أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - فرحان السعدي: الشَّيخ الذي صامَ عن الحياةِ وارتوى بالمجدِ














المزيد.....

فرحان السعدي: الشَّيخ الذي صامَ عن الحياةِ وارتوى بالمجدِ


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8295 - 2025 / 3 / 28 - 16:21
المحور: القضية الفلسطينية
    


على جبالِ جنين، حيثُ ينمو التينُ والزيتونُ، ويعانقُ الزعترُ الميرميةَ في عبقِ الأرضِ الطاهرةِ، وُلدَ شيخُ المجاهدينَ فرحان السعدي في بلدة المزار، قضاء جنين، عام 1856، كأنما خرجَ من صخرةٍ صامدةٍ أو من جذعِ سنديانةٍ لا تنحني للعواصفِ. نشأَ بين العلماءِ، فكان القرآنُ زادَهُ، والإيمانُ سلاحَهُ، والحقُّ رايتَهُ التي لم تسقط حتى لحظةَ الإعدامِ.

لم يكنِ الشيخ فرحان رجلاً عابراً في زمنِ الاحتلالِ، بل كان شعلةً لا تنطفئُ، وفارساً لم يترجَّل عن دربِ الكفاحِ.

في عامِ 1929، حين كان الاحتلالُ البريطانيُّ يُحكمُ قبضتَهُ على فلسطين، لم يسكت، بل امتشقَ بندقيتَهُ وأقسمَ أن تبقى روحُهُ معلقةً في سماءِ الوطنِ، ترددُ مع الريحِ: "هيهاتَ مِنَّا الذلةُ!" أسسَ مجموعةً مسلحةً من رجالٍ صُلبينَ كالزيتونِ، أحرارٍ لا يركعون إلا للهِ.
التقى بالشيخ عز الدين القسام، وصار عقلَهُ المدبر بعد استشهادِهِ، فاعتصمَ في الجبالِ، حيثُ لا تصلُ يدُ الخونةِ، وظل شوكةً في حلقِ الاحتلالِ، حتى صار اسمُهُ يرعبُ الإنجليز. فحاصروهُ في قريته "المزارِ" غربيَّ جنين، وتوسط مختار القرية لديه لتسليم نفسه تفادياً لهدم البيوت وحفاظاً على أرواح السكان.

بروح المسؤولية، قبل الشيخ ذلك، فسلَّمَ نفسَهُ مع ثلاثةٍ من رفاقه في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1937.

نُقلَ إلى سجن عكا، حيثُ خضع لمحاكمةٍ شكليةٍ لم تكن إلا مسرحيةً هزليةً حضرها إعلامٌ دوليٌّ ومحليٌّ، انتهت بإصدارِ حكم الإعدام بحقِّهِ.
في 24 رمضان 1356هـ (22 نوفمبر 1937)، كان الشيخُ واقفاً بشموخٍ، كأنَّهُ زيتونةٌ لا تقتلعُها الريحُ، كأنَّهُ آيةٌ من آيات البطولة، لا يرتجفُ، ولا يطلبُ الرحمة، فقط يبتسمُ ابتسامة الشجعان، ويقولُ لهم بصمت المقاتلين: "أنا لا أخشى الموت، فالموتُ لي حياةٌ!" لم يبكِ، ولم يستجدِ، بل ودعَ الحياةَ كما يليقُ بفارسٍ، كما يليقُ برجلٍ حملَ على كتفَيهِ عباءةَ العزةِ، ومضى نحو المجدِ، يرددُ في قلبِهِ كلماتِ الأنبياءِ:

"وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعلَونَ إِن كُنتُم مُّؤمِنِينَ."
أعدمتهُ بريطانيا وهو صائمٌ، وكأنها ظنَّت أنها بذلك ستقتلُ روحهُ، لكنها لم تعلم أن هناك، في جبال جنين، وبين سهول فلسطين، ستنمو روحُهُ من جديدٍ، كأنها بذرةٌ صلبةٌ لا تموتُ.

استشهد فرحان السعدي، لكنه بقي، ظل حاضراً في الأرض، في الهواء، في عيون الأطفال، في صوت المؤذنينَ، في زخاتِ المطرِ، في دماء الشهداء، وفي قلب كلِّ من يؤمنُ بأن الحرية تؤخذُ ولا تُمنحُ.

وهذا ما أدركهُ الشاعر الفلسطيني عبد الكريم الكرمي، حين رثاهُ قائلاً:

"قوموا انظروا فرحانَ فوقَ جبينِهِ أثرُ السجودِ

يمشي إلى حبلِ الشهادةِ صائمًا مشيَ الأسودِ

سبعونَ عاماً في سبيلِ اللهِ والحقِّ التليدِ
خجلَ الشبابُ من المشيبِ بلِ السنونُ من العقودِ"
لقد رحلَ الشيخ فرحان، لكن صوتهُ لم يرحل، بقي معلقاً بين السماء والأرض، يئنُّ في ليالي فلسطين الطويلة، كأنَّهُ طيفُ شهيدٍ لم يجد قبراً يحتويهِ. وقفَ على منصةِ الإعدامِ صائماً، منتصب القامة، بينما كانت الشمسُ تحتضرُ خلف جبالِ جنين، وكأنها تبكي رجلاً كانت روحُهُ امتداداً لنورِها.
بقيت فلسطين كما تركها، جريحةً تنزفُ، تئنُّ تحت وطأةِ الاحتلالِ، والمآذنُ تنادي، لكن الشهداء لا يعودون.

ويبقى الشيخ فرحان السعدي منارةً من مناراتِ الجهادِ، ومدرسةً للمقاومةِ، ينهلُ منها المقاومونَ على مرِّ الزمانِ.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليمن: أَصلُ العروبة وَشُمُوخُ الجبالِ
- نافع محمد: من القامشلي إِلى فلسطين.. حكايةُ عشقٍ لا تنتهِي!
- الشَّهِيدُ مرعي الحسين: نَسرٌ حَلَّقَ في سماءِ المجدِ ولم يه ...
- حينَ يغيبُ الكبارُ... وداعاً أَبا سعيد!
- إبراهيم أبو خليل: عاشقُ الوطنِ الذي رَوَى الأرضَ بِدَمِهِ
- فاطمة فاعور.. أُمُّ الشهداء التي ودَّعتهُم ثُمَّ لحِقَت بِهِ ...
- عمر المحمود (أبو مروان): طائرُ الحُزنِ والحنينِ للوطنِ
- نمر كلّم وحَمَر.. قصَّةُ شهيدٍ لم يُخذِّلهُ كلبُهُ!
- وصيّةُ ندى لافي كلّم: حينَ تكتُبُ الأرضُ رسالتَها الأخيرةَ
- ندى لافي كلَّم (أم علي)... وصيَّةُ الأَرض التي لا تموتُ
- قمة العرب 7353: فلسطين على الرَّفِّ والتَّطبيع على الطَّاولة
- شربل فارس.. حين يُزهر البؤس كبرياءً
- أبو عرب: صوتُ الأرضِ وحارسُ الذاكرة الفلسطينية
- طائرُ السُّنُونُو.. صوتُ الشَّرفِ الفلسطينيِّ في زمنِ العارِ ...
- ثورةٌ بدأَت بالبنادقِ... وانتهت بالتَّنسيقِ الأَمنيِّ المُقد ...
- أمنٌ يَحرُسُ الكُرسيَّ... لا الوطنَ!
- صلاح الدين الكردي: سيفُ المجدِ في وجهِ خيانةِ العرب
- فلسطين.. أرضُ التينِ والزيتونِ وصمودِ الجبالِ
- قناةُ -كتب فلسطين-... حصنُ الثَّقافةِ والمُقاومةِ الفِكريَّة ...
- نمر فيّاض نمر (أبو فيّاض): رجلٌ من زمن الأمجاد!


المزيد.....




- أصحاب الشعر الطويل بين جبال الإكوادور .. ما سبب هوس هذه المص ...
- هل تقبل مصر تهجير الفلسطينيين؟
- ريبورتاج: وحدات الدفاع الجوية الأوكرانية تواجه مخاوف من تراج ...
- لوموند: لماذا لا تنتهي الأزمة بين فرنسا والجزائر ؟ ما أثر ال ...
- قصف إسرائيلي يستهدف مناطق مختلفة في غزة ويتسبب بمقتل وإصابة ...
- كيف يجعلنا السعي وراء السعادة أكثر بؤسا؟
- -لن تأخذوها-... رئيس وزراء غرينلاند يرد على آخر تهديد لترامب ...
- نتانياهو يعين قائداً سابقاً للبحرية رئيساً جديداً لجهاز الأم ...
- أضرار تناول الحلويات ليلا
- بزشكيان: الصورة الخاطئة التي رسمت عن إيران في العالم ليست صح ...


المزيد.....

- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - فرحان السعدي: الشَّيخ الذي صامَ عن الحياةِ وارتوى بالمجدِ