أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - وليد عبد الرحمن - غزة: مقاومة الوجود في وجه الإبادة















المزيد.....

غزة: مقاومة الوجود في وجه الإبادة


وليد عبد الرحمن

الحوار المتمدن-العدد: 8296 - 2025 / 3 / 29 - 08:18
المحور: القضية الفلسطينية
    


المقدمة
في ظل معاناة تتجاوز حدود اللغة والوصف، تقف غزة كرمز حي لصراع وجودي يتخطى حدود السياسة والتحليلات الجافة التي تحاول اختزال الألم إلى أرقام وإحصاءات. إن ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل هو اختبار عميق لمعنى الوجود والكرامة في مواجهة آلة الإبادة التي لا ترحم. هذا المقال يسعى لإعادة صياغة رؤية شاملة لما يجري، مع الأخذ بعين الاعتبار ملاحظات جوهرية تؤكد على أهمية البقاء كشكل من أشكال المقاومة العظيمة، ورفض استخدام أدوات الاستعمار التي يتفوق فيها، وقيمة كل قطرة دم فلسطينية تستحق الحزن والذاكرة، إلى جانب ضرورة كسب تعاطف العالم الحر، وحماية دماء شعبنا من استغلال أي جهة تسعى لتحقيق مصالحها على حساب معاناتنا. إن غزة اليوم ليست مجرد بقعة جغرافية تُدمر، بل هي نداء مستمر لإعادة التفكير في كيفية مواجهة الظلم بطرق تحافظ على إنسانيتنا وتعزز وجودنا. من خلال هذه الرؤية، نطمح إلى تقديم منظور يجمع بين الحكمة والواقعية، بعيدًا عن الشعارات الجوفاء أو التكرار الذي يُفقد الكلام بلاغته، لنصل إلى فهم أعمق للمقاومة التي تستحق أن تُعاش وتُحترم.
القسم الأول: البقاء والتحدي أمام الاستعمار
في صلب كل مشروع استعماري يكمن الهدف الخبيث: إخراج الفلسطينيين من أرضهم، وتجريدهم من هويتهم، ومحو وجودهم من الذاكرة الإنسانية. إن البقاء على أرض فلسطين ليس فعلاً عاديًا يمر دون انتباه، بل هو مقاومة بطولية تتحدى كل محاولات الاقتلاع والإذلال التي يمارسها الاستعمار بلا هوادة. غزة، بما تواجهه من حصار خانق ودمار شامل، تُجسد هذا الصمود بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث يتحول كل نفس يتنفسه أهلها إلى شهادة حية على أن الحياة قادرة على الاستمرار رغم وحشية القمع. لكن هذا البقاء لا يعني القبول بالواقع كما هو، أو الخضوع لشروط المستعمر، بل يستدعي إعادة التفكير في كيفية مواجهته بأساليب تتجاوز أدواته التي أتقنها عبر التاريخ. الاستعمار يستند إلى السلاح كوسيلة للقتل، والتهجير كأداة لتفريغ الأرض، والتنكيل كطريقة لكسر الإرادة، وهي أدوات يبرع في استخدامها ويتفوق فيها على أي طرف يحاول منافسته على نفس الملعب. إن محاولة مواجهته بذات الوسائل لن تؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر، لأنها تُلعب وفق قواعده التي صيغت لصالحه. لذا، يجب أن تكون المقاومة الفلسطينية مختلفة، متفردة في نهجها، بعيدة عن إراقة الدماء بلا هدف واضح، ومركزة على تعزيز الوجود الإنساني بكل أبعاده: الثقافية، الاجتماعية، والروحية. إن المقاومة الحقيقية ليست في محاكاة المستعمر أو الدخول في معركة يمتلك فيها كل الأوراق الرابحة، بل في تحديه بما لا يستطيع السيطرة عليه: إرادة شعب متجذر في أرضه، يرفض الذوبان في خططه أو الاندثار تحت وطأة ظلمه. هذا النهج يتطلب صبرًا استراتيجيًا، ووعيًا عميقًا بقيمة الحياة، وإدراكًا أن البقاء بحد ذاته هو انتصار يُحسب في سجل التاريخ، لأنه يُفشل المخطط الأساسي للاستعمار الذي يراهن على إفراغ الأرض من أهلها.
القسم الثاني: قيمة الدماء وتعاطف العالم
في خضم المجازر التي تُزهق أرواح الأطفال والنساء والشيوخ دون تمييز، يصبح من الواجب الأخلاقي والإنساني أن ندرك قيمة كل قطرة دم فلسطينية تُراق على هذه الأرض المقدسة. هذه الدماء ليست مجرد أرقام تُسجل في تقارير باردة، بل هي أرواح كانت تحمل أحلامًا وآمالًا تحطمت تحت أنقاض الركام ووحشية القصف. إنها تستحق الحزن العميق، والتأمل الطويل، والذاكرة التي لا تنسى، لا أن تُختزل في شعارات دينية مثل “الجزاء” أو “الجنة” تُستخدم للتخفيف من وطأة الألم أو تبرير الخسائر. غزة ليست مسرحًا لعروض تحليلية تُحول المأساة إلى إحصاءات تُناقش ببرود، بل هي واقع إنساني يُلزمنا بالتوقف عند كل خسارة، والشعور بثقلها على الضمير الجمعي للشعب الفلسطيني ولكل من يؤمن بالعدالة. إن التضحية لا يجب أن تُقدس إلى درجة تجاهل قيمتها الجوهرية، ولا أن تُحول إلى وسيلة لتبرير الأخطاء أو تحقيق أجندات سياسية بعيدة عن مصلحة الشعب. كل طفل يفقد حياته، وكل أم تودع ابنها، وكل عجوز يُنهي عمره تحت القصف، هم جزء لا يتجزأ من نسيج شعبنا الذي يجب أن نكافح للحفاظ عليه، لا أن نتركه ينزف دون حساب أو مساءلة. هذا الوعي يدفعنا إلى البحث عن أشكال مقاومة تحافظ على الأرواح، وترفض أن تتحول الخسارة إلى مجرد رقم يُضاف إلى سجل الإبادة المستمرة. وفي الوقت ذاته، لا يكفي الصمود المحلي وحده لمواجهة هذا الطوفان من الظلم، بل يجب أن يترافق مع جهد حثيث لكسب تعاطف شعوب العالم الحر وضمائر البشر السليمة التي لا تزال قادرة على التمييز بين الحق والباطل. إن إيصال صوت غزة إلى المؤسسات الإنسانية والتعليمية، وإلى المستويات الشعبية والرسمية في كل أنحاء العالم، هو مهمة استراتيجية لا تقل أهمية عن المقاومة على الأرض. حتى الأفراد المتعاطفون داخل شعب الكيان المحتل ومؤسساته يمكن أن يشكلوا جزءًا من هذا الحراك، إذا ما تمكنا من كسر جدار التشويه الإعلامي وإيصال الحقيقة إليهم بصدق ووضوح. هذا التعاطف ليس مجرد عاطفة عابرة تتلاشى مع الوقت، بل هو قوة حقيقية قادرة على تغيير موازين القوى، من خلال الضغط على الحكومات والمنظمات الدولية لوقف الإبادة ومحاسبة مرتكبيها. لكن تحقيق ذلك يتطلب خطابًا جديدًا، يتحدث بلغة إنسانية مشتركة تلمس القلوب، بعيدًا عن التكرار الممل أو الشعارات التي فقدت تأثيرها. إن العالم بكل تنوعه واختلافاته يحتاج إلى رؤية غزة كجزء لا يتجزأ من قصته الإنسانية، لا كصراع بعيد يُترك للنسيان أو التجاهل.
القسم الثالث: حماية الدماء وإعادة صياغة المقاومة
وسط هذا الدمار الشامل الذي يُحيط بغزة، يظهر تحدٍ آخر لا يقل خطورة: منع أي جهة، مهما كانت نواياها، من استغلال دماء شعبنا لتحقيق مصالحها الخاصة أو فرض أيديولوجياتها تحت ستار التعاطف. لا يجوز أن تتحول معاناة الفلسطينيين إلى أداة في يد من يسعون لتحقيق أهداف لا تخدم قضيتنا العادلة، سواء كانت هذه الأهداف سياسية أو دينية أو اقتصادية. كل قطرة دم تُراق على هذه الأرض هي ملك للشعب الفلسطيني وحده، ويجب أن تظل مرتبطة بكرامته وهدفه الأسمى في الحرية والعدالة، لا أن تُستخدم كورقة في لعبة لا نملك مفاتيحها. هذا الموقف يتطلب يقظة دائمة، ورفضًا حاسمًا لأي محاولة لتحويل الألم إلى مادة للاستثمار أو التلاعب. إن المقاومة التي نحتاجها اليوم تبدأ من هذه النقطة بالذات: من حماية هويتنا ودمائنا من التشويه أو الاستغلال، وضمان أن تظل قضيتنا نقية، موجهة نحو تحقيق أهدافنا الوطنية، بعيدًا عن أجندات خارجية قد تُضعف وحدتنا أو تُشتت جهودنا. وفي هذا السياق، يصبح من الضروري إعادة النظر في مفهوم المقاومة ذاته، لتتحول من شعار يُرفع إلى فعل إنساني واعٍ يخضع للتقييم والنقد البناء. إن ما يحدث في غزة ليس مجرد حدث عابر يُسجل في نشرات الأخبار، بل هو طوفان يُهدد الوجود بكل معانيه، ويُلزمنا بتجاوز الخطابات التقليدية إلى رؤية أكثر عمقًا وواقعية. المقاومة ليست هدفًا نهائيًا بحد ذاتها، بل هي وسيلة للحفاظ على الحياة والكرامة في وجه الظلم، ويجب أن تُقاس بمدى نجاحها في تحقيق هذه الغاية، لا بمدى قداستها في الأقوال أو الشعارات. غزة تُعلمنا درسًا قاسيًا وثمينًا في الوقت ذاته: أن المقاومة الحقيقية تكمن في الصمود الواعي الذي يرفض الاستسلام لليأس، ويسعى جاهدًا لإنقاذ الأرواح بدلاً من تقديمها كقرابين بلا جدوى ملموسة. هذا لا يعني التخلي عن الحق المشروع في المواجهة، بل يعني اختيار الطرق التي تحافظ على الشعب ككيان حي، وتعزز موقفه أمام العالم، بعيدًا عن التكرار الأعمى لتجارب أثبتت محدوديتها في مواجهة عدو يمتلك تفوقًا عسكريًا وسياسيًا. إن إعادة صياغة المقاومة تتطلب شجاعة للاعتراف بالأخطاء، وحكمة لاستخلاص الدروس، وإرادة للبحث عن أساليب جديدة تجمع بين القوة والإنسانية، لأن الهدف ليس مجرد البقاء على قيد الحياة، بل العيش بكرامة تستحقها الأجيال القادمة.
الخاتمة
في النهاية، تبقى غزة نداءً مستمرًا يتردد في ضمائر البشرية، دعوة لإعادة تعريف الوجود الفلسطيني وتحويل المعاناة إلى قوة تدفع نحو تحقيق العدالة والحرية. إن المستقبل الذي نطمح إليه لا يُبنى على أنقاض الشعارات الفارغة أو الانقسامات التي تُشتت الجهود، بل على وحدة واعية تحترم قيمة كل روح، وتسعى بكل الوسائل لكسب تعاطف العالم ودعمه. هذا المستقبل يتطلب منا أن نرفض أدوات الاستعمار التي يتفوق فيها، وأن نحمي دماء شعبنا من أي استغلال يُحرفها عن مسارها، وأن نُعيد صياغة مقاومة تجمع بين الحكمة والإنسانية لتكون أداة بناء لا هدم. غزة ليست نهاية المطاف، بل هي بداية لرحلة تُثبت أن الشعوب، مهما عانت من ظلم ودمار، تمتلك القدرة على النهوض من الرماد واستعادة كرامتها. إنها دعوة مفتوحة لنا جميعًا لنكون جزءًا من هذا التجدد، لنعمل معًا على بناء عالم يُكرم الإنسان، ويرفض أن تتحول كرامته إلى مجرد كلمات تتلاشى في مهب الريح. غزة اليوم هي مرآة تعكس هشاشة الإنسانية، لكنها أيضًا منارة تُضيء الطريق نحو أمل جديد، إذا ما أحسنا استيعاب دروسها وتحويل ألمها إلى إرادة لا تُقهر. إن المقاومة التي بدأت بالبقاء يجب أن تتكامل بالوعي والعمل الجماعي، لنصل إلى يوم يُحترم فيه الحق الفلسطيني، وتُصبح غزة رمزًا للصمود والتجدد، لا للمعاناة والنسيان.



#وليد_عبد_الرحمن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العنوان: مسلسل معاوية: تزييف الوعي عبر دراما تاريخية مُعلّبة
- العنوان : الوحدة الفلسطينية: مفتاح الصمود أم وهم الانتصارات ...


المزيد.....




- كيف تؤثر الرسوم الجمركية على صناعة السيارات الأمريكية؟ نائب ...
- أوروبا تتأهب لرسوم ترامب الجمركية على صادراتها إلى الولايات ...
- -انتهاك للمعايير الديمقراطية-، -أنا مارين-..أبرز ردود الفعل ...
- جدل وخلاف في العالم الإسلامي حول أول أيام عيد الفطر
- جدل في الجزائر حول برامج الكاميرا الخفية.. حقيقة أم تمثيل؟! ...
- مسلسل-رحمة- المغربي يثير زوبعة من الانتقادات بسبب المشاهد ال ...
- كيكة أحمد الزامل وجمانة التي غزت مواقع التواصل.. ماذا قالا ل ...
- بنعبد الله يعزي الدكتور الطيب الشكيلي في وفاة زوجته
- إدانة لوبان ..-إعلان حرب- وصدمة لليمين الشعبوي الأوروبي
- رئيس مؤسسة الشهداء يستقبل وفد البيت الروسي في العراق لبحث آف ...


المزيد.....

- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - وليد عبد الرحمن - غزة: مقاومة الوجود في وجه الإبادة