أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عادل صوما - انتهازية الدين السياسي















المزيد.....

انتهازية الدين السياسي


عادل صوما

الحوار المتمدن-العدد: 8295 - 2025 / 3 / 28 - 04:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تشير الوقائع أن بدء الدين السياسي إسلامياً تم قبل وفاة محمد مباشرة، حين طلب ورقة ليكتب عليها كتاباً يمنع اختلاف صحابته من بعده، ورفض عمر بن الخطاب قائلا إن النبي يهذي من وطأة الحمى، ما يعني أن بن الخطاب وجماعته قد خططوا لمرحلة ما بعد وفاة رسولهم المؤكدة، وهم ليسوا بحاجة إلى كتابه.
من الناحية المنطقية والإيمانية، إذا كان النبي يهذي من الحمى، فجبريل الذي يمليه الحق لا يهذي، ورَفضْ بن الخطاب السياسي يُفسر سر العداء الذي لن يزول بين أهل البيت والآخرين، أو من أُطلق عليهم السُنة والشيعة في ما بعد، وتحاربوا في هذا الصراع السياسي بالتراشق دينياً!
ورقة رابحة
منذ لحظة الرفض تلك، تلاشت سلطة النبوة وأصبح الإسلام سياسياً، تُستخدم أقوال النبوة والدين فيه لصالح الحاكم، وتوسيع رقعة الإمبراطورية طمعاً في أرزاق وأملاك الآخرين. كما كشفت تلك اللحظة عن انتهازية الإسلام السياسي وسطوته، التي تجلت في ما اتُفق عليه في سقيفة بني ساعدة، رغماً عن أنف علي بن أبي طالب وأهل البيت والمهاجرين والأنصار، ولاحقاً عند كل الخلفاء الذين استعملوا الإسلام سياسياً، لأنه ورقة رابحة أعطتهم الحكم، ووصل التقاتل على المُلك الدنيوي الزائل إلى الصحابة أنفسهم والمبشرين بالجنة أيضا، بل أن بعض الخلفاء لم يبالوا أو سخروا من الإسلام الديني، وهناك شواهد كثيرة على من أطلق المفسرون عليهم أهل الفسق أو مَنْ استحقوا عقاب الله، ومنهم على سبيل المثال الخليفة يزيد بن معاوية الذي شكك في صدقية النبوة نفسها عندما جاءوا برأس الحسين له فقال قصيدة ورد فيها:
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل
ومنهم من قلل من شأن القرآن وسخر مما ورد فيه، كالخليفة الوليد بن يزيد الذي شرب الخمر فوق الكعبة، وفتح القرآن يوماً، وقرأ عن وعيد الله لكل جبار عنيد، فقال ارتجالاً بعدما رمى القرآن بسهم ومزقه:
أَتوعِدُ كُلَّ جَبّارٍ عَنيدٍ
فَها أَنا ذاكَ جَبّارٌ عَنيدُ
إِذا ما جِئتَ رَبَّكَ يَومَ حَشرٍ
فَقُل يا رَبِّ خَرِّقَني الوَليدُ
قديم جديد
قائمة الخلفاء المستفيدين من الإسلام سياسياً ودوائرهم وأبواقهم، تحارب بسلاح ديني هو تكفير الفرق الأخرى، وقد يقاتلوهم من أجل الحكم. وهي قائمة طويلة جداً آخرها سلسلة الخلفاء العثمانيين في معظمهم، ولا يشذ الصدر الأعظم رجب أردوغان عن أي مستفيد من الإسلام سياسياً، لكنه كبهلوان سياسي تفوّق وبلغت درجة استفادته خداع أوروبا مرات، وتهديدها بموجات من الهجرة مرات كثيرة، ناهيك عن اطماعه في دول عربية بوصفها وقفاً عثمانياً.
أردوغان كرجل مستفيد من الإسلام سياسياً، قال باللغة المقفاة إياها مخاطباً المسلمين: "مساجدنا ثكناتنا .. مآذننا حرابنا ونغرسها أينما وصلنا.. المصلون جنودنا.. وهذا الجيش المقدس يحرس ديننا".
لم يقل الصدر الأعظم الحقيقة، وهي أن هذا الجيش المُخدّر دينيا ليُحكم سياسياً يحرس الحاكم/الخليفة. وبالخداع نفسه يخاطب أردوغان أوروبا ويعلن عن عَلمانيته لينضم للاتحاد الأوروبي، لأن القسم الشرقي من تركيا عبر مضيق الدردنيل أوروبي احتله وضمه محمد الفاتح وأصبح وقفاً عثمانياً.
مصطلحات غربية
أردوغان مثله مثل أي حاكم/خليفة في 99% من الدول الإسلامية، لا يترك الحكم سوى اغتيالاً أو انقلاباً أو موتاً عادياً، والانتخابات والتصويت والتعايش والدستور والديموقراطية والحرية والمواطنة بالنسبة له ولأي حاكم/خليفة، مجرد مصطلحات غربية ليست من الإسلام في شيء، لكن يمكن أن يُلعب بها ويُستفاد منها حتى الوصول للهدف وهو الحكم.
وكأي حاكم/خليفة تورط أردوغان كغيره بإجراء انتخابات صورية، ويعتبر لعبة التصويت شكلا لابد منه في دولته الحديثة، لكن الوقائع تقول أن الحاكم/الخليفة قد يلغي وجود خصومه تماماً، وقد يتحول التصويت إلى استفتاء أو تجديد بيعة، لأنه الزعيم المُلهم كما حدث في مصر/عبد الناصر، وسوريا/الأسد، والعراق/صدام حسين، أو يمارس ضغوطاً هائلة لينفرد بالحكم، كما حدث في مصر/السيسي، والسودان/عمر البشير، أو ما يمارسه أردوغان حالياً في مسرحية "ليلة القبض على أكرم داوود أوغلو" بتهم الفساد والإرهاب والاستفادة من الثغرات القانونية.
أردوغان يعمل لمصلحته ومن أجل تثبيت حكمه فقط، وهو مراوغ متمرس خبير، ليس مؤكداً إذا كان جزءاً من جماعة الإخوان المسلمين العالمية، أو الجماعة مجرد ورقة في يده، لأنه أوى بعضهم لمصلحة مالية، ولاستخدامهم كورقة ضغط على دولهم، وتخلى عنهم بسبب ظروف سياسية، وما يجري في تركيا/أردوغان اليوم مجرد تنازع شديد على السلطة بين تيار علماني وحاكم/خليفة قبل اجراء انتخابات صورية، لأن المنافس على الحكم يتمتع بشعبية قد تزعج أردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة، رغم أن أردوغان يمسك بكل المفاتيح حتى القضاء، الذي يقول عنه انه مستقل، ولا شك أن أردوغان الباطني يعني القضاء مستقل في بنايات لا يشاركه سواه فيها.
توظيفات سياسية
أردوغان حاكم براغماتي مثله مثل معاوية أو الخليفة الذي هدم جزءاً من الكعبة لتثبيت حكمه في دمشق ضد معارضيه في مكة، أو مثل السلطان سليم الأول الذي قرر احتلال الدول ذات الأغلبية الإسلامية، منذ أصبحت هجرات الشيعة من الأناضول العثماني إلى إيران بشائر صدام متوقع بين الصفويين والعثمانيين، بعدما أصبح الصفويون يستغلون شيعة الأناضول، لإثارة القلاقل والفتن وإشعال الثورات المسلحة ضد العثمانيين.
وكان العامل الآخر الذي دفع بالسلطان سليم لقتال الصفويين، استعداد الشاه إسماعيل، المستفيد من الإسلام سياسياً، للتحالف مع الممالك الأوروبية المسيحية آنذاك ضد المسلمين في سبيل تحقيق أهدافه. إذ لم يكن الشاه كمستفيد من الإسلام سياسياً يرى في دعوته الدينية أكثر من أداة يستخدمها لتوسيع وترسيخ سلطات الدولة بيده على حساب رجال دولته ومواطنيها والإسلام الدين.
على المنوال نفسه، يوظف أردوغان المسلمين السُنّة وحكامهم كأدوات تحالف لمصالحه وتثبيت حكمه، ورغم أن أردوغان ورث جمهورية تركية حديثة استبعدت الدين عن السياسة منذ أكثر من 100 سنة، فقد وجد نفسه مضطراً، رغم جهاد أكثر من عشرين سنة لبناء تركيا متزمتة، إلى احترام حقوق شكلية مثل حرية النساء ارتداء الزي الذي يرينه مناسبا، وقبول السياح بملابسهم كما هي، لأن بلده يحتوي على منتجعات وصناعات تجميلية أرخص، فتركيا ليست منعزلة جغرافياً مثل إيران، لكنه كحاكم لديه احساسا بأنه خليفة المسلمين، أسس خلال العشرين سنة الماضية نظاما سلطويا ينتقم ويستهدف ويلقي في السجون.
صحيح أن القبض على زعيم معارض محبوب شعبياً وعمدة إسطنبول، يستحيل أن يتم بدون أوراق ولو شكلية في يد أردوغان، لكن أردوغان نفسه فاسداً بوقائع يستحيل عليه انكارها في البرازيل وأفريقيا وحتى في تركيا التي يريد بيع هكتارات منها للقطريين وغير ذلك كثير، كما انه يحمي فاسدين ومرتشين وأفراد من عائلته يتربحون من سلطته.
هكذا اختار الفاسد الذي يملك السلطة المطلقة التوقيت الصحيح للقبض على رجل لم تثبت تهمة فساد واحدة عليه حتى الآن، لأن أكرم داوود أوغلو يهدد بقاء أردوغان كخليفة حتى يموت، وقد تتسبب هذه المسرحية في تغيير الدستور ليبقى أردوغان خلفية مدى الحياة بدون مناكفات، فحاكم متمرس في التقية والمراوغة والكذب وتدجين كل مؤسسات الدولة بما فيها الجيش، صعب أن يسقطه الشارع.
أوغلو المحظوظ
على كل حال أكرم داوود أوغلو أفضل حظاً، لأنه ينافس خليفة على الحكم في عصرنا، وليس في عصر عثماني قال فيه محمد الفاتح بانفصام شخصية ثابت واضح مؤيد بالله والدين كما تقول كلماته: "يُمكن لأي من أبنائي الذي سيهبه الله السلطنة، أن يتخلص من إخوته لأجل مصلحة الدولة، وهو ما تقره أغلبية العلماء".
هكذا نص "قانون نامه" وقُنن، والقانون يعني شرعية "مذبحة الإخوة" من أجل المُلك. وقد أيده فقهاء عثمانيون بالقول "إذا كنت الفتنة أشد من القتل، فنحن نأخذ بأهون الضررين".



#عادل_صوما (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تَجَاهَل العلم ليقوى إيمانك
- التخدير الديني سلاح النظم القمعية
- رسائل تنتظر قرارات سياسية
- شجرة زيتون غنّت للمتوسط
- الردع دواء التنمّر والمزايدات
- معايدة المسيحيين في أعيادهم
- أحمد عدوية وازدواجية عصره
- عندما قال فريد الأطرش: مش قادر!
- الرعية الفاسدة تستحق الكاهن الضرير*
- معايير المحاكم الإلهية
- أسرى الأساطير وضحايا الواقع
- أمراض الأمة إياها
- أميركا تستعيد وعيها وهيبتها
- صباح في ذاكرة ثقافة البحر المتوسط
- التكاذب منهجهم والغيبيات واقعهم
- الدنيا لا تقع ولن تنتهي
- أسئلة للمؤمنين والذميين الجدد
- سياسة أو دين أو شعوذة
- فشل الدين كمنظومة سياسية
- عواقب تعامي الحكومات الغربية


المزيد.....




- رسائل تهنئة عيد الفطر مكتوبة بالاسم للأصدقاء والأقارب 2025 . ...
- الإمارات تحكم بالإعدام على 3 أوزبكيين قتلوا حاخاما يهوديا
- بزشكيان يهنئ الدول الإسلامية بحلول عيد الفطر
- بن سلمان يبحث مع سلام مستجدات الأوضاع في لبنان ويؤديان صلاة ...
- أهالي غزة.. صلاة العيد على أنقاض المساجد
- المسلمون يؤدون صلاة العيد بمكة والمدينة
- هل الدولة الإسلامية دينية أم مدنية؟ كتاب جديد يقارن بين الأس ...
- إقامة صلاة العيد بجوار المساجد المدمّرة على وقع مجازر الإحتل ...
- أديا صلاة العيد بالمسجد الحرام.. محمد بن سلمان يستقبل رئيس و ...
- 120 ألف مصل يؤدون صلاة العيد في المسجد الأقصى المبارك


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عادل صوما - انتهازية الدين السياسي