وصلت قائمة الإستحقاقات الى الحزب الفلسطيني "الحاكم"
د. ثابت عكاوي
رام الله المحتلة
تشهد الاراضي المحتلة كتلة متعددة من التعقيدات والتوترات، منها التوترات بين السلطة الفلسطينية وزعامة الكيان الصهيوني، وبين السلطة الفلسطينية ورئيس وزرائها، وبين رئيس الوزراء الفلسطيني والحزب الحاكم الذي ينتمي اليه. وتزداد التوترات، وإن بقدر كبير من الكذب، بين الزعامة الصهيونية والشارع الصهيوني (مثلا الافراج عن اسرى فلسطينيين قاموا بعمليات قتل فيها يهوداً). كما تزداد التوترات بين المؤسسة الاميركية الحاكمة وبين زعامة الكيان الصهيوني حيث تصر المؤسسة الاميركية الحاكمة على الوصول الى تسوية ما في الاراضي المحتلة للاستفادة منها كرصيد في الدعاية الانتخابية للعام المقبل طالما انها لم تنجح في تحسين الوضع الاقتصادي الداخلي، وطالما ان المقاومة تشتد في العراق.
نحن اذن أمام سلسلة من التوترات التي تتناسل هندسياً لا حسابياً فيما يخص القضية الفلسطينية وتحديداً تطبيق درجة صغيرة من خريطة الطريق. وبتحديد اكثر الحلقة المتعلقة بتماسك الهدنة وتحرير الاسرى الفلسطينيين.
من جهته، فإن الكيان الصهيوني، وإن بدا انه يقدم "مرونات" فإنه في الحقيقة لا يقدم شيئاً، بل انه يُرسي عدواناً جديداً غير مرئي للكثيرين. فهو ممعن في خرق كافة الاتفاقات والاعراف وعدم التقيد باي تعهد حتى لو كتبه بخط يده، وهذا ليس بيت القصيد. ففي حين اعتاد الكيان الصهيوني على قبول العالم الرسمي وعلى رأسه الانظمة العربية والامم المتحدة ولاحقا السلطة الفلسطينية، اعتاد هذا العالم على القبول ب والتعايش مع الخرق الصهيوني لكافة الاعراف والاتفاقات، فإن هذا الكيان يحاول الآن تلبيس المنظمات الفلسطينية التي لا تعترف به بحيث تتعايش مع خرقه للاعراف، وبالتالي تكون قد غطست في مستنقع التطبيع دون ان تشعر. اذن يريد الكيان الصهيوني تعويد المقاومة على القبول "بنمرداته" كما عوَّد الانظمة الحاكمة!
لذلك يستمر الكيان الصهيوني في الاعتقال والاغتيال والقصف والاجتياح رغم الهدنة الشاملة التي اعلنتها كافة التنطيمات الفلسطينية، وهي هدنة لا مباشرة من التنظيمات وقبول لا مباشر من الكيان الذي يتفاوض عليها مع السلطة الفلسطينية. وحيث يخرق الاحتلال هذه الهدنة، فإنه يطالب التنظيمات الفلسطينية بالقبول بذلك. وهذا ما يخلق توتراً في اوساط المنظمات وبينها وبين السلطة الفلسطينية نفسها.
كما ان رفض الاحتلال الافراج عن أسرى تنظيمات فلسطينية معينة، إنما هي محاولة ليس للفصل او التمييز بين اسير وآخر، بل الاخطر انها محاولة لتطبيع التنظيمات الفلسطينية كي تقبل بأن يصنفها العدو كما يريد. وأن يتفاوض مع السلطة الفلسطينية في حين يمنعها من تمثيل اسرى شعبها بحيث يحدد هو، اي العدو، كيفية التمثيل.
وهذا يطرح سؤالا كبيرا حول جوهر التفاوض والتسوية نفسها. فإما سلام بين الانداد، وإما أن يُعلن انه "سلام" الرضوخ والاذعان وعندها فليقبل به من يريد.
ان الذرائع التي يسوقها الاحتلال عن عدم الافراج عن معتقلين قاموا بعمليات قتل فيها يهوداً، إنما هي مزاعم كاذبة يحاول العدو تثبيتها، في ذاكرة الرأس العام العالمي، كحقائق وقيم لا تُخرق. وذلك للاسباب التالية:
أولاً: محاولة تثبيت كذبة عنصرية تزعم افضلية دمٍ على آخر.
ثانياً: الزعم بالتمسك "بقداسة" الدم اليهودي بينما حيث افرجت سلطات الكيان في تبادل الاسرى مع القيادة العامة عن فلسطينيين قاموا بعمليات قتل فيها يهوداً.
ثالثاً: لقد اثبتت بحوث كثيرة ان القيادات الصهيونية كانت قد عقدت صفقات مع النازية ساومت فيها على ارواح يهود كثيرين. (انظر مسرحية الكاب البريطاني جون ألن "الهلاك" The Perdition by John Allen).
توتر في الحزب الفلسطيني الحاكم
صحيح ان حركة فتح هي كبرى المنظمات الفلسطينية، ولكنها لم تستلم السلطة لأنها الحركة الاكبر ولكن لأن قيادتها قبلت بمفاوضات مدريد ومن ثم وليد هذه المفاوضات، اي اتفاق أوسلو. كما انها لم تتسلم السلطة بانتخابات عامة اوصلتها ديمقراطياً الى سلطة الحكم الذاتي. لقد وصلت حركة فتح الى السلطة باتفاق اوسلو حيث سلمتها سلطات الاحتلال هذه السلطة. ولم تفعل سلطة الاحتلال هذا دون الرضى والاشراف الاميركي. وخلال الفترة ما بين 1993 وحتى انتخابات تشريعي أوسلو، حكمت حركة فتح دون تفويض شعي. وهذه الفترة بالتحديد كانت فترة ثبتت هذه الحركة نفسها في جميع مواقع السلطة من حارس المدرسة وحتى الوزير، وخلقت اطيافا طبقية متعددة من المستفيدين من كون حزبهم في السلطة. فكل من حصل على وظيفة، واحيانا اكثر من وظيفة، تصبح له مصلحة في بقاء هذه الحركة في السلطة، وهذا ما خدمها حيث صوت لها في انتخابات التشريعي كل مستفيد من القطاع الفلسطيني الذي لم يقاطع الانتخابات. وهو امر طبيعي ان ينتخب المواطن من قدم له خدمات. حيث يمكن ان يقول المواطن لطرف ثوري يساري شيوعي قومي...الخ : اطروحاتك جميلة، ولكن اين الوظيفة لإبني!
اذن تعرف عناصر حركة فتح انها حصلت على سلطة من خلال التسوية، وبالتالي، فإن عليها تقديم استحقاقات لهذه التسوية ومنها القبول بخريطة الطريق. ولعل الملفت للنظر، انه ليس حركة فتح وحدها القابلة بهذه الخريطة بل معظم فصائل م.ت.ف. وحتى الفصائل الرافضة للتسوية بما فيها خريطة الطريق فهي حين تعلن الهدنة، إنما تتساوق بدرجة او اخرى مع خريطة الطريق، ومن جانب آخر تحاول تجنب الاقتتال الفلسطيني الداخلي، وربما حماية راسها من هجمة التسوية الخطيرة. أما ما هو موقفها الحقيقي، فهو ما ستبينه التطورات لاحقاً.
امام هذه الصورة المعقدة، وجدت مختلف التنظيمات الفلسطينية فرصتها في التشدد إزء مسألة الاسرى لأن هذا التشدد يغطي على الجوانب الاخرى التي ساومت فيها. وعليه، نلاحظ ان الخلاف متمحور حول قضية الاسرى رغم اهميتها، ولكنها ليست كل شيء!
الضربة الاميركية...ضربة معلم
معروف ان للولايات المتحدة حساباتها وخطتها في الاراضي الفلسطينية المحتلة. فهي تنتقل على ما يبدو من مرحلة حكومة م.ت.ف ممثلة في حركة فتح، الى تشكيل حكومة جديدة من فلسطينيين اميركا ( اي مدراء المنظمات غير الحكومية الممولة من اميركا والغرب الراسمالي والاكاديميين والمثقفين المتغربنين...الخ). في هذا الصدد، فإن هدف الولايات المتحدة هو امتصاص اكبر عدد ممكن من عناصر م.ت.ف ليصبحوا جزءا من معسكر فلسطينيي اميركي ولا شك ان اميركا تحاول شق صف الحرس القديم لحركة فتح كي تقوي معسكر فلسطينييها الذي هو بلا قاعدة شعبية بالطبع.
لذلك، فإن من مصلحة الولايات المتحدة ان تقوي معسكر رئيس الوزراء الفلسطيني، والافضل لها ان يصبح رئيس الوزراء خارج نطاق اللجنة المركزية لحركة فتح كي يصبح في معسكر امريكا كلياً. وقد تغلف اميركا هذا بالزعم انها تعمل على فصل الدولة وتحديداً الحكومة، عن حركة المقاومة. وهذا الامر بالتحديد هو الذي يكبِّل ايدي العناصر الراديكالية في حركة فتح التي تضغط على رئيس الوزراء كي يتخذ مواقف متصلبة بوجه الكيان الصهيوني. هنا تجد حركة فتح نفسها بين وجوب الموازنة بين الاحتفاظ برئيس الوزراء في صفوفها، وبين التفريط به وبالتالي بدء تقوية معسكر فلسطينيي اميركا. وباعتقادنا، فإن ما يحسم الامر في النهاية هو ان حركة فتح قابلة بخريطة الطريق، وهي لن تدفع محمود عباس للخروج كليا من أوساطها بحيث تصبح الحكومة مستقلة ذاتياً عن حركة فتح. ولذلك، قد تكتفي حركة فتح بتشجيع التنظيمات الاخرى على الضغط على محمود عباس اكثر مما تضغط هي نفسها، وهذا ايضا يفقدها بعض المصداقية الشعبية. باختصار، هذا هو استحقاق الحصول على السلطة والتمسك بها.
في هذه الاثناء، تلبس الحكومة المصرية ثوب الحريص "العربي" على التنظيمات الفلسطينية وتحاول بكل الخبث المخابراتي الممكن توريط كافة الفصائل الفلسطينية في التمسك بالهدنة وبالتعايش مع الخروقات والعدوانات الصهيونية. وفي هذا الصدد، نعتقد ان الحكومة المصرية إنما تبغي من وراء ذلك كسب الرضى الاميركي لتحسين وضعها في الاوساط لاميركية الحاكمة عبر "خصي" المقاومة الفلسطينية وتمرير خريطة الطريق على خطورتها الواضحة.
بقي ان نقول، بأن التسوية بصورة خريطة الطريق التي ليست سوى إملاءات من النظام العالمي على المستعمرة الفلسطينية سوف تستمر، وأن حلاً رديئاً يُرسى على الارض. وعليه، كيف ستتعامل القوى الرافضة لهذه الخريطة، كيف سترسم تكتيكها الحساس جدا والمتمثل في: استمرار المقاومة مع الاخذ بالاعتبار ضرورات الحياة اليومية للناس. هذه المعادلة التي يجب ان تستمر عليها الامور، لا توقف للمقاومة، ولا إنهاك للناس. وهي معادلة على تواضعها، لن يقبل بها أهل التسوية عرباً أو صهاينة أو امريكان.