أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم برسي - شيطان التفاصيل عبد الحي يوسف: من الجهاد إلى الفساد إلى هروبه القادم















المزيد.....

شيطان التفاصيل عبد الحي يوسف: من الجهاد إلى الفساد إلى هروبه القادم


ابراهيم برسي

الحوار المتمدن-العدد: 8296 - 2025 / 3 / 29 - 02:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



في كل أمة، هناك من يصنع التاريخ، وهناك من يتطفل عليه ليعيد تدويره في سوق النخاسة السياسية.
في السودان، حيث تتداخل الدماء مع الرمال، لم يكن عبد الحي يوسف مجرد واعظ على منبر، بل كان ماكينة أيديولوجية تعمل بدقة الجزار في سوق الجمعة. يتحدث عن الجنة بيد، ويسلّم قوائم المطلوبين بيد أخرى، مستندًا إلى تراث طويل من التدليس باسم الدين، حيث يتحول الفقيه إلى أداة للقمع، ويتحوّل النص المقدّس إلى تصريح بالقتل أو الصمت على المذبحة.

نشأ عبد الحي في بيئة سلفية محكمة الإغلاق، تعلّم فيها أن الدين ليس وعيًا أو تجربة روحية، بل سلاحًا يُستخدم ضد الخصوم السياسيين. ظهر في العلن خلال التسعينيات، حين كانت الجبهة الإسلامية القومية، بقيادة حسن الترابي، تحكم السودان بقبضة من حديد ملفوفة بآيات الجهاد وأحاديث الطاعة العمياء.
كان عبد الحي حينها مجرد بوق في جوقة التكبير للجنرال عمر البشير، الذي أتى بانقلاب 1989 ليدشن ثلاثين عامًا من الطغيان المغلف بلغة الشريعة.

لم يكن عبد الحي مجرّد داعية، بل كان شريكًا في الجريمة. كان أحد الذين باركوا حملات “ساحات الفداء” في التسعينيات، حين زُجّ بآلاف الشباب إلى جبهات القتال في جنوب السودان تحت وهم “الجهاد”، بينما كان أبناء القادة يدرسون في كوالالمبور وإسطنبول.
وعندما ارتكبت مليشيات النظام "الجنجويد" مجازر في دارفور، لم يكن عبد الحي في صف الضحايا، بل في صف القتلة، يُشرعن القتل بمفردات من قاموس الفقه السلطاني. وعندما انتفض السودانيون في ديسمبر 2018، لم يكن الرجل على المنبر ليناصر العدل، بل كان هناك ليخوّن الثوار ويحرّض ضدهم.

أسس عبد الحي يوسف قناة “طيبة” الفضائية، التي أصبحت منصة لبث أفكاره المتشددة وترويج أيديولوجيات الإسلاميين وفلول النظام السابق. لم تقتصر تأثيرات هذه القناة الخبيثة على السودان فحسب، بل امتدت إلى أفريقيا والعالم العربي، حيث عملت على نشر خطاب الكراهية والتحريض تحت غطاء الدعوة الإسلامية. هذه القناة كانت منبرا لنشر الأفكار الظلامية التي لا تبالي بتداعياتها على المجتمعات المسحوقة.

في محاكمة عمر البشير، كُشف عن مبالغ مالية ضخمة وُجدت في حوزته، وأفاد البشير بأنه منح عبد الحي يوسف خمسة ملايين دولار. اعترف عبد الحي بتلقي هذه الأموال، مدعيًا أنها كانت لصالح قناة “طيبة” ومشاريع إعلامية أخرى، لكنه نفى استلامها شخصيًا. هذا يثير تساؤلات حول شفافية التعاملات المالية ودور عبد الحي في التلاعب بأموال الدولة لصالح مشاريعه المؤدلجة. يبدو أن الرجل كان يدير هذه الأموال كما يدير أباطرة الفساد، لم يكن مهتمًا إلا بتوسيع نفوذه وبسط سيطرته على الناس.

والغريب في خطاب عبد الحي يوسف أنه يبدو وكأنه قادم من بلد لا يُعاني من الجوع أو الظلم أو الاستبداد، بل كل مشكلته تكمن في “الحرب على الفضيلة”. يتحدث الرجل وكأن السودان كان واحة للتقوى حتى جاءت “العلمانية الكافرة” لتُفسد على الناس دينهم، متناسيًا أنه كان أحد مستشاري الطغيان، وممن جلسوا على موائد السلاطين يتقاسمون فتات السلطة. فحين كان الفقراء يموتون في الحروب التي باركها، وحين كانت الجثث تُرمى في شوارع الخرطوم، لم يكن عبد الحي منشغلًا بالسؤال الأخلاقي، بل كان يفكر في تمويل قناته ومشاريعه الدعوية، تمامًا كما يفعل أي بيروقراطي ديني محترف. ولأن النفاق في أيديولوجيا عبد الحي أشبه بفرض عين، فإن مقولة نيتشه تبدو مناسبة تمامًا:
“في الجنة، كل الاهتمامات جيدة النية، وهذا ما يجعلها مكانًا مملًا للغاية.”
ربما لهذا السبب، لا يبدو عبد الحي متحمسًا للعيش وفق مبادئه، فهو يدعو الناس إلى الزهد، بينما يمارس كل متع الدنيا على طريقته الخاصة. إنه يعيش في تناقض صارخ بين ما يروج له وبين ما يمارسه في حياته الخاصة.

المفارقة أن عبد الحي لم يكن أبدًا متشددًا عندما يتعلق الأمر بمصالحه الشخصية. فالرجل الذي حرّم التعامل مع “الطواغيت” كان في قلب النظام. الذي شجب العلاقات مع الغرب كان يتمتع بامتيازات من ذات الحكومات التي يكفّرها. لم يكن الفساد المالي بعيدًا عنه، إذ أن مؤسساته الدينية كانت أشبه بصناديق سوداء لتمويل الإسلاميين في السودان وخارجه. هذه التناقضات تكشف عن وجه آخر لعبد الحي، وجه يصعب على أي إنسان أن يتجاهله، لكن التحدي الأكبر هو كيف نجح في تضليل الكثيرين من خلال استغلال الدين.

بعد سقوط البشير، وجد عبد الحي نفسه مكشوفًا أمام الشارع السوداني، الذي صار يدرك أن الفقه السلطاني لا يختلف عن البلاغة العسكرية. هرب إلى تركيا، حيث مكث في إسطنبول مستظلًا بحماية التيارات الإسلاموية الإقليمية، يحيك المؤامرات ضد الحكومة الانتقالية، ويُعيد إنتاج خطابه القديم عن “العلمانية الكافرة”. وفي ظل الأحداث الجارية في تركيا، حيث تتصاعد المعارضة ضد نظام أردوغان، وتبرز شخصيات مثل أكرم إمام أوغلو كمنافس علماني لنظام أردوغان الذي ما عاد ينطلي على الشعب التركي، يُطرح تساؤل حول مستقبل عبد الحي في تركيا إذا ما انتهت ديكتاتورية أردوغان. هل سيجد لنفسه مكانًا في تركيا ما بعد أردوغان؟ أم أن سقوط الحليف سيعني نهاية فترة اللجوء السياسي؟ هذا يفتح الباب أمام تساؤلات أوسع عن مصير من يعتبرون أنفسهم منفذين لمخططات متطرفة ولا يملكون هوية ثابتة.

إلى متى سيظل عبد الحي حرًّا طليقًا يتجول بأموال الشعب السوداني من بلد إلى آخر، يستثمرها لرفاهيته الشخصية ولخدمة أجندته الراديكالية المتطرفة؟ متنقّلًا بين دول العالم في مقاعد الدرجة الأولى للطائرات. فهو الآن في أستراليا، وغدًا في الصين، وبعدها إلى الجحيم. هذه الرحلات لا تعكس سوى ترفًا زائفًا وتكتيكًا سياسيًا في غياب أي التزام أخلاقي حقيقي.

القضية ليست في عبد الحي وحده، فهو ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من الفقهاء الذين استخدموا الدين أداة لخدمة السلطة.
ما يجب تفكيكه ليس فقط خطاب الرجل، بل المنظومة التي أنتجته، مناهج التعليم التي لقّنته، والمجتمع الذي صفّق له. من هنا تبدأ عملية الإصلاح الحقيقية التي لا تقف عند شخص أو قضية واحدة، بل تمتد لتشمل الفكر الديني والسياسي في السودان بأسره.

اليوم، يعيش عبد الحي يوسف في منفاه الاختياري، لكنه ليس في مأمن من عدالة التاريخ، فالأمم التي تصحح مسارها تضع مزبلة التاريخ دائمًا في المكان المناسب.



#ابراهيم_برسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الطاعة إلى الهيمنة: كيف تُستخدم المصطلحات السياسية والدين ...


المزيد.....




- تثبيت تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي 2025 لمت ...
- دول عربية وإسلامية تحتفل بأول أيام عيد الفطر
- دول عربية وإسلامية تحتفل الاثنين بأول أيام عيد الفطر (صور+في ...
- عشرات الآلاف يتوافدون إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة العيد وسط ...
- إقامة صلاة عيد الفطر المبارك بإمامة قائد الثورة الإسلامية
- في العيد.. تنزيل تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصنا ...
- رسائل تهنئة عيد الفطر مكتوبة بالاسم للأصدقاء والأقارب 2025 . ...
- الإمارات تحكم بالإعدام على 3 أوزبكيين قتلوا حاخاما يهوديا
- بزشكيان يهنئ الدول الإسلامية بحلول عيد الفطر
- بن سلمان يبحث مع سلام مستجدات الأوضاع في لبنان ويؤديان صلاة ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم برسي - شيطان التفاصيل عبد الحي يوسف: من الجهاد إلى الفساد إلى هروبه القادم