عادل عامر
الامين العام لحزب الشعب الفلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 8297 - 2025 / 3 / 30 - 13:46
المحور:
القضية الفلسطينية
تحل الذكرى الـ49 ليوم الأرض الخالد مطلع الاسبوع القادم وسط تطور سياسي حرج يجتاح بلادنا والمنطقة، ويضع مسألة الأرض والوطن والانسان في صلب ومركز هذه الحالة. وكما تعودنا في الـ 100 سنة الماضية وتحديدا في الـ75 سنة الماضية، فالإنسان الفلسطيني والوطن الفلسطيني محور ومركز هذا الحدث.
يوم الأرض الذي توهج قبل 49 عاما وانطلق من الجليل ثم المثلث والنقب لم يكن حدثا مجردا عن سياقاته التاريخية وسلسة من الاحداث التي عصفت بالشعب الفلسطيني عامة، وفي الجزء الحي الذي بقي في وطنه خاصة.
ولهذا فان هاجس الأرض والوطن اخذ منحى أعمق واكبر لهذه الاقلية العربية الفلسطينية الباقية في وطنها، وخاصة بعد نكبة شعبها عام 1948 وتحوله الى شعب من اللاجئين والمشردين، إما داخل وطنهم و‘ما خارجه.
ومن هنا، فالمهمة الرئيسة اصبحت كيف يحافظ حزبنا على هذه الاقلية بل وتمكينها من اجل أن تواصل بقائها في وطنها . وقد كانت السنوات الاولى بعد النكبة فترة تمحور فيها نضال حزبنا وجماهيرنا في هذه النقطة تحديدا وهي مرحلة التمكين من اجل البقاء.
كانت المعركة الاولى هي المعركة على الوعي بكل مركباته الوطنية والسياسية والثقافية والحضارية، فلعبت جريدة "الاتحاد " دورا مركزيا ومحوريا في هذه المعركة من حيث صقل الوعي الوطني وبناء ثقافة وطنية تقدمية متنورة، اضافة الى بث روح الصمود والتمكين الوطني الذي اثبت اهميته في المراحل القادمة لصمود جماهيرنا.
ثم جاءت مجزرة كفر قاسم عام 1956 والقراءة السياسية العميقة لها، وربطها بشكل وثيق مع مخططات التهجير والترحيل. والمعركة المباشرة التي قادها حزبنا لفضح وتعرية الاهداف السياسية لهذه المجزرة التي راح ضحيتها 49 شهيدا وشهيدة، اذ أصر حزبنا، بعد أن قام القائدان توفيق طوبي وماير فلنر بالدخول سرا لكفر قاسم مباشرة بعد أن وصلت الى مسامعهم انباء عن هذه الجريمة، الى اصدار وثيقة تتضمن المعطيات حول الشهداء والجرحى والاحداث، وتتضمن قراءة سياسية للجريمة وهي أن الهدف منها هو تهجير اهالي كفر قاسم وجميع اهالي منطقة المثلث. ولم يكتف الحزب في تلك السنوات الاولى بعد النكبة بالإشارة فقط الى أن مخططات التهجير ما زالت جاثمة بل شن معركة شعبية عربية يهودية حول هذه الجريمة.
ثم جاءت ملحمة ايار 1958 عندما اندلعت المواجهات في الناصرة وام الفحم مع الشرطة التي حاولت فرض ارادتها على اهالي الناصرة للاحتفال بعشوراء اسرائيل ومنعهم من احياء الاول من ايار، يوم العمال العالمي.
هذه المحطات المبكرة رسمت ملامح المرحلة المقبلة للجماهير العربية وهو انها امام مخططات التهجير وامام مخططات مصادرة ما تبقى لهم من وطن، وليس امامها من خيارات سوى المواجهة والتصدي والحفاظ على ما تبقى من ارض ومن وطن. وفي هذا السياق قام حزبنا بدوره الريادي في صياغة الوجه والنهج السياسي للجماهير العربية، وهو نهج الكرامة الوطنية المبنى على جدلية الحقوق القومية والمدنية وعمق العلاقة بينهما بحيث لا يمكن الفصل بينهما بحكم أن هذه الاقلية هي جزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني وحقوقها القومية تنبع من عمق هذا الانتماء، والحقوق المدنية هي بحكم المواطنة التي رفضت جماهيرنا أن تكون مواطنة منقوصة، واصرت على حقها في البقاء وحقها في المساواة.
تواصلت عملية تعزيز الصمود والتمكين التي قادها حزبنا بحيث شملت المعركة ضد مصادرة الاراضي العربية الى وضع اهداف لتعزيز هذا الصمود ورفد مركباته بعناصر القوة، فكانت المطالب تتجاوب مع احتياجات جماهيرنا الوطنية مثل توسيع مسطحات القرى والمدن العربية الى المطالبة بإقامة مناطق صناعية فيها وفتح المؤسسات التعليمية امام شبابنا والعديد من القضايا الأخرى. ولكن من المهم الاشارة الى أن هذه المطالب والنضال من اجلها كان دائما مرادفا للمطلب الاساس وهو رفع وازالة الحكم العسكري الارهابي عن جماهيرنا بكل ما يحمله هذا المطلب من تداعيات سياسية واجتماعية واقتصادية على جماهيرنا.
ازالة الحكم العسكري الارهابي عن كاهل جماهيرنا فتح المجال امامها لكي تتحول الى قوة سياسية وازنه، لها تأثيرها النوعي على مجمل السياسة العامة الاسرائيلية دون أن تكون جزءا من اية توليفه حكومية، بل كقوة سياسية لها خصائصها الوطنية والطبقية وتحالفاتها مع القوى الدمقراطية والتقدمية اليهودية.
ولعل المساهمة البارزة والمهمة في سياق معركة البقاء في الوطن والتي قادها حزبنا بجدارة هي تلك المنح الدراسية التي اشرف عليها حزبنا الى الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية، والتي انبتت شريحة من الاكاديميين والمثقفين ساهمت مساهمة كبيرة في تعزيز صمود جماهيرنا ورفدها بكوادر مهنية عالية المستوى، وما لا يقل اهمية انها تحمل فكرا وطنيا ورسالة انسانية اممية رسخت وجه ونهج الكرامة الوطنية التي تبنتها جماهيرنا طريقا لتعزيز صمودها في وطنها.
يوم الأرض في 30 اذار عام 1976 جاء ردا على الايغال والاستشراس بسياسة مصادرة الاراضي العربية في الجليل والمثلث والنقب ولكنه جاء، ايضا، تتويجا لمرحلة بناء الوجه النضالي والكفاحي لجماهيرنا العربية، وتتويجا لمراحل من بناء القوة السياسية الاساسية وهي القوة الشعبية الواسعة، اضافة الى البرلمانية، التي جاءت متناغمة مع هذه القاعدة الشعبية التي كانت على جهوزية تامة للنضال والكفاح والدفاع عن ما تبقى لها من وطن وهوية .
نجاح يوم الأرض الذي تمثل في شمولية الاضراب والتزام كافة شرائح جماهيرنا ووحدة المطالب التي تمثلت في وقف مصادرة الاراضي العربية ووقف سياسة التميز العنصري والمساوة التامة في الحقوق القومية والمدنية، وضع الجماهير العربية في مرحلة الثقة في الذات وقوة التنظيم. ولكنه في الوقت نفسه جعل المؤسسة الحاكمة تعيد التفكير في تعاملها مع الجماهير العربية ووضع الخطط لتفريغ هذه الجماهير من مكامن قوتها وضرب وحدتها الداخلية ونسيجها الاجتماعي ولكنها، ايضا، ابقت على مخططات التهجير والترحيل قائمة وهي تخرج الى النور من خلال تصريحات من غلاة الفاشيين والعنصريين، فمجرد اعتبار جماهيرنا "جبهة قتال" من قبل رئيس الحكومة، هو بحد ذاته تهديد واضح وصريح.
إن مخاطر التهجير والترحيل ليست موجهة لنا فقط ولكن بالاساس موجهة ضد شعبنا في الضفة الغربية المحتلة وفي غزة. وعندما يطرح هذا الموضوع من قبل الفاشيين فهم لا يتعاملون مع الموضوع فقط من المنظور الامني بل إن عيونهم موجهة بالاساس الى الأرض وليس من منطلق التعامل معها كعقار او ثروة، وانما كحيز للسيطرة. اما بالنسبة للفلسطيني فالأرض هي قضية وجود وهي المصدر الاول لبناء الهوية والذات. وهي الركيزة الأساسية للحفاظ على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
يوم الأرض ورسالته ومسببات انطلاقه وحدت كافة قطاعات الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده وما زالت، ولا شك أن موضوع الأرض هو الهاجس الاكبر الذي يشغل الفلسطيني اينما وجد، والتوق للحرية والاستقلال وبناء الهوية الوطنية لا يتم إلا من خلال الأرض والوطن. لقد أبدع الشعب الفلسطيني في بناء خيارته ضمن مستحيلات الصراع في المنطقة وموازين القوى، فاختار أن تكون ممارسة حقه في تقرير المصير واقامة دولته المستقلة في حدود الرابع من حزيران عام 1967 والقدس الشرقية عاصمتها وعودة اللاجئين حسب قرارات الشرعية الدولية.
اما نحن فقد عزز فينا يوم الأرض بشهدائه وقادته ورسائله، أن الوطن هو الوجود والوجود لا يتم إلا بالحقوق القومية والمدنية والكرامة الوطنية.
#عادل_عامر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟