غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 8297 - 2025 / 3 / 30 - 10:03
المحور:
القضية الفلسطينية
شكلت قضية الأرض وعودة أصحابها من اللاجئين الفلسطينيين إليها جوهر القضية الفلسطينية، كما أنها تمثل التجسيد الكثيف لمأساة الشعب الفلسطيني. " إنها تجسيد سياسي وإنساني وأخلاقي وعقدة أعصاب الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي، وبهذا المعنى أضحى الموقف من حق العودة خطاًّ معيارياً على أساسه يمكن قياس عدالة وجدية أي مشروع مطروح للحلّ السياسي، وأيضاً قياس مصداقية مواقف القوى السياسية كما الأفراد ..
في هذه المناسبة أتوجه لكل الرفاق في فصائل واحزاب حركة التحرر الوطني في مشرق ومغرب الوطن العربي ولكل أحرار العالم وأصدقاء الشعب الفلسطيني، كلمات تجسد بشاعة الهجمة العدوانية على قطاع غزة التي أدت الى استشهاد وفقدان اكثر من 70 ألف واصابة حوالي 120 ألف ، ودمرت اكثر من 80% من قطاع غزة ،بمثل ما تجسد حقيقة الحركة الصهيونية ودولتها العنصرية ، ما يعني ان فكرة المقاومة الهادفة الى هزيمة الدولة الصهيونية تشكل هدفا استراتيجيا لكل فصائل واحزاب حركة التحرر الوطني العربية ، انطلاقا من ان الكيان الصهيوني هو النقيض الاستراتيجي للأمة العربية.من ثم، فإن التناقض بين الطرفين تناقض تناحري مطلق. فإما الكيان الصهيوني المتمدد واما الأمة العربية الموحدة المتقدمة.
لذلك فإن التعامل مع الكيان الصهيوني وكأنه كيان طبيعي شأنه شأن المجتمع التركي أو الإيراني أو الفرنسي أو الصيني والاعتراف بهذا الكيان هو في جوهره نفي للذات العربية، اي إنه انتحار قومي، لا أكثر ولا اقل. وهو فوق ذلك انتحار للعقل . فقبول الكيان الصهيوني هو في جوهره قبول لأسطورة الأمة اليهودية وأسطورة امتلاكها أرض فلسطين وأسطورة الشعب المختار، وما إلى ذلك من أساطير يرفضها العقل والعلم.
لقد توضح خلال العقود الماضية طوال 77 عاما من الصراع مع العدو الصهيوني منذ النكبة عام 1948 حتى اللحظة ، بأن الدولة الصهيونية معنية بالسيطرة على كل فلسطين ، وأنها جزء من المشروع الامبريالي للسيطرة على الوطن العربي، وبالتالي يجب ان تتأسس الرؤية لدى الفلسطينيين والعرب انطلاقاً من ذلك وليس من خارجه.
فالدولة الصهيونية هي مركز ثقل الوجود الامبريالي في الوطن العربي، ووجودها حاسم لاستمرار السيطرة الإمبريالية، وضمان استمرار التجزئة والتخلف العربيين، هذه البديهة هي التي تفرض علينا إعادة تقييم أوضاعنا وأفكارنا وسياساتنا.
لهذا كان ضرورياً أن يعاد طرح الرؤية التي تنطلق من فهم عميق للمشروع الامبريالي الصهيوني، من أجل أن يعاد تأسيس إستراتيجية النضال الوطني والديمقراطي على ضوء هذه الرؤية.
ومرة تلو أخرى نستعيد نحن الفلسطينيون في ذكرى يوم الأرض ، أطياف ذكريات ماضية واصراراً على مواصلة النضال من اجل العودة وتقرير المصير والحرية والاستقلال، ولكن في وضع مؤسف عنوانه المزيد من الاستسلام والخضوع الرسمي لمعظم الأنظمة العربية لشروط الامبرياليين والصهاينة في أوضاع تفاقمت فيها همجية العدو الصهيوني وعدوانه ورفضه الصريح بكل وقاحة لحقوق شعبنا الشرعية والتاريخية.
في هذه اللحظة نستلهم هنا قول المناضل والشاعر التقدمي الراحل توفيق زياد : بين الثلاثين من آذار 1976 والثلاثين من آذار اليوم 2025 كَبُرَ شعبنا كثيراً ، ربما أكثر مما كَبُرَ خلال 49 عاماً "نحن لم نعد أقلية الخمسينيات والستينيات المستضعفة بل أصحبنا شعب ما بعد الثلاثين من آذار" .
كان ليوم الأرض الأثر الأكبر على تأكيد وتجسيد بلورة الهوية السياسية الوطنية للفلسطينيين ، تلك الهوية المرتبطة راهناً ومستقبلاً بالهوية القومية العربية ذات الطابع والجوهر الديمقراطي التقدمي ، فبعد أن كان الفلسطيني هنا رهينة في قفص الخوف والعزلة والتردد تحول إلى نموذج في المواجهة ، كما في الانتماء والارتباط بمصير شعب بأكمله ، تحول إلى نموذج في التحدي والتصدي والصمود على ارض وطنه ، لا يهمه أن يضحي في سبيل البقاء حراً أبياً في وطنه مهما عظمت التضحيات! أصبح يعلنها جلية واضحة مدوية .. (هذا وطننا وإحنا هون) .. وقد دخلت إلى قواميسنا عبارات ومصطلحات وشعارات غيّبتها عقدة الخوف والتردد ! ودخلنا معها مرحلة جديدة من تاريخنا مرحلة عنوانها ... " هنا على صدوركم باقون كالجدار.. وفي حلوقكم كشوكة الصبار... كأننا عشرون مستحيل في اللد والرملة والجليل".
الثلاثون من آذار، ذكرى لها دلالتها في تاريخ الحركة الوطنية للشعب الفلسطيني، في ذلك اليوم من عام 1976، هبت الجماهير الفلسطينية في الجليل والنقب ومناطق الاحتلال1948 وشاركتها الجماهير الفلسطينية في باقي الأراضي المحتلة عام 1967 ضد عملية وسياسة المصادرة للأراضي التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية , ووقف الشعب الفلسطيني يدافع عن الأرض التي أنجبته واحتضنته عبر آلاف السنين , أعطاها دمه وعرقه وعقله وأودعها أحلامه, وأعطته مأواه وخبزه ووطنه وهويته الإنسانية .
أرضنا العربية الفلسطينية محور رئيسي للصراع مع المشروع الصهيوني في فلسطين , والاستيلاء عليها وطرد الشعب الفلسطيني منها، كان ولا يزال، هدفا ثابتا وأساسيا في الإستراتيجية الصهيونية ثم الإسرائيلية ,سعت لتحقيقه بكل الوسائل الممكنة وعلى رأسها القوة المسلحة.
إن مشروع استيطان فلسطين كان في البدء مشروعا استعماريا أوروبيا قبل أن يكون مشروعا للحركة الصهيونية , والتي جاءت بدورها كجزء من هذه الحركة الاستعمارية ومترافقة معها, وإحدى أدوات تنفيذ مشاريعها وأهدافها ومصالحها الإستراتيجية في المنطقة العربية .
التطور التاريخي للاستيطان الصهيوني:
كان نابليون بونابرت أول من نادي بمشروع الكيانية اليهودية في فلسطين، وذلك أثناء حملته على مصر في نهاية القرن الثامن عشر حيث دعا اليهود للهجرة إلى فلسطين وتأسيس دولة لهم تحت حماية فرنسا , وهذا المشروع انتهى بهزيمته على أسوار عكا عام 1799، ثم انسحابه من شرق المتوسط .
ثم أعيد إحياء المشروع من قبل السياسة البريطانية بعد صعود نجم محمد علي وحملته على الشام في العقد الثالث من القرن التاسع عشر وبعد تغلغل النفوذ الغربي في الإمبراطورية العثمانية , قدم اللورد البريطاني "شافتسبري" عام 1838 إلى وزير خارجية بريطانيا اقتراح مشروع استيطان اليهود في فلسطين تحت الحماية البريطانية , والذي بدوره اهتم به وعين على الفور قنصلا بريطانيا في القدس لمتابعة الأمر, وقد لعبت هذه القنصلية دورا هاما في حماية اليهود وتشجيع استيطانهم لفلسطين من خلال الدعم المالي والضغط على الحكومة العثمانية لتسهيل إقامتهم وهجرتهم وامتلاكهم للأراضي الفلسطينية ,إضافة لقيام ساسة بريطانيا بممارسة الدعاية في أوساط اليهود بالعالم لخدمة أهدافهم ودعوتهم"للاستيطان وتعمير أراضي قاحلة بدون سكان ".
كان اللورد شافتسبري قد طرح شعار" فلسطين بدون سكان " وذلك عام 1854 حيث قال "يوجد بلد بدون أمه، والله الآن في حكمة ورحمة يقودنا إلى أمه بدون بلاد " ثم استخدام نفس المقولة عام 1876 في إحدى مقالاته إذ كتب "الأمة بحاجة إلى بلاد الأرض القديمة والشعب القديم ", هذه الشعارات تحولت بعد ذلك على يد الصهيوني "ماكس نوردو" إلى شعار "الأرض التي بلا شعب ، الشعب الذي لا ارض له ".
في هذا السياق اشير الى ان الوجود اليهودي في فلسطين يعود إلى نهاية القرن الخامس عشر اثر هرب قسم من يهود اسبانيا بعد هزيمة وإنهاء الممالك الإسلامية هناك عام 1492 وقد أطلق عليهم (السفارديم) وتعني بالعبرية (اسبانيا)، ولم يتجاوز عددهم آنذاك خمسة آلاف نسمة. وقد سكنوا في مدن: القدس , صفد, طبريا ,الناصرة.
وفي عام 1870تمكنت جمعية الاليانس الفرنسية (الاتحاد اليهودي العالمي)، من استئجار 2600دونم من السلطات العثمانية، وهي اراضي تابعة لقرية يازور الفلسطينية قرب يافا , أقيمت عليها المدرسة الزراعية ا ليهودية (مكفيه إسرائيل ـ أمل إسرائيل) والتي لعبت دورا هاما في تدريب اليهود الوافدين إلى فلسطين على الزراعة وبناء الخبرات, وتشجيع ودعم الاستيطان وقد دعمها البارون البريطاني ادموند روتشيلد .
يعتبر البعض أن بداية الاستيطان كان في عام 1878، عندما اشترت مجموعة من يهود القدس عملت في إطار شركة سميت "إعادة الأمور إلى نصابها " حوالي 2400دونم من أراضي قرية ملبس الفلسطينية شمال شرق يافا من مالكيها اليونانيين، وأقامت عليها أول مستوطنة يهودية أطلق عليها "بيتاح تكفا ـ باب الأمل" ثم جرى شراء بعض الأراضي في قرية عيون قارة جنوب يافا وزمارين على ساحل الكرمل جنوب حيفا وبعض أراضي قرية الجاعونة ـقضاء صفد، ورغم ذلك ظلت الأراضي المسجلة باسم اليهود محدودة للغاية، إذ لم تتجاوز أملاكهم في فلسطين "22" ألف دونم حتى نهاية 1882 عندما فرض الحظر العثماني على الاستيطان اليهودي في فلسطين.
بعد ذلك وفيما بين 1882ـ 1903 بدأت مرحلة جديدة من الاستيطان اليهودي المنظم، بفعل الهجرة اليهودية الأولى من روسيا ورومانيا، والتي تميزت بالخلفية الدينية والسياسية المتطرفة أو ما أطلق عليهم "أحباء صهيون " وارتفع عدد المستوطنات إلى 22 مستوطنة امتلكت 220700 دونم في عام 1900، ثم اندفع هذا الزخم الاستيطاني بقوة، معززا بإنشاء مجموعة من المؤسسات اليهودية الخاصة بشراء الأراضي، إلى أن وصلت عام 1914 إلى 420الف دونم و47مستوطنة موزعة على النحو الآتي :
– 242440 دونم اشترتها شركة الاستيطان اليهودي وروتشيلد.
– 158418دونم اشترتها مؤسسات يهودية خاصة وأفراد.
– 16720 دونم اشترها الصندوق القومي اليهودي .
فإذا كان الأسلوب الرئيسي في حيازة الأرض قبل 1919، اعتمد على شراء واستئجار الأراضي فأن هذه المرحلة الثانية التي جاء فيها إثر الانتداب البريطاني على فلسطين، تميزت أساسا بتحويل الأراضي إلى اليهود عبر سلطات الانتداب وبوسائل رسمية حكومية وقانونية بسلسلة من القوانين التي تخدم الهدف ؟
فمن المعروف أن الأراضي الأميرية تشكل حوالي 45% من مساحة فلسطين , وقد أصبحت تحت سيطرة ونفوذ سلطات الانتداب البريطاني ، التي هي ضمن مشروع ووعد إقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين .
وحسب إحصائيات القرى الصادرة عن سلطات الانتداب البريطاني في أول نيسان 1945 فأن مساحة الأراضي التي كانت بيد اليهود تبلغ1.491.644 دونم مقابل 12.657.07 دونم للعرب و12.114.56 دونم أملاك حكومية +42.050دونم يمتلكها آخرون من مساحة فلسطين البالغة 26.405.266دونم.
أما إحصائيات الوكالة اليهودية فأشارت إلى أن ملكية اليهود حتى 1948بلغت 1.807مليون دونم وتعادل 6.8%من مساحة فلسطين الإجمالية موزعة على النحو التالي :
420.600 دونم في العهد العثماني .
500.000 دونم أراضي ممنوحة من الانتداب البريطاني .
625.000 دونم تم شرائها وبمساعدة البريطانيين من خلال إقطاعيين مقيمين خارج فلسطين.
261.000 دونم تم الحصول عليها بالشراء من الفلسطينيين أو عبر قانون نزع الملكية .
تطور عملية السيطرة على الأراضي بعد 1948:
اثر هزيمة 1948 واحتلال الصهاينة القسم الأكبر من الأراضي الفلسطينية . ثم ما اضافتة اتفاقية رودس 1949 مع مصر والأردن ازدادت مساحة الأراضي لدى الصهاينة من 5.62% من مساحة فلسطين قبل إعلان إسرائيل إلى 77.39% بمساحة إجمالية تبلغ 20.500مليون دونم موزعة على النحو التالي :
12.851.154 مليون دونم أراضي صحراوية وغير مزروعة في معظمها خاصة بالنقب
6.893.243 مليون دونم أراضي زراعية مختلفة
537.327 دونم أراضي إحراج
440.000 دونم القسم المحاذي للبحر الميت وبحيرة طبريا
والمساحة المتبقية انقسمت بين:
5.650 مليون دونم سيطرت عليها إمارة شرق الأردن (الضفة الغربية ) وتبلغ 21.32%من مساحة فلسطين .
210 ألف دونم مساحة القسم المحاذي للبحر الميت .
365 ألف دونم وضعت تحت إدارة الحكم العسكري المصري (قطاع غزة) وتبلغ 1.29% من مساحة فلسطين .
ومن بين الأراضي التي وقعت تحت الاحتلال اليهودي هناك 1.2مليون دونم كانت تحت أيدي الفلسطينيين المتبقيين والبالغين حوالي 150 الف مواطن.
ومنذ الإعلان عن قيام "إسرائيل" بدأت سلطات الاحتلال بعدد من الإجراءات :
1.اللجوء لكافة السبل للسيطرة على ما تبقى بيد الفلسطينيين من الموارد الاقتصادية والمعيشية وخاصة الأراضي التي تحت حيازتهم .
2. استيعاب الجماهير الفلسطينية داخل الوطن المحتل اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا .
3. تنشئة جيل جديد يتميز بالولاء اتجاه الكيان الصهيوني والرموز الموالية له.
4. نفي وتشويه السمات الثقافية القومية والوطنية وتضخيم السلبيات في التاريخ والشخصية العربية مع رفع قيمة ما سمي الحضارة اليهودية.
5. تحطيم التماسك الجماعي والاجتماعي للشعب الفلسطيني للتعامل معه بشكل فردي.
لقد جاءت انتفاضة يوم الأرض (30/آذار/1967) كمحصلة لمجموعة تفاعلات سكانية واقتصاديه واجتماعية وسياسية على الصعيد الداخلي للجماهير الفلسطينية، وبينها وبين نظام السيطرة الاستيطانية العنصرية الذي يزداد عنفا وعنصريه يوما بعد يوم ،ومن خلال تصاعد تجربة ووعي وتماسك الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
وكانت تلك الانتفاضة ، بمثابة رد الشعب الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة 48، على كافة قرارات وإجراءات العدو الصهيوني بالنسبة لمصادرة الأراضي، وقد تجلى ذلك الرد الشعبي الحاسم في 17 شباط بعقد مؤتمر شعبي فلسطيني وفي قرية سخنين ، بمشاركة وفود عدد من المجالس المحلية العربية وأعضاء (اللجنة القطرية للدفاع عن الأرض) وطالب بوقف هذه الإجراءات وإعادة الأرض لأصحابها أو لاختصاص المجالس المحلية , تم تبعه لقاءات ومؤتمرات تدعو للتحرك .وفي 6-3-76 عقد مؤتمر في الناصرة بحضور أكثر من 70 شخصية تمثل الجماهير الفلسطينية في كل القطاعات وتألفت (اللجنة الوطنية للدفاع عن الأراضي ) التي أعلنت الأحزاب الشامل ونفذته جماهير الأرض المحتلة يوم 30/آذار/1976 التي خرجت بالآلاف معلنة تمسكها بأرضها وأرض أجدادها ، مؤكدة على رفضها قرارات المصادرة الصهيونية، في ذلك اليوم قبل أربعة وثلاثون عاماً ثار أهلنا على تعسف الدولة الصهيونية وسكانها المستوطنين اليهود الذين جاؤوا من جهات الأرض الأربع ليسرقوا خبزنا وملحنا وماءنا وترابنا.. ويقتلوا طفولتنا.. ثار شعبنا السجين على الجلاد، وثارت المعاصم على القيود، وطارت العصافير من الحناجر إلى فضاءات الشهادة والحرية، وما زالت الأرض تطلب المزيد، وهي تستحقه.. لم يرمز شهداء الثلاثين من آذار 1976 إلى يوم الأرض لأنهم الوحيدون، بل لاتصالهم المباشر بالمناسبة، فكل شهيد في فلسطين يرمز بشكل أو بآخر إلى التمسك بالأرض، وإلى أهمية الأرض.
دخل قرار المصادرة حيز التنفيذ 23-3-76 وجرى تهديد الشخصيات الفلسطينية لإلغاء الإضراب , ولكن الضغط فشل وجرى الإضراب الشامل مدعوما من فلسطيني الاحتلال 1967، وكان هناك 6 شهداء ومئات الجرحى .
لقد تجلت الوحدة الوطنية بأروع صورها في الثلاثين من آذار عام 76 وخرجت الجماهير إلى الشوارع دونما تخطيط، لقد قادت الجماهير نفسها إلى الصدام مع المؤسسة الرسمية احتجاجاً على مصادرة الأراضي ، حيث بلغ وعي الخطر الداهم على الأرض أوجه في يوم الأرض ، وقد اقتربت الجماهير العربية في الثلاثين من آذار إلى إطار العصيان المدني الجماعي، فتصرفت جماهيرنا لأول مرة كشعب منظم، استوعبت فيه أبعاد قضيتها الأساسية، ألا وهي قضية الأرض والوجود .. هذه القضية ما زالت مرسومة في وجدان الإنسان الفلسطيني هنا...
على أي حال ، إن حرية شعبنا واستقلاله لن تتحقق إلا بامتلاكه لأرضه عبر وجوده وصموده وتعزيز بقاءه، الذي يستلزم توفير مقومات الصمود على الأرض ، معلناً رفضه لكل ممارسات الاستعباد والقهر السياسي والاجتماعي والطبقي ، بحيث يملك كامل حريته الشخصية والعامة معتداً بكرامته وقدرته على التعبير عن رأيه ومعتقداته الوطنية والمجتمعية ؛ فالتحرر الحقيقي من الاحتلال لن يتحقق إلا من خلال الإنسان الحر، ذلك أن الذليل المُهان - كما يقول بحق عميد الأدب العربي طه حسين - لا يستطيع أن يُنتج إلاّ ذُلاً وهواناً ، ولن يحقق حريةً واستقلالاً .
في ضوء ما تقدم ، فإنَّ حديثي عن الأرض وأيام الأرض هو حديث عن الوفاء والانتماء لها والوفاء لعشرات الآلاف من الأسرى والجرحى والشهداء الذين ضحوا من أجلها طوال المائة عام الماضية ، على مختلف انتماءاتهم، ومعتقداتهم ، وقناعاتهم ، وميولهم السياسية التي وإن اختلفت في اللون والمعتقد السياسي أو الديني ، إلا أنها أجمعت واجتمعت على بوصله واحدة عنوانها فلسطين، وأن الدين لله والوطن والأرض للجميع .
إن عدوانية الدولة الصهيونية وغطرستها في ظل حكومة التحالف الليكودي اليميني مع حركات الصهاينة المتدينين الأكثر يمينية وعنصرية ، امتدت بمزيد من الهمجية ومصادرة الاراضي في الضفة المحتلة واستمرار حصار قطاع غزة ، وبالتالي لم يكن يوم الأرض الا محطة من محطات النضال الوطني التاريخي ضد الكيان الصهيوني طالما استمر وجوده على ارضنا ، فعلى الرغم من بشاعة الهمجية الصهيونية وتزايد واستشراس عدوانيتها ليس بسبب مساندة الإمبريالية الأمريكية لهم فحسب ، بل ايضاً بسبب خضوع وارتهان وتطبيع معظم النظام العربي واعترافه بالكيان الصهيوني ، ستتواصل فصول الصراع ضمن مسيرة النضال والتضحيات الفلسطينية حتى تحقيق الأهداف الوطنية التي انطلق شعبنا من اجلها ، الأمر الذي يدفعني الى طرح السؤال التقليدي مجدداً على رفاقي في حركات التحرر التقدمية في كل ارجاء الوطن العربي : ما العمل ؟ ما هي العملية النقيض لذلك كله ؟
إن اجتهادي في الإجابة عن هذا السؤال مرهونة بصحوة حقيقية نشطة ، سياسياً وفكرياً وتنظيمياً ، من قبل أحزاب وحركات اليسار الماركسي في بلادنا في كل ارجاء المشرق والمغرب، على الرغم من ادراكنا للطبيعة المركبة والمعقدة لأزمة هذه الأحزاب، ومرهونة أيضاً بتبلور ولادة احزاب وحركات يسارية ماركسية ثورية قادرة على التقاط هذه اللحظة، ومن ثم الالتزام بعملية النضال الحقيقي السياسي الديمقراطي والجماهيري من منظور طبقي، من أجل تحقيق الأهداف التي تتطلع اليها جماهيرنا الشعبية، وخاصة إسقاط رؤوس وأنظمة التبعية والاستبداد والتخلف والاستغلال، وتأسيس النظام الاشتراكي الديمقراطي الجديد ، وذلك ايماناً ووفاءً للمبادئ القومية التقدمية الثورية التي أطلقها المفكر الثوري الراحل جورج حبش عبر تأكيده على أن الطريق الى تحرير فلسطين او تحرير أي بقعة أرض عربية من الامريكان او الصهاينة ، مشروط بتحرير العواصم العربية من حكامها العملاء عبر ممارسة ومراكمة كافة اشكال النضال الهادف الى اسقاط أنظمة التبعية والعمالة والاستغلال والتطبيع، من خلال أحزاب وحركات ثوريه ماركسية قومية ملتزمة بتطبيق اهداف الثورة الوطنية الديمقراطية، وذلك انطلاقا من ان هذه الثورة هي استمرار لثورة التحرر الوطني من جهة وهي ايضاً استمرار لسيرورة الثورة الاشتراكية من جهة ثانية ، انطلاقا من العلاقة الجدلية بين الثورة الوطنية الديمقراطية والثورة الاشتراكية ، باعتبار أن الثورة الوطنية الديمقراطية هي في نفس الوقت ثورة وطنية وطبقية مناضلة ضد كل أشكال التبعية والتخلف والاستغلال والاستبداد، وضد الوجود الامبريالي الصهيوني في بلادنا .
وهنا يمكن الإشارة إلى أن الصراع مع العدو الصهيوني ينطلق من مستويين:
- الأول هو أن الصراع ضد الدولة الصهيونية هو فرع من صراع ضد الرأسمالية والإمبريالية والرأسماليات التابعة، وهو صراع الطبقات الشعبية ضد هؤلاء، وليس من الممكن أن نصل إلى تحرير فلسطين أو تحقيق الحد الأدنى في دولة مستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967خارج إطار هذا الصراع، الذي يجب أن يفضي إلى التحرير والوحدة القومية والتطور والدمقرطة والحداثة في مجتمع عربي ديمقراطي موحد.
- الثاني هو أنه من الضروري بلورة حل ديمقراطي لـ "المسألة اليهودية"لمن يقبل من اليهود أن يعيش في ظل دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية .
انطلاقاً من ذلك أعتقد بضرورة الحوار حول الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية كموقف مستقبلي استراتيجي يقوم على أن الكيان الصهيوني لا مستقبل له في بلادنا مهما تبدى للبعض في مرحلة الانحطاط الراهنة أنه الكيان الأقوى في الشرق العربي، آملا أن يسهم الحوار في توسيع البحث في هذا الموضوع من كافة الرفاق والأصدقاء المعنيين في ارجاء الوطن العربي.
#غازي_الصوراني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟