أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود عباس - في حضرة الغياب الإلهي مجازر شنكال وسوريا بين التكفير ورايات الله















المزيد.....

في حضرة الغياب الإلهي مجازر شنكال وسوريا بين التكفير ورايات الله


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8295 - 2025 / 3 / 28 - 03:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


وكأن الله كان هناك، يرقب من خلف غيمةٍ صامتة، حين صعدت الفتيات الإيزيديات إلى الجبال، عارياتٍ من كل شيء إلا من الذعر. وكأن صمته كان جزءًا من المشهد، حين ارتفعت راياته السوداء فوق القرى، لا لتبشّر بنوره، بل لتعلن بدء مجزرة جديدة، تُكرّس وصمة العار على جبين الإنسانية، وتُنطق الأرض بما سكتت عنه السماء.
ما جرى في شنكال، حيث اقتيد آلاف الكورد الإيزيديين إلى العبودية والذبح، لم يكن جريمة ضد جماعة فحسب، بل كان طعنًا في قلب الإنسانية، تحت راية الله، لا بل باسمه، راية سوداء، يُقال إنها تنطق بالشريعة، وتُمثّل الإله، لكنها في الحقيقة راية تُغطّي جثث الأبرياء، وتُخفي خزي القَتَلة.
ليست داعش وحدها من حمل تلك الراية، بل شاركتها النصرة (هيئة تحرير الشام) في المعنى، والأسلوب، والغاية، وإن غيّرت اللباس واختارت ألفاظًا أنعم (أحمد الشرع (أحد منظّري تلك المرحلة المظلمة، لم يكن بعيدًا عن الكوارث التي وقعت في العراق، وهو ذاته اليوم يُعيد إنتاج الخطاب التكفيري داخل سوريا بثوبٍ أكثر حداثة، لكنه خطاب لم يتغير، بل ازداد احترافًا في تغليف المجازر بمفردات الدولة والدين معًا.
لا أبرئ النصرة، وهي نفسها هيئة تحرير الشام اليوم، من مجازر شنكال، لا فكريًا ولا عمليًا، فهي الامتداد الطبيعي لنفس البنية، ذات النصوص، ذات الشعارات، ذات الآلية في تحويل الله إلى أداة، وزعيمها (أبو محمد الجولاني) الذي نصّب نفسه وجهًا لمرحلة سورية جديدة، لا يُمكن فصله عن الجريمة الكبرى، إذ يُعاد اليوم توظيف الوطن والوطنية، ليُلقيا في غياهب التكفير، تحت نفس الأدبيات التي حرّكت الإرهاب الداعشي.
نعم، ما يُرتكب اليوم في الساحل السوري، من محوٍ للآخر، ومصادرة للهُويّات، وتهشيمٍ لكل ما لا يشبههم، ليس إلا نسخة مصغرة من شنكال، المجازر تتكرر، والراية نفسها ترتفع، فقط الاسم تغيّر.
يُقال إنهم يجرّمون تحت عين الله.
لكن أيّ إله هذا الذي يُرفع اسمه فوق المجازر؟
أيّ ربّ هذا الذي تُذبح باسمه الطفلات، وتُسبى النساء، وتُباد القرى؟
أهو الإله الحقيقي؟ أم هو مجرد نسخة مُصنّعة في أقبية الأيديولوجيا، ومختبرات السُلطة المتلفعة بالدين؟
أيّ سماء هذه التي لم تتشقق حين سُبيت الأجساد، وتحوّل الدين إلى قيد، والنصوص إلى سيوف؟
الله، حين يُصبح ذريعة للذبح، مسيرة تختزل قرونًا من الدم المسفوك تحت رايات المقدس، وتجعل الإنسان يتوقف لا ليشكك في الله، بل في صورة الله التي رُفعت فوق المجازر.
المشكلة لا تبدأ بالجريمة، بل تبدأ بالقداسة التي تسبقها، فحين يُقدَّم القتل على أنه طاعة، وحين تُقدَّم النساء كـ "سبي حلال"، فإننا لسنا أمام جماعة متوحشة فقط، بل أمام صورة لإله مشوه، تُرفع رايته فوق جماجم الأطفال.
كل شيء يحدث باسم الله:
تفجيرات، مذابح، حصار، اغتصاب، تهجير...
ثم يُكتب على الجدار: "نُصرة لدين الله."
أليس في هذا ما يجعلنا نتساءل، هل الله موجود في هذا المشهد؟
أم أن اسمه يُستخدم كقناع، بينما الحقيقة هي مجرّد وحشية خالصة تبحث عن غطاء مقدّس؟
الغياب الإلهي، صمت السماء على مجازر الأرض، في تلك الليالي التي بكت فيها شنكال، كان العالم يتفرّج، والسماء لا تُعلّق، لا آية هبطت، ولا عذاب نزل، ولا صوت نادى من علياء العدالة.
هل كان الله ينظر بصمت؟ أم أنه لم يكن هناك أصلًا؟
هل سُحبت العدالة من العالم، أم أن الصورة التي رسمناها لله كانت كاذبة منذ البداية."
فإذا كان الله حقًا موجودًا، فلماذا كان الصمت لغته في شنكال؟
ولماذا لم تكن رحمته أسرع من بنادقهم، ولماذا لم يكن غضبه أعظم من سكاكينهم؟
جليلة، فتاة إيزيدية كانت تبلغ من العمر 12 عامًا، اختُطفت من قبل تنظيم داعش في عام 2014، روت تجربتها المريرة: "كان الرجال يأتون لانتقائنا، وعند مجيئهم، كانوا يأمروننا بالوقوف ثم يفحصون أجسادنا، وكانوا يأمروننا بإظهار شعورنا ويضربون الفتيات أحيانًا إذا رفضن، كانوا يلبسون الدشداشة ولهم لحى وشعور طويلة."
قال سيوران:
"الله هو صمت الكون، وكل ما عداه صراخ عبثي."
والحق أننا لم نسمع من هذا الكون سوى صمتٍ عميق، تُقابله صرخات لا تنته، لازالت الرايات تُرفع، والمجازر تتوالى، واسم الله يُساق كذريعة تُطهّر الدم بدمٍ آخر.
الإله الحقيقي، لا يحتاج سيفًا ليُعبد، ولا نارًا ليُتّبع، الإله الذي يستحق أن يُؤمن به، لا تُكتب المجازر باسمه، ولا تُخاض الحروب تحت رايته.
فإذا كان الله هو العدل، فإنّ من يرتكب المجازر باسمه إنما يهدم معناه قبل أن يذبح ضحاياه.
وإذا كان أحمد الشرع وقادة النصرة الآخرين قد تغيّروا اليوم، وكفّروا عن جرائمهم بعدما استلموا السلطة في سوريا، وأصبح هو رئيسًا للجمهورية، وسائرهم وزراء وألوية ونُخبًا سياسية، فلماذا لا يُمنَح العلويون، الذين كانوا، وتحت ظروف القمع الدموي للنظام البائد، مواطنين مسالمين، وأبناء سوريا مثل غيرهم، حق التغيير أيضًا؟ لماذا نُدين الطائفة كلّها ونُبرّئ من تحوّل من منظمة إرهابية إلى ما يسمى بقوات الدفاع المدني؟ أليس في هذا ميزان مائل، لا يخدم سوى إعادة إنتاج الكراهية تحت مسمّى جديد؟
إننا لا نستطيع أن نُدين أحدًا باسم طائفته، ولا أن نغفر لآخر باسم مصالحه السياسية، فإما أن نكون أبناء عدالة واحدة، أو نكون جميعًا ضحايا لراية واحدة، تُرفَع فوق الله نفسه.
أخطر ما يمكن أن يُصاغ في لغة المقدس، هو الجريمة.
فحين تتحول مفاهيم مثل “الجهاد”، “الحور”، “الولاء والبراء” إلى أدوات في يد التكفيريين، فإننا لا نواجه بشرًا، بل نواجه آلهة صغارًا يرتكبون ما يشاؤون باسم إله أكبر.
الرايات التي رُفعت في شنكال وسوريا لم تكن رايات قبائل ومنظمات، بل رايات باسم الله.
وكان كل قتل يسبق بعبارة “الله أكبر”.
لكن أيّ “أكبر” هذا الذي يُذبح باسمه الصغار؟
أيّ “أقدس” هذا الذي تُنتهك تحته أجساد النساء؟
أين الله؟ سؤال لا ينتهي
هل الله غائب، أم أنه انسحب لأننا شوّهنا وجهه؟
هل الدين هو رسالته، أم أن ما نراه اليوم هو مجرد صناعة بشرية، فُصّلت على مقاس القسوة؟
هل نحن نعبد الله، أم نعبد نصوصًا اجتزأناها، وشخصيات صنعناها لنبرر بها موت الآخرين؟
لقد قال نيتشه: "لقد مات الله، ونحن من قتلناه".
لكن في شنكال، وفي سوريا، الله لم يُقتل، بل استُخدم.
استُعمل اسمه، رُمزت آياته، ووُضع توقيعه على مذابح بشرية لا تشبه السماء بشيء.
في محكمة العقل، يقف الله صامتًا أمام ضحايا شنكال.
وفي وجوه الأمهات السوريات اللواتي يفتشن في الركام، لا تسكن الشكوى فقط، بل السؤال:
“أين كنتَ؟”
وما من إجابة.
لأن السماء، في هذه اللحظة، كانت بلا صوت.
والأرض كانت وحدها تنزف.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
26/3/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكورد والثورة السورية تحذير من تكرار الخطيئة الإيرانية
- نوروژ بين الدين والقومية، بين الثورة والطمس
- إلى أي درك كارثي تتهاوى سوريا؟
- حين يتقيأ الحقد، العروبة المشوهة في مواجهة الحقيقة الكوردية
- إعادة قولبة سوريا
- سوريا نحو الاستبداد الدستوري
- صناعة الشعوب المشوهة
- قراءة سياسية في اتفاقية مظلوم عبدي وأحمد الشرع
- سوريا على طريق التقسيم بين إرهاب الدولة واستبداد الإسلام الس ...
- سوريا بين المركزية القاتلة والفيدرالية المنقذة
- بين ضرورة الإصلاح ومخاوف التفكك في سوريا
- القضية الفلسطينية بين واقع التاريخ وخطاب الأنظمة العروبية
- أردوغان في قبضة ترامب هل يواجه مصير زيلينسكي أم يراوغ بذكاء؟
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- ترامب وبينس إهانة للبيت الأبيض باسم السلام
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- الجميع حضر في قاعة مؤتمر دمشق إلا الوطن!
- مخرجات المؤتمر الوطني السوري سلاح جديد في معركة تركيا ضد الك ...


المزيد.....




- رسائل تهنئة عيد الفطر مكتوبة بالاسم للأصدقاء والأقارب 2025 . ...
- الإمارات تحكم بالإعدام على 3 أوزبكيين قتلوا حاخاما يهوديا
- بزشكيان يهنئ الدول الإسلامية بحلول عيد الفطر
- بن سلمان يبحث مع سلام مستجدات الأوضاع في لبنان ويؤديان صلاة ...
- أهالي غزة.. صلاة العيد على أنقاض المساجد
- المسلمون يؤدون صلاة العيد بمكة والمدينة
- هل الدولة الإسلامية دينية أم مدنية؟ كتاب جديد يقارن بين الأس ...
- إقامة صلاة العيد بجوار المساجد المدمّرة على وقع مجازر الإحتل ...
- أديا صلاة العيد بالمسجد الحرام.. محمد بن سلمان يستقبل رئيس و ...
- 120 ألف مصل يؤدون صلاة العيد في المسجد الأقصى المبارك


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود عباس - في حضرة الغياب الإلهي مجازر شنكال وسوريا بين التكفير ورايات الله