أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جواد البشيتي - كفَّرْنا بعضنا بعضا فعُدنا غساسنة ومناذرة!














المزيد.....

كفَّرْنا بعضنا بعضا فعُدنا غساسنة ومناذرة!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 1799 - 2007 / 1 / 18 - 12:38
المحور: المجتمع المدني
    


"التكفير"، في حدِّ ذاته، ليس بالجريمة التي يرتكبها المُكَفِّر في حق المُكَفَّر، فأنتَ لو كنتَ في مجتمع تسرى في أفراده وجماعاته قيم ومبادئ الحياة الديمقراطية سريان الدم في العروق، أي في مجتمع غير مجتمعنا، وأظْهَرتَ من اختلاف الفكر والرأي والمعتقَد (والسلوك) ما يَحْمِل غيرك على تكفيرك، أي على اتِّهامكَ بالمروق من الدين، الذي لا يرى دينا حقيقيا سواه، أو بالإلحاد، لنزلَ عليكَ هذا الاتهام بردا وسلاما، فكُفركَ، إذا ما كان أكيدا، وإذا ما كنتَ غير مُنْكِر له، وتكفيره لكَ، لا ينتهيان إلا إلى ما ينتهي إليه كل اختلاف وخلاف (ديمقراطيين) في الرأي، فلا أنتَ ولا هو تغدوان في هيئة العدو الذي تُسْتباح (أي تصبح مباحة) الوحشية والجريمة في محاربته.

عندنا فحسب يغدو، ويجب أن يغدو، "التكفير" جريمة، يُعاقَب مرتكبها أشدَّ عقاب، ولو ارتكبها في حق شخص لا يُنْكِر كفره؛ ذلك لأنَّ "التكفير"، الذي طالما لوَّن تاريخنا السياسي والفكري، يؤسِّس شريعةً للقتل، والاقتتال، ولإهدار الدم، ونشر الظلم، فلا أسوأ من إنسان يعتقِد أنَّه بتكفيره لمخالِفه في الدين والعقيدة والفكر، وبعقابه له، أو بالدعوة إلى عقابه، أشدَّ عقاب، يُرضي الله، فيرضى عنه، ويُكفِّر عنه سيئاته!

هذا النمط من "التكفير"، الذي فيه يتحوَّل، أو يُحوَّل، "المُكَفَّر" إلى عدو من النمط الذي تُسْتباح فيه كل الوسائل لمحاربته، حان له أن يُنْزَع من عقل المؤمِن وقلبه، وأن يُعامَل في كل ثقافة دينية (شعبية) على أنَّه كُفْرٌ، ومروق من الدين، وخروج عن الإيمان الديني القويم الذي لا يُحِلُّ أبدا جعل الاختلاف والخلاف في الدين والعقيدة والفكر سببا للعداء.. وللعداء المفضي إلى القتل والاقتتال، وإلى التخلي عن كل صراع مفيد ونافع بالمعيار القومي والديمقراطي والاجتماعي والإنساني والحضاري، فالمجتمع الذي يَقَع، أو يُوْقِع نفسه، في هوة الصراع الديني، الذي تتلفع به، على وجه العموم، مصالح فئوية ضيقة، إنَّما هو المجتمع الذي نجح في أن يكون العدو الأول لنفسه، لمصالحه العامة والحقيقية، ولحقوقه الديمقراطية والقومية والحضارية.

وليس من عصبية مُعْمية للأبصار والبصائر، ومُنْتِجة للوحشية في الصراع، أكثر من العصبية الدينية، التي من عواقب تسعيرها، أيضا، أن يغدو العدو (الحقيقي والأعظم) وليَّا حميما، والشقيق (والصديق) شيطانا رجيما.

لم أقُلْ هذا الذي قُلت إلا بعد سماعي أحدهم يسألني السؤال الآتي: ضحايا الجامعة المستنصرية في بغداد هل هُم من الشيعة أم من السنة؟ ولقد أجَبْتُ السائل قائلا: "إنَّهم جميعا من العرب"؛ ولكنَّ وقع جوابي في نفسه جعلني أشعر أنَّ سؤاله لم يُجَبْ عنه بعد!
غَيَّرتُ إجابتي قائلا: "إنَّهم جميعا من المسلمين"، فكانت النتيجة أن شرع يأتي بالأدلة (الدينية والفقهية) على أنَّ الشيعة ليسوا بمسلمين. لقد أظهر ميلا إلى أن يراهم غير مسلمين ولو نُظِر إليهم بالعين السنية "الرسمية" على أنهم مسلمون. أظهر هذا الميل مع أنَّ تديُّنه تنقصه "الصلاة" وما يشبهها من أركان الإيمان. إنَّها العصبية الدينية المُلْغية للعقل، والتي حملته، أيضا، على التسبيح بحمد معاوية، وكأننا عُدنا حتى سياسيا إلى زمانه!

وكيف لي أن أقنعه بأننا في زمن غير زمن معاوية، وفي عالم غير العالم الذي عاش فيه معاوية، وهو يراهم يقطعون رأس صدام حسين وكأنهم يقطعون رأس يزيد بن معاوية، ويتعجَّلون، في وحشية، مَقْدَم المهدي الذي ينتظرون كمن ينتظر سقوط السماء على الأرض.
كيف لي أن أقنعه وهو يراهم يتركون حُكم العراق لبوش ليتلهوا بجدل "من ذا الذي كان أحق بالخلافة"!

إنَّها المأساة وقد تحولت إلى مهزلة أن ينسى الشيعي العربي في العراق أنه عربي، فينحاز (بقوة العصبية الطائفية) إلى إيران الفارسية، وأن ينسى السني العربي أنه عربي فيشرع ينحاز إلى الولايات المتحدة، على عدائها لنا، وعلى تحالفها الإستراتيجي مع عدونا القومي الأول وهو إسرائيل!

أليست مأساة متحوِّلة إلى مهزلة أن يتحدَّانا الواقع أن نبتني وجودا قوميا عزيز الجانب، فإذا بنا نعود غساسنة ومناذرة!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رايس وصلت إلى رام الله في زيارة للعراق!
- بوش.. من -العجز- إلى ارتقاب -معجزة-!
- الوعي
- درءا لنصر يُهْزَم فيه الشعب!
- في الدياليكتيك
- هذه هي -الاستراتيجية الجديدة-!
- المرئي في -المشهد- ومن خلاله!
- موت كله حياة!
- حَظْر الأحزاب الدينية!
- أوْجُه من الفساد!
- حذارِ من -حيلة الهدنة-!
- ملامح -التغيير- كما كشفها غيتس!
- قصة -الروح-!
- ما ينبغي ل -حماس- قوله وفعله!
- -المقارَنة- و-التعريف-
- بعد خطاب عباس!
- قبل خطاب عباس!
- الفيزياء تنضم إلى الفلسفة في تعريف -المادة-
- وللعرب سياسة -الوضوح اللانووي-!
- ما قبل -الخيار الشمشوني-!


المزيد.....




- سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد ...
- ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت ...
- الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
- بيتي هولر أصغر قاضية في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية
- بايدن: مذكرات الاعتقال بحث نتانياهو وغالانت مشينة
- مذكرة توقيف بحق نتانياهو وغالانت: ما هي حظوظ تطبيق قرار المح ...
- مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية ترحب بالقرار التاريخي للمحكمة ...
- الأمم المتحدة: مقتل عدد قياسي من موظفي الإغاثة في 2024 أغلبه ...
- الداخلية العراقية تنفي اعتقال المئات من منتسبيها في كركوك بس ...
- دلالات اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنيا ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جواد البشيتي - كفَّرْنا بعضنا بعضا فعُدنا غساسنة ومناذرة!