب العدالة و التنمية رجب طيّب أردوغان ، " حينما ننظر إلى الأحداث التي نعيشها اليوم ، بوسعنا أن نرى بوضوح أكبر بكثير لمدى حيويّة الجبهة الداخليّة بالنسبة إلى الأمّة " ( 30 أوت 2024 ). و لاحقا ، في نيويورك خلال الاجتماع العام 79 للأمم المتّحدة ، كرّر أردوغان هذا التشديد مصرّحا ، " أهداف جبهتنا الداخليّة هي " تفّاحتنا الحمراء " " ( 27 سبتمبر 2024 ). و على خطى أردوغان ، أكّد قائد MHP دفلات بهسالى هو الآخر على " الجبهة الداخليّة " مشيرا إلى أنّ " واجبنا الأوّلي هو تعزيز جبهتنا القوميّة و الروحيّة ضد العالم الفوضويّ . جبهتنا الداخليّة التي تعرف زعزعة ، و وحدتنا و تضامننا المهدّدان بالتفكّك لا يمكن تجاهلهما و لن نسمح بذلك ". ( 2 أكتوبر 2024 ) و كنتيجة لهذه الإستراتيجيا الجديدة ، إنطلقت السيرورة عندما إشتبكت أيادي قائد MHP دفلات بهسالى مع مجموعة حزب DEM في المجلس القومي الأعلى في 1 أكتوبر 2024 . و في اليوم عينه ، صرّح بهسالى ، " ندشّن عهدا جديدا . و بينما ندعو إلى السلام في العالم ، علينا أيضا أن نضمن السلام داخل بلدنا الخاص ". و في ذلك اليوم نفسه ، رئيس تركيا ورئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيّب أردوغان قال في خطابه أمام الجمعيّة العامة، " بات الآن أكثر من ضروري – إنّه واجب – تحقيق ذلك إزاء العدوان الإسرائيلي ، ليست منطق نزاع بل مناطق مصالحة هي التي يجب أن تتصدّر أعمالنا محلّيا و عالميّا ". و كمزيد من الإشارات لهذه الإستراتيجيا السياسية الجديدة ، في 22 أكتوبر 2024 ، أفاد بهسالى خلال اجتماع مع مجموعة من MHP في البرلمان ، " إذا ما تمّ التخفيف من عزلة قائد الإرهابيّين ، دعوه يأتي و يتكلّم في اجتماع مجموعة حزب DEM في البرلمان . دعوه يُعلن أنّ الإرهاب قد إنتهى نهائيّا و أنّ التنظيم قد جرى تفكيكه ." و تابع أردوغان ذلك بتصريح : " نأمل نافذة الفرصة التاريخيّة المفتوحة بفضل التحالف الشعبي لن تهدر من أجل مصالح خاصة . " ( 2 أكتوبر 2024 ) و إثر هذه المواقف ، نشرت " بعثة إمرالى " بيان عبد الله أوجلان تحت عنوان " مجتمع سلمي و ديمقراطي " ، بمناسبة السنة 26 لسجنه من قبل الدولة التركيّة . و مثلما تمّت الإشارة إلى ذلك أعلاه ، رغم أنّ أوجلان هو الذى صاغ هذا البيان بنفسه ، يبدو أنّه في الأساس إفراز مفاوضات جرت طوال السنة الفارطة بين مسؤولين من الدولة التركيّة و اوجلان ، مفضية إلى بعض التفاهمات . و بما أنّه لم يتوفّر أيّ تفسير رسميّ إلى الرأي العام بشأن طبيعة هذه المحادثات أو " الإتّفاق " الذى وقع التوصّل إليه ، فإنّ تقديم تقييم ملموس أمر صعب . و مع ذلك ، من المفهوم أنّه مقابل تسليم حزب العمّال الكردستاني لسلاحه و حلّ الحزب نفسه ، إتّخذت الدولة التركيّة بعض الإجراءات . و وفق المعلومات المتوفّرة للعموم ، المفاوضات و المحادثات بين الدولة التركيّة و عبد الله أوجلان كانت قائمة طوال السنة الماضية . و يبدو أنّ الدولة التركيّة قد أقامت هذه السيرورة مع أوجلان الذى هو في أسرها – و هذا وضع إشكالي أصلا و جوهريّا غير عادل . في ظلّ مثل هذه الظروف ، من الضروري الحديث عن " دبلوماسيّة سرّية " . و هذا بدوره يحدّد من القدرة على إجراء تقييم موضوعي للمسألة . هل يعتبر نداء أوجلان إستسلاما ؟
أوّلا و قبل كلّ شيء ، ينبغي ملاحظة أنّه من العادي لأطراف متحاربة أن تنخرط في مفاوضات مع أعدائها ، و تمضى في " سيرورات سلام " أو تدخل في إيقاف إطلاق نار من الجانبين أو إحادي الجانب . عبر التاريخ ، الشيوعيّون و قادة حركات التحرّر الوطني و الاجتماعي المتنوّعة إتّخذوا مثل هذه الخطوات العمليّة . و يجب إعتبار مثل هذه الخطوات مناورات تكتيكيّة تخدم هدف الثورة و التحرير ، طالما لم يقع التخلّى عن ذلك الهدف . و بالرغم من كون نداء أوجلان في 27 فيفري 2025 المتضمّن لتفكيك حزب العمّال الكردستاني يعنى قطيعة سياسيّة هامة ، لا ينبغي نسيان أنّ هذه ليست المرّة الأولى التي أصدر فيها مثل هذا النداء . فبالفعل ، أكّد أوجلان سابقا في عديد التصريحات و الكتابات أنّه نظرا للتراجعات التي عرفتها الإشتراكيّة و إنهيار الأنظمة التحريفيّة المعاصرة ( ما يسمّيه أوجلان " إنهيار الإشتراكيّة الواقعيّة " ) ، لا بدّ من تغيير في الخطّ ( ما يحيل عليه ب" المنعرج المبدئي " ) و أنّه يتعيّن تبنّى مناهج و طرق تنظيميّة جديدة . و قد ظهر حزب العمّال الكردستاني ( PKK ) في البداية كحركة قوميّة متأثّرة بالماركسيّة ، تخوض حربا ثوريّة ضد سياسات الطبقات الحاكمة التركيّة المنكرة للقوميّات الأخرى و العاملة على القضاء عليها . و مع ذلك ، في مواقفه و دفاعه عقب أسره ، تخلّى أوجلان " عن الحقّ في الإنفصال " بما يعنى مطلب إقامة دولة منفصلة . و بدلا من ذلك ، قاد الحركة القوميّة الكرديّة بإتّجاه ما صاغه مفهوميّا على أنّه " الحداثة الديمقراطيّة " المتميّزة ب " مبدأ بيئي و تحريري للنساء و أمّة ديمقراطيّة " . في مواقفه و دفاعه ، حدّد أوجلان منعرجه الإيديولوجي على أنّه " قطيعة مع الإشتراكيّة الواقعيّة " و نأى بنفسه عن الأفكار الإشتراكيّة – الثوريّة التي أثّرت في تأسيس حزب العمّال الكردستاني . و بدلا من ذلك ، أدخل نماذج بديلة متنوّعة بما فيها النظريّات البيئيّة و التيّارات " ما بعد الماركسيّة " و النزعات الفوضويّة ، ك " نموذج تنظيمي جديد " للحركة القوميّة الكرديّة . بهذا المعنى ، لا شيء " جديد " حقيقة في البيان الأخير لأوجلان . و مع ذلك ، كما رأينا ذلك في الموقف الحديث ، يبدو أنّ هذا " المبدأ " قد وقع التخلّى عنه . يلاحظ بشكل واضح أن ّاوجلان قد وصف حزب العمّال الكردستاني ، التنظيم الذى قاده هو عند تأسيسه ، على أنّه يعانى من " نقص في المعنى و التكرار المبالغ فيه " . و بينما تعنى هذه الملاحظة قطيعة سياسيّة مهمّة ، يجب كذلك فهمها على أنّها نداء للقيادة العمليّة للحركة القوميّة الكرديّة كي " تجري تحديثا لمعناها " . و هكذا ، سيكون من غير المناسب تأويل موقف أوجلان على أنّه موقف " إستسلام " . و نظرا لموقفه الإيديولوجي و مناوراته السياسيّة و براغماتيّته / نفعيّته كممثّل لحركة قوميّة ، يصبح الأمر أدلّ حتّى . و بالتالى ، تقليص المسألة إلى مجرّد " تصفويّة " و " إستسلام " أو حتّى " خيانة " سيكون أمرا مضلّلا . لا ينبغي نسيان أنّ الأمّة الكرديّة قد تمرّدت حتّى قبل حزب العمّال الكردستاني و مع هذا الحزب و إستمرّت في تمرّدها بواسطة حرب أنصاريّة طويلة الأمد . نضال قومي تكبّد الإضطهاد و منع وجوده و لغته و عرف مجازرا لا يمكن ببساطة تلخيصه في " إستسلام " في هذه المرحلة . و إضافة إلى ذلك ، القضيّة القوميّة الكرديّة ليست منحصرة في كردستان تركيا فحسب ؛ إنّها تواصل الوجود بأشكال مختلفة عبر مختلف أنحاء كردستان . عند هذه النقطة ، القضيّة القوميّة الكرديّة قد تجاوزت " مبدأ " أوجلان المرّة تلو المرّة . و ردود الفعل تجاه بيانه قد وضعت حتّى أكثر الأمّة الكرديّة و واقع كردستان على الأجندا العالميّة . و الوجه الأول المسؤول على هذا الوضع ليس شخصا آخر بل أوجلان ذاته الذى ظلّ في سجن إنفرادي شديد في جزيرة طوال 26 سنة . و رغم كلّ نقاط ضعفه و هناته ، النضال المستمر للأمة الكرديّة و فوق كلّ شيء ، مقاومتها المسلّحة كانت العامل المحدّد . و حتّى في وضعها الراهن ، الحركة القوميّة الكرديّة التي إنطلقت في كردستان تركيا و لاحقا توسّعت إلى كردستان العراق و سوريا و إيران ، باتت موضوع خطاب سياسي ليس في الشرق الأوسط فحسب بل كذلك عالميّا . و لا شكّ في أنّ هذا قد شكّلته القيادة العمليّة لحزب العمّال الكردستاني و رفع الشعب الكردي أوجلان إلى رمز ل " القيادة القوميّة " حتّى و إن لم يكن ذلك في الممارسة المباشرة . لهذا السبب ، من الإشكالي تقييم الوضع على مقدّمة أنّه في ظلّ قيادة أوجلان ، قد إستسلمت الحركة القوميّة الكرديّة من خلال المفاوضات و يستعدّ لحلّ نفسه ، و بالتالى فرض تصفية الحركة الثوريّة ككلّ . و تقييم المسألة فقط على أساس هذه الإمكانيّة جوهريّا مسألة خطّ إيديولوجي و سياسي . و تظلّ القضيّة القوميّة الكرديّة أحد التناقضات الأوّليّة في منطقتنا . و معالجته ، سواء عبر هذه الطريقة أو تلك ، أو تقليص في شدّة و إستعجاليّة لا يعنى بالضرورة أنّ تناقضات أخرى في منطقتنا ، أو بالفعل التناقض الرئيسي ، ستحلّ كذلك . و الذين يؤسّسون تحليلهم و نقدهم بأكمله تماما على " الإستسلام " و " التصفية " يعرضون عدم أمانهم هم الإيديولوجي و السياسي . و الأهمّ ، يكشفون نزعتهم إلى ربط كامل السيرورة الثوريّة حصريّا بنضال الأمّة المضطهَدَة ، مستهينين بالصراع الطبقي الأشمل . شأنها شأن أيّ حركة قوميّة ، بوسع الحركة القوميّة الكرديّة ، طبعا ، التوصّل إلى إتّفاقيّات و تسويات مع العدوّ الذى تقاتل ضدّه . و هذه الإمكانيّة وُجدت منذ لحظة ظهور الحركة القوميّة ، و في بعض المراحل من الحرب ، يمكن تفهّم أن تقرّ الحركة و تسلّط الضوء على هذه الإمكانيّة كإعتبار تكتيكي . و مع ذلك ، التركيز المستمر على هذه الإمكانيّة كقضيّة أولى يعكس مقاربة إشكاليّة . ما يجب أن يظلّ دون مساومة ليس الإمكانيّات بل المبادئ . و من الأساسي أن لا نتردّد بخصوص المبادئ بينما تتمّ المحافظة على المرونة في صياغة السياسات وفقا لظروف ملموسة . مبدأ : حقّ الإنفصال الحرّ
أوّلا و قبل كلّ شيء ، من الإشكالي أنّ مثل هذا الحقّ الجوهريّ مثل حقّ الإنفصال الحرّ ، و هذا ينبع من ذات وجود أمّة مضطهدَة ، يتمّ التخلّى عنه ، خاصة عندما يقع التعبير عن هذا التخلّى من قبل شخص واحد ( أوجلان ) في ظلّ ظروف أسر . و أبعد من ذلك . نقد الشرعيّة و العدالة اللتين يرتكز عليهما نضال الأمّة المضطهَدَة ، بينما يجرى إقتراح تسوية ( أو إتّفاق ) مع الطبقة الحاكمة البرجوازيّة للأمّة المضطهَدَة ، لا يغيّر واقع أنّ الأمّة الكرديّة في تركيا تظلّ أمّة مضطهَدة . و مظهر إشكالي آخر لبيان أوجلان هو تشديده على ما يسمّى " المصير المشترك للأتراك و الأكراد ". و هذا الخطاب عادة ما يُستخدم من ممثّلى الأمّة المضطهِدة . و جمل مثل " الأخوّة " و " نحن مثل اللحم و العظام " لا يخدم سوى التغطية على و شرعنة الإضطهاد الذى تمارسه الأمّة المهيمنة على الأمّة المهيمن عليها . و الأخوّة الحقيقيّة بين الأمم لا يمكن إلاّ أن تناقش لمّا يتمّ الإعتراف بالمساواة القوميّة التامة . و بالتالى ، المسألة الحقيقيّة ليست تجديد و تعزيز " التحالف التركي – الكردي " و إنّما هي بالأحرى نهاية للمظالم التاريخيّة المفروضة على الأمّة الكرديّة . و يوجد الأكراد في تركيا كأمّة و هم عرضة للإضطهاد القومي من الأمّة المهيمنة . و لا تُنكر التغييرات في شكل أو مناهج هذا الإضطهاد – سواء تنامت شدّتها أو تراجعت – واقع أنّ الأكراد أمّة . و كذلك لا يجعل من غير الصالحة مطالبهم الشرعيّة و العادلة و الديمقراطية ، فوق كلّ شيء ، حقّ الإنفصال الحرّ ، التي تنبع من وضعهم كأمّة . عامة ، القضيّة القوميّة ، و بخاصة القضيّة القوميّة الكرديّة ، في نهاية المطاف مسألة حقوق و مكانة . و مثلما يوحى اللفظ نفسه ، ليس فقط مشكل يجب حلّه على أساس طبقيّ . و في حين أنّ الحلّ النهائي مرتبط بالصراع الطبقي ، هذا لا يمنع ذلك من إنتاج " حلول " وسطيّة متنوّعة طوال الطريق . في عصر الإمبرياليّة و الثورات البروليتاريّة ، وقع ، بطريقة أو أخرى ، " حلّ " بعض المسائل القوميّة بواسطة التدخّل الإمبريالي . مطلب تشكيل دولة الذى هو في قلب المسألة القوميّة بمعنى ضمان الحقوق القوميّة و تركيز مجال إقتصادي مستقلّ ، يمكن أن يتّخذ أشكالا متنوّعة . و يمكن أن يتطوّر إلى توافقات مثل الحكم الذاتي أو الفيدراليّة ، كما رأينا ذلك في أمثلة تاريخيّة متنوّعة . و بالفعل تركيز الحقوق الثقافيّة الجماعية و المكانة السياسيّة و الهياكل التنظيميّة ، خاصة بشأن اللغة ، يمثّل مرحلة متقدّمة من أفق المعيار القومي . و بهذا المعنى ، يمثّل تحوّلا في المكانة . و زيادة على ذلك ، هذه المطالب هي المطالب الديمقراطيّة للبرجوازيّة الوطنيّة المضطهَدَة ضد الطبقة البرجوازية الحاكمة للأمة المضطهِدة . و إمكانيّة إستخدام الإمبرياليّة لهذه المطالب أو إستعمالها لخدمة مصالح أخرى لا ينفى صلوحيّة مضمونها الديمقراطي . و في حالتنا الخاصة ، حلّ المسألة القوميّة الكرديّة يكمن في تلبية الحقوق القوميّة – الجماعيّة للأمّة الكرديّة ، بما فيها حقّ الإنفصال و الفدراليّة و الحكم الذاتي و الحقوق الثقافيّة . و التخلّى عن أو رفض المطالبة بهذه الحقوق القوميّة – الجماعيّة لا يعنى أنّ المسألة القوميّة الكرديّة قد وقع حلّها ، و لا يشير إلى أنّ التناقض بين الأمم المضطهِدة و الأمم المضطهَدة قد إضمحلّ . لهذا السبب ، في نداء أوجلان من أجل " مجتمع سلمي و ديمقراطي " يؤكّد أنّ " النتيجة الحتميّة للإنسياق القومي المبالغ فيه ، مثل إنشاء دولة – أمّة منفصلة ، و فدراليّة و حكم ذاتي إداري و حلول ثقافويّة ، يخفق في تقديم إجابة لسوسيولوجيا المجتمع التاريخي ". و بينما يشير هذا إلى طريق مسدود في معالجة المسألة القوميّة ، فهو ضمنيّا يقبل بميزات الأمّة التركيّة في الحصول على دولة فيما ينبذ ، حتّى بالمعنى الديمقراطي - البرجوازي ، حقّ الأمّة الكرديّة في إقامة دولة مستقلّة، حقّ ينبع من مكانتها كأمّة . و هكذا نظرة ، طبعا ، غير مقبولة من الشيوعيّين . و في تركيا ، تظلّ المسألة القوميّة الكرديّة عالقة . و تبقى بكلّ شدّتها . و على عكس مزاعم أوجلان ، قضيّة الحقوق القوميّة للأمّة الكرديّة لا تزال قائمة . هل إنتهى عصر الكفاح المسلّح ؟
هذا من ناحية و من الناحية الأخرى ، من الضروري أن نشير إلى الواقع التالي : حين يتعلّق الأمر بمعالجة المسألة القوميّة الكرديّة ، لا بدّ من توخّى الحذر إزاء الروايات التي يمكن أن تصاغ على أنّها " تسليم السلاح و فتح قناة سياسيّة " وهي روايات قد لقيت كذلك صدى في صفوف الحركة الكرديّة . و بينما من المفهوم أن يروّج الذين هم إلى جانب الأمّة المضطهِدة مثل هذه الروايات ، فإنّه ليس لها أيّة قيمة واقعيّة بالنسبة إلى البروليتاريا و شعوب العالم المضطهَدَة . و مع ذلك ، " بدون جيش شعبي ، لن يكون هناك شيء للشعب " [ المترجم – مقولة شهيرة لماو تسى تونغ ]. و هذا مبدأ آخر . و بطبيعة الحال ، " النضال السياسي الديمقراطي بدلا من الكفاح المسلّح " خيار . بيد أنّ وجود من عدم وجود ظروف لمثل هذا الخيار أمر حيويّ . في ظلّ الظروف الراهنة في تركيا ، تاركين جنبا العراقيل المعلومة جيّدا ل " النضال السياسي الديمقراطي " ، حتّى أقلّ فتات من الديمقراطيّة البرجوازيّة لم يعد بعدُ مسموحا به .فى تركيا ، ظروف " الديمقراطية السياسيّة " وُجدت على الدوام على الورق ، لكن عمليّا ، لا أساسا واقعيّا لها . الفاشيّة ليست مجرّد شكل من الحكم ؛ إنها ذات نموذج الحكم و جوهر السياسة عينها . لهذا ، حتّى أقلّ مطالبة بالحقوق أو أيّ نضال ديمقراطي و ثوري يواجه بالإرهاب الفاشيّ . و في الفترة الأخيرة ، في ظلّ ما يسمّى ب " نظام الرئيس " فاشيّة AKP-MHP فرضت سياسة قمع فاشيّ ضد كافة المطالب الديمقراطيّة ، بما فيها حرّية التعبير . و من الذين عاشوا هذا الواقع بأكبر حدّة هي الأمّة الكرديّة . و لا ينبغي نسيان أنّ حركة الأمّة الكرديّة لجأت إلى الكفاح المسلّح لأنّهم ما من طريق للنضال الديمقراطي ، بما أنّه كان ممنوعا و محرّما عليها . و لم يكن ذلك مجرّد خيار بل ضرورة في ظلّ ظروف تركيا ة كردستان تركيا . و وجدت حركات قوميّة كرديّة لم ترفع السلاح ، و مع ذلك لم تنج من القمع الكثيف للفاشيّة . و هذا الواقع بالضبط كما كان في الماضي ، يظلّ صالحا اليوم . و وجود بعض التغييرات لا يعنى أنّ الفاشيّة قد ألغيت أو أنّ التناقضات، لا سيما المسألة القوميّة الكرديّة، قد جرى حلّها . هذا من جهة و من الجهة الأخرى ، الدعاية / البروباغندا التي تسوّى الكفاح المسلّح بنقص في الإستراتيجيا السياسيّة تحت قناع " الحلّ " و " السلم " جوهريّا خاطئة . فالكفاح المسلّح في حدّ ذاته شكل من أشكال السياسة . و لسنوات ، أولئك الذين قدّموا حججا سياسيّة بدعوى نقد الكفاح المسلّح ، رغم الإعتراف بالتأكيد المبرّر ل " دور العنف في كردستان " لا يمكنهم محو واقع أنّ الكفاح المسلّح هو كذلك صراع سياسي . و البحث عن التوفيق بين قيادة الفاشيّة لنظريّات لا أساس لها من مثل " الكفاح المسلّح يعرقل النضال الديمقراطي " . و مثلما بيّنت الممارسة العمليّة بصفة معتبرة ، " الحرب مواصلة للسياسة بوسائل أخرى " . و التنكّر لهذا الواقع بالنقاط من طرف ممارسيه يشير إلى موقفهم الإيديولوجي و قرارهم الراهن لممارسة السياسة بوسائل مختلفة . و فضلا عن ذلك ، تأكيد أنّ " عهد الكفاح المسلّح قد إنتهى " لا يمكن أن يكون إلاّ حُلما في ظروف اليوم حيث الإستعداد لحرب إمبرياليّة جديدة لإعادة تقاسم العالم قائمة على قدم و ساق ، خاصة في الشرق الأوسط . و إلى جانب ذلك ، قد سفّهت السيرورة بصفة متكرّرة موقف أوجلان بأنّ " عصر الكفاح المسلّح قد إنتهى " . و على سبيل المثال ، بينما تقدّم أوجلان بهذا التصريح في 2013 ، في الوقت نفسه ، كانت الأمّة الكرديّة تحقّق إنتصارات من خلال كفاح مسلّح كمسألة حياة أو موت ضد داعش ISIS في روجوفا . و علاوة على ذلك ، من البديهي أنّه في الوقت الراهن ، في روجوفا ، ما من خيار آخر سوى الردّ بالمقاومة المسلّحة على شتّى هجمات تركيا و مجموعاتها الحربيّة بالوكالة . و مثلما دلّلت على ذلك بإستمرار هذه الوقائع فإنّ " عصر الكفاح المسلّح " لم ينته و إنّما بالخصوص في ظلّ ظروف الشرق الأوسط ، أنّه يظلّ ضرورة . الحقائق ثوريّة ، و عصر الكفاح المسلّح لم ينته . و في الوضع الراهن للنظام الرأسمالي الإمبريالي ، مع ظهور علامات حرب جديدة لإعادة تقاسم المنطقة ، و في واقع اليوم حيث العالم يتسلّح بصورة متنامية تحت قناع " الدفاع " ، فإنّ النظريّات التي تقترح أنّ عصر الكفاح المسلّح قد ولّى بالنسبة إلى البروليتاريا و الشعوب و الأمم المضطهَدَة في العالم ، بالمعنى العام، يعادل نزع سلاح المضطهَدين وهي طبعا غير مقبولة . هل أنّ " مجتمعا ديمقراطيّا " ممكنا في ظروف الفاشيّة ؟
في بيانه ، يناقش عبد الله أوجلان العلاقات التركيّة – الكرديّة و يتكلّم عن " روح الأخوّة " و يقترح " مجتمعا ديمقراطيّا " و " التسوية الديمقراطيّة " كطرق جوهريّة لحلّ . و مع ذلك ، في ظلّ الرأسماليّة ، لا وجود لديمقراطيّة مستقلّة عن أو فوق الهياكل الطبقيّة . لكلّ طبقة فهمها الخاص للديمقراطيّة و تكرّسه وفق ذلك . و بالتالي لا يمكن ل " مجتمع ديمقراطي " أو " الديمقراطيّة " أن تتحقّق حقّا ضمن نظام رأسمالي و لا يمكن لمجتمع ديمقراطي إلاّ أن يوجد في ظلّ دولة شعبيّة ، حيث يمسك الشعب بالسلطة . توقّع " مجتمع ديمقراطي " من الدولة التركيّة وهم . و المقاربة الجوهريّة تنبع من الوضع القائم . حتّى مع إطلاق النداء من أجل " مجتمع ديمقراطي " ، يظلّ الواقع أنّ السيرورة تكرّس من وراء أبواب مغلقة . دون شرح شامل للعموم لما يحدث ، حتّى إمكانيّة " نقاش ديمقراطي " لا محلّ لها . و زيادة على ذلك ، أحد الأحزاب المعنيّة واقع تحت عزلة شديدة . قبل أيّ شيء آخر ، العزلة الثقيلة المفروضة على أوجلان يجب أن تخفّف و يجب إطلاق سراحه . و لئن كان الهدف حقيقة مجتمعا ديمقراطيّا ، إذن أقلّ شيء هو أن يُمنح أوجلان ظروف عمل بحرّية و يُسمح له بالتواصل غير المقيّد مع منظّمته . و يبرّر أوجلان نداءه لحلّ حزب العمّال الكردستاني و تسليم سلاحه بمحاججة أنّ في تركيا، " نكران الهويّة وقعت معالجته" و " سُجّل تقدّم في حرّية التعبير " . و مع ذلك ، من البديهي للجميع أنّه لم يسجّا أيّ تقدّم جوهريّ عمليّا في هذه الحقول . و ما يُعدّ " إعترافا " بوجود الأكراد هو في أفضل الأحوال ، إعتراف سطحيّ . و حتّى هذا الإعتراف المحدود لم يتحقّق إلاّ بواسطة دفع ثمن لا يحصى من حياة الأكراد . و بالتالى ، من الواضح أنّ هذا لا يتناسب مع أيّة مكانة ملموسة بمعنى حلّ المسألة القوميّة . و فضلا عن ذلك ، في هذه المرحلة ، الوضع المتّصل بحرّية التعبير صارخ إلى درجة أنّه لا يدع مجالا للنقاش . نقطة أنّ عبد الله أوجلان يستهين أو بالأحرى يسيء التقدير لأنّه يخفق في مقاربة المسألة من أفق طبقيّ – هي جذور المسألة القوميّة عامة ، و المسألة القوميّة الكرديّة خاصة . لا يمكن تقليص المسألة القوميّة الكرديّة إلى مسائل إنكار الهويّة و حرّية التعبير ، و كذلك ليست الأمّة الكرديّة ذاتها مصدرا لهذا المشكل . فالمشكل يكمن في الإضطهاد القومي المفروض على الأمّة الكرديّة . و هذا الإضطهاد ليس موجّها ضد الشعب الكردي عامة فقط بل يؤثّر في الأمّة الكرديّة بأكملها – بإستثناء حفنة من ملاّكين عقّاريّين إقطاعيّين كبار و بعض وجوه البرجوازيّة الكبيرة الذين إندمجوا تماما مع الطبقات الحاكمة الكرديّة. و الأكراد ، عمّال و فلاّحون و برجوازيّة صغيرة مدينيّة و ملاّكين عقّاريّين صغار ، جميعهم تتواصل معاناتهم من الإضطهاد القوميّ . و نتيجة لنضال الأمّة الكرديّة ، جرى تقديم بعض التنازلات في سياسة الإضطهاد القوميّ للأمّة المهيمِنة ، و مع ذلك تستمرّ سياسة الإضطهاد القومي بلا إنقطاع . و تظلّ المسألة القوميّة الكرديّة غير معالجة . و في منطقتنا ، حلّ المسألة القوميّة الكرديّة يظلّ أحد مهام الثورة الديمقراطيّة الشعبيّة . و في ظروف الفاشيّة ، من غير الممكن بلوغ حلّ ثوريّ للمسألة القوميّة الكرديّة . و مع ذلك ، نتيجة النضال الديمقراطي الثوريّ ، من الممكن قطع بع ض الخطوات في هذا الإتّجاه . و مساندة الخطوات التقدّميّة التي تساهم في حلّ المسألة القوميّة الكرديّة و تناقضات كبرى أخرى في تركيا و كردستان تركيا بينما يجرى إدماج هذه الإصلاحات ضمن النضال الثوريّ ليس أمرا خاطئا . و على أيّ حال ، الدعاية القائلة بأنّ الإصلاحات هي الحلّ ، و حتّى أكثر من ذلك ، زعم أنّه في ظلّ الظروف الراهنة ماترست الأمّة الكرديّة حقّها في الحكم الذاتي ، أمر مضلّل تماما . في بيانه ، أوجلان يحاجج بأنّه " ليس هناك طريق غير ديمقراطي لبناء نظام و تكريسه . لا يمكن أن يوجد . الطريق الجوهري هو المصالحة الديمقراطيّة ". في عالم اليوم ، ، ضمن واقع المجتمع الطبقي ، هذه النظرة خاطئة جوهريّا . ضمن واقع الإنقسامات الطبقيّة ، مفهوم الديمقراطيّة هو أيضا قائم على الطبقيّة . النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي المبنيّ على نظام الملكيّة الخاصة ، و واقع أنّ الدولة في تركيا و كردستان تركيا يدلّلان على أنّ الدولة ليست شيئا آخر أكثر من " أداة إضطهاد طبقة لطبقة أخرى " . و حتّى الديمقراطيّات البرجوازيّة فقد صارت بصفة متنامية موضع سؤال في ظلّ الظروف الحاليّة . منذ بداياتها الأولى ، كان للديمقراطيّة البرجوازيّة في تركيا و كردستان طابع فاشيّ . " لم يعرف بلدنا أبدا و حقّا الديمقراطيّة البرجوازيّة الحقيقيّة ، لم يفعل سوى تذوّق بعض فتاتها " . ( إبراهيم كايباكايا ، الأعمال المختارة ، نيسان يايمسليك ) و هكذا ، تاركين جانبا التناقضات الأخرى ، ظهور المسألة القوميّة الكرديّة و سياسة الإضطهاد القوميّ المفروضة على الأمّة الكرديّة وقع تكريسهما تحت قناع " الديمقراطيّة " . إنّ تحرير و حرّية و إستقلال الطبقة العاملة التركيّة و الشعب الكردي الكادح ، و الأمّة الكرديّة لا يمكن تحقيقه ضمن النظام أو عبر ما تسمّى ديمقراطيّـته . فالنضال لتحرير شعوب الأمّتين التركيّة و الكرديّة ، و كذلك قوميّات و عقائد عديدة أخرى، لا يرتهن ب " التصالح الديمقراطي " و إنّما بالأحرى يحتاج إلى طرق و أدوات نضال خارج النظام . و هذا ليس مسألة إختيار بل ضرورة تاريخيّة . يجب إستهداف فاشيّة الجمهوريّة التركيّة
في هذه المرحلة ، الدولة التركيّة التي نعتت مرّة أوجلان ب " قائد إرهابيّ " ، تقدّمه الآن كشخص يدافع عن السلم و يبحث عن حلّ . و رغم أنّ وسائل إعلام و دعاية الدولة ستؤطّر هذه السيرورة على أنّها " قضاء على الإرهاب " ، في الوقت نفسه ، ستظهر نقاشات في الآن نفسه محلّيا و عالميّا حول إلتزامات الدولة التركيّة ، و الدَمَقرطة و خطوات أخرى عليها إتّخاذها . و بالفعل في الملاحظة التي نشرها للعموم سيرن سوريّا أوندار - بالرغم من غيابها من بيان أوجلان الرسمي ( على الأرجح لأنّ الدولة التركيّة لم تسمح بتضمينه في ذلك البيان ) ، أوجلان يقدّم عرضا لما يتعيّن على الدولة التركيّة القيام به مقابل " الاتفاق " الذى تمّ التوصّل إليه . و يشير إلى التغييرات القانونيّة و الدستوريّة التي ستضمن الحقوق السياسيّة للأمّ’ الكرديّة، مشدّدا على أنّ سيرورة نزع السلاح و تفكيك حزب العمّال الكردستاني يجب أن تتزامن مع الإصلاحات الديمقراطيّة القانونيّة داخل البلاد . و هذه المطالب ، ضمن ظروف الفاشيّة ، بلا شكّ " تقدّميّة " و " ديمقراطيّة " . و أن تطبّق أم لا مسألة أخرى تماما . و بغضّ النظر عن حسابات الفاشيّة التركيّة ، هذه المطالب يجب مساندتها و الدفاع عنها . عموما ، بالنظر إلى المسألة القوميّة و خاصة المسألة القوميّة التركيّة ، تدافع البروليتاريا الواعية طبقيّا عن موقف واضح. و يستحقّ عناء التذكير به : " ... بقطع النظر عن القوميّة ، فغنّ البروليتاريا التركيّة الواعية طبقيّا ستساند دون قيد أو شرط و بشكل صريح المضمون الديمقراطي العام للحركة القوميّة الكرديّة التي تستهدف الإضطهاد و الطغيان و إمتيازات الطبقات الحاكمة التركيّة ، و تبحث عن القضاء على كافة أشكال الإضطهاد القومي ، و غايتها المساواة بين الأمم . و كذلك ستساند البروليتاريا التركيّة الواعية طبقيّا دون قيد أو شرط و بشكل صريح حركات القوميّات المضطهَدَة الأخرى الماضية في نفس الإتّجاه . ... بقطع النظر عن القوميّة ، ستظلّ البروليتاريا التركيّة الواعية طبقيّا محايدة كلّيا في الصراعات التي تخوضها البرجوازيّة و الملاّكين العقّاريّين من قوميّات متباينة من أجل تفوّقها الذاتي و إمتيازاتها . و البروليتاريا التركيّة الواعية طبقيّا لن تساند أبدا النزعات في صفوف الحركة القوميّة الكرديّة الباحثة عن تعزيز الفكر القوميّ الكرديّ ، لن تساعد أبدا الفكر القومي البرجوازي ، و لن تدعم أبدا صراعات البرجوازيّة و الملاّكين العقّاريّين الأكراد لضمان إمتيازاتهم و تفوّقهم . و هذا يعنى أنّها لن تساند إلاّ المضمون الديمقراطي العام في الحركة القوميّة الكرديّة و لن تمضي أبعد من ذلك " . ( إبراهيم كايباكايا ، الأعمال المختارة ، ص 194 ) ختاما ، إنطلقت سيرورة جديدة في إطار المسألة القوميّة التركيّة مع صدور نداء عبد الله أوجلان . و العامل المميّز لهذه السيرورة مقارنة بالسيرورات السابقة هو التوجّه السياسي الجديد الذى تطبّقه البرجوازيّة الكمبرادوريّة التركيّة في ظلّ خطاب " تعزيز الجبهة الداخليّة " . لهذا ، يجب أن نقرّ بأنّ هذه السيرورة تنطوى على مخاطر ليس بالنسبة للحركة القوميّة الكرديّة فحسب و إنّما أيضا بالنسبة إلى الجمهوريّة التركيّة الفاشيّة . معادلة الحلّ أو التفسّخ ليست مسألة مطروحة على الحركة القوميّة الكرديّة و حسب و إنّما أيضا مسألة تشغل الدولة التركيّة ذاتها . القضيّة الأساسيّة هنا هي أنّ " الحافة الحادة من السهم " لا يجب أن توجّه إلى الحركة القوميّة الكرديّة أو عبد الله أوجلان بل إلى الفاشيّة التركيّة . أصل و سبب المسألة القوميّة الكرديّة هي فاشية الدولة التركيّة ، الدكتاتوريّة الفاشيّة للبرجوازيّة الكمبرادوريّة التركيّة . و تجد فاشيّة الدولة التركيّة نفسها في أزمة . و نتيجة هذه الأزمة ، تبحث عن " مصالحة " مع الحركة القوميّة الكرديّة . في ظلّ هذه الظروف ، من الضروري أن نقف موقف تضامن مع الحركة القوميّة الكرديّة . و النقد ، بطبيعة الحال ، ممكن و حتّى ضروريّ . و مع ذلك ، العدوّ الأوّليّ لا يجب الإستهانة به ، و يجب التركيز على على النضال الثوري لشعوب تركيا ، بمن فيها الأمّة التركيّة و الكرديّة ، و كذلك قوميّات و مجموعات دينيّة متنوّعة . سواء قاد " نداء القرن " إلى حلّ أم إلى تفسّخ سيتحدّد في نهاية المطاف بالسيرورة الجارية و الصراع نفسه . و هذا يقتضى من المعارضة الديمقراطيّة الثوريّة أن لا تبقى لامبالية بل أن تتدخّل بنشاط في السيرورة . إنّ الحديث عن حلّ المسألة القوميّة الكرديّة بواسطة الثورة تحت قناع " الحلّ الحقيقي " ، و التذكير بحقّ الإنفصال الحرّ بينما تتمّ الإستهانة بالديناميكيّة القائمة للقضيّة يعنى السقوط في الإنعزال عن الواقع السياسي للحظة الحاضرة . و مثل هذه المقاربة غير مقبولة من أفق مصالح الثورة الديمقراطيّة الشعبيّة في تركيا . لا يجب تقليص القضيّة إلى مجرّد مسألة سلطة و إنّما يجب إستيعابها بوضوح إيديولوجي .
#شادي_الشماوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مطالب فاشيّة شنيعة و غير مسبوقة من جامعة كولمبيا : نظام ترام
...
-
مقدّمة الكتاب 51 : متابعات عالميّة و عربيّة – نظرة شيوعيّة ث
...
-
8 مارس – قلب الطاولة : حرب ضد النساء ، نساء ضد الحرب - نداء
...
-
يا نساء العالم ! لنحوّل يوم 8 مارس 2025 إلى يوم نضال ضد كره
...
-
2025 : الآن ، أكثر من أيّ زمن مضى : لنكسر السلاسل و نطلق الع
...
-
السبت 8 مارس ، اليوم العالمي للمرأة – إحتجّوا للمطالبة ب : إ
...
-
المفكّر الأكثر تجذّرا في العالم بشأن تحرير النساء - رجل متقد
...
-
تحرّك أعمدة بناء العلاقات بين الإمبرياليّين يمثّل زلزالا لجم
...
-
تصريح هام لبوب أفاكيان : حكم ترامب الفاشي ، شأنه شأن هتلر قب
...
-
ثلاث أكاذيب كبرى – و حقائق هامة – عن الإفتراق بين ترامب و ال
...
-
بيان ل 25 امرأة من السجينات السياسيّات الإيرانيّات سابقا –-
...
-
تحرّك ترامب لجعل دكتاتوريّة [ البرجوازيّة الإمبرياليّة ] هذه
...
-
علامات جديدة على إعداد إسرائيل لهجوم عسكري - أشرس و أكثر همج
...
-
مقدّمة الكتاب 50 : رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجت
...
-
رسالة هامة من بوب أفاكيان : 2025 : سنة جديدة – تحدّيات عميقة
...
-
حرائق لوس أنغلاس تؤدّى إلى دمار كبير – هذا النظام الرأسمالي
...
-
سنة من الجرائم التاريخيّة ضد الإنسانيّة في غزّة إقترفتها إسر
...
-
نداء من هيئات الشيوعيّين الثوريّين من أجل تحرير الإنسانيّة :
...
-
ترامب الشقيّ يهدّد بناما و جرينلند و غزّة و المكسيك و كندا :
...
-
لنناضل الآن لدعم و نشر و الصراع حول النداء المدوّي الصادر عن
...
المزيد.....
-
رسالة جديدة من أوجلان إلى -شعبنا الذي استجاب للنداء-
-
صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 31 مارس 2025
-
حزب التقدم والاشتراكية ينعي الرفيق علي كرزازي
-
في ذكرى المنسيِّ من 23 مارس: المنظمة الثورية
-
محكمة فرنسية تدين زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في قضية ا
...
-
القضاء الفرنسي يدين زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان باختلاس
...
-
م.م.ن.ص// في ذكرى يوم الأرض: المقاومة وجرح الكون النابض
-
محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية ضي
...
-
في ذكرى يوم الأرض: شعب يستشهد محتضنا أرضه لن يُهزم
-
مسيرات بإسبانيا تضامنا مع فلسطين بذكرى يوم الأرض
المزيد.....
-
الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة:
...
/ رزكار عقراوي
-
متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024
/ شادي الشماوي
-
الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار
/ حسين علوان حسين
-
ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية
/ سيلفيا فيديريتشي
-
البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
/ حازم كويي
-
لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات)
/ مارسيل ليبمان
-
قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024
/ شادي الشماوي
-
نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم
...
/ بندر نوري
-
الذكاء الاصطناعي، رؤية اشتراكية
/ رزكار عقراوي
المزيد.....
|