أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - همام طه - عندما يتكلم الحجر والشجر: تأمُّل في التراث والعنف المقدس














المزيد.....

عندما يتكلم الحجر والشجر: تأمُّل في التراث والعنف المقدس


همام طه

الحوار المتمدن-العدد: 8294 - 2025 / 3 / 27 - 14:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين نقرأ القرآن، نجد إشادة بجمال البيئة الطبيعية، فالأرض الخضراء مصدر بهجة، والحدائق عنوان للجمال والسكون. لكننا، في المقابل، نجد في التراث روايات تحوّل الطبيعة ذاتها إلى شريك في العنف المقدس، حيث تتكلم الأحجار والأشجار لا لتسبّح بحمد خالقها، بل لتكشف عن مختبئين خلفها يُنتظر قتلهم! كيف يمكن التوفيق بين هاتين النظرتين؟ وهل يمكن لمرويات العنف أن تبقى جزءً من تراثنا دون أن تتغلغل إلى وعينا وتنعكس على واقعنا؟
يحتفي القرآن بالطبيعة وتأثيرها النفسي الإيجابي على الإنسان، فيصف الغطاء النباتي بأنه مصدر للسعادة في قوله: "حدائق ذات بهجة"، بمعنى أن الله أنبت بساتين جميلة تبعث السعادة في النفوس. كما يقول عن التنوّع النباتي: "وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج"، بمعنى أن هذه النباتات متنوعة وجميلة الشكل واللون وتبعث السرور والفرح عند رؤيتها.
غير أن حديث "الغرقد" المنسوب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يتناقض مع هذه النظرة الجمالية للطبيعة، ويقدّم البيئة الطبيعية ليست بوصفها ميداناً لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فقط، ولكن بوصفها أيضاً جزءً من المعركة وشريكاً فيها وطرفاً فاعلاً في القتل والدمار والخراب!
يقول الحديث: "لا تقومُ الساعةُ حتى يقاتلَ المسلمون اليهودَ، فيقتلُهم المسلمون، حتى يختبيءَ اليهوديُّ من وراءِ الحجرِ والشجرِ، فيقولُ الحجرُ أو الشجرُ: يا مسلمُ يا عبدَ اللهِ هذا يهوديٌّ خلفي، فتعالَ فاقْتلْه. إلا الغَرْقَدَ، فإنه من شجرِ اليهودِ".
تُحوّل هذه المروية الحديثية البيئة الطبيعية، بما فيها من حجر وشجر، إلى مقاتلين يشاركون في أعمال قتل لا ترحم، ولا تستثني حتى الإنسان الذي يختفي وراء شجرة؛ بمعنى أنه يفرّ من القتال ولا يريد أن يقاتل، ومع ذلك يستمر مشهد الإبادة الجماعية الذي تتعاون فيه النباتات والجمادات مع المسلمين على قتل فئة معينة مختلفة عنا دينياً! والمفارقة أن الأشجار بما تمثّله من إلهام روحي وملاذ طبيعي يحرّك المشاعر الجمالية والروح الأخلاقية تؤدي في هذه الرواية دوراً غير أخلاقي وهو الوشاية بمن يختبئ وراءها!
هذا المشهد التخيّلي موثّق في كتبنا التراثية ويتم الاحتفاء به في خطابنا الديني، فهل يحقّ لنا بعد ذلك أن نشكو من الوحشية الإسرائيلية في التعامل مع الفلسطينيين؟! إذا كنا نؤسس للوحشية في تراث نقول إن عمره 1400 سنة، فهل يحق لنا أن نلوم الجانب الإسرائيلي على وحشية عمرها ثمانون عاماً فقط ابتدأت بالاستيلاء على أرض فلسطين وتشريد أهلها؟!
قد يقول قائل إن الوحشية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين هي التي خلقت مناخ الكراهية الذي يُستدعى فيه هذا النص الحديثي التراثي الدموي كنوع من التعويض عن العجز عن مساعدة الفلسطينيين. نعم، هذا صحيح، ولكنه لا ينفي وجود هذا الحديث في التراث، ولا يبرّر استدعاءه في خطابنا، ولا يبرّر السماح بأن يشكّل جزءً من وعينا الديني والسياسي، ولا يبرّر سكوتنا على ذلك وقبولنا به. إن أولى خطوات التحرر من العنف هي التحرر من مبرراته في وعينا وثقافتنا.
إن استدعاء النصوص التي تمجّد العنف وإدراجها في خطابنا الديني والسياسي لا يخدم إلا دوامة الصراع، ويغذي مبررات القتل المتبادل. إن كنا نرفض الوحشية حين تُمارَس ضدنا، فلا بد أن نرفضها أيضاً حين تخرج من تراثنا. لا يمكننا بناء مستقبل أكثر إنسانية إن لم نملك الجرأة على مساءلة المرويات التي تضفي على الصراع طابعاً كونياً أسطورياً بحيث تجعل من الطبيعة الجميلة شريكاً في العنف، وتغذي وعينا الجماعي بروح الإقصاء الدموي بدلاً من قيم العدل والرحمة.
إذا كنا نزجّ الأشجار والنباتات في المعركة، فهل يحقّ لنا الاعتراض على الخراب الذي تسبّب به الجانب الإسرائيلي للطبيعة في قطاع غزة والذي يجسّده الخبر التالي: "غزة.. الحرب دمرت ثلثي الأراضي الزراعية في القطاع"؟!



#همام_طه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التطرف كمنظومة: من الفتوى إلى الدراما
- الصوم بوصفه فعل محبّة: تجربة شخصية في رمضان
- بين الذكاء الاصطناعي والبعد الإنساني: لحظة تأمل في الحوار مع ...
- التجديد في مفهوم الصيام: تطبيقات معاصرة تلبي احتياجات الروح ...
- ثنائية الجاني والضحية في الخطاب الرسمي العراقي: نقد لمنطق ال ...
- فقه الرحمة: هل يجوز السحور بعد الفجر؟
- مقالة في الحاجة لإعادة قراءة النص الديني: سورة المسد أنموذجا ...
- رسالة إلى ابن الأكرمين السيد محمد جعفر الصدر: العفو عند المق ...
- قانون عيد الغدير .. الفرصة التي لم يتم استثمارها
- الخطاب السياسي وتعزيز رأس المال الاجتماعي
- سياسات مقترحة لمعالجة تأنيث الفقر في العراق
- نحو استراتيجية وطنية للتدريب المهني في العراق .. لا تُعطني س ...
- الحكومة الاتحادية ومجالس المحافظات .. فكّر وطنياً ونفّذ محلي ...
- مشاريع الإسكان والانتقال من الدولة الريعية إلى الدولة التنمو ...
- معالجة التسرّب المدرسي في العراق .. مدخل للتنمية والإصلاح ال ...
- تطوير الفلسفة العقابية في العراق .. من سلب الحرية إلى العقوب ...
- مواجهة أكتوبر وإعادة هيكلة الوعي والمواقف .. القضية الفلسطين ...
- الثورة المعرفية ركيزة النهضة الشاملة .. نحو استراتيجية وطنية ...
- الاستثمار في رأس المال البشري .. تطوير موظفي القطاع العام ال ...
- هل يمكن أن يتحوّل العراق إلى دولة لاعنفية؟


المزيد.....




- رسائل تهنئة عيد الفطر مكتوبة بالاسم للأصدقاء والأقارب 2025 . ...
- الإمارات تحكم بالإعدام على 3 أوزبكيين قتلوا حاخاما يهوديا
- بزشكيان يهنئ الدول الإسلامية بحلول عيد الفطر
- بن سلمان يبحث مع سلام مستجدات الأوضاع في لبنان ويؤديان صلاة ...
- أهالي غزة.. صلاة العيد على أنقاض المساجد
- المسلمون يؤدون صلاة العيد بمكة والمدينة
- هل الدولة الإسلامية دينية أم مدنية؟ كتاب جديد يقارن بين الأس ...
- إقامة صلاة العيد بجوار المساجد المدمّرة على وقع مجازر الإحتل ...
- أديا صلاة العيد بالمسجد الحرام.. محمد بن سلمان يستقبل رئيس و ...
- 120 ألف مصل يؤدون صلاة العيد في المسجد الأقصى المبارك


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - همام طه - عندما يتكلم الحجر والشجر: تأمُّل في التراث والعنف المقدس