|
اول خطوات التغيير .. دستور معاصر
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 8297 - 2025 / 3 / 30 - 10:06
المحور:
المجتمع المدني
لمصرى الحديث .. لم يعرف معني العقد الإجتماعي الذى نظم العلاقة بين سكان أوروبا و أمريكا بعد الثورات (الماجنا كارتا في إنجلترا عام 1215م و وثيقة حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي عام 1789م، و إعلان الاستقلال الأمريكي في عام 1776 م) ..تلك النصوص التي أكسبت الناس (بحكم القانون) حقوقا لا تمس.. و بالتالي لم يهتم المصريون كثيرا بأن يكون لهم دستورا يمثل المرجع الأساسي لتنظيم قوانين تصيغها المجالس التشريعية المختارة أو المنتخبة من الشعب .. و حتي في الزمن المعاصر لم نحترم دساتيرنا وكان من الممكن تغيير نصوصها حسب إرادة الحاكم دون معارضة ..ما دام المستفيد قادر علي توفير شنط السكر و الزيت و المكرونة أمام اللجان .. أو كرمشة قرشنتين للناخب المطيع . المصرى عبر تاريخه .. كان مرجعه الأخلاقي و السلوكي نصوصا توارثها منذ زمن رع و أمون و جرى تعديلها بالفلسفة اليونانية و القوانين الرومانية .. حتي إعتنق أغلب الناس المسيحية ثم الإسلام .. فاصبحت تعليماتهما و وصاياهما تشكل القاعدة و الاساس ..و تفسيرات القسس و المشايخ فتاوى تشبة القوانين غير قابلة للجدل . النصوص الوضعية التي تنظم حياة الناس .. تعرف بها البعض لاول مرة في السنين الاخيرة من القرن الثامن عشر مع الإحتلال الفرنسي و قيام نابليون بونابرت بإنشاء ديوان القاهرة الإستشارى الذى (يضم تسعة من كبار المشايخ والعلماء ويرأسه الشيخ عبدالله الشرقاوى) مهمته تنظيم حياة سكان المدينة و تعيين الموظفين وتشكيل مجالس منتخبة لإدارتها ... هذا الديوان جرى تعميمة (في جميع مديريات القطر المصري وفقاً للأمر الصادر في 27 يوليو 1798..) .... محمد علي إحتفظ بمجلس شبيه .. هو مجلس الشورى .. و لكن أعضاؤه ال156 كانوا معينين ..بنظام ظل معمولا به حتي بداية الحياة النيابية الحديثة مع زمن الخديوى إسماعيل باشا عندما انشأ مجلس شورى النواب عام 1866 وكان أول برلمان في مصر يمتلك اختصاصات نيابية فعلية و له لوائح و نظم مكتوبة تحدد سلطته وطريقة انتخابه وموعد اجتماعه و كيفية إصدارة للتشريعات ... حتي ذلك الزمن لم يكن لمصر دستورا ..( عدا وثيقة دستورية صدرت عام 1882 في عهد الخديوى توفيق بهدف تكريس الإحتلال البريطاني لمصر بعيدا عن الدولة العثمانية ) ..لقد كان هناك نقلا من القوانين الفرنسية .. و دمجا مع نصوص إسلامية في بعض المواضيع الشرعية عام 1923 شهد بداية التحول من أسر العثمانية إلي براح المعاصرة .. ففي هذا العام تولي مصطفي كمال أتاتورك رئاسة تركيا علي أنقاض الخلافة .. و في نفس العام صدر أول دستور مصرى معاصر بضغط من الإنجليز علي الملك فؤاد.عقب تصريح 28 فبراير 1922 الذي اعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة. وكانت 1924 بداية الحياة النيابية فقد تم تشكيل مجلس النواب ومجلس الشيوخ، على أن تكون مدة عضوية النواب 5 سنوات و أن يكون جميع أعضائه بالانتخاب، أما مجلس الشيوخ فكان ثلاثة أخماس أعضائه منتخبين، وكان الخمسان معينين. وضع أول دستور في مصر لجنة برئاسة عبد الخالق باشا ثروت مكونة من ثلاثين عضوا ضمت ممثلين للأحزاب السياسية والزعامات الشعبية وقادة الحركة الوطنية..و ظل معمولا به .حتي عام 1952 .(.فيما عدا فترة قصيرة طبق فيها دستور إسماعيل صدقي عام 1930 ).. ثم أعيد دستور 1923 عندما إنقلب ضباط يوليو علي النظام .. أوقفوا نشاط الاحزاب ..و العمل بالدستور ... ليبدأ نظام حكم يبتعد تدريجيا عن الديموقراطية الغربية ..و يتجه للحكم الشمولي الهتلرى الستاليني .. يأخذ أشكالا تبدومن الخارج كما لو كانت ديموقراطية ..لكنها في الحقيقة جرى تفريغها من الاليات التي تطبق في بلاد الواق الواق .. مكرسة ملامح إستبدادا شرقيا . الأستاذ خالد محيي الدين المشارك فى الأحداث يسرد علينا كيف حدث هذا فى كتابه بعنوان ((الآن أتكلم )) صفحات 177 و 180 و 181 و 208 و 212 و 214 و 289 و 314 فهو يقول أن السادة الفقهاء الدستوريون حرضوا الضباط علي عدم الإلتزام بالدستور و نصوصة وأجهضوا بذلك حلم الشعب فى الديموقراطية (( أما المثير للدهشة حقا فهو ان السنهورى باشا اتخذ من قانون الاصلاح الزراعى زريعة لضرب اى توجه ديموقراطى ، فقد قال : إذا كنتم تريدون كسب الشعب من خلال قانون الاصلاح الزراعى فإن آثار هذا القانون لن تظهر قبل خمس او ست سنوات ، فكيف تسارعون باجرأء انتخابات فى فبراير ؟.. وبدأ يستحثنا على ضرورة تاجيل الانتخابات لفترة تكفى لضمان اكتساب جماهير حقيقية ، ومرة أخرى أصدم فهاهو كبير الفقهاء الدستوريين ، يستخدم قانون الاصلاح الزراعى زريعة لضرب التوجه الديموقراطى )) . ((ويمكننى القول بأن اغلب من احاطوا بالثورة من مستشارين ومن قوى سياسية ، كانوا يعملون جميعا من اجل استمرار العسكريين فى الحكم وضد الديموقراطية والبرلمان.... فالسنهورى وسليمان حافظ وفتحى رضوان ، كانوا يشجعون الضباط على تحدى الدستور والديموقراطية بحجة أنها ثورة ، وان للثورة قانونها الخاص ، كذلك كان الدكتور سيد صبرى أستاذ القانون الدستورى يشجع فى هذا الاتجاه ويقول لا مبرر للتمسك بالنصوص )) . هكذا كانت بداية النصائح والتى أدت ان يقتحم عضو تنظيم الضباط الأحرار مجلس الدولة ويضرب رئيسه بالحذاء مفتتحا لظاهرة استمرت طويلا وهى عقدة تفوق الجنس الضباطى على الجنس اللا ضباطى ، وحق الأولين فى تاديب الآخرين. فى 5 مارس 1954 أعلنت قراراته ( الشهيرة ) التى نصت على اتخاذ الاجراءات الفورية لعقد جمعية تأسيسية منتخبة ، بطريقة الاقتراع العام المباشر ، على ان تجتمع خلال يوليو 54 وتقوم بمناقشة مشروع دستور جديد وإقراره ، والقيام بمهمة البرلمان الى الوقت الذى يتم فيه عقد البرلمان الجديد ، وفقا لأحكام الدستور بعد أن تقره الجمعية .. مع إلغاء الأحكام العرفية قبل إجرأء انتخابات الجمعية التأسيسية ، ويكون لمجلس قيادة الثورة سلطة السيادة لحين إنعقاد هذه الجمعية . ((فى يوم 28 مارس بدأت خيوط التدبير تتضح ، فقد اضرب عمال السكة الحديد وأضرب عمال النقل العام ، واعتصموا مطالبين بإلغاء قرارات 5 مارس ومطالبين باستمرار الثورة ، وسارت مظاهرات تهتف تسقط الديموقراطية وتسقط الأحزاب)) . أضاف الاستاذ خالد (( انه الحكم العسكرى المباشر .. وأحسست أن كل أحلامى عن حكم نيابى وديموقراطى تتلاشى )) واستمر مسلسل كراهية مرتزقة فقهاء الدستور لمصر ..و المصريين فلقد فصلوا ثلاثة دساتير تالية ..لتلائم الجالس علي العرش .. أحدهما 1956 .. ثم بعد الوحدة من سوريا الدستور المؤقت عام 1958.. ثم تطبيق نصوص الميثاق الوطني علي مجلس الشعب الذى يجعل نصف أعضاؤة غير فعال وغير قادر على التشريع أو مراجعة القوانين ، أو مراقبة الحكومة فلقد كانوا عمالا وفلاحين طيبين ، يكسبون عيشهم من رضا الحكام وعضوية المجلس . ترزية الدساتير نشطوا بعد ذلك في صياغة دستور 1971..الساداتي و تعديلاته لنصين كحزمة واحدة معروضة للاستفتاء ، الجزء الأول منها يقضى بأن الشريعة الاسلامية المصدر الأساسى للتشريع ، والنصف الآخر يفتح الباب لتجديد ولاية السيد الرئيس لمرات لا حصر لها ، حتى وفاة حضرته .. إدماج النصين فى حزمة واحدة عمل من أعمال الكره والعدوانية على الشعب المصرى ، قام به السادة المسئولين بدم بارد ودون ان يرمش لهم جفن . الترزية زاولوا هوايتهم فى كره المصريين طوال حكم السيد الرئيس المبارك ، ولفقوا نصوصا وقوانين سئيئة السمعة ، تجعل من المستحيل تداول السلطة لناس من خارج الأسرة الكريمة . فقهاء مصر الدستوريين زاولوا عدوانهم على الشعب المصرى حتى عندما لاح الأمل بانتفاضة الشعب ، من 25 يناير الى 11 فبراير 2011 .. فلقد تم إعداد تعديلات للدستور تفرض وصاية الحكام على الشعب الغر أصدرها الرئيس مرسي في إعلان دستورى قال عنه العارفون أنه ((يجهز علي مصر ويعيدها الي ما قبل التاريخ )) ... فالإعلان عندما يركز السلطات في يد مرشد الجماعة يمثل ديموقراطية بدائية من نوع( وامرهم شورى بينهم) . . ديموقراطية ما بعد 2011 جعلت القرار السياسي ارادة ساميه من أمير المؤمنين في فترة حكم الأخوان ..أو من حضرة المشير. فيما بعد . تغرى بالقبض علي المتظاهرين وضربهم و ترويعهم وزيادة الاسعار للوقود و الطاقة ورفع الدعم وتخفيض قيمة الجنية تنفيذا لتوصيات البنك الدولي وفرض ضرائب ومكوس جديده وتسليم سيناء لجماعة مهوسي السلفية .. تركيز السلطات والاستيلاء علي التلفزيون وأجهزة الاعلام والجرائد وتحويلها الي كورال تمجيد بقرارات الحاكم ((الثورية )) هو أمر تعودنا عليه تاريخيا.إنه تراث يقود الجاهل و المتعلم ،الكبير والصغير ، الرجل والمرأة الي تقديس الحكام ،مهما كانت مرجعيتهم . تحويل الحاكم الي صنم يعبد وتابو غير قابل للنقد أو الاقتراب جعل سيادة الرئيس مرسي يعطي لنفسة في القرن الحادى و العشرين سلطة إجبار موالي مصر علي قبول دستور أم أيمن و تأسيسيته حتي لو خرج الي الناس كائنا مشوها يحمل سخفا لا يقل في فساده عن دساتير هتلر وموسيليني وفرانكو التي إستعبد بها الدكتاتوريون أوروبا ولفظتهم الشعوب بعد أن ذاقت كيف قادهم الفاشيست للتخلف و الانحطاط . ثم تضيق سلطات القضاء و إحكام القبضة علي مصر بإسلوب بوليسي يتفوق علي زمن المبارك (بوجود مليشيات ترويع جاهزة تحت الطلب ) جاء دائما بعد زيارات السيدة كلينتون الملهمة لقرارات مندوب المرشد.. بمعني إبداء الرضا (إن لم يكن التخطيط الامريكي) لتحويلنا الي شعب من الصابرين علي البلاء حتي ترى سيادتها كيف يتم العلاج . بعد سقوط الأخوان .. وسيطرة حضرات الضباط .. تم عمل دستور 2014 .. لاغيا كل ما قبله .. حاملا .. كل تقاليد دساتير 1930 و 1956 و 1958 و 1971 ..المضادة للناس .. و لكنها مع ذلك لم توافق الحكام الجدد .. فجرى تعديلها بناء علي نصائح فقية دستورى .. يراس مجلس النواب .. و تمريرها في إستفتاء .. إستخدمت فيه شنط الزيت و السكر و المكرونة بكثافة .. ليبستمر حكم الرئيس الحالي لازمنة .. لا يعلم نهايتها إلا الله سبحانه و تعالي . مصر لم تتعرف علي الديموقراطية بعد .. و هي في حاجة لدستور عصرى لا يمكن تعديلة ليحقق رغبات الحاكم .. دستور يحمي حقوق الأقليات قبل فرض إرادة الأغلبية و يتعامل مع مواطنين لهم حقوق متساوية .. بحترمه الحكام .. و لا يتجاهلون نصوصة .. أو يدورون حولها .. أو ينتهزون فرصة جهل الأغلبية فيمررون .. قوانين .. تنهي فكرة العقد الإجتماعي التي عرفها سكان الواق الواق من القرن الثالث عشر .
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تمكنت المافيا العالمية منا
-
لا نملك عقولا قادرة علي الإبتكار
-
مسطرة محاسبتنا ليست واحدة
-
الإستراتيجية المفتقدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
-
مؤتمر الخوف من ترامب
-
سيناريو بداية إحتلال فلسطين
-
بدو يحملون الجنسية المصرية أم مصريون من أصول بدوية
-
الناس أكلت طاطورة
-
عقد إجتماعي معاصر أم وصايا الدين
-
هذه ثقافتهم علمهم و لسنا مدعويين
-
مجتمع الكوارث والإنزلاق الطبقي
-
عدوان البعض و دفاع الضعفاء دورة لا تتوقف
-
غسيل أملاح المجتمع الضارة
-
الأكل هناك ملهوش طعم
-
لا بديل للتقدم لكسب الحرب
-
السعادة .. في بلد مفتقد الأمان
-
عندما ييحكم العالم أشخاص عاديين
-
فليأخذ حبات عيونهم .. مش مشكلتي
-
كأن الإمبراطورية الرومانية قد عادت
-
الإرث المجهول
المزيد.....
-
نتنياهو يدلي بشهادته في فضيحة -قطر غيت- واعتقال اثنين من كبا
...
-
يونيسف: -إسرائيل- قتلت ما لا يقل عن 322 طفلا في قطاع غزة خلا
...
-
تفاصيل المقترح الإسرائيلي لتبادل الأسرى: -حماس ترفض- والاحتل
...
-
يونيسف: مقتل 322 طفلا بغزة منذ خرق إسرائيل وقف إطلاق النار
-
قيادي في -حماس-: لو توقفت الإبادة في غزة بتسليم الأسرى لما ت
...
-
اليونيسف: 100 طفل يُقتلون أو يتعرضون للتشويه يوميًا في غزة
-
منظمة العفو الدولية تتهم نتنياهو بارتكاب جرائم حرب
-
نتنياهو في مرمى العفو الدولية.. دعوة للاعتقال في المجر
-
-اليونيسف-: مقتل 322 طفلا وإصابة 609 في غزة خلال 10 أيام
-
اليونيسف: مقتل 322 طفلا خلال 10 أيام في قطاع غزة
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|